ولا تحقرن من المعروف شيئا
رفعتُ سحاب معطفي الشتوي وعدلته وانا اهرول تحت المطر و احاول العثور على سيارة أجرة؛ احتاج الركوب بأقصى سرعة قبل أن تبتل حقيبتي بالكامل، أشرت لسيارة بأن تتوقف لكنها تجاوزتني وكأنني إشارة خضراء!
ضممتُ حقيبتي إلى صدري، انها تحتوي على حاسوبي الشخصي الذي دفعت ثمنه بالاقساط ولم اسددهم حتى اللحظة!
حاولت أن اغطيها بالكامل، بالكاد انتهيت من دفع الأقساط مع ذلك بدأ يتعطل بالفعل، آخر ما أريده هو أن يمر هذا الحاسوب المشؤوم بتجربة السباحة عندها ستضيع جميع مشاريعي المخزنة عليه بلا عودة.
لو أنني احمل مظلة لما كان موقفي محرجا لهذه الدرجة، لكنني اعرت مظلتي لجارتي السيدة ام صلاح هذا الصباح، يا لي من رجل شهم، خاطرتُ بسلامة حاسوبي الشخصي وأعمالي لأساعد جارتي العجوز، لو كنتُ في قصةٍ خيالية فبالتاكيد سألعب دور البطل طيب القلب الشهم، لكن لأصدُقكم القول هذه ليست كل القصة؛ فأنا بالواقع عندما اعطيتها مظلتي طواعية لم أكن أعلم أنني ساحتاجها؛
فقد كان من المفترض أن أخذ اليوم اجازة، كنت اخطط أن ارتاح في منزلي واحتسي ابريقاً كاملاً من الشاي الأخضر الدافيء بجانب النافذة، احب صوت المطر واحب رائحته، لكن اكره النزول تحته وامقت النظر إلى الغيوم الداكنة، على أية حال تلقيت اتصالا من المشفى الذي اعمله فيه وأخبروني أن أذهب إلى المشفى حالا لأنهم بحاجة لي!
لذا كما ترون تضحيتي لم تكن تضحيةً بمعنى الكلمة بل كانت قرارا مسلما به عن طيب خاطر لا أكثر، كم أتمنى لو لدي جار شهم مثلي ليعيرني سيارته حتى لا اضطر للسير تحت المطر في الحالات الطارئة كاليوم.
الحي الذي اعيش فيه يبعد مسافة نصف كيلو متر عن الشارع الرئيسي لهذا السبب لا تمر الحافلات العامة من هذا الشارع، أسرع وسيلة مواصلات هي سيارات الأجرة، هذا لو تكرم احد سائقي سيارات الأجرة وقبِل أن يعطل نفسه ليوصلك حيث تريد، سائقي الأجرة هم أكثر أشخاص اكرههم بعد المُطبعين، لولا حاجتي الملحة لفضلت أن أذهب للمشفى سيرا على أن أذل نفسي لسائق سيارة أجرة.
بعد دقائق من الانتظار توقفت سيارة أجرة صفراء أخيراً!
دخلت السيارة بسرعة وأغلقت الباب، وضعت حقيبتي بحذر بجانبي وتفحصت جهازي، حمداً لله ان البلل لم يصل إليه، إلتفتَ إلي صاحب السيارة وسأل "لوين اخوي؟"
"لمستشفى البشير لو سمحت"
انطلق السائق على الفور بينما أخذت انظر من النافذة، بالفعل يعجبني المطر عندما أشعر به من بعيد فقط، منظره وهو يتساقط على كل شيء مسطح، وهو يتساقط برفق و يسقي كل حي، ورائحته عندما يختلط بالتراب والطين، لكن لا أحب الخوض فيه ولا احب شعور البلل والبرد.
وصلنا اخيرا إلى المشفى، سألته كم الأجرة فأجاب انها دينارين ونصف، أخذت ابحث في معطفي عن محفظتي لكن لم أجدها، بحثت في الجيب الآخر لكنه كان فارغا هو الآخر!
تلبكت ورحت ابحث في ثيابي وحقيبتي عن أي مبلغ من المال لادفع الأجرة بسرعة حتى لا اتأخر لكن لم يحالفني الحظ، شعرت بالاحراج الشديد وفكرت أن أطلب منه أن ينتظر قليلا ريثما اتصل بأحد زملائي ليأتي ويقرضني بعض المال لادفع له لكن فجأة سمعت السائق يقول
"خلص يا اخوي عليها علينا هاي المرة شكلك مستعجل"
فاجاتني ردت فعله، ترددت قليلا ثم قلت
"لا لا مافي داعي استنى شوي هسى برن على واحد من زملائي يجي يدفعلك استنى شوي بس"
ابتسم سائق الأجرة ونظر لمعطفي(اللاب كوت) الأبيض الذي سقط على أرضية السيارة بينما كنت أبحث عن المال وقال
"خلص معلش هما بحاجتك جوا روح شوف شغلك َالله يعطيك العافية يا ابني"
ابتسمت وقلت له:
" الله يعافيك ويجزيك الخير يا حج "
بعدها جمعت اغراضي و خرجت من السيارة وأغلقت الباب من ورائي برفق.
أسرعت إلى داخل المشفى والابتسامة لم تفارق ثغري.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top