الجزء السادس

صرخت في وجهه ،بينما أستشعر كمية الإشمئزاز جراء تصرفاته ،وهو كالأصم إستمر في إحتضاني وتحمل عصبيتي  بصدر رحب وكذلك ضربي لصدره كي يفلتني بينما الدموع ما تزال تأبى التوقف ،تنهمر كما لم تنهمر من قبل ،وبدل أن يتزحزح بعيدا عني يضمني أكثر له بمواساة .ماذا يخال نفسه !؟ 

-" لا أسمح لك بلمسي أيتها المتحرش التافه ،أفلتني وإلا لن يروقك ما سأفعله "

وضع أصبعه السبابة على شفتاي وقال :

-" ششش إهدئي ،كل شيء سيكون على يرام "

-"لا أريد شفقتك ،سأصرخ هاا !! "

قلت بسخط ،بينما يده اليسرى تمتد لخدي كي تمسح دمعة خائنة مثل سابقاتها وأنا كالبلهاء تسمرت في مكاني أنظر له بوجه مصدوم ليصعد ذلك اللون الوردي ويكتنز خدايا .

-" أنا لا أشفق عليكِ ،كلانا سيقع في ورطة ،فقط إخرسي ،إتفقنا !؟ "

-" لا تلمس وجهي أيها الوغد "

قال كلماته في محاولة بائسة لإسكاتي بينما ما زالت يديه تشدني إليه ،الوغد ! ولكنني استعدت وعيي من سحر عينيه لأكون له بالمرصاد و عضضت له أصبعه بقوة لدرجة أطلق صرخة تألم ،لست آسفة على ذلك هو البادئ .

-" أهذا جزاء مساعدتي لكِ أوووتش "

-" لم أطلبها على أية حال يا مزعج "

مسحت بقاي الدموع المنهمرة ،يكفي إحراجا و إهانة لكبريائي اليوم .

-" سليطة لسان ! "

-" لا يهم يا غريب الأطوار ! "

إستغللت الفرصة وهربت لدورة المياه حيث الأمان قبل أن يدرك ذلك ،هو ليس معتوها لدرجة أن يقتحم دورة مياه الفتيات ثم إنه كيف له أن يعانق فتاة بحميمية أو شفقة على ما أعتقد وهو لا يعرف حتى إسمها ،وأنا أيضا لا أعرف إسمه ولا يهمني معرفته على أية حال ،لا شك في أنه أجنبي بسبب لون عينيه ،لم يسبق  لي و أن رأيته في الأرجاء ،إذ أنه نادرا ما نرى أحدهم بلون عينين غير البني والأسود الشائعين ،و لما يسعى خلفي هذه الأيام أصلا لست جميلة و لا ذكية ،أمره غريب بشكل مريب .نفضته من تفكيري لأصبه على إسراء ،لست أدري ما خطب تلك الصعلوكة لتتهجم عليا كالغوريلا !؟ هدأت من روعي ،لن أسمح للحزن أن ينغص علي حياتي ،غسلت وجهي الذي يقابل المرآة ،بداخلي أتسائل لما لست مثل باقي القتيات ؟ لما أنا قبيحة هكذا وليس مرغوبا بي ؟ ولما الجمال مهم لهذه الدرجة ؟ لا أنكر أنني أشعر بالنقص بسبب ذلك ،فمهما تأنقت وتزينت لا أصل حتى لربع جمالهن ورقتهن ! لا شعري ولا وجهي ولا حتى جسدي يشفعون لي أن أحظى ببعض الإعجاب من أحد ! مسحت وجهي بكم قميصي الوردي بينما أنفض تساؤلاتي التي لن تجعل مني إلا في أسوأ حالاتي . خرجت ليقابلي ذلك الوجه المبتسم الذي أحبه .

-" زين ؟ "

-" هل كنتي تبكين !؟ "

-" ماذا تفعل هنا !؟ "

تجاهلت سؤاله بسؤال آخر لأغير الموضوع ،لاأريد شفقته هو الآخر ،أكره من يشفق علي !.

-" واضح أنني كنت أنتظركِ "

-" ولما !؟؟ "

-" أولسنا أصدقاء كايتي !؟ من واجبي حمايتكِ "

-" أوه ، هذا لطف بالغ منك زين ،لا أعلم ما الذي فعلته ليكافئني الرب بصديق مثالي مثلك ولكنك لست مضطرا لتشفق علي "

أردفت في حزم ،بينما يقترب مني بخطوات متزنة يضع كفيه على وجهي متفقدا كل إنش من وجهي .

-" أ أأ أنا بخي بخير ووحدي لا أحتاج أحد !! "

تلعثمت في الكلام إثر قربه بهذا الشكل لم يفعلها من قبل ،حقا تفاجأت ! قطع شرودي صوته الهامس بخفوت وهو يركز عينيه بعينيا بعمق لم أشهده منه سلفا ؛كأنه يحاول قراءة ما بداخلي ،ربما روحي وكل ما لم أستطع البوح به .

-" قطعا ليست شفقة ،كايت عينياكِ ! "

-" إذا ماذا تسميها ؟؟ وما بهما عينيا ؟! "

-" احم احم ،هيا دعينا نذهب للفصل بسرعة ،لقد بدأ للتو أما عن إسراء فستعاقب بالحرمان من حضور باقي الحصص "

تجاهل الإجابة على أسئلتي عن قصد وقد تدارك مدى قربه الخطير مني لدى سرعان ما إبتعد عني معتذرا بهمس إلتقطته أذنايا ولم أرد عليه كي لا أزيد من إحراجي وإحراجه،يبدو أن اليوم هو اليوم العالمي للإحراج !! إحراجي أمام المزعج مرتين وأمام الفصل بأكلمه ثم أمام زين وقريبا إحراجي أمام كل من في المدرسة بسبب الشائعات التي لن تقصر فتيات فصلي في التفنن بها مع بعض البهارات ،كما أنه يبدو كأنه يخفي عني شيئا ما بدى ذلك واضحا من عينيه السوداء الآسرة مثل ظلمة الليل الساحرة ،فأنا أعلمه مثلما أعلم كف يدي ،يتهرب من الإجابة لسبب لا زلت أجهله .أومئت فقط وسار أمامي وأنا خلفه بخطوات بطيئة ،فقط متى ينتهي الدوام لأرحل في سلام ،هذا أقصى ما أتمناه .دلفنا للفصل أنا وزين في نفس الوقت لتتعالى همسات الجميع حولي ،جديا هذا ليس وقته وأساسا لست في مزاج لثرثرتهم حولنا ،ملاعين ! أعلم عما يوشوشون وأعلم أية إشاعات قد يطلقونها عني ،لا شغل شاغل لهم غيري ! أكره ضعفي أمام ما يحدث لي ولكنني مضطرة لتحمله وهو كذلك ،كله بسبب الصعلوكة إسراء كنت أعيش متوارية عن الأنظار وها هي تحول دون ذلك ،أصعب على المرء أن يترك الآخرين بحالهم وألا يحشر أنفه في حياتهم ؟؟! تسائلت بإستنكار داخلي .جلست بنفس المقعد مع زين لن أخاطر بجلوسي بالقرب من ضياء ،أكيد أنها تتمنى لي في هذه اللحظة أن أتعفن في الجحيم أو بالأحرى أنها لن تبخل علي بشد شعري ومسحها بي لأرضية الفصل الرخامية .ظللت أراقب تحركات الأستاذ في ملل بين الكتابة على السبورة لشرح شيئ ما أو الجلوس على مكتبه وقراءة قواعد لا أفهم ما العرض منها حتى كأنها بلغة أجهلها ،أحيانا يجول بذهني ما مدى أهمية هذا الهراء الذي ندرسه وهو لن يفيدنا في الواقع ؟ ولما الدراسة صعبة مع أنها محض كلام فارغ يصيب بالدوار ؟؟ ظللت أطرح على نفسي تساؤلات مجنونة أخصصها لنفسي ،ليس وكأنني أعرف جوابها ! حتى حرك زين باتجاهي ورقة مكرمشة وضعها تحت كف يدي ،فككتها من تحت الطاولة لأنظر ما كتب بداخلها .

-( هل تشعرين بما أشعر ؟ )

فعلت مثلما فعل وقصصت جزءا صغيرا من الدفتر ببطيء كي لا يسمع الأستاذ صوت التقطيع ويطردني ثم كتبت ما دار في خلدي ،ودفعتها ناحيته حينما إلتفت الأستاذ ليشرح فقرة من الدرس قال أنها مهمة وقد يضعها في الإمتحان .

-( أجل أفعل ،أحزنني )

كتب في نفس ورقتي وقدمها لي مجددا .

-( لا تحزني قطتي ،لا يليق بكِ سوى الإبتسام )

إبتسمت تلقائيا عندما قرأت كلماته التي كانت فاتنة بالنسبة لي .كتبت في ورقة أخرى ووضعتها له في يده .

-( منذ متى أصبحت تجيد الغزل هكذا ؟!! علي الإعتراف أدهشتني براعتك )

إلتقط ورقة ساقطة أسفل مقعده وكتب فيها ثم مدها صوبي بابتسامة تشق وجهه المشرق ،فتحتها فوجدت :

-( منذ أن فتنتني إبتسامتكِ )

إنتقلت لي عدوى اِبتسامته فإبتسمت بإتساع هذه المرة مثله ليقاطع ذلك الأستاذ قائلا :

-" سنرى من سيضحك في الأخير آنسة كايتلين "

إنفجر الجميع ضحكا علي أقصد على غبائي وما كان مني إلا أن أنزل نظراتي للأسفل خجلة من هذا الموقف الذي لن تتمناه حتى لألد أعدائك ،أستاذ حقير ! أكان عليه أن يهزء بي بهذا الشكل الشنيع !؟؟ ومجددا منقذي  'الجرس'  صدح صوته في كل أرجاء المدرسة معلنا عن نهاية الحصة السامة .

-"آسف كايتي "

إقترب مني ليهمس بصوت أجش في أذني لأرد عليه بنفس الطريقة بسبب الضجيج الصادر من التلاميذ والذي بسببه لن يسمع صوتي .

-" ليس خطئك ! "

-" بلى هو كذلك !لولا ما كتبته لكِ لم يكن الأستاذ سيسخر منكِ "

تحدث باستياء جراء ما حدث .

-" لا عليك والآن أمامي أنا جائعة للغاية "

-" حسنا فل يكن الطعام على حسابي اليوم كعربون إعتذار "

-" سيكون كذلك عزيزي لم أحمل معي ولا فلسٍ اليوم "

-" تروقني عزيزي جدا "

تحدث بينما تعلو ثغره ابتسامة خبيثة ،غبي هذا كل ما سمعه من كلامي .قليل أدب انت يا زين !

-" لا تكن سخيفا "

غادرنا الفصل وأنا أتمازح مع زين حول أي شيء .هو كمعجزة لم أظن يوما أنها ستحدث لي ونعم هو الصديق الوحيد الذي أملكه حرفيا !! ولاتوجد كلمات كافية في العالم كي أصف مدى إمتناني لوجوده في حياتي طوال هذه الفترة !

-" إنتبهي أيتها العمياء !! "

صدح صوت زين المتذمر كالأطفال عندما دفعتني ضياء بكتفها عمدا وبقوة في كفتي وكأنها ستخلعه لي ،حقيرة ! وقفت بتألم بينما أشد مكان الإصابة بتعابير وجه متألمة وزين فقط لا يجد ما يفعله غير إمطاري بكم الأسئلة عما إذا تأذيت وهل يؤلمني كثيرا .

-" تلك اللعينة سأحاسبها على فعلتها النكراء "

تحرك زين من أمامي بغضب شديد ،يبدو أنكِ يا عزيزي ضياء حفرتي قبركِ بيديكِ ،ضحكت عليها داخليا رغم الألم الرهيب الذي يجتاح كتفي ، أتملك كتفا حتى مثل الناس أشك في أنها مصنوعة من حجر وليس من لحم ودم !.

-" لما هربتي مني !؟ "

تساؤل الذي أمامي بوجه بريئ يشوبه الفضول ،أهو يتغابى أم ماذا ؟؟ ولما عليه فقط أن يكون متواجدا فقط بالذات في الأوقات العصيبة علي ؟.

-" إرحل ! "

هتفت في وجهه بعصبية بسبب الألم الذي يفتك بي بلا رحمة في كتفي وأيضا بسبب ما فعله سابقا وهو كاالأحمق ركز إنتباهه على مكان شدي لكتفي بقوة لأخفف به الوجع قليلا بلا فائدة متجاهلا كل ما قلته ضاربا إياه في عرض الحائط .

-" ما به كتفكِ "

مد يده كي يتفقده وقبل أن يتمكن من ذلك صفعت يده محذرةً إياه من الإقتراب مني .

-" لا تكوني لئيمة بهذا الشكل الفظيع !! "

تذمر من أفعالي وكأنه ينفع معي .لم أجبه وهممت بالرحيل للبحث عن زين المختفي منذ زمن ،أشعر بالجوع رغم الألم فأنا لن أنسى أنه دعاني للطعام ،أيها الطعام إستعد ها أنا سآتي .

-" إنتظري ل..."

لم يكمل كلامه بسبب جري لمعصمي من يده بعنف وأنا أقاطعه بقولي ببرود ، سئمت !.

-" كلمتان ؛ دعني وشأني "

-" أ... "

قاطعته مجددا قبل أن أوليه ظهري وأغادر .

-" كفى !! "

حقا لا يعرف ماهو الإستسلام !!

-" ماذا الآن !؟ "

سئلته وأنا أزيل يده للمرة الثانية عن معصمي .

-" كيف أصيب كتفكِ !؟ "

-" ما شأنك ؟ "

أجبت باختصار ممزوج بفظاظة ،أستحق جائزة على أكثر الأجوبة لاذاعة .

-" هيا لن أدعكِ حتى تخبريني ! "

أجاب بعناد مماثل وهو يقترب أكثر مني ليسمعني بوضوح بسبب الزحام في ساحة المدرسة لأنه بالفعل نحن في آخر الحصص والذي ينتج عنه صخب يصم الأذنين ،قبل أن أجاوبه دفعني أحدهم وهو يجري بعشوائية لأتعثر وأقع على صدر المزعج وفي نفس اللحظة سمعت صوت آخر من قد أوده أن يراني بهذا الوضع .

-" ما الذي يجري هنا بحق !!؟؟ "

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top