الجزء الأول
-" استيقظي أيتها الكسول ،من سيقوم بتحضر الطعام وتنظيف هذه القذارة !!؟ "
صاحت المرأة الثلاثينية بصوتها الجهوري فاقدة لأي ذرة هدوء تملكها ،بينما تهز بعنف من تتلحف بغطاء شبه بالي بتمسك .
-" ألا تريدين الاستيقاظ !؟ حسنا ستندمين على هذا ! "
تحدتث هذه المرة بتوعد وصوت يملئه المكر وهي تضع يدها على خصرها النحيل ،بينما تشد بيدها الأخرى معطف الفرو الأبيض بنية تدفئة نفسها من طقس ديسمبر القارس ،في ذات الوقت تهز رجلها اليسرى في نفاذ صبر ،حيث كل ما يسمع في تلك الغرفة الصغيرة الأشبه بكونها مهجورة نظرا لانتشار الأتربة في كل زواياها ؛ هو صوت طقطقة كعبها ،مصدراً صوتاً مزعجاً حينما همت بالخروج صافعة الباب بقوة ،كادت تحطمه بحق !
-" آااه ماذا حص_ "
استيقظت مراهقة يافعة فزعة ،إثر دلو الماء البارد الذي سُكب عليها للتو ،حتى أنها لم تتم جملتها لتعبر فيها عن تفاجئها ،حتى قاطعتها المرأة بصفعة جعلت من جسد الفتاة الهزيل يرتد للخلف ليسقط في أرضية الغرفة الباردة ،قائلةً لها بنهر .
-" كم مرة حذرتك أيتها اللقيطة من تجاهل ندائي لكِ !؟ "
ثم أردفت بتعالي بينما مازالت الأرضية تحتضن جسد الفتاة الواهن .
-" أمامكِ نصف ساعة لتحضير الإفطار ثم ترتيب غرفتي وإلا سيكون مأواكِ الشارع ! "
-"حاضر أم_ "
لم تكد تكمل كلماتها تلك ،حتى باغتتها بشد شعرها بقوة دلالة على سخطها من كلمات الفتاة العفوية ،لتطلق أنيناً يدل على تألمها ،فشد الشعر ليس بأمر هين ، لن تفهم ذلك إلا من جربته !.
-" إياكِ وقولها مجددا ،أنا لست أماً لاِبنة خائن ! أنا سيدتكِ وأنتِ خادمتي فقط ،تحرصين على راحتي ،على هذا الأساس ما زلتي هنا "
ألقت بكلماتها السامة مع نظرة الاحتقار التي لا تغادر محياها ،لا بأس لم تقصد ذلك ، فأمي تعاني من نوبات غضب حادة ،أجل هي تحبني فقط لاتعرف كيف تعبر عن ذلك ،تمتمت بين نفسها في محاولة إقناع نفسها أنها لم تتعمد الأذى ،ألقت بنظرة حادة ثم حركت ساقيها الرشقتين في تمايل ،تاركة الأخيرة ملقاة هكذا دون أدنى مسحة ندم . تنهض بتثاقل وهي تحاول رسم شبح ابتسامة راضية ،قائلةً :
-"حمدا لله لن ترميني خارجاً ،على الأقل ليس الآن "
نفضت الغبار عن ثوب نومها ،وهي تقود نفسها لدورة المياه كي تغتسل وأيضا تتخلص من آثار النعاس ،الذي ما يزال لا يأبى أن يفارق تقاسيم وجهها المكتنز ،يكفيها فقط ما جنته بسبب صهر ليلة البارحة في تأمل القمر المكتمل في أبهى حلة له وتصاحبه النجوم المتلألأة ،بنظرها رؤية مثل ذلك الجمال يستحق توبيخ والدتها في مقابله ،يشعرها بالطمأنينة وأن أيا ما تواجهه أو ستواجهه سيمر على خير ما يرام . غسلت وجهها بالمياه الباردة ليحمر خديها وأنفها إزاء ذلك ،فهي لها أفكار غريبة عن أنه لا فائدة من غسل الوجه بالماء الفاتر ،ففي الأخير ستشعر بالبرد أكثر من ذي قبل ،عكس غسله بالماء البارد الذي سرعان ما تعتاد عليه البشرة ،بعدما اِنتهت هندمت ملابسها الخفيفة المكونة من كنزة صوفية مع سروال رياضي واسع قليلا ،كلاهما باللون الرمادي ،ولم تنسى ترتيب خصلات شعرها الأشعت حالك السواد ،الذي يصل لمنتصف ظهرها على شكل قصة الذئاب ،ثم قامت بترتيب سرير العلية الذي تنام عليه لتغادر وكر أمانها للأسفل حيث يوجد المطبخ ،حاملة حقيبتها المدرسية لتضعها هناك حتى تنتهي من أشغالها وبعدها ترحل ،أمامها الكثير من الأشغال قبل التوجه للمدرسة ،بعدما أنهت تجهيزالإفطار على عجلة هرولت إلى الطابق الأول حيث غرفة أمها ،على عجلة كي تنهي رحلة تنظيف المنزل هذه قبل أن ينتهي الأمر بها تتجول بين أزقة الحارة بلا مأوى .
-" عندما أعود أريد أن أجد كل شيء يلمع "
وصلتني كلماتها الصاخبة بينما تغلق الباب من خلفها بعنف ،وفي نفس الوقت كنت أخطو آخر عتبات الدرج وأنا أحمل حقيبة ظهري في كتفي اليمنى وبيدي الأخرى أحمل مفاتيح المنزل بعجلة ،يا اِلاهي سأتأخر لن أصل في الوقت المحدد ، على ما يبدو لن أسلم من توبيخ تلك الشمطاء مجددا !. تللست خفية من نافذة الفصل بهدوء ثم زحفت ناحية مكان جلوسي بهدوء وروية ،كي لا تلاحظني وتنهال عليَّ بوابل المحاضرات عن أنه ينبغي الالتزام بالوقت وغيره من الهراء الذي لا أتذكره ،صدقا أعلم بكل ذلك ومسألة تأخري المتكرر ليس بيدي حتما .
-" أهلا الآنسة المبجلة ! أتخالين نفسكِ مالكة المكان كي تأتي وقتما يحلو لكِ !!؟ "
رأيت حذاء المعلمة المتجلي في كعب أسود ،ثم فستانها الطويل المخطط بالأبيض والأسود ،فوقه وزة بيضاء ،ولم أغفل عن تقاسيم وجهها الغاضبة وهي تعدل نظارها الطبية .تعالت هتافات التلاميذ الساخرة ،وأنا أنهض عن الأرض بمساعدة زميلي في الفصل ،وأرتب زيِّ المدرسي بتوتر ،يا لا الإحراج !.
-" سيدتي هي لم تتقصد التأخر ،لقد أُفسدت العجلة الخلفية لدراجتها الهوائية بسببي ، لذا لو سمحتي اِعفي عنها هذه المرة فحسب "
تحدث دفاعا عني ذاك الذي ساعدني بالنهوض ،كم هو لطيف ! ولكن لا يصح أن يكذب حتى لو كان لمساعدتي ، ثم أنني ما كدت أتحدث حتى قالت المعملة بنبرة غير قابلة للنقاش .
-" أعلم أنك طالب صادق ،لذا سأمررها هذه المرة فقط زين ، والآن الى مقاعدكم "
أخذت لي مقعدا فارغا والذي لحسن حظي هو بجانب زين ،وبدأت المعلمة في شرح درس التفاضل الممل ،أكره المدرسة وأكره الرياضيات ،جديا ما الفائدة من دراسة أرقام وحروف مجردة لا تمت للواقع بصلة !؟ ألقيت بنظرة امتنان لزين على مساعدته لي بينما أمرر له ورقة كتبت فيها شكرا بجانبها قلب ،وما ان مرر نظراته عليها حتى نظر لي وبادلني الابتسامة بينما أوجه نظراتي من عليه الى المعلمة التي سرعان ما تلاقت عينيا بها .
-" سنرى من سيضحك في الأخير آنسة كايتلين "
تلاشت ابتسامتي بعدما ألقت المعلمة البغضية بسم كلماتها ،اكرهكِ يا معلمتي مفسدة البهجة ،وأكره فصلي ؛فهو لأتفه الأسباب يضحك ،حتى أنه ذات مرة عطست وبدأ الجميع بالضحك ،وللآن لا أجد أي داعي للضحك !.مر الفصل أبطئ من الحلزون وأنا أحاول فقط فتح عينيا والتركيز في الدرس ولكن لا حياة لمن تنادي ،لكزني زين في ذراعي الأيسر بينما يهمس لي .
-" ما رأيكِ بأن نقضي الفسحة معا "
-" اأه ، في الحقيقة أجل ،لا أمانع "
-" عظيم "
-" آنسة كايتلين وانت سيد زين ،هل لديكما ما تشاركناه مع الفصل كي تعم الفائدة !؟ "
لئيمة بحق ! تلعثم زين بينما يلقي ببعض كلمات الإعتذار وإلاكنا سنعاقب لولا الجرس الذي دوى صداه أرجاء المدرسة ،كم أحب جرس المدرسة إنه بمثابة خلاصنا من حجيم الحصص .لملمت حاجياتي التي ألقيتها بإهمال في الطاولة .
-" هيا بنا كايت "
أغلقت سحاب حقيبة الظهر ووضعتها فقط على كتفي الأيمن على عجلة ،وهو حتى لم يسمح لي بأن أرد عليه ،فقط اكتفى بجرني من معصمي بلطف إلى خارج الفصل ،نزلنا الطوابق الثلاثة لأوقفه عن جري قائلةً :
-" زين ،إلى أين تأخذني ؟ لاأريد التأخر فنحن لدينا حصة أخرى كما تعلم ! "
تحدثت بقلق ،لاينقصني متاعب مع والدتي ،فأنا حتما سأكون في عداد الأموات .لاشك في أنه استشعر نبرتي القلقة ،ليقول بتنهد :
-" حسنا ،لا تقلقي سنعود أدراجنا ،ولكن سأرافقكِ للمنزل اليوم "
-" موافقة "
قلتها بابتسامة رقيقة ممتنة رسمتها على ملامحي .
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top