المُلك الجزء 2
"حسان يا بنيّ استيقظ، ألم تطلب مني أن أُقيظك على الساعة الثامنة؟!
هيا يا بنيّ لا تضيع الوقت"
قالت امي بعد أن فتحت النافذة وغادرت الغرفة دون أن تغلق الباب خلفها!
أحب كل تفاصيل والدتي :رائحة اليانسون التي تفوح منها دائما، الطريقة التي تطوي بها ملابسي، ابتسامتها المشرقة عندما أُقبِل يدها، لكن بصراحة طريقة ايقاظها لي وتركها النافذة والباب مفتوحا في الصباح في منتصف شهر شباط هو أحد الأسباب الذي يجعلني أشك احيانا في أن أكون ابنها بالتبني!
بعد بضع دقائق نهضت مرغماً بعد أن تسلل الهواء القارص من النافذة إلى أصابع قدمي.
جلست على مائدة الإفطار مع اخوتي و والدتي، يبدو ان ابي قد غادر الى عمله بالفعل، احيانا أشعر بالخجل بأنه قد بلغ الستين من عمره ولا يزال يعمل ويكد لأجل لقمة العيش مع ان لديه ثلاثةَ أبناء من الذكور.
"أخبرتك أن تنهض بسرعة لكنك لم تستمع إلي، مع انني كنت قد حضرت الماء الساخن لك لتستحم قبل أن تخرج للمقابلة، لكن للأسف شقيقك أحمد نهض قبلك واستحم به كله! "
قالت امي هذا وهي توزع علينا أرغفة الخبز والمعجنات، نظرتُ إلى الساعة المعلقة على الحائط خلف شقيقتي الصغرى ريما، ليس لدي سوى نصف ساعة لاجهز نفسي على اي حال، والفطور بالنسبة لي أهم من الاستحمام لهذا السبب الأمر لم يزعجني، إلتقطتُ قطعة معجنات وقلت :
" حسنا بما أن أحمد قد سرق مني الحمام فسأسرق حصته من المعجنات، هذا هو العدل صحيح ريما؟"
لم تستطع ريما أن تجيبني والطعام يملئ فمها الصغير، فقامت بهز رأسها وابتسمت لي برفق.
قبل أن أخرج من المنزل اتصل بي عليّ وأخبرني أن أقابل عمه في فندق الرويال بدلا من الشركة، لأن لديه بعض الأعمال هناك هذا الصباح ولا ينوي أن يعود للشركة بعد أن ينهيه.
فندق الرويال على بعد ساعة ونصف بالمواصلات من منزلي، بينما الشركة كانت على بعد نصف ساعة فقط!
الحل الوحيد حتى اصل في موعد المقابلة هو أن استقل سيارة أجرة كالاشخاص الارستقراطين!
إلتقطت محفظتي وتفحصتها لاتأكد من وجود هويتي الشخصية وكل ما احتاج، الخبر الجيد أن هويتي كانت موجودة، والخبر السيء هو أنها كانت الشيء الوحيد الموجود!
نسيت تماما أنني قد سلمت أبي كل راتبي البارحة حتى يسدد اجار المنزل!
توجهت لأخي أحمد الذي خرج من الحمام للتو وقلت :
"نعيماً اخي الحبيب، ما شاء الله وجهك منير مثل البدر في ليلة داكنة"
نظر إلي أحمد بنظرة ساخرة وقال :
"إظهر على حقيقتك ولا داعي لهذا التملق السخيف، ماذا تريد؟"
"كما تعلم لدي مقابلة عمل اليوم وقد تغير موعد المقابلة وحتى اصل احتاج لبعض المال لأجل سيارة الأجرة "
إلتقط أحمد محفظته وناولني ورقة من فئة العشر دنانير ثم قال :
" اعتبر هذا مقابل الحمام الذي سرقته منك، هكذا نكون تعادلنا "
اخذت المال و وضعته في محفظتي واسرعت خارج المنزل لألحق بالمقابلة قبل أن اتأخر أكثر وقبل أن يدرك اخي أننا لم نتعادل لأنني قد تناولت فطوره مقابل الحمام.
وصلت الى الفندق في الموعد تماما لحسن الحظ، كانت تكلفة سيارة الأجرة ست دنانير لا خمسة، يبدوا أنني ساستقل المواصلات العامة لاعود للمنزل أو سأعود حافياً، لكن هذا غير مهم، المهم انني قد وصلت.
عند مكتب الاستقبال طلبت من الموظفة أن تدلني على جناح السيد محمد حسين، فقامت بأخباري انه في الطابق الأخير.
قبل أن اصعد قمت بالاتصال على عليّ لاخبره أنني قد وصلت ليذكر قريبه بمقابلته معي، فأجاب علي وطلب مني أن أتوجه لقريبه مباشرة لأنه قد أنهى أعماله وهو متفرغ تماما الان.
دخلت إلى المصعد وقلبي يخفق بسرعة اشعرتني انه قد يقفز من جسدي!
دخلت سيدة إلى المصعد مع ابنتها، حاولت أن أغض بصري وألا انظر إليهما لكنني لمحت ساعة الأم، كانت ترتدي نفس الساعة التي عثرت عليها البارحة في مطعم الفندق الذي اعمل فيه.
وأيضا حذاء ابنتها كان لامعا جدا، ألمع من الأواني الفضية التي انظفها كل يوم في الفندق!
بعد أن وصلت اخيرا للطابق الأخير أخذت ابحث عن جناح السيد محمد، صادفت احد عمال خدمت الغرف فألتفتُ إليه وقلت "لو سمحت هل تعلم أين الجناح رقم 243؟"
أجاب وهو يدفع عربة التنظيف "لا تتعب نفسك لقد قمت بتنظيفه للتو"
أصبت بالحرج لوهلة ثم تداركت الموقف وقلت "لا لقد فهمتني خطأ انا لا اعمل هنا بل لدي موعد مع نزيل ذلك الجناح"
إلتفت إلي الموظف واشتد وجهُ أحمرارا اعتذر إلي بشدة ثم قال" اعذرني لم اقصد ان اهينك أو أحرجَك، كل ما في الأمر أنني قد ظننتك شخصا آخر، الجناح رقم 243 في نهاية هذا الممر على اليمين"
شكرتُ الموظف ثم تابعت السير إلى آخر الممر، لا عجب أنه قد ظن أنني اعمل هنا فالبدلة التي ارتديها هي نفسها بدلة تخرجي الذي ارتديتها قبل خمس سنوات ونصف، ولأنني ارتديتها لجميع مقابلات العمل التي رفضتُ فيها فهي باهتة بعض الشيء، ولأن حظي بديع فهي مشابهة للزي الرسمي للموظفين في هذا الفندق!
وقفت أمام باب الجناح رقم 243، أخذت نفسا عميقا وذكرت اسم الله، ثم ضغطت على زر الجرس.
فتح لي الباب صديقي عليّ، لم يكن مضطرا لترك مشاغله والمجيء إلى هنا حتى يتأكد من أن تسير الأمور بشكل جيد معي، لكنه أصر على ذلك وقال ان أعماله اليوم لم تكن مهمة، انه بالفعل من الأشخاص الذين افتخر بمعرفتهم.
سلمت على عليّ ثم قلت :"اعذرني على تاخري، تعلم كيف هي أزمة المواصلات في هذا الوقت"
ابتسم علي وأجاب :
"على العكس لم تتأخر بل بموعدك تماما، هيا تعال فقريبي بانتظارك"
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top