الفصل الثامن
جلس سير روبرت الى منضدة الكتابة وهو يطل من النافذة على ميدان براكلى ، ورغم ازدحامه باطفال
يلعبون فى الحديقة وبكبار يمضون الوقت فى الثرثرة فأن افكار سير روبرت كانت مشغولة بشئ اخر،
واسترعى انتباهه عربة اجرة توقفت امام المنزل ، واذا كانت العربة مفتوحة فقد استطاع سير روبرت
ملاحظة زوجته بداخلها ، لكنه لم يتعرف عليها بسهولة ذلك لان شكلها بدا مختلفا تماما ، كانت ترتدى
ثوبا على اخر صيحة من باريس ، ولم يكن ليصدق ان هذه السيدة الرشيقة المتناهية الاناقة التى
تهبط من العربة هى بعينيها التى التقى بها سير روبرت فى روان فيلد .
وما ان هبطت نيرينا من العربة ووصلت الى الباب حتى خرج خادمان ليحملا الى الداخل ما كان فى
العربة من صناديق ، واستغرق منهما ذلك بعض الوقت حيث ان مشتريات نيرينا كانت كثيرة جدا ،لم
يتحرك سير روبرت من مكانه وهو يراقب ما يجرى ، لم يكن يصدق ما يجرى ، وانه من المستحيل
على اى رجل ان يخدع من فتاة لم يكن ينوى الزواج بها ، ورغم هذا فهو لا يستطيع ان يفعل شئ
حيال ذلك .
ماذا كان فى استطاعته فى الحقيقة ان يفعل ، ان تهديدات نيرينا لو تؤثر فيه بقدر اقتناعه بان اى
تصرف منه سيجعله اضحوكة الجميع ، وتخيل اعدائه وهم يضجون ضحكا ، وحتى اصدقاءه ما كالنوا
ليستطيعوا اخفاء ابتسامتهم ، ذلك لان قليلا من الناس هم الذين لا يتمتعون برؤية الاقوياء يسقطون.
كان سير روبرت قد قضى الليل كله مستيقظا يحترق بنار الغضب ،واحس بانه يريد ان يؤذى شخصا
ما ، لكنه عندما هبط لتناول افطاره اخبره الخادم بان السيدة قد خرجت للتسوق ، وكان سير روبرت
يدرك تماما بان الخدم كانوا يثرثرون ، فان الجو المحيط بالعشاء فى الليلة السابقة لم يكن ليمر بدون
ملاحظتهم ، فقد ذهبت العروس الى حجرة نومها واغلقت الباب على نفسها ، اما سير روبرت فقد
اوى الى حجرته الخاصة .
اما نيرينا فقد كانت قد قالت لبيسى :
_لا تتحدثى الى الخدم ولنتركه يتصرف اولا ، ولدى احساس بانه لن يصمت طويلا
_اوه يا مس نيرينا ، ماذا سنفعل لو كان سير روبرت شريرا؟
_ ان ذلك يعتمد على ما تعنيه بكلمة شرير ، انه بالطبع لن يبدى اى مودة وانا بالطبع
لااتوقع هذا ، لكنه لو تقبل الموقف بدون ضجيج فسوف اكون لطيفة معه كذلك.
_ وماذا عن لورد كاردون ؟
_ اننى فى الحقيقة لم اعد اخشاه ، فما الذى يمكن ان يفعله ؟ سيتملكه الغضب بالطبع لانه
خدع ، ولكنه ايضا سيبدو احمق لو عرف الناس الحقيقة.
_ لكن التاس سيتكلمون على اى حال.
_ بالطبع سيفعلون ، ولكن لنفرض ان كلا من عمى هربرت وسير روبرت ايدا ما حدث ، وقالا
انهن كانوا يعلمان بذلك طول الوقت ، ويستطيعان ان يفسر ذلك بان تغير الخطط قد تم بع ارسأل
الدعوات للاصدقاء وان معظم المعارف المقربين قد علموا بالتغير الذى حدث ، ويمكن ان يكون
الشخص الذان يتحدثان اليه هو الاستثناء الوحيد دائما ، ماذا يمكن للغرباء ان يفعلا عند اذا سوى
ابداء الدهشة والعجب.
والان ها هى تعود من الخارج ليخبرها رئيس الخدم بان سير روبرت فى حجرة المكتب ، فدخلت
الى الحجرة وقالت وهى تخلع قفازها:
_ لقد قضيت صباحا ممتعا للغاية ، اعتقد انك قد تلقيت رسالتى.
_اخبرنى الخادم بانك قد ذهبت الى التسوق.
_ نعم هذا صحيح ، ذهبت لشراء ثياب لانه لم يكن لدى ما ارتديه فقد اخذت اليزابيث كل شئ
وليس فى حقائبى سوى اوراق الحقائب وبطاطين ممزقة.
_ اذن فقد كنت تشترين ملابس العرس ! وتتوقعيت ان ادفع ثمنها ؟
_ نعم فقد شعرت انك ستسر لذلك ، لم اكن واثقة اننى استطيع استخدام اسمك فى الشراء من
بعض الحوانيت ، لكننى وجدت ان لك شهرة خاصة فى حوانيت اخرى ، وفى حانوت برجس نسيت
ان اذكر انى زوجتك فاخبرنى الرجل بانك اشتريت بضعة اشياء قيمة لسيدات جميلات كانت اخرهن
ليدى كلمنتين.
_ عليهم اللعنة ، ليس لهم الحق فى التشهير بى على هذا النحو ، سانهى تعاملى معهم.
_ ليس لك ان تلومهم فانا التى استدرجتهم فى الحديث ، اردت ان اعرف ذوقك فى اختيار الاشياء،
لقد اعجبتنى مثلا المظلة التى ابتعتها لمدام بيانكو من حانوت درورى لين ، لماذا تكلره مناقشة هذه
الاموار ؟ اعتقد انه لابد لنا ان نكون صريحين ، فانا اكره الخداع.
_ انك بالطبع لا تنتظرين منى ان اصدق ذلك.
_ ولم لا؟ هل لاننى اضطرت للكذب للوصول الى اهدافى ، اننى لا افخر بذلك ولكان هذا شئ
مختلف تماما فاننى حريصة على ان تكون الصراحة هى مبدؤنا وها انا اخبرك اننى انفقت مبلغا
ضخما من مالك فى شراء ثياب جديدة لى.
_ لايهمنى ذلك فهذه مهزلة يجب ان تنتهى ولابد ان نصل الى اتفاق مشترك.
_ هذا بالضبط ما تمنيت ان تقوله ، وكلما كان ذلك اسرع كلما كان ذلك افضل.
_ هذا الموقف غير محتمل.
_ بالنسبة لمن ؟ اننى اجده مريح تماما فانا احب منزلك واحب ان اكون زوجتك.
_ انك لست زوجتى ، فاننى لم اكن انوى الزواج منك والشئ الذى لابد ان نفعله الان هو ان
ننهى هذا الموقف.
_ ليس هناك ما يمكنك ان تفعله ، فان اليزابيث فى طريقها الان الى الهند ، وسوف يكتشف عمى
وزوجته هذا الصباح اختفائى من منزله ، ولكنه لن يربط بين ذلك وبين زواج اليزابيث ، ولا اظنهما
سيحضران الى لندن ليسالا عن امر اختفأئى ويزعجان اليزابيث فى شهر العسل ، وبعد ان يقوم عمى
بالتحرى فى المنطقة لن يفعل سوى ان يكمل رحلته مع زوجته الى اوربا.
_ هل تقصدين ان لورد كاردون لن يشعر بالانزعاج لاختفاء ابنة اخيه فى الليل ؟
_ الى حد ما ، ولكن السبب الرائيسى فى ذلك سيكون انبعاثه الخوف من كلام الناس ، لكن اذا
كنت تقص انهما سينزعجان لاختفائى كانسان فالاجابة هى كلا .
_ لا استطيع ان اصدق ان ما تقولينه هو الحقيقة فانك قبل كل شئ ابنة اخ اللورد كاردون .
_ لست سوى الثمرة التعيسة لزواج اخيه من امراة اعتبرتها عائلته شخصا غير مرغوب فيه ، لان
امى لم تكن سوى مغنية اوبرا ، لذلك كان عمى وزوجته كان ينظران اليها على انها امراة فاجرة .
_ لكن هذا ليس خطاك فى شئ.
_ الم تسمع بان اخطاء الاباء يدفع ثمنها الابناء؟
_ لكنك تبالغين فان عمك هو الذى رباك فى منزله ونشأت مع ابنته.
_ نعم حتى اصبح لى من العمر ما يسمح بان اكسب قوتى بنفسى ، وفى يوم احتفال الحديقة كنت عائدة
من عملى كمربية للمرة الثالثة، لم اعد لاننى اريد العودة لكن لاننى لم استطيع مقاومة مغازلات مخدومى
الجريئة ، ان هذه قصة طويلة لن ادخل عليك السأم بسماعها لكن يكفى ان اخبرك بانه كان يعرف بكل
الاماكن التى كان يرسلنى اليها ويعرف اننى ساكون معرضة للخطر ، ومع ذلك كان يرسلنى اليها عن عمد،
اننى لااقول انهذا من اجل تحقيق هدفا ما ، فقد اردت فقط ان ابرهن لك انىى اكره الخديعة والمكر.
انحنى سير روبرت بطريقة ساخرة وقال:
_ اعتذر ، وأرى ان آرئى لا قيمة لها بالنسبة لك..
_ كلا ولكن لاننا زوج وزوجة فلابد لنا ان نكون صرحاء..
_ اعتقد من طريقة حديثك انك تقصدين ان فى نيتى ان اسمح لك بان تظلى زوجتى.
_ ليس هناك ما تفعله بهذا الصدد ، هل لديك طريقة تتخلص بها منى ؟
_ اننى ارفض الذهاب الى باريس فسوف يكون هذا مهزلة .
_ اوافقك على ذلك فان ذلك سيبعث السام والكابة ، لكننى افهم انك لاتريد ان يعرف الناس بوجودنا فى
لندن ولذلك فانى اقترح الذهاب الى ضيعة روث ، فاننى اريد ان ارى منزلى فى المستقبل ، لكن ليكن
مفهوم باننى لن اشحن الى هناك.
_ اين كنت عندما استمعت الى حديثى الى ليدى كلمنتين؟
_ وهل لذلك اهمية ؟ اننى حتى هذه اللحظة لم اكن اعرف ان الرجال يخترون زوجاتهم بمثل هذا البرود.
_ كانت لى ظروف خاصة ، فصاحبة الجلالة امرتنى بالا أظهر فى القصر الا اذا تزوجت.
_ ومن سوء حظك ان عواطفك كانت مشغولة بسيدة اخرى ، لابد ان ليدى كلمنتين ستغضب خين لا
تجدنى ساذجة مثل اليزابيث.
_ لقد اخبرتك باننا لن نناقش موضوع ليدى كلمنتين.
وتسالت نيرينا عما سوف يقوله سير روبرت عندما يضطر لان يشرح لعشيقته ما حدث من تغير.
وتصادف ان حصلت هذه المواجهة باسرع ما يمكن ، فانه بعد تناول الغذاء عبر سير روبرت عن
رغبته فى الذهاب الى النادى ، فذكرته نيرينا بالا ينسى انه فى شهر العسل ، فقال بغيظ:
_ لن انسى ذلك، لكن ما الذى تقترحينه؟ هل نسير وكل منا يمسك ذراع الاخر فى الحديقة؟
_ ارجو ان تعود فى موعد العشاء والا فسوف امر عليك فى النادى ، لاننى احب الذهاب الليلة الى
الاوبرا.
_ ماذا تقولين ؟ الا تعرفين ان السيدة التى تمر على رجل فى النادى تشوه سمعتها الى الابد ؟
لكنه عاد قبل العشاء فغمغت نيرينا لتفسها بانتصار((اذن فهو يخشانى )) ارتدت اكثر الثياب التى
اشترتها اناقة واحست بقيمتها وهى تخطو الى مسرح جلالة الملكة ، وعرفت انها لاتقل جمالا عن اى
سيدة من الحاضرات ،وفى فترة الاستراحة لاحظت ان نظرات سير روبرت متجهة الى ناحية معينة ،
وعندما تتبعت نظرته كاد قلبها يقفز من بين ضلوعها ، فان نظراته كانت متجهة الى سيدة كانت على
وشك ان تدخل احد المقصورات كانت ليدى كلمنتين.
بدت غاية فى الجمال ترتدى ثوب عارى الصدر وتتحلى بلآلى انعكست عليها الاضواء. استدارت نيرينا
الى سير روبرت لتراه وقد شحب وجهه وهو ينهض قائلا :
_ استاذنك فى التغيب بضع دقائق ؟
_ اذا كنت ذاهب الى ليدى كلمنتين فسوف اذهب معك.
بدا لحظة وكانه على وشك ان يمنعها من ذلك ولكنه فتح الباب وخطا لى الممر فى حين كانت نيرينا
تشق طريقها وسط الزحام الى مقصورة ليدى كلمنتين قال سير روبرت فجاة:
_ لن نذهب الى ليدى كلمنتين فاننى افضل ان اخبرها بما حدث على انفراد.
_ هل تخشاها ؟ اننى اتسال اذا كانت ستصدقك.
_ قلت لك اننا لن نناقشها فيما بيننا.
_لابد من ذلك فانها لا يجب ان تتدخل فى حياتنا ، وحبث ان ضسعتها تجاور ضيعة روث فسوف
نرها كثير بلا شك لكننى نسيت ، لقد وضعتما خطنكما على اساس لن تفتح منزلها هنا فى لتدت حتى
تستطيع ان تراها فى حين تكون زوجتك الساذجة فى الريف.
ظهر الغضب على وجه سير روبرت وظل مرتسما على وجهه طوال الفصل الثانى من الاوبرا ، اما نيرينا
استمتعت بالموسيقى الى اقصى حد ، ولكنها شعرت فجاة بالاسف لانها اغضبته الى هذا الحد ، كانت تريده
ان يخبرها بتاريخ الاوبرا وكل ما يتص بالناس والممثلين.
لم تكد الاستراحة الثانية تبدا حتى فتح باب مقصورتهما ودخلت ليدى كلمنتين وصاحت :
_ روبرت ! لقد ادهشتنى رؤيتك هنا ، كنت اعتقد انك رحلت الى باريس ،اين اليزابيث؟ هل هى
مريضة ؟ كيف حالك يا نيرينا ؟
ومدت يدها لمصافحتها بدون اكتراث ، فاجابت نيرينا:
_ ان اليزابيث كما نامل على خير ما يرام ، الا اذا كانت قد اصيبت بدوار البحر فى طريقها الى
الهند كما تعرفين .
صاحت ليدى كلمنتين قائلة :
_ الهند ! لابد اننا نتكلم عن شيان مختلفين ، ان اتحدث عن زوجتك اليزابيث يا رويرت .
فردت نيرينا:
_ لكننا نتحدث عن الشخص نفسه ، اخشى ان تكون قد فاتتك الاخبار يا ليدى كلمنتين لانك كنت فى لندن ،
لقد تزوجت اليزابيث من الكابتن ادريان باتلر الذى ذهب معها مع فرقته الى الهند وقد ابحرا امس .
قالت ليدى كلمنتين وهى تتلعثم :
_ ولكن..لكننى لا افهم ، كنت اظنك ستتزوج اليزابيث يا روبرت ؟
قالت نيرينا وهى تضحك :
_ ان معلوماتك متاخرة تماما .. لا اعرف يا روبرت لماذا لم تخبر ليدى كلمنتين بانك كنت ستتزوجنى ؟
استدارت ليدى كلمنتين نحوه ووجهت له نظرة عدائية وقالت :
_ هل هذا صحيح؟
اجاب سير روبرت قائلا:
_ نعم هذا حقيقى .
فقالت ليدى كلمنتين لنيرينا:
_ اذن فعلى ان اهناك ، انها مفاجئة حقيقية يا طفلتى ، ولقد كنت اتسال كيف استطعت ان نحصلى
على هذه المجوهرات التى تتحلين بها ، اما الان فقد فهمت مصدرها ، اتمنى لكليكما السعادة.
وخرجت من المقصورة ، وفى اللحظة التالية وكانما فقدت عقدة لسانه حاول سير روبرت ان يقول :
_ كلمنتين ...انتظرى...
لكن باب المفصورة صفق فى وجهه ، وبينما كان يقف وهو لا يعرف ماذا يفعل مع ضحكة نيرينا ،
ضحكة كانت تعبر عن مرح حقيقى.
�d�p+�b
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top