الجزء الثاني
أخيرا أنهيت حصة الإنجليزية المتبقية ،قمت بجمع كتبي وأقلامي التي وضعتها كالزينة فقط ،فأنا لم أمسسها أساسا ،ودعت زميلتي ضياء ببضع كلمات من اللطف وأنا أرسم على محيايا اِبتسامة مصطنعة وهي الأخرى تبادلني بواحدة مثلها ولكنها تبدو صادقة ،يا اِالاهي كم أن اللطف متعب ومقيت !.كنت أول من خرجت من الفصل ثم قادتني قدمايا ناحية السلم ،أنزله بشرود وعقلي غائب ،أفكر في تحصيلي الدراسي الرديئ والأسوأ من السيء وأيضا ردة فعل أمي التي ستكون حتما كارثية ،أنا هالكة لا محالة !!. كنت مستغرقة في بحر أفكاري ولم ألاحظ أني تعثرت إلا وأنا بين ذراعاي زين الذي كان يحاوطني ،ويوبخني على شرودي المبالغ فيه! حملقت فيه ببلاهة وأنا أتسائل أهكذا يكون الشعور بأن أحدهم يهتم بك ؟.
-" أين كان عقلكِ يا فتاة !؟ ،كدتي تكسرين عظامكِ ،هل أنتِ بخير ؟ لم تتأذي صحيح ؟"
تحمحمت بإحراج عندما أدركت أنني مزلت متشبتة بياقة قميص زين ،وهو الآخر أفلت خصري وذراعي اليمنى قائلاً بأسف :
-" آسف لم أنتبه "
-" ااه لاعليك ،الغلط غلطي ،لم أنتبه لخطواتي ولولاك لكنت الآن في المشفى ،شكرا لك زين ،أنت منقذي "
قلت بابتسامة ممتنة وأنا أضع أحد خصلاتي خلف أذني وأنا أنظر لعينيه ثم لابتسامته التي أشرقت لتظهر غمازاتيه الفاتنتين .
-" لاشكر على واجب آنستي ،في أي وقت"
تكلم بنبرة الفارس النبيل بينما ينحني بخفة ،ثم نشرع في نوبة ضحك إزاء سخافته .
-" لديك حس فكاهي يحترم زين ،تحسن ملحوظ "
أثنيت على أدائه بينما ألكم كتفه ممازحة ثم أتذكر عقاب أمي لي لأقول بقلق .
-" هيا بنا زين ،لا أريد التأخر ستقتلني والدتي إن فعلت "
-" حاضر "
ليردف بتذكر .
-"اوه كايت والدتكِ مخيفة حقا ، أتذكر أن مجرد النظر في عينيها يجعل من بدني يعشقر "
-" أيها الأبله لا تتحدث هكذا عن أمي ،لاتنسى أنني ابنتها ،وكرامتها من كرامتي ! "
-" آسف آسف لم أقصد الأذى كايتي "
-" سأقبل اِعتذارك ،فقط اذا اشتريت لي المثلجات وأيضا لا تستعطفني بلقب كايتي فهو سخيف مثلك ! "
-" جديا كايت !! مثلجات في فصل الشتاء ؟ ألن تمرضي هكذا ؟! "
عقد حاجبيه في انزعاج بدا جليا على تقاسيم وجهه الوسيم .
-" لا لن أفعل ،وأنا أشتهيها الآن ماذا أفعل !؟ "
صحت في وجهه بانفعال ،أكره أن ينهرني أحدهم على ما أحب .
-" كفى تذمرا أيتها الطفلة الكبيرة ،سأشتريها لكِ ولكن لن أتحمل مسؤولية الاعتناء بكِ إن مرضتي "
-"ياااي وأخيرا ،أريدها بنكهة الشكولاطة "
سرت أقفز من الفرحة والابتسامة تصل لأذنيا ،أنا سعيدة جدا .
-" توقفِ ! أنتِ هكذا تجعلين من التلاميذ ينظرون لنا بشك "
-" آاه عذار لا أستطيع التحكم في حماسي الزائد "
تشاطرنا الأحاديث طوال الطريق وبيدي المثلجات التي اِخترتها ،بنكهة الشكولاطة تماما كما أحبها ،وبيدي الأخرى أمسك خصر زين كي لا أقع من على دراجته الهوائية ،حتى وصلنا لحينا وبالضبط عند مفترق طرق ،لنتوقف وأترجل من عليها .
-" شكرا على التوصيلة وعلى صحبتك الرائعة وكذلك على المثلجات التي لم يتبقى منها شيء _أؤشر عليها بأصبعي السبابة_ ،وداعا زين "
عندما كدت ألتفت لأعطيه ظهري وأسير في الطريق المؤدي لبيتي ،استوقفني بشد معصمي ليديرني لمرمى عينيه ،قائلا :
-" كايت أريد أن أناقشكِ بموضوع ما "
تحدث بتوتر وهو يوجه نظارته إلي ،بينما يحاول استجماع الكلمات المبعثرة والعالقة في لسانه لتبدو متناسقة .
-" ما الأمر زين ؟ أهناك ما يشغلك ؟! "
تحدثت بقلق فعادة زين لايتوتر هكذا ،طوال العامين الماضيين لم أره هكذا فقط ، أطلق تنهيدة باستسلام وهو يشيح بنظراته عن وجهي ليوجهها للأرض وأي شيء عدا وجهي ، قائلاً :
-" اا في الحقيقة لاشيء مهم ،أراكِ غدا في المدرسة كايت "
أمسك بدراجته من على الأرض ثم جرها للجهة المعاكسة لحيث أقف .
-"حسنا ،أراك لاحقا "
لوحت له وهو يبتعد عن مرمى نظري ،لم أشئ أن أزعجه بأسئلتي فهو ربما ليس مستعدا كفاية ليفصح عن مكنونه ،وجهت قدميا صوب منزلي بخطوات واسعة ،أمامي عمل كثير لن ينجز نفسه بنفسه !.
-" جحيمي أنا قادمة "
قلت بسخافة وأنا أخطو آخر خطواتي ناحية الباب المصتبغ باللون البني الداكن ،سحبت المفاتيح من جيب بنطالي الرمادي ،لأضعه على القفل وينفتح على مصرعيه ،أدخل بتثاقل وأنزع قبعتي وحذائي المليئ بالأتربة ،فنصف الطريق ماهو إلا خلاء ! ثم وزرتي البيضاء لأضعها في حزانة الملابس .حركت قدميا ناحية المطبخ كي أجهز طعام العشاء قبل مجيئ أمي من العمل هي وزوجها .
-" اممم لنرى ،ماذا سأطبخ اليوم !؟ اا وجدتها ،سأتفقد أولا إن تبقى هناك بعض الدجاج أولا "
أناقش نفسي كالمجنونة ولكن ذلك يساعد حقا على توطيد ثقتي بنفسي كما يقول علم النفس ،على من أكذب أنا ؟بالطبع أحاول إقناع نفسي بذلك لأنه ليس لي أصدقاء غير زين وضياء بالرغم أن علاقتي بضياء تقتصر فقط على ما يخص الدراسة فقط ،أما زين فهو صديقي السخيف الذي يجعلني أضحك دائما ويساعدني في كل شيء ،ولكنني ولا مرة حدثت عن أسراري ،أعاني حقا من وسواس الثقة ،لا أستطيع الثقة بأي أحد ،أنا حتى أشك في نفسي ،فكيف إذا يمكنني إعطاء ثقتي بسهولة !. تركت حساء الدجاج على ناري هادئة كي لا يحترق وأتوجه صوب غرفتي في العلية لأغير ملابسي ،لأخرى منزلية وأضع حقيبتي في الأرض بإهمال ،وللتو لاحظت أن الغرفة بالفعل امتلئت بالأتربة كأني لم أعش فيها أربع سنينا من حياتي . منذ متى أصبحت مهملة !؟
أنهيت تنظيف غرفتي والتي كلفتني ساعة من وقتي الثمين ،آسفة يا أستاذ اللغة العربية لا وقت لي لتحضير دروسك المملة !. سمعت صوت فتح قفل الباب وأدركت جليا أنها أمي وزوجها إستفان .
-" كايتي ؟؟ لقد عدنا يا ابنتي ! "
نادى بصوته الأجش الذي ما إن سمعته أذنيا ،انفرجت أسارير وجهي في حماس ،لأتوقف عن لملمت أغراضي ثم وضعها في الخزانة ،وأهرول ناحية الدرج أقفز كالبلهاء حتى وصلت للدرجة الأخيرة ثم جريت صوبه لأخذه في عناق وأعصره بين ذراعيا في حماق وابتسامة عريضة .
-" إستفان ،لقد عدت أخيرا ،لقد افتقدت كثيرا ،وقد عانيت حقااا حقااا حقااا مع نوبات غضب والدتي "
-" كم علي أن أعيدها ؟ أنا بمثابة والدكِ لذا ناديني به أم أنكِ لا تعتبريني كذلك !؟ ثم إنها والدتكِ تحمليها "
عبس بانزعاج ،وأنا أخذه لعناق آخر ولكن هذه المرة بلطف ،فلقد كدت أكسر عظامه ،بينما أربت بخفة على ظهره وأنا أقول بهمس :
-" ليكن في معلوماتك أنت أفضل والد قد يحظى به المرء "
أغمضت عينيا بينما أستمتع بهذه اللحظات مع إستفان والدي الذي أهداه لي القدر وعوضني عن قسوة الزمن علي كفتاة يتيمة ؛فأنا كنت قبلا منبوذة من الناس مع أنه ليس ذنبي أن يكون والدي شخصا سيئا وطبعا أنقذني البطل المغوار إستفان من بطش أمي وعذابها الذي لا يطاق ،أنا حتى لا أعرف شيئا عن سبب نوبات غضب أمي الشديدة ، والتي تتأزم كلما أبديت رغبتي عن معرفة ماهية والدي البيولوجي ،إذ أن كلما أعرفه عنه أنه تخلى عني وعن أمي لسبب أجهله وكلما حاولت سؤالها عن أي شيء يخصه ،كملامحه او اسمه ،فلا يعقل أن لا أعلم حتى اسم الذي يسمى أبي ،و في النهاية كل ما أتلقاه هو صفعة وتوبيخ عن أنه خائن هذا هو الشيء الوحيد الذي أعلمه !.
-" آاااه شعررري "
-" هل جننتي يا اِمرأة !!؟ أتركيها حالا "
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top