الفصل الثاني

أَمامَ ذَلكَ المَبنَیٰ الأبيضِ ذِي الطوابقِ الكثيرةِ الجَوفاءِ، والحَديقةِ الخَضراءِ ذَاتِ الكَراسِي المُتوزعةِ فِي أَركانِهَا
.

اِنْحَنَیٰ الطِّفلُ صَاحبُ الكِتابِ يَلتقطُ أَنفاسهُ المُتقطعةَ، مُمتزجةً بِأصواتِ العَصافيرِ وَحفيفِ الأَشجارِ ذَاتِ الأَغصانِ الطَّوِيلَةِ البَاسقةِ، اِستقامَ فِي وَقفتِه، وَأخذَ يَلتفتُ يَميناً وَيَساراً بِبطئٍ كَمنْ يَستطلعُ وُجهتَهُ، نَظرَ إِلی أَعلی البِناءِ نَاطقاً بِسعادةٍ كَتَمها صَوتُه المُنخفضُ "أخيرا وصلتُ"

ثُم تَقدمَ عِدَّةَ خُطواتٍ حَتی وَصَلَ أَمَامَ البَابِ، وَلَا يَزالُ قَلبُه يَخفِقُ أَملاً بِلِقاءِ الشَّخصِ المُنتظرِ.

وَمَا إِن دَخلَ، حَتی تَسللَ إِلی رِئتيهِ هَواءُ المَشفَی المَلِيءُ بِالمعقماتِ وَمَوادِ التَّنْظِيفِ.

فَظَهرتْ اِبتسامةٌ عَلی مَحياهُ غَطتهَا كِمامتُهُ، إِنْ دَلَّتْ عَلى شَيءٍ مَخفيٍّ فَهوَ حَنينٌ اِختلطَ بِرائحةِ هَذا المَكانِ الأَبيضِ القَديمِ.

أَخرجَ مِن جَيبِهِ وَرقةً صَغيرةً، حَدقَ بِها قَليلاً ثُمَّ أَعَادَهَا إِلی مَكانِها.

ثُمَّ مَشیٰ وَتَخطَّی المُمرضينَ والمَرضَی الذِينَ بَدَا عَليهمُ الشُّرودُ ..
أَوْ لِنقلْ آثارُ المَوتِ! .. أَجل فَتِلكَ الوُجوهُ تَائهةٌ .... كَجسدٍ بِلا رُوحٍ؟! .. هَكذَا سَأصِفُهَا.


صَعدَ السَّلالِمَ بِسرعةٍ وَعبرَ المَمَرَّ لِيسمعَ بُكاءً وَنَحِيباً أُنثوياً، فَالتفتَ لِيرَی مُمرضتينِ تحتضنانِ بَعضهمَا أَمامَ إِحدَی غُرفِ المَرضَی.

كَانتِ الأُولَی تُربتُ عَلی كَتِفِ الأُخرَی، بَينَما تُواسِيهَا بِكلماتٍ رَقيقةٍ تقَطعتْ بِسببِ شَهقاتِها.

فَأرَادَ أَن يَسألهُمَا .. لَكِنَّهُ تَراجعَ وَأكملَ سَيْرَهُ.

.

.

.

.

.

فِي حَديقةٍ جَميلةٍ مُخْضَرَّةٍ، اِمتلكتْ أَشجاراّ كَبيرةً وأَزهاراً زَاهِيةَ الحُلَّةِ وَاللونِ، أَخذَ الأَطفالُ يَلعبونَ وَيمرحونَ فِي كُل اِتجاهٍ مِن ِتلكَ السَّاحَةِ، وَضحكاتُهم تَتَحولُ بَينَ حِينٍ لِآخرَ إِلَی صُراخٍ أَو بُكاءٍ، مَا كَانَ لِيُزعجَ عَجوزاً وَحيداً إِن كَانَ إِليهِ يُنصتُ.


تَوقفتْ مَرأةٌ نَاهزتِ العَقدَ الخَامِسَ مِن عُمرِهَا، أَمامَ شَجرةٍ بَدتْ مِن فُروعِها اليَابسةِ، وَأغصانِها عَديمةِ الأوراقِ أنَها عَجوزٌ قَد بَلَغ بِها الزَّمَانُ مَبلغهُ.


جَلستْ بُنيَّةُ الشَّعْرِ عَلی رُكبتَيهَا، وَاقترَبتْ مِن الشَّجرةِ لِتلمسَ جِذعَها المُتشققَ بِترددِ ظَهرَ بَينَ رَعشاتِ يَدِهَا.


ثُم عَادتْ بِها لِتضعهَا عَلَی وَجههَا، لَم تَلبثْ أَن بَكتْ بِحرقةٍ بَعدهَا، ضَامَّةً كَفَّهَا الأُخرَی إِلی عَينيها تَجهشُ بِالبُكَاءِ.


بَعدَ ثَوانٍ سَمعتْ صَوتاً يُنادِيهَا
"آنسة آكيمي .. يا آنسة آكيمي"


يتبع...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السلام عليكم أيها القراء

أعتذر علی الفصل القصير لكن عندي ظروفي المهم

رأيكم في الفصل؟

انتقاد أو نصيحة؟

اتمنی أن ينال إعجابكم🌸

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top