الفصل الرابع
﷽
بَينَ أَحضانِ الغَابةِ الوَاسعةِ الخَضراءِ، حَيثُ أَصواتُ حفيفِ الأغصانِ، تُسابقُ صَدی زَقزقةِ العَصافيرِ فِي ضَجيجهَا العَذبِ ذِي الأَلحانِ المُبعثرةِ، وَأمامَ نَهرٍ أَزرقٍ صَافِ المِياهِ، تَخللتهُ خُيوطٌ قُرمزيةٌ سُرعانَ مَا شَوهت لَونهُ الفَاتنَ.
جَلسَ أَسودُ الثيابِ يَنظرُ إِلی خَطِّ الدِّماءِ الذِي زَينَ المَاءَ، ثُم وَقفَ بِبطئٍ لِيخطوَ بِمحاذاةِ النَّهرِ، وَعيناهُ مُعلقتانِ عَلی اِنعكاسهِ.
فَوصلَ أَخيراً إِلی مَنبعِ الدِّماءِ، جُثةُ رَجلٍ فِي مُقتبلِ العُمرِ شَاحباً الوَجهَ .. مِنَ الوَاضحِ أَنهُ قَد فَارقَ الحَياةَ قَبلَ مُدةٍ، لَكنَّ السكينَ الَّتِي فِي مَعدتهِ تَقولُ أَنه قُتلَ عَمداً.
جَلسَ الرَّجُل القُرفصاءَ أَمامَ الجُثةِ، وَنزَعَ السِّكينَ ثُم وَقفَ، مَسحهَا بِمنديلٍ لِيضعهَا فِي جَيبِهِ وَيُخرجَ الجُثةَ مِنَ المَاءِ، ثُم وَبِبساطةٍ .. أَحرقَهَا.
تَحركَ بِبطءٍ وَاضعاً يَديهِ فِي جَيبِي بِنطالهِ.
بِضعُ خُطواتٍ رَسمتهَا رِجلاهُ، لِتطلَّ شَمسُ الصَّبَاحِ مِن بَينِ الأَغصانِ، وَتُقاومَ الغُيومَ الرَّماديةَ الَّتِي اِعترضتهَا، فَتعكسَ نُورهَا عَلی وَجهِ الرَّجلِ مُذكرةً إِياهُ بِأشياءَ، بَدتْ كَخيالاتٍ لِأشخاصٍ ظَهرتْ أَمامَ عَينيهِ.
وَضعَ يَدهُ عَلی جَبهتهِ مُستدركاً وُجهتهُ الَّتِي حَجبتهَا عَنه الشَّمسُ، مُكملاً سَيرهُ نَحوَ مُبتغاهُ.
.
.
.
.
.
.
.
فِي مَنزلٍ بَسيطٍ ذِي لَونٍ بُنيٍّ فَاتحٍ، طَغی اللونُ الأَخضرُ عَلی بُستانهِ، وَداخلهُ اِحتوَی عَلی شَخصينِ، بَدَا الأَكبرُ مِنهمَا جَالِساً عَلی كُرسيٍ أَمامَ الطَّاوِلَة، بَينمَا كَانَ الأَصغرُ يَغسلُ الصُّحونَ وَيُدردشُ بَينَ الحِينِ وَالآخرِ مَعه...
هَادئٌ هُو الكَبيرُ، عَلی خِلافِ أَسودِ الشَّعْرِ ذِي الِابتسامةِ المُشرقةِ، وَرُغْمَ هَذَا يُبادلُ الأَصغرَ بِالابتسامِ، عَيناهُ الصَّفْرَاوتانِ، تُشعانِ سُروراً يُخفيهِ هُدوءهُ التَّامُ، كَما لَو أَنهُ يَرغبُ بِشيءٍ، لَكنهُ لَا يَستطيعُ.
نَقرَ عَلی الطَّاولةِ بِسبابتهِ، لِينتبهَ لَهُ فَاحمُ الشَّعرِ وَيمسحَ يَديهِ ثُمَّ يَجلسَ بِجانبهِ.
أَمسكَ بِالقلمِ وَبدأَ يَكتبُ مُعادلاتٍ رِياضيةً بِه عَلى الدَّفْتَرِ، وَاضحٌ أَنهُ يُساعدُ الأكبرَ فِي دُروسهِ، أَليسَ مِنَ المُفترضِ أَن يَكونَ العَكسَ؟!! ..
. . .
نِصفُ سَاعةٍ مَرتْ لِينحنِيَ الصَّغيرُ إِلی الخَلفِ بِتعبٍ وَيقولَ: سَنتوقفُ هُنا، يَكفِي لِهذَا اليَومِ.
بَينمَا اِنخفضَ الشَّابُّ بِرأسهِ عَلی الطَّاولةِ، وَأحاطهُ بِذراعيهِ.
لَم يَلبثْ أَن وَقفَ لِيغادرَ المَطبخَ صَاعداً السَّلالمَ، مُتجهاً لِغرفتهِ.
نَظرَ الأَصغرُ إِلی أَثرهِ بِاستغرابٍ، فَسمَعَ صَوتَ هَاتفهِ.
أَخرجهُ بِسرعةٍ وَوَضعهُ عَلی أُذنهِ لِيأتيهُ الصَّوتُ:
_"مَرحباً، كَيفَ حَالـ .."
قَاطعهُ صَوتُ الفَتی المُنخفضُ "قُلِ المُهم" .. لِسببٍ مَا، بَدَا وَكأنهُ سَيكسرُ الهَاتفَ، قَد يَكونُ سَئِمَ سَماعَ الجُملةِ، أَو أَنه لَا يطُيقُ الانتظارَ .. لَكنْ فِي كِلتا الحَالتينِ، كَانتْ نَبرتهُ مُزعجةً للطرفِ الآخرِ، فَتنهدَ بِغضبٍ لِيقولَ:
_"لمَ لستَ صبوراً ها؟! .. أَلا تَعلمُ كَم تَعبتُ حَتی حَصلتُ عَلی المَعلوماتِ، وَأنتَ بِبساطةٍ لَا تُقدرُ شَيئاً."
لَم يَلقَ رَداً مِنَ الفَتی، فَهوَ الآنَ كُل هَمِّهِ أَن يَحصُلَ عَلی مَا يُريدُ.
هَزَّ الفَتی قَدمهُ بِاستمرارٍ دَلالةً عَلی نَفاذِ الصَّبرِ .. هُو يَعلمُ أَن الذِي عَلی الخَطِّ شَخصٌ سَيءٌ، وَفِي كُل الأَحوالِ سَيجيبهُ، يَكفي أَن يَعرفَ أَنهُ سَيحصلُ عَلی المَعلوماتِ عَاجلاً أَو آجِلاً، لَكنَّ الطَّرفَ الآخرَ يُحبُّ التَّأجيلَ فَقط.
تَنهدَ الفَتی قَائلاً "أَرسلْ لِي المَعلوماتِ."
لَم يَنتظرْ سَماعَ الرَّد، بَل أَغلقَ الهَاتفَ وَرماهُ عَلی الطَّاولةِ ذَاهباً لِغرفتهِ.
.
.
فِي رُكنٍ آخرَ مِنْ هَذا المَنزلِ البَسيطِ، وَعندَ الشُّرفةِ ذَاتِ السَّتائرِ البَيضاءِ التي تَتمايلُ جِيئاً وِإياباً بِسببِ الرِّياحِ القَويةِ.
وَقفَ بُني الشَّعرِ مُستنداً بِساعديهِ عَلی الحَافةِ يَنظرُ إِلی اللا شَيء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم أيها القراء 😊
أتمنی أنكم بخير🌼
حسنا ما رأيكم في الفصل؟
إنتقاد أو نصيحة؟ ..
وأخيرا لا تنسو التصويت إن أعجبكم الفصل 😊
دمتم بخير🌸
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top