part 1
- الماضي -
" يا له من مسكين...لقد مات كلا والديه..."
" لازال صغيراً جداً من سعتني به ؟ "
" ليس لهذه العائلة أي أقارب...أليس كذلك ؟ "
كان هذا ما تتهامس به الممرضات بينما ينظرن للطفل ذو السادسة الذي عاد من مدرسته ليجد منزله في حالةٍ من الفوضى والدماء المتدفقة من جُثة والده كانت تملأ الأرض بينما أمه كانت ميتة رغم عدم وجود أي دماء على جسدها أو على الأرض المُحيطة بها وذلك لأنها قُتلت خنقاً !
عندما رأى لوكاس الصغير هذا المنظر صرخ بذعر ثم فقد وعيه وحينها اجتمع الجيران على صوته وصُدموا بما رأته عيونهم فهل وقعت جريمة قتل في حيهم الهادئ والمسالم ؟!!
في اليوم التالي تمت مراسم دفن الوالدين وحين عاد الطفل لمنزله تفاجأ بأهالي الحي الذين كانوا مجتمعين أمام المنزل...
انتبه له أحد الرجال فصرخ غاضباً :
" اسمع أيها الطفل...عليك مغادرة حينا...لا نريد رؤيتك هنا من الأن وصاعداً..."
ترقرقت عينا الصغير بالدموع وارتجفت شفاهه بينما ينطق مشيراً بيده لمنزله :
" لكن هذا منزلي..."
لتصرخ فيه إمرأة في منتصف العمر :
" حينا لم يشهد جريمة قط إلا بعدما سكنتموه...ولا نريد أن تحدث أخرى لذا غادر من هنا..."
ليردف الطفل من بين دموعه :
" لكن إلى أين سأذهب ؟ ماما وبابا رحلا وأنا لا أعرف أحداً..."
ليقاطعه أحد الشباب صارخاً :
" إذهب لأي جحيم تريده...المهم أن تغادر حينا..."
ليصرخ أخر :
" هيا إذهب من هنا "
وتعالت أصوات صراخهم عليه مطالبين إياه بالمغادرة غير مكترثين بعمره الصغير...
ليردف هو بتقطع بسبب بكاءه :
" حـ...حسناً...سأذهب لكن...أريد أخذ صور...لبابا وماما كي...كي لا أنساهما "
ليقول رجل كبير في السن :
" لديك خمس دقائق خذ ما تريد وغادر "
دلف الصغير لمنزله وتوجه لغرفته وتحديداً للدرج الذي بجانب السرير وأخرج منه ألبوم صور يجمعه بوالديه وضعه في حقيبته الصغيرة ووضع فيها الدواء الذي كانت والدته تحرص على أن يأخذه بإنتظام...
ثم خرج من الغرفة فلمح قلادة والدته على الأرض فألتقطها ووضعها في حقيبته أيضاً وقبل أن يغادر ذهب لغرفة والديه وأخذ ساعةً تخص والده ثم غادر المنزل والحي تحت نظرات أهالي الحي الباردة نحوه ولم يرق قلب أياً منهم عليه...
- الحاضر -
كان جالساً يأخذ إستراحة بعدما قام مع زميله بتنظيف شوارع أحد الأحياء...
تقدم زميله نحوه بينما يردف :
" لوكاس ؟ هل أنت بخير ؟ "
رفع المعنى نظره لمُحدثه وأجابه مُبتسماً :
" أنا بخير...شكراً لسؤالك..."
بادله زميله الإبتسامة رادفاً :
: " لنذهب للحي التالي إذاً..."
أومأ لوكاس ونهض يتبع الأخر متجهين نحو سيارة جمع النفايات...
عند غروب الشمس انتهى عمل لوكاس ليغادر بعدما ودع زملائه ومضى في طريقه عائداً لمنزله وقد مر بجانب متجر كان مالكه يصرخ على ثلاثة أطفال بأعمار مختلفة قائلاً :
" أيها المتسولون الصغار اغربوا عن وجهي...إذاً عدتم مرة أخرى سأقوم بضربكم هل فهمتم ذلك ؟! "
كان الأطفال خائفين منه وهو يصرخ بهم بهمجية حيث نطق أكبرهم والذي لم يتجاوز العاشرة بعد :
" سـ..سيدي نحن جائعون...أعطنا شيئاً لنأكله ولن نقترب من متجرك مجدداً..أرجوك سيدي "
لكن صاحب المتجر كان قاسي القلب وصرخ عليهم طارداً إياهم قبل أن يدلف للمتجر فأمسك طفل العاشرة بيديّ إخوته وهم بالمغادرة بدموعٍ كسيرة وحينها تقدم لوكاس يستوقفه رادفاً :
" انتظر أيها الصغير..."
فتوقف الطفل ينظر للوكاس الذي جثى أمامه يسأله بإبتسامة هادئة :
" ما اسمك ؟ "
ليجيبه الطفل :
" داني..."
: " كم عمرك يا داني ؟ "
: " عشرة أعوام..."
: " أين والداك ؟ "
: " ماما في المنزل لكنها مريضة...ولا يوجد لدي أب "
تنهد لوكاس بحزن قبل أن يبتسم مجدداً قائلاً :
" حسناً...انتظرني هنا قليلاً..."
أنهى لوكاس جملته ونهض يدخل ذلك المتجر يشتري عدة أشياء منه ثم دفع للبائع وخرج نحو الأطفال يناول المشتريات لأكبرهم فأبتسم ثلاثتهم بسعادة حين أردف :
" قابلني يومياً هنا في مثل هذا الوقت وأخبرني بكل ما تحتاجونه ، حسناً ؟ "
أومأ الطفل بإحراج وغادر مع إخوته تحت نظرات لوكاس المبتسم...
قاطع شروده بهم صوت مالك المتجر الذي نطق بسخرية مستنكراً :
" لما اشتريت كل تلك الأشياء لأجلهم ؟ وفوق هذا تخبرهم أن يأتوا إليك كل يوم لإخبارك بإحتياجاتهم ؟؟ أنت أحمق بالفعل يا فتى !! الأن سترى كيف سيطمعون ولن تنتهي طلباتهم..."
نظر له لوكاس مُبتسماً رغم النظرة المنكسرة في عينيه وأردف :
" أيها السيد...من لم يجرب لن يعرف...أنت بالتأكيد لم تمر بما يمر به أولئك الصغار لذا من المستحيل لك أن تعرف معاناتهم...عن إذنك "
أنهى كلامه وغادر تحت نظرات البائع المستغرب من تلك الكلمات لكنه هز كتفيه بغير إهتمام بينما يعود لمتجره...
بينما تابع لوكاس طريقه وحين اقترب من الحي الذي يسكن فيه خرج الأولاد من كل مكان يسخرون منه ضاحكين فأولهم قال :
" أتشمون رائحة القمامة ؟ "
ليردف أخر ساخراً :
" ما مصدرها يا ترى ؟ "
فيرد عليه أخر ضاحكاً مشيراً بيده نحو لوكاس :
" من عامل القمامة هذا ! "
وانفجروا جميعهم بالضحك والكبار الموجودين في المكان بدل أن يقوموا بتوبيخ الأولاد شاركوهم الضحك !
تجاهلهم لوكاس كما اعتاد أن يفعل فلا تأتيه أي فائدة من التحدث معهم أو الصراخ عليهم...
عاد لوكاس لمنزله الذي يقع في حي من أحياء باريس الفقيرة...
كان منزلاً أقل من عادي يتألف من غرفتين وصالة متوسطة الحجم ومطبخ وحمام وكان للمنزل ساحةً أمامية صغيرة المساحة لكنها مليئة بالأزهار...
وقد علم لوكاس أنه قبل أن يستأجر هو هذا المنزل كانت تقطنه سيدةً كبيرةً في السن كانت تعيش لوحدها وهي من قامت بزرع هذه الزهور لتؤنس وحدتها وكانت تتمنى رؤيتها مزهرة لكنها للأسف فارقت الحياة قبل ذلك لذا قرر لوكاس الإعتناء بهذه الأزهار فهو بدوره بحاجةٍ لشيء يؤنس وحدته...
دلف للمنزل وخلع حذائه عند الباب مُرتدياً أخر منزلي ثم توجه لغرفته يُخرج ملابس نظيفة توجه بعدها للحمام ليستحم...
بعد دقائق انتهى من الإستحمام وارتدى ملابسه التي كانت عبارة عن بنطال جينز أسود وسترةً بيضاء من الصوف وارتدى فوقها جاكيت جلدي لونه أسود ثم قام بتسريح خصلاته الفحمية للخلف...
أخذ ملابسه المتسخة ووضعها في الغسالة يقوم بغسلها ثم قام بوضعها في الهواء لتجف...
توجه بعدها للمطبخ كي يتناول الطعام فقام بإعداد طبقٍ من المعكرونة ويعدما انتهى من تناوله وغسل الأطباق خرج من المطبخ يرتدي حذائه الأبيض ويخرج من المنزل ليركب دراجته النارية متوجهاً للمتجر الذي يعمل فيه ليلاً...
عندما وصل للمتجر كانت بعض الطلبيات جاهزة بالفعل فأخذها ووضعها في الصندوق الذي يُثبته على الجهة الخلفية من الدراجة وقام بإرتداء خوذته وقفازاته وانطلق يوصل تلك الطلبيات...
قام بالتوصيل والعودة للمتجر عدة مرات وها قد دقت الساعة مُعلنةً إنتصاف الليل وكانت لدى لوكاس طلبية أخيرة لتوصيلها فأنطلق ليقوم بذلك لكن أثناء قيادته للدراجة بدأ يشعر بوخزات الألم تُهاجمه فقرر تجاهلها للوقت الحالي...
وصل للمكان المنشود وسلم الطلبية لصاحبها وأخذ منه ثمنها ثم عاد لدراجته وقبل أن يركبها شهق يألم يمسك جهة قلبه حين آلمه بقوة فأنتبه له رجلٌ عابر فسأله :
" أأنت بخير أيها الشاب ؟ "
ابتسم له لوكاس يؤمئ برأسه رادفاً :
" أجل بخير..."
فتابع الرجل طريقه وركب لوكاس دراجته يقودها عائداً للمتجر وقد اشتد عليه الألم أثناء الطريق فتذكر أنه لم يتناول دوائه وفي هذه اللحظة اختل توازنه وبهتت رؤيته فسقط من على الدراجة تزامناً مع فقدانه لوعيه...
كان ذلك الطريق خالياً من الناس لكن من حسن حظه مرت سيارة من هناك فأنتبه سائقها له فأوقف السيارة ونزل مسرعاً يتفقده فتنهد براحة حين وجده يتنفس فنظر لصديقه قائلاً :
" ساعدني لنحمله إلى السيارة...سأخذه للمشفى وأنت أحضر دراجته..."
فأجابه الأخر بملل :
" لا أجيد قيادة الدراجات "
ليغتاظ المعني ويردف منزعجاً :
" خذه أنت إذاً للمشفى وأنا سأحضر الدراجة ! "
أومأ صديقه فقاما بحمل لوكاس للسيارة وانطلق به ذلك الرجل للمشفى بينما تبعهما الأخر بالدراجة...
بعد ساعتين كان لوكاس قد استيقظ وعلى الفور وبخه الطبيب قائلاً بملل :
" كم مرة أخبرتك ألا تهمل دوائك ؟ يبدو أن كلماتي تدلف من أذنك اليمنى وتخرج من أذنك اليسرى بسرعة البرق..."
قهقه لوكاس بخفة مجيباً الطبيب :
" لم أهمله بل نسيته..."
قلب الطبيب عيناه بملل رادفاً :
" وما الفرق أيها الأحمق ؟ "
ضحك لوكاس بخفة هو حقاً يُحب طبيبه هذا فقد كان المُشرف على حالته منذ كان في الميتم...
نظر الطبيب للرجلان رادفاً :
" هذا السيدان قاما بإسعافك...من الجيد أنهما عبرا من ذلك الطريق وإلا لكنت ميتاً الأن..."
نظر لوكاس لهما بإمتنان وأردف مُبتسماً :
" شكراً لكما...لقد قمتما بإنقاذي..."
ابتسم له كلاهما ونطق أحدهما :
" لا شكر على واجب...اتصل بأحد من عائلتك ليأتي إليك..."
ابتسم لوكاس بحزن يردف :
" لن يأتي أحد..."
فتحدث الأخر متسائلاً :
" لما ؟ أيوجد خلاف بينكم ؟ "
هز لوكاس رأسه بالنفي قائلاً :
" الأمر ليس كذلك...لكنني لا أملك عائلة..."
شعرا بالأسف عليه واعتذرا لذكر ذلك له فقال :
" لا عليكما...لا تهتما بذلك "
ثم تذكر أمر دراجته فسألهما :
" أيها السيدان...دراجتي.."
فأجابه أحدهما :
" إنها بالأسفل...في ساحة المشفى...وها هي المفاتيح..."
أخذ لوكاس المفاتيح من يد الرجل وشكره مجدداً ثم غادر الرجلان بعدما اطمئنا على حال لوكاس رغم عدم معرفتهما به...
انتبه الطبيب لنهوض لوكاس فصرخ به قائلاً :
" ماذا تفعل ؟ من سمح لك بالنهوض ؟ "
: " أريد العودة لمنزلي..."
أردف بها لوكاس ليعترض الطبيب قائلاً :
" لن تذهب...عليك أن ترتاح هنا..."
ابتسم لوكاس للطبيب بينما يردف :
" أشكرك لك إهتمامك بي لكن...سأكون مرتاحاً في منزلي أكثر..."
تنهد الطبيب بيأس من هذا العنيد وأردف :
" حسناً كما تريد لكن لا تهمل دوائك مجدداً..."
أومأ له لوكاس فتحدث الطبيب مرة أخرى قائلاً :
" وأنا سأوصلك للمنزل الأن...وبالنسبة للدراجة سأطلب من أحد أخذها لمنزلك...حسناً ؟ "
وافق لوكاس على ذلك وبالفعل قام الطبيب بتوصيله للمنزل فشكره لوكاس على لطفه ودلف للمنزل وتوجه من فوره لغرفته يرمي نفسه على السرير ولم يلبث حتى غط في النوم...
في صباح اليوم التالي استيقظ لوكاس مع شروق الشمس ورغم أنه لازال متعب إلا أنه نهض وغسل وجهه وارتدى ملابسه التي تخص عمله مع حذاء أسود اللون وخرج من المنزل فابتسم بهدوء حين وجد دراجته بالفعل في ساحة المنزل ثم غادر ليجتمع ببقية زملائه لبدء عملهم في تنظيف الشوارع وجمع النفايات...
في أحد الأحياء كان لوكاس يقوم بكنس الأوساخ بجانب حاوية القمامة ليفاجأ بالأوساخ التي رُميت عليه فألتفت للفاعل فوجد شابين بمثل عمره تقريباً يضحكان عليه ثم قال أحدهما :
" لما تنظر لي هكذا ؟ أليست وظيفتك هي جمع القمامة ؟ هيا قم بجمعها بسرعة.."
وأردف الأخر ساخراً بينما يرمي بعض الطماطم على لوكاس :
" ما الفرق بينك وبين حاوية القمامة ها ؟ لا أرى فرقاً بينكما "
تعالت ضحكاتهما بينما لوكاس شد بقبضتيه على عصا المكنسة بغضب لكنه قرر تجاهلهما ومتابعة عمله ففي النهاية هو لا يخجل فيه ابداً...
..........................................
يتيع...
لا تخبروني أن البارت قصير فقد تعمدت جعله كذلك 😑
رأيكم بالرواية كبداية ؟
رأيكم بـ لوكاس وروتينه ؟
إلى اللقاء...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top