القرش 5

حسن في العناية المركزة، و والدته ضغطها ارتفع وحالتها غير مستقرة.
اتصلت بي الخادمة وانا في وسط الاجتماع لتخبرني أن زوجتي قد فقدت وعيها لسبب مجهول وأنها قد استدعت الإسعاف، لحقت بها إلى المشفى وعندما استيقظت عرفت منها عن حسن، اتصلت على رقم ماهر ثانية وأجاب صديقه بأنهم اخذوه إلى المشفى.
عندما وصلنا إلى المشفى الذي كان ماهر فيه، في البداية أردت أن اضرب صديقه و اوبخه لكن قلبي كان يخفق خوفا على حسن فاخذت اسأل عنه وعن حالته، بعد أن اطمانت أن حالته ليست خطيرة أخذت انتظر بالممر حتى يأذن الطبيب لي بالدخول.
اخذت افكر كيف وصل بنا الحال إلى هذا الموقف، كيف انحرف ابني ماهر العاقل الخجول الهاديء لهذه الدرجة!
انا السبب نعم، انها غلطتي!
غلطتي انا و والدته!
نحن من سمحنا لهم بالتمادي، منذ أن كان في الرابعة عشر من عمره وهو يخرج وحده ويتاخر ويسهر وانا لا اعرف أين هو ولا اسأله حتى!
نحن من تركناهم يلعبون في الحبل حتى التف حول اعناقهم بالنهاية.
نحن من اعطيناهم المال والحرية، أخطر شيئين قد يعطيهم الاهل لأبناءهم، تظاهرنا بالانشغال واستعملت ثقتي به كحجة لإهمالي.

انها غلطتي منذ البداية، منذ اول مرة سهر فيها خارج المنزل ولم اسأله أين كان، اول سيجارة دخنها ولم انتبه؛ لانني لم أكن موجودا لاشم رائحة الدخان العالقة بملابسه.
أعطيته أحدث الهواتف وتركته يملأهم أرقام وحسابات أشخاص لا أعرف عنهم شيئا.
اول مرة تعرف فيها على رفاق السوء ولم اعرف لأن علاقتنا ليست كعلاقة الأصدقاء ومن المستحيل أن يخبرني اي شيء عن أصدقاءه.

طوال هذه الفترة كنت منشغلا في جمع المال لهم، ظننت أن نوعية ملابسهم وسياراتهم ومدارسهم المرموقة وجامعاتهم أهم من تربيتهم وأخلاقهم، ظننت أن راحتهم المادية أهم من راحتهم النفسية.
هذا ما حصدته يداي.

"انا انا آسف يا عمي، اقسم لك أنني أخبرته الا يشرب أكثر من حبة واحدة، لكنه لم يستمع، قال ان حبة واحدة لم تعد تعطي مفعولا يرضيه!!"

هذا الفتى كان يتلعثم ويرتجف، اتسائل إن كان السبب هو خوفه على حسن ام خوفه من الشرطة!

"جمي جميعهم هربوا عندما اتصلت بالإسعاف، طلبت منهم أكثر من مرة أن يتوقفوا عن التعاطي، انا لا اتعاطى معهم لكن عندما يصر حسن على الذهاب ليسهر معهم اذهب معه حتى لا يذهب وحده!
حاولت أن أقنعه أكثر من مرك أن يتوقف ويبدأ بالعلاج لكنه دائما يصفني بالجبان المتردد، ارجوك سامحني لكن هذه هي الحقيقة، ماهر هو من فعل هذا بنفسه! "

قال وهو يرتجف ويبكي، مع أنني لا أعرف هذا الشاب لكنني اصدقه، فلولاه لما كنا عرفنا عن حالة حسن، كان بإمكانه أن يهرب كالبقية لكنه اتصل بالإسعاف وتحلى بالشجاعة ليواجهنا ويخبرنا بالحقيقة.

ربتُ على كتفه وقلت" اهدىء ارجوك، انا لست غاضبا منك ولا ألومك على أي شيء، ارجوك اهدىء حتى تخبرني وتخبر الشرطة عندما تحضر بكل شيء، يجب أن تخبرنا عن هوية باقي الشبان حتى تصل الشرطة إليهم وتمنعهم عن نشر المخدرات وعن أذية أنفسهم؛ وحتى نعرف عن نوعية المخدرات التي كانوا يتعاطونها؛ لننقذهم وننقذ ماهر "

اخذ يمسح دموعه ورفع راسه، نظر إلي بعيون منتفخة وقال" حاضر، أعدك أن أخبر الشرطة بكل ما اعرفه، أعدك الا اخفي اي شيء، كان من المفترض الا اجاريهم منذ البداية، كان من المفترض أن أبلغ الشرطة عنهم منذ البداية، هذه نتيجة ترددي وخوفي منهم، لقد كنت جبانا، قام بعضهم بتهديدي لذلك خفت أن أخبر الشرطة، كما أن حسن كان في كل مرة يقول ان هذه آخر مرة وأن النوع الذي يربه ليس خطيرا "

عندما وصلت الشرطة أخذوا يحققون مع الشاب، فتركته ورحت اسأل الممرضات عن حالة حسن، أخبروني أن حالته قد استقرت اخيرا وان بإمكاني التحدث معه.
قبل أن أمد يدي على مقبض الباب أخذت نفسا عميقا واستغفرت بيني وبين نفسي ثم دخلت.

في البداية بدأ لي ان ابني نائم، على الأغلب انه يتدعي النوم ليتحاشاني، لم أعرف ماذا أفعل معه، هل اوبخه او اضربه أو احتضه واطلب منه أن يسامحني!
جلست في الكرسي المقابل لسريره، لا أعرف كم لبثت في صمت محملقا في وجه ابني؛ حتى ألهمني الله أن أفتح هاتفي لاقرا منه بعض آيات الله، أخذت اقرا من سورة النساء بصوت مسموع، وعندما وصلت الآية 146 ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء: 146.

عندما قرأت هذه الآية بكى ابني بشدة، أخذت امسح على راسه وامسح دموعه، فتح عينيه ونظر الي اخيرا وقال (أردت أن اتوب، أردت أن اتوب بدة بل كنت أتوق للتوبة والخلاص من هذا الجحيم لكن....لم لم أعرف أو الأصح أنني لم امتلك الشجاعة أو القوة ، كنت أقنع نفسي أنه لا فائدة من التوبة الان؛ فأنا في أحسن حال انتشي وقتما اشاء ولا عمل ولا دراسة وليس هناك شيء يحتاج مني التركيز، بإمكاني أن أعيش هائما ومسترخيا هكذا لفترة اطول، ظننت أن هذه هي حياة الراحة، لكني كنت مخطأ انها حياة العذاب البطيء، الجحيم الذي لا مخرج منه!"

" هذا غير صحيح يا ابني، إن الله غفور رحيم، باب التوبة دائما مفتوح طالما لا زلنا أحياء، هذه خطوة سناخذها معا، اتعلم يا بني، لست وحدك من كان يخفي سرا ويعيش في جحيم، انا ايضا كنت اكذب على  نفسي واعيش في وهم.
لكن أعدك أنني سآخذ هذه الخطوة معك، من الغد ساستقيل من عملي، ساعترف أمامك، إن عملي هو باب جهنم الذي فتحته على عائلتنا، الشركة التي اعمل بها هي مجرد غطاء لتجار مخدرات، نعم أن عملي هو غسيل أموال! "

اعترفت لابني اخيرا عن سبب انقلاب حياتنا ونقض مضجعنا، عن السبب في انقطاع البركة والخير عن منزلنا، المال الحرام هو السبب، إن المال الحرام مثل السم البطيء، يقتل البركة في مالك، ويهلك روحك، مهما جمعت منه فهو كالسم لا هناء فيه ولا سعادة، مهما أنفقت منه فستظل تشعر بالفراغ والجوع للمزيد.
فاضت عيناي، جلسنا انا وابني نبكي وندعوا الله طوال الليل ان يغفر لنا، وقطعنا وعدا أن نأخذ هذه الخطوة معا دون تردد ولا تهاون.




Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top