الجزء الرابع
ومرة أخرى أكملت خطواتي في نزول السلم ولم أعر حديثه أي اهتمام ، كل ما كان يجول ببالي كلماتهن الهائزة مني وكأنني لم أسمع حديثهن الجارح لي ولو كنت أنا السابقة كما الماضي ،كنت حتما لن أحتمل وسأكون قابعة في أحد زوايا دورة المياه ألملم ما تبقى من كبريائي ، ثم إنه كيف يمكن للمرء أن يكون بكل هذا الحقد والحقارة !!؟ شعرت بأحدهم يجرني من حقيبة ظهري وتوقعت بأنه ذلك المغفل الذي يتبعني بلا سبب من لحظات ،لذا اِستعددت لألقي عليه بعض الشتائم ثم درسا عن سلوكيات 'دعني وشأني ياهذا' وطبعا بجام غضبي ،هو من بدأ هذا اذاً فلم يتحمل نتائج اِزعاجه للآخرين .
-" أيها اللعين، ماذا تظن نفس_ "
بترت جملتي حينما أدركت أنه كان زين ، هو حرفيا ميت !
-" زييين ،لقد كدت أقع بسببك أيها الأبله !!!"
قلت صارخةً في وجهه بانزعاج كبير لايستحقه الموقف .
-" على رسلكِ يا فتاة ما بالكِ تشتمين ؟!،ما دمت موجودا لن يصيبكِ أي أذى فأنا بطلكِ المغوار "
قال مبتسماً بثقة بالغةٍ ممزوجةٍ ربما بالجدية أو أنا من تهيأت ذلك فقط ،ثم قال :
-" لقد رن جرس المدرسة بالفعل ،هيا قبل أن نعاقب مجددا بالطرد ! والذي بالمناسية لن أمانعه مادمت سأكون برفقة صديقتي الجميلة "
أنهى كلامه بغمزة وهو يلكزني بذراعه الأيمن ،حيث جعلت مني حركاته السخيفة أضحك بخفة ،كم هو لطيف حينما يحاول رسم الابتسامة على محيايا ! لاشك أنه لاحظ انزعاجي منذ فترة .
-" هل أخبرتك من قبل أنك ألطف شخص قابلته في هذا المكان المقرف !؟ "
-" لا ،لم تخبريني يا ناكرة الجميل !"
ثم أردف وهو يهز كلا حاجيبه .
-" لكنني سأمررها لكِ إن قلتي عني جذاب "
قلبت عينيا في ضجر ،قائلةً :
-" أسحب كلامي الذي قلته للتو ،فسخافتك خربت كل شيء"
وتابعت حديثي مسترسلة بخوف .
-" يا الاهي لقد نسيت نفسي في الحديث وبالفعل لقد بدأ الصف "
ثم لكمته في كتفي وأنا أهرول في صعود سلالم المدرسة ،لما فجأة تصبح متعبة هكذا عندما أكون على عجلة من أمري !!؟حينما وصلنا أنا وزين ،قرع زين الباب في هدوء ،ولم نسمع أي رد منه مع أنني لمحته وهو يشرح ،بئسا تجاهلنا ! وهذه المرة أنا من دققت الباب بقوة أكبر لثلاث مرات متتالية .فتحه وألقى علينا كلماته بسخط وهو عاقد حاجبيه .
-" كايتلين ،زين . أنتما مطرودان "
-" ولكن يا أستاذ لم نتعمد التأخر "
قلت في ترجي زائف ،ليس وكأنني أحب حصصه المملة تلك ،خاصة أنني لا أفهم أي حرف يتفوه به ! لا أريد أن أضطر لإحضار واليديا الى هنا بالذات .
-" أستاذ معروف ،فقط هذه المرة ولن نتأخر مجددا ،أرجوك !! اسمح لنا بالدخول ،لا نريد تفويت حصصنا والامتحانات على الأبواب "
يبدو على ملامح الأستاذ معروف أنه يفكر بجدية هذه المرة في كلام زين ، واو كم أنت رائع زين ،يدهشني إقناعه للآخرين في كل مرة .
-" سأسمح لكما بالدخول ولكنكما ستسجلان كأنكما لم تحضرا الحصة ،هذا عقاب من لايحترم مواعيده "
رد زين بلا مبالاة، يبدو أنه جاد بخصوص حضور حصته بالفعل .
-" حسنا حسنا ،لايهم "
-"اذا ،ادخلا لقد أخرت الدرس بما فيه الكفاية بسببكما "
قال بصرامة غير قابلة للنقاش ،ولو ناقشناه في أمر الغياب ،لانتهى بنا المطاف نجوب أرجاء المدرسة في الخارج .
تقدمنا إلى المقاعد الفارغة والتي من سوء حظي كانت ضياء هي من ستكون شريكتي في المقعد أما زين فجلس بجانب أحد أصدقائه الذين لا أتذكر أسمائهم ،أحسده أحيانا على كثرة أصدقائه الأوفياء من حوله ،ثم ها هو ذا شرح الأستاذ الذي يسبب وجع الرأس ،تزامنا مع بدأ الندم يأكلني حية منذ الآن على ترجِيا له لإدخالي ،ماذا كنت فاعلة عندما أصررت على حضور حصته !؟ وبصعوبة بالغة حاولت التركيز معه كي لا يطردني بلا سبب .كم كانت فرحتي عارمة عندما دوى صوت رنين الجرس معلنا عن نهاية عذابي ،لكن مخرب اللحظات السعيدة قال :
-" هدوووء "
قالها بينما يده تصفع سطح مكتبه بقوة ،ثم أردف بعدما عم السكون .
-" أنا لم أنهي الحصة بعد ! تبقت فقرة سأشرحها الآن وبعدها غادروا "
سرعان ما ارتفعت أصوات تذمر التلاميذ وتهامساتهم .
-" سأنقص علامة لكل من لا يلتزم بمقعده ويخرس ،لا بل خمس علامات "
قالها بصوت مرتفع كي تصل لمسامع الجميع الذين أخذو تهديدات الأستاذ معروف بجدية ،لا مزاح بشأن العلامات ! تذمرت ولعنته في نفسي لكن لا بأس ماهي إلا خمس دقائق وستمر بلمح البصر .
-"لا تنسو بعد الإجازة سيكون لكم إختبار مباشرة "
صدحت كلماته وأنا أمر لخارج الصف وحيدة ،ربما زين مشغول بأصدقائه .أكره الوحدة ولكن هي كل ما أجدها في حياتي باسطة ذراعايها بكرم ،و من تستقبلني بكل رحابة حينما ينبذني الجميع .
-"أهلا "
سمعت صوتا وقف بجانبي ،بينما كنت أسير في رواق المدرسة ناحية الباب الخارجي ،أدرت وجهي لمصدره بجهة اليسار . ما إنه وقعت عينيا عليه حتى تذكرته وكل ما كان بوسعي فعله هو تجاهله مجددا ،ألا يمل هذا الأبله !؟؟
-" لما لا تردين التحية على الأقل !؟"
رد باستياء ،رائع هذا ما أريده ،أمل أن يحل عني لا ينقصني متاعب ،كما يقولون ناقص واحد ناقص مشكل .
-"ألا تجيدين الكلام ؟؟"
هيا عزيزي استسلم وارحل بعيدا .تخطيت باب المدرسة وهو مزال ملتصقا بي كالغراء ،أسير متجاهلة إياه تماما .
-"لا بأس لا تتحدثي إن أردتي ولكني سأتحدث "
سرت بخطوات سريعة هذه المرة أصبح الأمر مزعجا بحق ،لما لا يريد أن يبتعد عني ؟عقدت حاجبيا جراء تصرفاته التي أجدها بالمناسبة وقحة .أمسك بي من كتفي كي يوقفني وهو يقول بينما يلتقط أنفاسه .
-" لما أنتِ تسيرين بسرعة هكذا !؟"
ولكني أزحت يده بنفور قائلة بنفاذ صبر .
-" حل عني يا هذا ،ألا تفهم !!؟"
تمتمت بانزعاج واضح وأنا أشبك يديا على صدري .وهو فقط ظل يحدق بي بصدمة ثم قال بصوت حالم .
-" اووه كم أن صوتكِ ضريف ،وأخيرا تحدثي إلي !! "
سخر مني التافه ،أكملت سيري في انزعاج ،هذا ما كان ينقصني !! ثم ماذا هل رحل وجعلني أتخلص من ازعاجه ؟؟ حتما لا بل استمر في وقاحته وظل يمشي أمامي بشكل عكسي بحيث يتقابل وجهه مع وجههي .
-" لم أقصد الإساءة ،فقط صوتكِ لا يتناسب مع شكلكِ "
قلبت عينيا ثم أخذت منعطفا بعيدا عن صاحب الأعين الخضراء .وأخيرا لم يعد يلاحقني ،وسمعت صوته من خلفي يقول بصوت عالي كي يصلني .
-" سرني التحدث معكِ ،أراكِ في المدرسة "
جديا وكأنني بادلته الحديث أساسا ،وأيضا في أحلامك يا هذا لم ولن يسرني التحدث إلى أمثالك. وكلما اِقترقت من المنزل كلما عادت لي ذكريات ليلة أمس ،انكمشت ملامحي حينما تذكرت شد أمي لشعري بتلك الوحشية وكأني سرقت منها أغلى ما تملك أو حطمته وما شابه ذلك . قرعت الباب لأنه الجرس معطل وأنا في أتم استعداد لاستقبال عصبية أمي المتوحشة ،ومن حظي فتح لي إستفان ،لا أعلم هذه المرة كيف أصبح الحظ حليفي ،لأنني كنت قد نسيت مفاتيحي صباح هذا اليوم لأنني تأخرت ثانية ،التأخر أحد عاداتي ولقبي المعروفة به عند الأساتذة .
-" أبي ،ماذا تفعل هنا ؟أليس من المفترض أن تكون في العمل الآن؟؟"
سئلت باستغراب ،ليس من عادة إستفان التواجد في المنزل في هذا الوقت فأنا على علم تام بأن دوامه لا يتنهي إلا عند 8 أي بعد ساعتين !!
-" أخذت عطلة اضطرارية بسبب والدتكِ ،حدث لها اِنهيار عصبي في عملها ،لأنها تشاجرت مع زميلتها في العمل بشأن لون صبغة أظافرها ،مدعيةً أنها قليلة ذوق حينما أبدت رأىها بكل وقاحة بصوت لورين قائلةً 'لايناسب لونه يدايكِ "
أنهى كلامه بضرب جبهته بخفة وهو يقهقه .
-" هذا أسخف سبب سمعته في حياتي كلها "
استرسل في حديثه .
-" لم تتحمل لورين فتهجمت عليها تشد شعرها بقوة ،وياالاهي كم رق قبلي للمسكينة عندما رأيت أن ملامح وجهها خربت إثر أظافر امكِ ،وشعرها أصبح مثل عش الفراخ وبصعوبة بالغة جدا أنقذنا المسكينة ،حتى إن غليلها لم يشفى بل وتابعت ضربها وزملائها يحاولون إبعادها ،ولكن لا امكِ كانت بقوة عشرة رجال ؛حتى فقدت الوعي حينئذ توقفت "
لم أستطع كتم ضحكتي أكثر من ذلك ،أطلقت ليها العنان ولكن بصوت خافت لا أريد أن أكون الضحية القادمة لأمي ولاسيما بعدما كل ما سمعته من إستفات !وسرعان ما أخذت ملامح الجدية تغزو ملامح إستفان ،واكبها تلاشي ضحكتي أنا الأخرى بانطفاء الشمعة ،وأنا أضغي بعناية لما سيقوله أبي .
-" ظلت لورين تصرخ بجنون وتضرب المرأة المسكينة بعدما أصابها الاِنهيار العصبي ثم أغمي عليها ،فأخذتها للمشفى وأخشى أن ..."
سكت بينما يرتب كلماته في رأسه وهو يلقيها علي بشكل أستوعبه ثم أردف بملامح شبه قلقة .
-" أخبرني الطبيب أن حالة والدتكِ ليست بخير ،أصبحت تغضب على أتفه الأمور وهذا قد بدأ يأخذ منحا سيئا على صحتها ،حتى الأدوية لم تعد تجدي نفعا كما الأول ،أخشى فقط أن يأثر هذا على عقلها ،تعلمين ،الأدوية لها تأثير جابني قوي عليها ولا أدري إلى متى سيستمر هذا الوضع "
أطلق تنهيدة طويلة تدل على تعبه ،أشعر به منهك الروح والفكر ،تقدمت ناحيته آخذه في عناق بينما أربت على ظهره بخفة ،لأشعره بأن كل شيء سيكون على يا يرام ،هذا ما أمله .
-" كايتي ،هناك شيء آخر .."
فصلت العناق وأنا أنظر في ملامح إستفان التي نال منها الزمن وبدت تتجعد وتظهر كم أنه كابد سيرورة الحياة بشهامة .
-" ماذا هناك أبي !؟ "
-" زميلة لورين التي اِعتدت عليها ،ربما ترفع قضية ضددها "
-" وإذا !؟ قدم لها بعضا من المال لتطمر ما جرى "
أمرات القلق بدت جلية عليه وهو يتابع حديثه بوجه واهن .
-" هنا المشكلة بالضبط ! "
-" كيف ؟ أنا لا أفهم ؟"
-" صغيرتي ،تلك المرأة تريد مبلغا كبيرا وما أنا بمالك لمبلغ كذاك ! "
قاطع حديثنا صوت يقول بعلو .
-" تلك البائسة لن تأخذ فلسا منا !!"
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top