الفصل العاشر
ساد صمت رهيب ثم تحدثت ليدى كاردون قائلة :
_ اذن فانت هنا ايتها الطفلة المتعبة بينما نحن نبحث عنك فى كل مكان وقد انتابنا القلق
عليك ، كيف يمكنك ان تكونى بهذه الانانية؟
قال اللورد كاردون بخشونة :
_ ان الامر اسواء فقد اضررت سير روبرت لان يستضيفك وهو غير راغب بذلك ،لاننى
بالطبع لااعتقد ان قد دعاك للاقامة هنا.
وجدت نيرينا صوتها فغمغمت قائلة:
_ كلا لست هنا بناء على دعوة.
كانت قلبها يدق بعنف،والان ادركت انها لم تعد تخشى عمها ، عبرت الحجرة حتى اصبحت
فى مواجهة عمها وقالت بهدوء :
_ لدى ما اخبرك به ياعمى هربرت ، وهو شئ اخشى ان يصدمك.
_ لو كنت تفكرين فى الاعتذار عن هربك فدعينى اقول لك اننى غاضب تماما ولن يغير
ما سوف تقولينه من قرارى بعقابك بما تستحقين.
_ اخشى ان تجد عقاب يناسب الجريمة ، ذلك لان اليزابيث ليست هنا وقد حللت انا مكانها.
صاحت ليدى كاردون فى فزع ، اما لورد كاردون فقد قال مواجها حديثه لسير روبرت :
_ اين ابنتى ؟
فقال سير روبرت بعد تردد:
_ لست بمستطيع ان اجيب على هذا السؤال ، ومعلومات ابنة اخيك فى هذا الصدد افضل
من معلوماتى.
_ ما الذى تقصده بحق الشيطان ؟ ما هذا الهراء يا نيرينا؟
_ ان اليزابيث قد تزوجت وهى الان مع زوجها كابتن ادريان باتلر.
كان لكلامها وقع الصاعقة فقد صمت لورد كاردون على الفور وغاض الدم من وجه ليدى
كاردون وشارفت على الاغماء، ثم هدر اللورد كاردون قائلا :
_ ما هذا الحمق الجنونى؟ كيفتجرؤين على التفوه بهذه الاكاذيب وتتوقعين منى ان اصدقك؟
وانت يا روث كيف تقف صامتا لتستمع الى هذا اللغو الفارغ ؟ اطردها من بيتك ودعنى
ارى ابنتى على الفور؟
قال سير روبرت بنبرته الهادئة :
_ اخشى ان يكون ما سمعته حقيقى .
_ حقيقى !...ولكن كيف تكون الحقيقة ؟ لقد تزوجت ابنتى بالامس !و اصطحبتها
بنفسى الى الكنيسة ، هل اصيب كل من كان هناك بالجنون ؟ هل تطلب منى ان اشك
راته عينى ؟
_ اخشى ان يكون هذا بالضبط ما اطلبه منك.
تطلعت ليدى كاردون الى نيرينا فى ذهول وفى عينيها نظرة تسال جعلت اللورد يتجه الى
ابنة اخيه ايضا ، وجدت نيرينا ان عليها ان تتكلم فقالت بهدوء:
_ لق اخذت مكان اليزابيث.
صاح اللورد كاردون وهو يتقدم الى الامام ويمسك بذراعها :
_ انت ايتها الشيطانه الصغيرة ؟انت التى وضعت الخطة فاليزابيث ليست لها الحراة على
تنفيذها ، ايتها الفاجرة يا ابنة الفاجرة ، انت التى اويتك فى منزلى واحسنت اليك ، لو
كنت تظنين انك قد خدعتينى فقد اخطات ، ان اليزابيث لم تبلغ السن القانونى بعد وسوف
اعيدها للمنزل واضربها حتى تحسن السلوك اما انت فسوف القنك درسا لن تنسيه.
وبدا يهز نيرينا بعنف وفجاة وجدت نفسها وقد تحررت من قبضته وسير روبرت يقف بينهما.
قال فى غضب :
_ آسف يا لورد كاردون فلن اسمح لك بضرب زوجتى .
_ زوجتك !
كانت ليدى كاردون هى التى نطقت بالكلمة التى بدت صيحة عالية ، اما سير روبرت فقد
استطرد قائلا :
_ ان ما اخبرتك به ابنة احيك هو الحقيقة ، فلقد اخذت مكان اليزابيث واصبحت زوجتى
، ان الزواج قانونى تماما رغم انه تم فى ظروف تدعو للاسف ، ولكننا لن نجد شيا من
العنف والتطرف سوى الفضيحة،اعتقد انه يجدر بنا يا سيدى اللورد ان نناقش هذه الاموار
فيما بيننا على انفراد.
ودون ان ينتظر رده اتجه سير رويرت الى الباب فاضطر لورد كاردون ان يتبعه ، وما
ان اغلق الباب حتى قالت ليدى كاردون :
_ ايتها الفتاة الجاحدة للجميل ، كيف يمكنك ان تفعلى ذلك.
_ اذا كنت تقصدين زواجى من سير روبرت فاننى اوكد لك انه كان الوسيلة الوحيدة
التى اضمن بها هروب اليزابيث كى تجد السعادة مع من تحب.
_ هراء فانها لم تكن قد تعرفت على الشاب بعد ، كيف لها ان تحب شخصا لا تعرفه؟
_ لقد كانت تلتقى به كل يوم حتى اكتشف لورد كاردون امرهما فى الغابة ،ثم ان الحب
المضطهد ينمو اسرع.
_ وسوف يعيدها الى المنزل ويعلن عدم شرعية زواجهما.
_ وفى حالة انجابها طفلا فهل تعلنان ايضا عدم شرعيته؟
اطلقت ليدى كاردون صيحة فزع و قالت :
_ كيف يمكنك ان تتحدثى فى مثل هذه الاشياء ايتها الشقية ، اصمت يا انسة.
_ يبدو انك نسيت يا زوجة عمى اننى لم اعد انسة ، واننى و زوجى سنتوجه الان الى
قلعة روث.
_ زوجك ! له من زواج جميل ذلك الذى يخدع فيه الرجل بالزواج من فتاة طائشة مفلسة
سيئة النشأة ، فتاة لا تستطيع ان تحتفظ بكرامتها فى منزل مخدوميه.
_ هذا ليس صحيح ، فان عمى هربرت لم يرسلنى قط الى منزل محترم ، وقد كان يريد
ان يجرنى عن عمد الى الحضيض.
وقبل لن تجيب ليدى كاردون فتح الباب ودخل لورد كاردون ، وشعرت بفرح غامر وهى ترى
لورد كاردون يتجه الى زوجته ويقول لها :
_ هيا بنا يا آن ، سنترك هذا المنزل لنكمل رحلتنا.
وبطريقة الية نهضت لتسير الى جوار زوجها بدون ان تنظر الى نيرينا ، نهضت نيرينا عندما
اخبرها احد الخدم ان العربة فى انتظارهما ، فهبطت الى البهو ، قال :
_ لن نلحق بالقطار اذا لم نسرع.
لم يحدث اثناء الرحلة الى ضيعة روث مال يستحق الذكر ، فلم يكن باستطعتهم التحدث حتى ولو
ارادت التحدث بسبب ضجيج القطار .
وصلا الى بندل بعد الظهر ، وهى مدينة صناعية صغيرة بالقرب من ضيعة روث ، وهناك وجدا
العربة فى انتظارهما فى فناء المحطة ، لاحظ سير روبرت ان نيرينا ترتجف قليلا وحين سالها ان
كانت تريد ان تغلق نافذة العربة اجابت :
_كلا ، اننى افضلها مفتوحة ، فاننى اتحرق شوقا لرؤية الريف فى هذه المنطقة.
_ ستجدينه مختلفا عن الريف المحيط بروان فيلد ، فالريف هناك زراعى تماما اما هنا فلدينا مدن
صغيرة تقوم على صناعة النسيج ، امامك احد المصانع الجديدة.
قال ذلك وهو يشير الى مصنع قبيح الشكل ، وحوله ثمة منازل كئيبة متهدمة فقالت نيرينا :
_ هل يعيش عمال المصانع هنا فى تلك المنازل ؟
_ اعتقد ذلك فمعظم اصحاب المصانع فى هذه المنطقة يستخدمون الاطفال.
_ لقد قرات فى صحيفة ما نقد لاستخدام الاطفال، وكان المقال يصف ما يقاسونه من ظروف
غير انسانية وكيف انهم يجلدون كى يظلوا مستيقظين للعمل ، هل تعتقد انه يجدر معاملتهم بهذه
الطريقة ؟
_ من الصعب الحكم اذا كان هذا خطا ام صوابا ، فاننا اذا اردنا انعاش تجارتنا ومنافسة
البلاد الاخرى فعلينا ان نحصل على العمالة الرخيصة التى يوفرها لنا هولاء الاطفال.
_ انت تتحدث وكأن هولاء الاطفال من جنس اخر ولكنهم ينمون ليصبحوا رجالا ، وسوف
يصبحون جيلا مشوها عاجزا مريضا يدين انجلترا ويصمها بالعار.
_ هذا موضوع جدير بان يناقش فى البرلمان لو كانوا بصدد اصدار قانون للاصلاح ، هل
قرات الراى فى الجريدة؟
_ كلا لقد فكرت فيه بنفسى ، ويبدو لى انه حان الوقت كى تهتم المراة بالسياسة ، وانا
اعتقد ان معظم السياسين امثالك يهتمون بالامور الخارجية فقط ، يتحدثون عما يحدث فى اليونان
وتركيا وايطاليا ،لكنكم نادرا ما تفكرون فيما يحدث هنا فى الوطن ،لقد حدثت هنا منذ سنوات
اضرابات وشغب مخيف قمعه الجنود بالقوة ، لكن الشغب يحدث لان الناس يجدون معاملة غير
عادلة ويتركون ليموتوا جوعا فى حين يثرى الاغنياء.
_ ارى اننى قد تزوجت مصلحة اجتماعية، هل ترغبين فى اصلاح هذا؟
واشار الى منازل تشبه العشش يغلفها دخان المناجم والاطفال يلعبون فوق اكوام التراب والقمامة،
وشاهدوا ايضا بضعة رجال ينحنون على بوابة النجم ثم يتطلعون الى العربة وهى تمر بهم ثم
يبصقون فى الطريق .
لاحظت نيرينا موجة من السخط العام هذه فصاحت قائلة :
_ الا يمكن عمل شئ لنظافة هذا المكان ؟ الا يمكن ان نجعل حياة هولاء التاس اكثر اشراقا؟
_ ماالذى تتوقعين ان يفعله اى انسان ؟ انهم يتقاضون اجوار مجزية لكن المتاعب تأتى من
هولاء المشاغبين الذين يحرضونهم على الشغب الذى يضر بهم اخر الامر .
_ ربما كانوا يشعرون بانهم يعاملون معاملة غير عادلة؟
_ ولكن الامر ليس كذلك فانا صاحب المنجم..وكذلك القرية ..هل لديك اقتراحات؟
_ اقتراحات كثيرة لاادرى ما الذى ابدا به.
كانت تفكر فى هولاء الناس البائسين ، بجب ان يفعل احد شئ من اجلهم ، وفجاة شعرت نيرينا
بعجزها وصغر سنها ، وها هى مسئوليتها الجديدة تفزعها ، انها لا تريد ان تحقق طموحها الاجتماعى
فقط فهى تشعر ان عليها القيام بشئ اخر ، شئ اكثر اهمية من اقتناء الثياب الفاخرة والمجوهرات
والذهاب الى الحفلات ، انتبهت وهى تسمع سير روبرت يقول لها :
_ هذه هى روث.
كانا قد تركا منطقة المصانع وظهرت مظاهر الطبيعة الان واضحة رائعة الجمال ، وشاهدت نيرينا
القلعة ، لم تكن تتوقع ان تجدها بهذه الفخامة والجمال ، لقد كانت تجمع بين فن المعمار فى عصور
مختلفة ، فبرجها من العصر النورماندى واحد اجنحتها اليزابيثى،تذكرت نيرينا انها كانت تتوقع ان
تكره القلعة ولكنها وجدت نفسها تهتف مشيدة بجمالها فقال سير روبرت :
_معظم الناس يبدون اعجابهم بالقلعة.
_ ليس فى هذا ما يدهش ولابد انك فخورا بها ايضا فمن الرائع ان يكون للانسان شئ وراثه عن
اجداده ، شئ ينتمى اليه.
كانت تتحدث فى اخلاص لكنها لدهشتها رات سير روبرت وقد اكتسى وجهه بالحنق وكانها وجهت
اليه اهانة ، وقال باقتضاب :
_ انك مخطئة فقد ترك لى احدهم القلعة والضيعة لكننى لم ارث ايا منهما.
_ لكنك تحمل نفس الاسم ، فانك تدعى روث وكذلك اسم القلعة.
_ سارضى حب استطلاعك يوما ما ولكن ليس الان.
نظرت نيرينا اليه وقد استولت عليه الدهشة للطريقة التى قال بها ذلك ، وفكرت ، ما الذى قالته فسبب
غضبه؟ ولكنها سرعان ما نسيت ذلك فى غمرة اعجابها وذهولها لجمال القلعة، وقال سير روبرت :
_ اننى فى حاجة للاغتسال قبل تناول الشاى ، ولكننى اشعر بالعطش فعليك ان تتحملينى كما انا..
انفرجت شفتى سير روبرت قليلا ثم قال:
_ سنتناول الشاى ثم اصطحبك الى الطابق العلوى كى نلتقى بجدتى.
_ هل هى هنا ؟ لم تكن لدى فكرة انها تعيش فى القلعة .
_ انها متقدمة جدا فى السن فهى تناهز الثمانين واعتقد انك ستجدينها مسلية الا اذا شعرت بالخوف
منها طبعا ، اه ، لقد نسيت انك لا تخشين احدا.ها.ها.ها.
_ لست واثقة من اننى استطيع اعتبار هذا مديح...ما الذى يضحكك؟
_ كنت افكر فيما حدث عندما تركت هذا المنزل منذ يومين ، من الصعب ان يسخر المراء من نفسه
لكننى بالتاكيد لم تكن لدى اى فكرة عما ينتظرنى عند كنيسة روانفيلد.
_ ان العقاب يصيبنا جميعا فى الوقت المناسب.
_ ارجو ان اراك تعاقبين سريعا، سيسرنى ذلك بالتاكيد.
_ هل ستخبر جدتك بالحقيقة؟
_ اذا لم نخبرها ستكتشفها هى بنفسها فهى حاذقة وذكية ، وحين طرات على فكرى الان تصورت
انك تذكريننى بها .
صاحت نيرينا فى دهشة :
_ اذكرك بها؟
_ نعم فلك نفس طريقتها فى السلوك واخضاع الاخرين لارادتك ، اتوقع ان تستطيب كلاكما الاخرى
فاننى اشفق على اى انسان تتخذ منه جدتى موقفا عدائيا.
_ انك بالتاكيد تحاول الايحاء الى كى اتوجس منها خيفة .
وبعد ان تناولا الشاى صحبها سير روبرت للطابق الاول ، فشاهدت اولا حجرة النوم فشعرت بالخجل
وهى تبدى اعجابها بها ، وبعد ان اصلحت ملابسها قالت :
_ والان انا على استعداد للقاء جدتك.
تقدمها سير روبرت فى ممر طويل ثم طرق احد الابواب وبعد لحظة وجدت نيرينا نفسها فى حجرة غريبة
الشكل حجرة لم تر مثلها فى حياتها ، فى الفراش رات السيدة العجوز .
كان وجهها مجعدا ورغم ذلك كانت تضع المساحيق على وجنتيها و شفتيها ، وبدت روموشها حالكة السواد
وكانها فى الثلاثين ، وفوق كل هذا وضعت شعرا مستعارا له جدائلا صفراء براقة .. و رغم انكماش
جلد يديها وظهور العروق بها ، فقد كانت تتتحلى بكل انواع المجوهرات الاحجار الكريمة ، وقفت نيرينا
لحظة وقد صعقتها الدهشة واستطاعت ان تلاحظ عينى السيدة نرمقها بنظرة فاحصة ، قال سير روبرت
وهو يرفع اصابعها الى شفتيه :
_ كيف حالك يا جدتى ؟
_ فى احسن حال ، هل هذه زوجتك ؟ لقد ظننت انها شقراء الشعر مثلى ؟
_ ساشرح لك هذا فيما بعد ، هذه هى نيرينا يا جدتى ، زوجتى نيرينا ، واسمحى لى يا نيرينا ان اقدم
لك جدتى صاحبة الفخامة المركيزة دروكسبراه.
لم تستطيع نيرينا ان تفكر بل خرجت الكلمات من بين شفتيها بلا وعى وهتفت:
_ لكن هذا ليس اسمها بالتاكيد، لا يمكن ان يكون هذا هو اسمها.
نهاية الفصل العاشر
�a�$X�b
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top