الفصل السادس عشر
كانت نيرينا تستقل العربة بها القتطرة حين رات لدهشتها ان هناك جمعا من الرجال يقفون خارج الباب
الامى للقلعة ، كان الظلام قد بدا يرخى ستاره و لكن حيث كان بعضهم يمسك شعلات فى ايديهم فقد
تمكنت من رؤية وجههم القذرة الكئيبة الثائرة ، طابت من الحوذى ان يقود العربة الى باب جانبى كى
تتجنب الرجال .
وحين هبطت من العربة شعرت وكأن القلعة ترحب بها ، جذبت نيرينا سلسلة الجرس وفتح الباب احد
الخدم فامرته بان ينقد الحاذى اجره واسرعت الى الداخل ، شعرت كأن امرا ملحا يتطلب وجودها على
الفور فما السبب فى وجود هؤلاء الرجال امام الباب الامامى؟ وما ان وصلت الى منتصف البهو حتى
عرفت السبب ، كانت قد رات هؤلاء الرجال من قبل وتذكرت انهم عمال المناجم، الرجال الذين كانوا
مضربين بسبب ظروف العمل الغير محتملة فى المنجم، شعرت نيرينا بالخوف يقيض على قلبها خوفا ليس
على نفسها بل على سير روبرت،وفيما هى تعبر البهو فتح باب حجرة المكتب فجاة وخرج رئيس الخدم
مسرعا وكانه يبحث عن شخصا ما وما ان راى نيرينا حتى بغت ووقف عاجزا عن الكلام فسالته :
_ اين سير روبرت ؟
لم تنتظر اجابته بل هرعت الى حجرة المكتبة حيث اشار براسه،وما ان رات سير روبرت راقدا على
الارض مغمض العينين والدم ينفجر من جبهته وقد ركع الى جواره الطبيب،بدا لنيرينا انه قد مر عليها
وقتا طويلا قبلان تستطيع الكلام او الحركة تنبهت على صيحات مفاجئة وضجيج مدوى وزجاج يتحطم ،
وعندئذ رات حجرا ضخم بجوار سير روبرت، وتطلعت على الفور الى النافذة المكسورة والتى لابد ان
الحجر القى منها ، واستطاعت اخيرا نيرينا ان تقول فى صوت بدا غريبا حتى لنفسها :
_ هل اصيب ؟
تطلع الطبيب اليها وحين عرفها اجاب فى جفاف :
_ اوه..اهذه انت سيدتى؟ تعم لقد اصيب سير روبرت اصابة جسيمة فقد اصاب هذا الحجر راسه
مباشرة.
اقتربت نيرينا وركعت الى جوار سير روبرت ووضعت يدها فوق يده فى حين كان الطبيب يجفف الدم
القانى ثم استطرد قائلا :
_ انه فقد الوعى الان ، واظننى ساضطر الى عمل اثنتى عشرة غرزة على الاقل فى جبهته ولكنه
لم يمت اذا كان هذا ما يقلقك.
شدت نيرينا قبضتها على يد سير روبرت ، وفيماهى تفعل ذلك القى حجرا اخر فسقط بجوار المكتب
فصاحت نيرينا تسال :
_ ماذا هناك؟
_ انهم عمال المنجم ، وسوف اتحدث اليهم بعد دقيقة ، انهم ثائرون ولهم الحق فى ذلك.
_ انهم يقولون ان المنجم ليس امنا.
_ وهذا حقيقى.
_ وما الذى سيحدث لو استمر الاضراب ؟
_ اذا رفض سير روبرت التفاوض معهم فسوف يتعين عليهم العودة الى اعمالهم فقد اشتد بهم الجوع
الان وليس هناك فى ويلوهبل اسرة واحدة لديها وجبة كافية منذ الايام الفائتة ، فاذا لم يعملوا الان
فسيموتون جوعا.
نهضت نيرينا ثم سالت :
_ هل انت واثق ان المنجم ليس امنا ؟ لقد سمعت الناس يقولون ذلك، ولكن هل هذه هى الحقيقة؟
_ نعم ان المنجم يحتاج لاموال تنفق عليه ، ولقد تحدثت فى ذلك الى المدير وسير روبرت بنفسه ،
لكن احد منهما لم يهتم بما قلت ،لكننى بالطبع استمر فى علاج الاجساد التى تكسر عندما تحدث انهيارت .
كان الطبيب يضمد الجرح بمهارة ثم صمت برهة قبل ان تقول نيرينا :
_ هل قلت ان سير روبرت لم يستمع اليك ؟
_ لم يستمع لاى انسان ، ذلك لان هناك نفرا من البشر ليس فى قلوبهم حب او عاطفة تجاه اخوانهم
من البشر ، وسير روبرت احد هؤلاء الاشخاص.
وبينما كان الطبيب يتحدث رات نيرينا بمخيلتها ذلك الصبى الذى ينفجر سعادة وحيوية والذى وصفته لها
المركيزة وهى فخورة به ، ثم تحول ذلك الصبى الرائع المرح الى رجلا يمتلئ بالحقد والمرارة ، رجل
لا يعرف الحب .
وفيما كان الخدم ينقلون سير روبرت الى الطابق العلوى بعناية ، قال الطبيب لنيرينا وهما يصعدان الدرج :
_ بعد ان اهتم بسير روبرت سأرسل فى استدعاء الشرطة حتى تحول بين الرجل وتحطيم القصر.
وما ان وضعا سير روبرت فى فراشه بدا الاصرار عليها فجاة وهى تقول للطبيب :
_ هلا اتيت معى ، اننى اريد ان اتحدث الى الناس؟
رفع الطبيب حاجبيه فى دهشة وسألها :
_ ما الذى ستقولينه لهم ؟
_ ستسمعه حين اتحدث اليهم ، اننى اطلب اليك فقط ان تصحبنى كى تقدمنى اليهم اذا انهم لا
يعرفون شخصيتى.
_ انك امراة شجاعة.
توجها الى الباب الامامى وسرعان ما ساد الصمت عندما وقفا فى ثبات على قيمة الدرج وقال الطبيب
فى صوتا مرتفع :
_ ايها الرجال ، الى جوارى الان ليدى روث التى تود ان تتحدث اليكم ، وانا ارجو ان تستمعوا
الى ما ستقوله لكم.
سرت همهمة خافتة بين الحضور ، وقالت نيرينا :
_ ان زوجى سير روبرت مريض ، والا لتحدث اليكم بنفسه .
سرى صفير واصوات احتجاج ، وبعد لحظة صمتت هذه الاصوات فاستطردت نيرينا قائلة :
_ اريد ان اخبركم بالنيابة عنه انه قد قام بدراسةمطالبكم بشان المنجم وقرر ان يكلف المختصين بدراسة
الوسائل الممكنة التى تكفل الامان باسرع ما يمكن ، وفى الوقت نفسه فانه سيكون لدى المدير اوامر بالا
تعملوا حيث حيث يكون هناك خطر ، بالاضافة الى انه ستدفع تعويضات لعائلات الذين قتلوا او الذين
اصيبوا .
مرت لحظات ساد فيها الصمت ثم ارتفعت صيحات الترحيب والحماس فى سكون الليل ، استمرتصيحات
الرجال المبتهجة حتى رفعت نيرينا يدها فساد الصمت من جديد وقالت :
_ لقد كان عليكم ان تسيروا مسافات طويلة للوصول الى هنا ، وكما علمت فان معظم افراد عائلاتكم
يقاسون الجوع فان ذهبتم بهدوء الى باب المطبخ فسوف اهتم بتوزيع الطعام عليكم ، وحين يعود الطبيب
الليلة الى القرية فسوف يتخذ الاجرات للحصول على الخبز واللبن من اجلكم على الاتدفعوا ثمنه الا بعد
ان تحصلوا على اجوركم0
وتصاعدت صيحات الفرح عالية الى السماء ، وتقدم رجلا عجوز وقال :
_ فليباركك الله يا سيدتى وانى اقسم على انك لن تندمى على ما فعلت الليلة .
_ اننى واثقة من ذلك وارجوكم الان ان تذهبوا الى باب المطبخ ، وانى اقترح ان ينسى الجميع الدمار
الذى قد حدث الليلة.
كانت الصيحات مازالات تتعالى ونيرينا والطبيب متجهان الى الداخل، كانت نيرينا تعرف انها كانت متفائلة
كثيرا حينما القت تلك التصريحات باسم سير روبرت ، ولكنها لم تكن خائفة فلديهاما تساوم به انه ذلك السر
الذى اطلعها عليه سير روبرتوهوالذى سيجعل سير روبرت شخصا مختلفا تماما ، ولما لا؟ فالخوف الذى
كان يطارده منذ ان كان صبيا صغيرا يمكن ان يزول بالحصول على ورقة صغيرة من كنيسة الراعى الصالح
يثبت بها زواج امه من ابيه.
توجهت نيرينا مع الطبيب الى الطابق العلوى ..شعرت بفزع حقيقى وهى ترى وجه سير روبرت الشاحب
وقد غاص منه الدم تماما وسألت الطبيب بعد جس نبضه :
_ الى متى سيظل فاقد الوعى؟
_ لا اعرف ولكن حينما يستيقظ فاننى اتوقع ان يهدء بعض الوقت.
_ ساقوم انا بتمريضه.
كانت الساعة قد اصبخت الثامنة صباحا قبل ان يتحرك سبر روبرت متقلبا من حنب الى حنب ، فتحركت نيرينا
على الفور الى جواره وضغطت باصبعها الباردة على جبهته ، كانت درجة الحرارة مرتفعة فعرفت انه مصاب
بالحمى ، استمر يتحرك من جانب الى اخر وشفاه تتحركان بسرعة دون ان يحدث صوتا ، وبعد ذلك بساعة واحدة
بدا يغمغم فى صوتا خافض انقلب الى صياح وهو يقول :
_ ماء...اريد ماء...
وضعت نيرينا ذراعيها تحت راسه ورفعت كاس الى شفتيه ، رشف بعض رشفات وهو مغمض العينين ثم
بدا يقول فى صوتا واضح :
_ لقد ذهبت...لااعرف ...الى اين...لقد طردتها...بعيدا...لقد كنت قاسيا معها...
ودعتنى هى ...شيطانا...قالت اننى كنت...شيطان...شيطان....كانت على حق...
دفعتنى للجنون...بشعرها الاحمر...وعيناها الخضراوين...لماذا...لااسنطيع...ان
انساها...خيالها يطاردنى...انها طول الوقت...تسخرمنى...وتدفعنى للجنون.
اخذ يردد الكلمات الاخيرة عدة مرات الى ان وضعت نيرينا يدها على يده وقال بحزم :
_ عليك ان تنام ...هل تسمعنى؟ فقد اصبت اصابة بالغة وانت فى حاجة الى الراحة.
_ لا استطيع ان استريح...انها تدفعنى للجنون.
_ عليك ان تنساها ، ويجب ان تنام.
وكان كلماتها قد تخللت الى حسه الواعى فقد سكن تماما ، واخذت تتسال ان كان يريدها بهذه الكلمات ام انها
مجرد رد فعل لدهشته من انها تركت القلعة ، وعرفت نيرينا الحقيقة ، انها تحبه ، وعندما هربت منه منذ ثلاثة
ايام لم تكن تهرب من الرجل الذى صار زوجها بل كانت تهرب من الحب ، كانت خائفة من العاطفة التى كانت
تشعر بها والتى كانت ستجرفها تماما ، كانت تعرف انه الحب الذى سيحطم شعورها بالاستقلال وثورتها وضد
الرجال والزواج.
واخيرا عندما اتى اليها الحب لم يكن رقيقا حانيا عطوفا بل مدمرا لم تميز بينه وبين الكراهية ، فاختلط الاثنين فى
ذهنها وفى قلبها ، لم تعرف متى بدات تشعر نحوه الحب ، لقد كان هذا فى منزله فى لندن حين خطا الى الامام
ليحميها من عمها ، وتسالت ماذا كان سيحدث لوانها لم ترفضه حينما اتى الى حجرة نومها ، استجابت له و
لقبلاته ، و شعرت بالاسى والندم لانها منعته من ان ياخذها بين احضانه ، ولكن حسنا ما فعلت لانها لوسمحت
لسير روبرت ان يقدم لها حبه بهذا الجوع والشهوة ودون رقة او حنان فانها تعرف ان حبها كان سيتحطم ،
جعلتها حركة بجوار الفراش تجفل ، وحين تطلعت الى الفراش رات سير روبرت جالسا فى الفراش ، و
عندما نهضت نيرينا راها فاتسعت عينيه بالدهشة فصاح قائلا :
_ نيرينا ها انت قد عدت.
_ نعم لقد عدت ، ولكنك الان مصاب ةعليك ان ترقد لتستريح.
_ هانت قد عدت بعد ان ظننتك قد رحلت الى الابد.
_ كلا...لقد كنت حمقاء...لقد رحلت بعيدا...ثم عرفت...ان ذلك جنونا... ومن
ثم فقد عدت.
_ عدت لى ؟
_ نعم...عدت اليك ولكن لدى شئ اريد ان اخبرك به سيغير مجرى حياتك .
_ ليس لهذا اهمية الان فما اريد ان اعرفه هو هل عدت لتبقى؟
_ كلا ...لن ابقى اذا كنت تريد الخلاص منى .
_ هل سترحلين مرة اخرى ؟
_ اذا اردتنى ان اذهب.
وفجاة مد سير روبرت يده وامسك بيديها وقال فى صوت مفعم بالعاطفة :
_ اذا اردتك ان تذهبى ؟ هل جننت ؟ الم تفهمى اننى اطلب منك البقاء وبشروطك انت؟
_ ماذا تحاول ان تقول ؟
_ اقول ان عليك ان تعرفى اننى افتقدتك كثيرا عندما ذهبت ، لم استطيع ان اصدق انك رحلت حقيقة ، بل
توقعت انك تسخرين منى بالاختفاء فى مكانا ما لتدفعينى للجنون بعينيك الخضرواين وشعرك الاحمر وشفتيك
الجذابتين ، لو انك عرفت ما شعرت به يوما بعد يوما وليلة بعد ليلة ، يجلس كل منا قبالة الاخر وقلبى يهتف
فى كل لحظة : اريدك..اريدك ، فى حين عقلى يرفض ذلك.
_ هل تقصد..انك ...تحبنى ؟
_ احبك؟ اننى اعبدك ، لم اكن اصدق انه من المحتمل ان احب امراة .
حاولت نيرينا ان تتخلص قليلا من قبضته ، لكنه احتضنها بشدة وقال :
_ ساكون رقيقا معك ، ساكون عطوفا عليك ولكن دعينى اظهر لك مشاعرى كى اجد السعادة لكلينا.
كانت لا تزال غير قادرة على الكلام ، وببطء امتزج الافق بالبحر ، لمست شفتيه شفتيها برقة اول الامر ، ثم
عندما وجد استجابة من شفتيها ضغط عليهما بعمق.
الان وقد استسلمت نيرينا لاحضانه عرفت الاجابة على كل اسئلتها ، عرفت ايضا ان كل تعاستها ووحدتها التى
عرفتها منذ طفولتها قد ذهبت الى الابد .
وبشهقة خافتة وضعت ذراعيها حول رقبة سير روبرت وجذبته نحوها ، فشعرت بقلبه يكاد يقفز فى صدره والدم
يتدفق بعنف فى عروقه ، وشعرؤت بضغط زراعيه حولها حتى لم تعد تستطيع ان تتنفس بسهولة ، وفجاة تركها و
قال فى صوت يختنق بالعاطفة :
_ لا تغرينى ، فسوف افزعك وتهربين مرة اخرى.
تطلعت نيرينا اليه وابتسمت والدموع تترقق فى عينيها وهمست :
_ مطلقا...لن اتركك مطلقا...لاننى يا حبيبى...احبك ايضا.
تمت
�Wx��
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top