٢

- " لمار هل أنت بخير ؟! " قال رب عملها بعد أن لاحظ شرودها المتواصل و انعدام تركيزها
لكنها ابتسمت بارتباك و هزت رأسها إيجابا ثم نهضت من مقعدها متجهة إلى دورة المياه، حاولت نفض صورة تلك الغريبة من رأسها، و رشت المياه الباردة على وجهها، لكن نظرتها لم تنمحي من ذاكرة لمار، و رددت بداخلها
" هل هذا ما يسمى بالهلوسة ؟! لابد أنني تخيلتها !! "
لكن شعورا قويا بداخلها كان يعرف بأن ذلك لم يكن خيالا، بل هي قد رأتها بالفعل

في مكان آخر

وقفت عند عتبة الباب تنظر إليه كان منهمكا في قراءة الأوراق المتكدسة على مكتبه، أخافها الشبه الرهيب بينه و بين ذلك الوحش، رغم قرب المسافة بينهما و رغم حمله لدمها، لكنه يحمل دم ذلك الشيطان أيضا، رفع ذلك الشاب عينيه و لاحظ تلك المرأة الشاردة الذهن، التي تتفرس في ملامحه، أدرك على الفور أنها زائرته المنتظرة، و مديرته الجديدة، وقف احتراما لها، مد يده ليصافحها برسمية، و بالرغم من أنها لم تكن مستعدة لتلك الخطوة الكبيرة إلا أنها صافحته، و لم تكلف نفسها عناء الابتسام، قلبها كان يطرق صدرها بعنف، تراجعت بتردد و قلق بعد أن استشعرت الخطر قريبا منها، و كالعادة لم تخطئ حاستها السادسة و كان الوحش خلفها تماما، إلتفتت بحدة لتنظر في وجهه الغامض الذي يخفي خلف قناعه جرائم شنيعة و صور دمار حياة الكثيرين، كشر عن أنيابه بابتسامة تعرفها جيدا ليقول بحيرة " هل أعرفك ؟! "، لتجيب بثقة كابحة أية ردة فعل تفضحها " و من لا يعرفني ؟! " ثم خرجت و هي تتوعد له في نفسها بأشد أنواع العذاب و أقسى أساليب الثأر، إنها تؤمن بالعدل و ستحققه و لو كلفها الأمر أن تفقد حياتها في سبيل إحقاق الحق، و هل يموت من مات بالفعل ؟

لقد اعتقد طوال حياته أن والدته قد تخلت عنه، و أنها امرأة سيئة، بل أكثر ما كان يخزه في صدره حين كان والده يقول بأنها قد ارتكبت جريمة قتل، حوكمت على إثرها بالسجن مدى الحياة، و لو عرف سر تلك الجريمة لتمزقت روحه قبل جسده، و رغم مرور سنوات طويلة على تلك القضية، إلا أنها ما تزال تثير الرعب في أنفس من يسمعها ممن شهدها آنذاك، و لكن شخصا واحد يعرف ما حدث بالضبط فيها، شخص واحد يعرف الجاني الحقيقي في تلك الجريمة، و قد أخرس ذلك الشخص ضميره و أغلق ستائر حياته، ليعيش ميتا بين الأحياء، و فقط حين تعاد فتح الدفاتر القديمة و نبش الأسرار الدفينة ستقرع أجراس العدل، و ترقد روح الضحية بسلام .

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top