الجزء الثالث

-" كم  مرة نبهتكِ أن تبتعدي عن زوجي أيتها الوضيعة ؟؟ أنا هنا أتضور جوعا وانتِ ماذا تفعلين ؟ تتوددين لزوجي يالكِ من_ "

لم تكمل صراخها في وجه كايتلين ،الذي بات ملطخا بعبرات لاتوحي إلا على تألمها وهي تحاول تحرير شعرها من قبضتها ،فكيف لوالدتها ،الشخص الذي يجب أن يكون نبع الحنان والأمان ،تنهرها بهذه الطريقة الشنيعة وكأنها فعلا تتعمد لها الأذى ؟! ؛لتتلقى صفعة من زوجها ،الذي ظن أن زوجته فقدت صوابها فعلا ، فلا يعقل أن تغار من ابنتها التي هي من صلبها .

-" اُتركِ شعرها حالا "

وقفت والدة كايتلين بصدمة جراء الصفعة التي كانت آخر توقعاتها ،هو لم يتجرأ ولا مرة أن يمد يده عليها ! وهذا ما جعلها تصرخ بعصبية مبالغ فيها .

-" أتصفعني لأجل تلك الساقطة ؟؟ "

بادلها بصراخ كما فعلت .

-" ما الهراء الذي تتفوهين به ؟؟ اِعقلي ! إنها ابنتك يا أيتها المجنونة !!"

اِنحنى لمستوى كايت وهو يتفقد ملامح وجهها الواهنة .

-" هل أنتِ بخير بُنيتي !؟"

تحدث إستفان بقلق بدى واضحا على ملامحه الأربعينية ،وهو يساعدها على النهوض والذهاب لدورة المياه كي تغسل وجهها .

-" أجل أنا كذلك ،لابأس أبي ،اِذهب لتهدئة أمي رجاءا ،أنا بخير وحدي ،أستطيع الاهتمام بنفسي "

وما إن خرج إستفان اِحتراما لرغبتها بالإخلاء بنفسها ،هرولت نحو الباب ثم أقفلته ،وبعدها تركت العنان لدموعها بالانهمار تعبر بها عن خيبتها ،هي لاتحب أن تنهار أمام أحد ،فبنظرها ذلك ضعف لاتود لأحد أن يراها فيه ، كم تود أن تكون علاقتها بوالدتها رائعة كما حال الفتيات الآخريات كم تحسدهن على أمهاتهن اللاتي يعتنينا ببناتهن أحسن اِهتمام ،وبذات الوقت يشاطرنهن بمكنون أنفسهن دون خوف ،تماما كالأصدقاء المقربين ! كم تنذب حظها ألف مرة ومرة كل ليلة وهي تصلي لربها أن يغدو كل شيء بخير ،بينما يمر فيها شريط ذكرياتها المؤلمة كي لا تنسى ماهو عليه واقعها المشوه ،كم كان صعبا عليها التعايش مع كل هذا الألم ،كم كان عليها صعبا أن تلملم شتات نفسها أمام نظرات الناس الحاقدة لها من دون سبب ،ثم كلام والدتها اللاذع كل يوم ،ظلت ترتمي بين جدران أفكارها في سهو ،وفي نفس الوقت تلتقط أذناها صوت الشجار الذي مزال قائما في الخارج ،والدتها حقا صعبة المراس يصعب إقلاعها عن فكرة ما ،دوما ما ترى نفسها هي الحق والباقي مخطئون ،هي أنانية جدا لتدرك أنها مخطئة بكل تصرفاتها ،هي معذورة ففي النهاية الشرير لايرى نفسه شريرا لأنه يفعل ذلك لهدف بغض النظر عن الوسيلة التي قد يعتمدها والتي تكون مكلفة للآخرين .

-"كايتلين ،كايتتتت !! "

يد امتدت لتمسك كتفي وتديرني للخلف ،وأنا أبادل ذلك الوجه المبتسم بإشراق ،بنظرات خاوية .

-" لقد ندهت عليكِ كم من مرة لكنكِ لم تسمعيني "

ثم أردف بعدما قطب حاجبيه في تساؤل ممنزوج ببعض القلق .

-" مهلا مهلا ،ما خطب عينيكِ حمراوتين ومنتفختين !!؟"

-" هل كنتي تبكين ليلة أمس ؟ أجيبي بصراحة "

تحدثت بينما أزيل يده عن كتفي بانزعاج قائلةً :

-" لا شيء زين أنا فقط لم أنم ليلة أمس جيدا "

كذبت ! صدقا لاطاقة لي لأشرح له عن صراعاتي مع أمي المستمرة ،وهو بالمقابل قال بعدم رضى :

-"اُنظري ،كايت لا أواد أن أضغط عليكِ لأنه على ما يبدو موضوع حساس بالنسبة لكِ ،ولكن عندما تكونين مستعدة تعلمين أين تجديني !"

قال كلماته تلك بصدق ،ثم همَّ بالمغادرة ،ثم لحقت به ثم قلت له وأنا أشد على ذراعه :

-" أقدر لك جهودك بالتحفيف عني زين ،ولكن حقا لا شيء مما يدور في بالك صحيح ،كل شيء على ما يرام ،أنها فقط آثار السهر الكثير "

-"سأدعي أنني صدقتكِ ،والآن أراكِ في الفصل "

تنهدت بثقل ،كم أن هذا الشقي المتطفل يصعب إقناعه ،لاأريده أن يقحم نفسه في مشاكلي بشكل أو بآخر فهي تخصني أنا وأمي وإستفان بالطبع وحدنا وأتمنى أن يكف عن الالحاح لمعرفة ما خطبي ،فهو يحطم قناع اللامبالاة الذي أواجه به العالم بتذكيري بكل ما يجري حولي .

-" حسنا ،أراك لاحقا "

بعدما غادر ،عدت أدراجي لحيث تقف ضياء مع فتاتين أخريتان لم أميز بينهما إلا إسراء التي سبق ودرست معي في المدرسة المتوسطة ،أنا من الأساس لاأحب الاِخلاط بالناس كثيرا لأن ذلك يزعجني بشكل ما ،لكنني مضطرة كي أبقى قريبة لهن قليلا و ألا أغرق في غياهب أفكاري ! وذلك نوعا ما يجعلني أشعر بالنقص أمام جمالهن الفاتن بينما أنا أبدو كأمهن إثر وجهي المدمربسبب السهر و طولي المتباين ،طويلة بلا فائدة !

-" إذا ضياء حديثينا عن ماهية علاقة كايتلين بزين ،كما لاحظت فهي لا تفارقه تماما كظله "

كنت منغمسة في تأمل في ساحة الثانوية ،أشاهد المارة من التلاميذ وأيضا تجمعاتهم التي تكون مسلية لهم ،أظن !،لم أجرب ذلك الشعور ، ثم تنبهت لأنه اليوم دوري في النميمة بينهن ، تفاهتهن لاتصدق ! إذ كان ذاك صوت إسراء المتساؤل وهي تدعي ثوب الجهل ،هي مدركة تماما عن طبيعة علاقتي به ،أوليست صديقة ضياء المقربة ،أكيد ستكون على علم بهذا ! أجابت ضياء بضحكة صفراء وهي تضرب كتف إسراء بخفة .

-" يا لكِ من سخيفة !
عزيزتي إسراء هما فقط صديقين ،ولنكن أكثر دقة هو ربما يشفق عليها كونها منبوذة "

-" اها هكذا اذا ،يا لها من مثيرة للشفقة فعلا ،ولكنني لا أجد تفسيرا لجعلكِ زميلةً لها ضياء !؟ "

-" سمعتي بكوني ذات أخلاق عالية هي الأهم بالنسبة لي فلا أحد يسمح لها بأن تشاطره المقعد ما عدا زين لذا سمحت لها بأن تتخذ مكانا لها بجانبي "

نظرت لها بطرف عين ،أتصرف وكأنني لا أعير  لحديثهن أي اِهتمام بينما تقول تلك الضياء بشفقة مزيفة غرضها السخرية ،أنا حتما لن أفتعل شجارا ،سأترك الخلق للخالق ،لست طاغية ولا من محبي العنف ،ولكن هناك جانب مني يريد بشدة الامسكاك بشعرها وأسمح به أرضية الثانوية ،اخ كم هي محظوظة لكوني ذات ألاخق عالية ،عليها أن تصلي ليل نهار على هذا !.

-" كفى مزاحا يا فتيات ،فأميرتنا القبيحة ستسمعكن ،وبالتأكيد ستنزعج وتحضر كلبها المسعور "

كانت هذه المرة فتاة ذات شعر مائل للسواد ترفعه على شكل ذيل حصان هي من تكلمت ،ثم ماذا ؟ أخذن يهقهن بغنج ،وأصوات ضحكهن المثير للاشمئزاز يخترق طبلة أذني .

-"ها ؟ لاتقولي عن زين كلب مسعور أيتها الغبية "

لم أنبس ببنت شفة ،أحملق فيهن بطرف عيني فقط وهن يقمن بإهانتي وأمامي ،و كل ما يتلقينه هو صمتي المريب ،أراقب بهدوء ،عجبا عجبا ماهذا أشتم رائحة الغيرة !! أحدهم قد فضح إعجابه ،زين كم أنت تعيس الحظ كي تقع في شراكها .

-" ماذا ؟ جديا إسراء ،لما فجأة تدافعين عن زين ؟ بدأت أشك في تصرفاتكِ يا فتاة "

-"ليس من شأنكِ رفيف "

ثم ذهبت في انزعاج وضياء تتبعها وتهدأ من براكين غضبها ،بينما وقفت رفيف مستغربة ثم هزت كتفيها بعدم اهتمام وهي الأخرى رحلت وبقيت وحيدة ثانية أمام الشرفة المقابلة لباب الفصل ،لا أحد يبقى واقفا كالأخرق هنا في وقت الفسحة غيري !.لا أدري لكم من الوقت بقيت أراقب الكل من الأعلى وهم يستمتعون بوقتهم ،ولكني أدركت ذلك حينما أمسكت أحد الفتيان بالجرم المشهود وهو يتأملني ،قليل أدب ! نظرت له نظرات محذرة تحمل معنى 'أبعد عينيا عني وإلا سأفقعها ' ولكنه عندما أدرك أنني رأيته تململ من مكانه ،لأراه قد اختفى ،جيد لقد فهم نفسه .

-" عذرا يا آنسة ! "

فزعت عندما أدركت أنه أصبح خلفي مباشرة ولكنني لم أبدي ذلك ،فقط بقيت كما أنا أراقب المارة في الساحة .

-"هيه ما خطبكِ !؟

سئل ،ولم أرد بل تجاهلته تماما بينما أخطو بقدميا ناحية السلم ،بنية الرحيل ،ماذاا !؟ أنا لا أحادث الغرباء وبالأخص الفتيان منهم !.

-" لمعلوماتكِ ،هذه تسمى وقاحة !"

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top