23 | للظلِّ أم للنور
______
كانوا يجلسون أربعتهم حول المائدة ، اثنان منهم فقط يأكلان ، وبالطبع ليست شارلوت التي تشعر وكأنَّ تلافيف دماغها قد عُقدت ببعضها وطبعاً ليس تاي الَّذي يتوقع قدوم جونقكوك بأيّة لحظةٍ حاملاً قنبلة ليفجرها بتايهيونق ..
جيمين كان جالساً مستمتعاً بما يحدث أمامه ، وشوقا كان فقط يأكل بهدوء .
ثوانٍ حتى فُتح الباب وظهر جونقكوك من خلفه ، خطوةٌ تلتها أخرى ليتوقف محدَّقاً بهم .
تايهيونق أصبح بلا لون وهو يحدِّق به ، شارلوت لم تستوعب شيئاً بعد ، جيمين استعد للحماس وشوقا استعد لحماية تاي .
ابتسامةٌ عريضة أظهرت اسنانه ارتسمت على محياه ، تقدّم بعدها نحوهم سريعاً .
"صباح الخير يا رفاق .. لمَ لم تدعوني للفطور أيّها الخائن؟!" ، قال معانقاً رقبةَ تاي الذي ظنَّه سيخنقه على غفلة وحاول التخلص من ذراعه .
"أن.. أنا ، لا دعوتك أعني لم .." ، كان يتلعثم بشكل واضح ، والخوف جليٌّ عليه وعلى جسده المرتجف .
أدركت شارلوت ما حدث وأدركت لم تايهيونق يتصرف كالفأر منذ الصباح .
ثوانٍ معدودة حدث فيها انقلاب لملامح جونقكوك قبل أن يعيد تزييفها لتلك المبتسمة وكان تايهيونق هو الوحيد الذي لاحظ ذلك .
________
انتهوا من الفطور وسمح شوقا لكلِّ واحد منهم بالذهاب لأشغاله إلّا أن جونقكوك أعدَّ خططاً أخرى للتي كانت تجلس بجانب خطيبها .
وقف لثوانٍ أمامها ثمَّ التقط يدها ساحباً إياها ، نظرت هي لتايهيونق عاقدة حاجبيها تنتظر منه وضع حدٍّ لصديقه ، لينظر هو لجونقكوك الذّي كان ينظر له باستهزاء ، اكتفى بالابتسام له مظهراً اسنانه وكأنّه يسلم خطيبته بالكامل لحبيبها السابق ، حسناً هو يفضل حياته طبعاً!
أخذها لإحدى غرف المنزل ، أقفل الباب خلفه ووضع المفتاح في جيب معطفه الداخليّ.
"ماللعنة !! ماذا تظنُّ نفسك فاعلاً ؟ "
صرخت بعد أن دفعها على السّرير .
اطلق ضحكة قصيرةً ساخرة قبل أن يجلس على الأريكة المقابلة للسرير واضعاً قدماً فوق الأخرى .
"لا أعلم ، أخبريني أنتِ مالّذي أفعله ؟"
"تتجاوز حدودك!" ، قالت بحدّة ، ولو كان معها مسدسٌ في الوقت الحالي لأطلقت ... على نفسها ، بعد أن نظر إليها بتلك النظرة .
"و..ماذا عنكِ ؟" ، قال ببرود مسنداً رأسه على باطن كفِّه ..
"ماذا عني ؟ هل حاولت اغتصابك دون علمي ؟" ، حسناً هي خائفة منه كاللعنة حالياً ، لكن هذا لن يوقف لسانها السليط .
وقف فجأة وبدأ يتقدم نحوها سريعاً ، وفي تلك الثوانِ المعدودة التي احتاجها حتى يصبح أمامها هي استطاعت تخيُّل أشنع السيناريوهات في عقلها .
هو جعل كل ذلك يتلاشي حين القى لها هاتفه وكان موجوداً عليه مقطعاً مصوراً لها أمسَ البارحة .
ظلَّ ينظرُ لها ببرودٍ وحدّة ، يراقب ملامحها حين كانت تنظر للمقطع ، لم تكن بالمصدومة أو ما شابه ، ليس وكأنها شهدت مقطعاً مخلاً لها لتوها .
"السنا ملائمين لبعضنا ، أعني أنظر لتاي تاي ، يبدو كأميرٍ من قصةٍ خياليّة أنقذ فتاته ." قالت محاولةً استفزازه ناسيةً العواقب ، حسناً تعلم أنّه لن يقتلها بأيِّ حال لذا لا تأبه لذلك كثيراً .
انحنى حتى وصل لمستواها ، ابتسم ساخراً ثمَّ يده تسللت لذقنها حتى تقابل وجهيهما ، همس وهي سمعته بوضوح : "أجل .. الأميرُ الَّذي ترك فتاته تذهب إلى غرفةٍ مع شابٍ مهووسٌ بها .. اهنئكِ على هذا الاختيار .. حتى ساندريلا ذاتها لم تحظَ به"
انعقد لسانها ، فاسترسل هو في الحديث : "التصرفُ كعاهرة لا يليقُ بكِ ، مالّذي حاولتِ إثباته ؟ هل فرحتِ عندما رآك الجميع كسلعة ، أتعلمين كم عدد الرجال الذين طالبوا هوسوك بك لليلة ؟ حسناً جميعم الآن في الجحيم ، ألجعلي أغار تدمرين نفسك ؟"
بالكادِ منعت دموعها من الظهور ، أخفضت عيناها قليلاً حتى لا يتسنى له رؤيتها ثمَّ أردفت بصوتٍ مهتز : "ألست من اولئك الرجال ؟ لم نظرت إليّ فقط ولم تنظر إليك ؟ ألم تكن مثلي أو أسوأ تلك من كانت في أحضانك ؟ ألم تقبلها أمامي ؟ ألم تتمادى أنت ؟" ، انهت سؤالها الأخير صارخة تحدقُ بعيناه بعد أن حررت دموعها التي حسبتها طويلاً .
هو يضعفُ دائماً لدى دموعها ، ابتعد قليلاً ليقف أمام النافذة يحاول تجميع أفكاره المشتتة .. بل كلاهما يحاولان ..
"أتعلم .. أنا أكره نفسي لأنَّني فعلت ما فعلت .. ليس للسبب الَّذي تفكِّر به ، بل لأنَّني للحظة خلتُ بأنَّ تايهيونق هو أنت أو تمنيت أن يكون أنت .. لستُ نادمةً على كلِّ ما فعلته سوى هذا.. "
التفت لها ناظراً بصدمة ، جزءٌ من أسنانه كان ظاهراً وبدا عليه الضَّياع حقاً .
مسحت دموعها بقوة واسترسلت متجهةً نحوه حتى وقفت أمامه مباشرة .
"أتعلم .. الجميع يهابك ، تايهيونق ، جيمين ، آنّا ، نامجون، حتى شوقا ... لكن ليس أنا ، حتى وإن كنتَ قادراً على إيقاف قلبي بثانية ، وأنت تفعل، فأنا لا أهابك ولن أهابك .. لذا فلتفعل ما تشاء ، سأبقى ملكي وسأفعل ما أريد مع من أريد" ، أنهت كلامها واضعةٌ يدها بجانب قلبه قاصدةً حيبَ معطفه الداخليّة لأجل مفتاح الغرفة .
كان سريعاً ، أمسك يدها الّتي بجانب قلبه وقبّلها بقوة ، لم تكن لها القوةُ لإبعاده لكنَّها امتلكت القوة الكافية لجعل شفته تنزف .
ابتعد عنها بعد شعوره بأنَّها استهلكت كلَّ قوتها ، مرر اصبعه على شفته ثمَّ نظر إليه ليهلس مستفزاً إياها.
استطاعت الحصول على المفتاح من جيب معطفه لتخرج ، هو استند قليلاً على الحائط ينظر لطيفها ويبتسم ببلاهة .
______
نزلت للأسفل لنجد تايهيونق جالسُ في حالة توتر وجيمين وشوقا يحدقان به ببرود .
التفت اليها تايهيونق فور أن نزلت ليتبعه الآخريّن .
"آه .. أعتقد أنَّكما تعلمان أنَّ الآنسة شارلوت تكون خطيبة السيد تايهيونق ." ، قال شوقا بعد أن نزل جونقكوك خلفها ووجد الدماء تلطخ شفتي كليهما .
"أعتقد أن جميعنا نعلم ما مصير هذا الأمر ." ، قال جونقكوك ساخراً .
ضحك شوقا ساخراً ، كتَّفَ يديه ثمَّ أردف بنظرة تحدٍ : "شارلوت جهزي نفسكِ ، لدينا حفلةٌ على شرفكِ وتايهيونق في المساء .. ستعلنين عن حملك ، و.. جونقكوك لست مدعواً ."
"حملُ ماذا ؟" ، سأل تايهيونق ببلاهة وصدمة .
"تعلم عزيزي .. أحياناً المشاهير أمثالك يحتاجون للاشاعات لجذب الاهتمام ، وايضاً قد لا يكون خبراً خاطئاً .. من يدري ما نتائج ليلة الأمس" ، قال غامزاً تاي - الذي كاد ان يفقد وعيه لخوفه من جونقكوك - في نهاية جملته .
نظرت شارلوت لجونقكوك لثوانٍ لتلاحظ ملامح الصدمة تعتلي وجهه ، ابتسمت ساخرة وقررت أن تضرب عصفورين بحجرٍ واحد .
"حسناً .. سأستعد لهذا جيداً ." ، قالت مبتسمة لتذهب لحجرتها .
نسيت أنَّ جونقكوك هو أكثر من يعرفها في العالم بأسره .. هي لم تكن تضرب سوى نفسها .
نظر جونقكوك لشوقا لثوانٍ ، ليغادر بينما يقهقه بسخرية مما أثار ريبة الآخر .
"أعتقد أنّه بدأ يكرهها .." ، قال تاي ببلاهة .
________
كانت واقفةً تشبك يدها بيد تايهيونق أمام بوابة القاعة منتظران انتهاء شوقا من كلمة الترحيب خاصته ، ما أن انتهى حتى فُتحت البوابة وولجا إلى الداخل .
سلّمت على بعض الضيوف نظراً لكثرتهم وكانت جميع الانظار مركزةً عليها ، فستانها الاسود وأحمر شفاهها الذي بلون كان النبيذ كما سواد شعرها القصير وعيناها الرماديتان مع بشرتها البيضاء جعلت كلَّ من ينظر إليها يفقد الرغبة بالنظر لشيءٍ سواها .
قاربت الحفلةُ على الانتهاء وتأخر الوقت لذا قرر شوقا أن يعلنا الخبر الكاذب .
تقدمت هي وتاي بجانب شوقا الذي ألقى بالمقدمة ، نظرت نحو جميع الحضور ، سلمها تايهيونق مكبر الصوت لتبتسم لثوانٍ ثمَّ تردف .
"إنّه ليومٌ جميل حتى أفصح لكم عن خبري السار .. " ، قالت بهدوء والابتسامةُ تزيِّنُ وجهها ، ثم بثوانٍ عدة انقلب الأمر لتردف بوقاحة وشيء من الحدة :
" اليوم سأقوم بالاعلان عن فسخ خطوبتي لهذا المخنث ، بالمناسبة تحسباً للمستقبل هم أرادوا الاعلان عن حملي لجذب الانتباه له ثم سيكون الأمر كما لو أنني أجهضت بعد فترة ، لكن هذا كذب ، وإن حدث في المستقبل فهو كذب .. هذا المخنث لم يلمسني، كما أنه يتركني مع حبيبي السابق في ذات الغرفة وحدنا والباب مقفل .. حتى وان كنت حاملاً فهو بالتاكيد ليس ابنه ، هو بالكاد يستطيع التقبيل ، والآن اعذروني يا سادة .." ، حين قولها لذلك لم يستطع أحدٌ ايقافها ، احتاجو وقتاً جيداً لاستيعاب ما تتفوه به ، كما ان لمسها احد فسيتضخم الموضوع لا سيّما أمام الصحف ، قد يصل الامر للمحكمة وتتم مقاضاته وشوقاً لم يرد مشاكلاً اضافيّة ..
اما تايهيونق كان منكسراً ، كلامها كان جارحاً كسيفٍ اخترقه .. هو حقاً كاد أن يبكي لكنه تمالك نفسه ، ليس لأنهُ يحبها بل لأنّها أهانت كرامته أمام الجميع ، كما أنَّه اعتبرها صديقته للحظة .
التفتت على وشك المغادرة لتقابل وجه تاي ، بملامحه المتألمة والتي سرعان ما بدلها بأخرى حادة حفاظاً على كرامته المتبقية ، همست له قبل أن تغادر : " لتعتبر هذا رداً على ما جعلتني أواجهه مع صديقك .. وأيضاً .. فلتستمع بالمشاكل عزيزي"
غادرت وتايهيونق أقسم أنَّه سيجعلها تدفعُ ثمن كلَّ حرفٍ تفوهت به ..
شوقا استطاعَ السيطرة على الأمر وايقاف الصحف عن نشر الخبر إلّا أنَّ هذا لم يمنع آخرين من نشر الفضيحة مع مقاطع داعمةً لذلك لم بتم حذفها قط.
وبهذا هي غادرت منزل شوقا باطمئنان غير آبهةٍ لما سيواجهها لاحقاً ، هي حتى نسيت تفقد نشرة الجو ..
______
مشت طويلاً حتى بدأت قدماها تتورم من حذائها الّذي ترتديه ، جلست على إحدى كراسي الانتظار وأخذت تفكر .. ثوانٍ احتاجتها حتى تسترجع كل ما قالت ، وتشعر بالذّنب تجاه تايهيونق بالاضافة إلى شيء مهم ..
لن تستطيع العودة إلى منزل يونقي .. يونقي قد يقتلها والخوف الاكبر من تايهيونق والّذي هي متأكدة سيحاول الانتقام منها وإثبات رجولته اللّعينة لها .
"اللّعنة ، اللّعنة علي وعلى حياتي وعلى جونقكوك .. أين سأذهب الآن !!" ، قالت بنبرة باكية تنظر حولها ، لاحظت أخيراً خلوَّ الشارع .. وبعض المشردين على الأرصفة منهم من هم سكارى لتنتفض من الخوف
، ' كيف لم ألاحظهم قبلاً ،
واللّعنة أين كان عقلي اللعين ' ، فكَّرت لتقرر المشي حتى تصل لمكانٍ خالي ..
ويبدو أن لعنتها على نفسها قد أتت بمفعولها فهي بالفعل بدأت تمطر ، لتحاول الأخرى كبت دموعها بكل قوتها ، هي حتى لم تجلت معطفاً معها ..
الأمطارُ غزيرة كانت آنذاك ،
وصلت لمكانٍ تأكدت خلوه من البشر والحيوانات المفترسة .
انهارتْ بإرهاقٍ على أرصفة أحد الطرق وكانتْ أضواؤه الباهتة تشاطرها مشاهدة المطر ، فُستانها وشعرها بل وجسدها بأكمله مبللٌ بالكامل ، كانتْ ستصاب بالبردِ حتماً ، هذا أسوأ ما في اللَّيلة ، ليسَ لها مكانٌ تأوي إليه ،
كان كلامها قاسياً لتايهيونق وأدركت ذلك بعد الأوان .
بالنسبةِ للآخر فلن تبقى تحتَ سقفٍ واحدٍ في هكذا جو وفي هته الملابس ، لن تتخيلَ نفسها رفقةَ منحرفٍ مهووس ، كما أنَّها تُحِبُّه ، ستنصاعُ له بسهولة بالإضافة إلى ما تعتقد أنّه ظنه بسبب كلام يونغي هذا الصباح ، هذا زاد الأمر سوءاً .
أما الخياراتُ المتاحة كالملهى أو آنّا فكبرياؤها قد فاز هذه المرّة ، لنْ تذهب ، الخسارةُ أمام نفسها تؤلمُ ولا تُنسى .
أتذهبُ إلى فندق ؟ ، لا جميعُ أشيائها كما ألأموال الّْتي بحوزتها في منزل يونقي .
النَّومُ في مكانها هذا بدا أنسبُ خيارٍ لها .. على الأقل ، لن تخسر كبرياؤها ، أو كرامتها - كما تظن - ، وحتّى لن تضطر للبقاءِ مع مهووسٍ تحبُّه .
تنهدت بينما ترتجف ، هذه لأول مرة في حياتها تتمنى أن يتوقفَ المطر ، لكنَّها سرعانَ ما تراجعت ، سيغدو الجوُّ أكثرَ برودةً في هذه الحالة .
لا مكانٌ مفتوحٌ قريبٌ الآن لسوء حظها المُعتاد ، تنهدت باستياء .
رغبت بالبكاء ، صحيحٌ أنَّها واجهت مواقف أكثرَ صعوبةً ببرود تام ، لكن هذه المرَّة سبب شعورها هذا هو الاكتئاب والأفكار السوداويّة الَّتي سيطرت عليها ، عادة تسأل نفسها في المواقف الصعبة :
ما أسوأ ما قد يحدُث ؟ ما أقصى شيء سأخسرهُ في هذه الحالة ؟ هل لديَّ من يَهتمْ ، يقفُ إلى جانبي ويساعدني ؟
كانت دائماً الإجاباتُ مطمئِنة لكن هذه المرةُ مختلفة ، إن استمرت تحت هذا البرد بهذا الفستان العاري تقريباً فستموتُ حتماً ، أيْ أنَّ حياتها ما ستخسر ، أسوأ ما قد يحدثُ أن تأتي كلابٌ جائعة لتتغذى على جُثتها بعدها ... بالمناسبةَ ، هيَ قُربَ الغابة .. تسمعُ أخباراً كثيرة عن الذِّئابِ هذه الفترة في روسيا .
رَفعَت رأسها عن ركبتيها حينَ قرَّرت الذهابَ للحانة ، لا تريد التجمدَ من البرد .
"الحانة .. اللعنة ، الخيارُ الوحيد ، إما الحانةُ وإمّا الموت ." ، تمتمت في حين كانت تُلملمُ فُستانها الطويل من الخلف حتّى لا تتعثرَ حينَ تقف ، نظرتْ للأمام للحظة ، ثمَّ حركت رأسها ، أستوعبت ما رأت وثوانٍ حتّى أعادت رأسها تحدِّق بمن أمامها بصدمة .
"أنت ..!"
تلعثمت في كلمتها القصيرة ، كانَ ينظرُ لها بشرود ، نفثَ دخانُ سيجارته من فمِّه ، القاها أرضاً فيما يتقدَّمُ نحوها ، جلَّ تفكيرها كان ' كيفَ لم أفكر أن أقف مكانه ، هوَ محميٌّ من المطر وأنا أكادُ أغرقُ ها هُنا '
"مرحباً ." ، قال بعفويّة ، يعلمُ تماماً أنّها لنْ تردَّ عليه لذا باشر بالحديث .
" شاهدتُ الأخبار ، الأمر انتشر كالنار في الهشيم ، جرأة كبيرةٌ منك قول هذا عن تاي بمنزل يونقي ، ويبدو أن يونقي لم يستطع إيقاف الخبر.." ، برَّر بهدوء ، ابتسامتهُ الجانبية وترتها ، بدا غريباً لوهلة .
"كيف علمت بمكاني؟" ، سألته بهدوء .
تنهد بملل ليجيبها بابتسامةٍ بالكاد تظهر بعدها: "كيف لا أعلم به ؟ لنقل أنَّ هناكَ جهازَ تتبعٍ في قرطك الَّذي لا تنزعيه خاصٌ بي.. وضعتهُ حين كنتِ بالمشفى..والآن ، هيا إلى منزلنا قبل أن تصابي بالبرد"
اومأت سريعاً بالرَّفض ، هذا قرارٌ متأكدةٌ أنّها لن تندمَ عليه .
ابتسامته باتت أكثر وضوحاً ، قَرَّبَ وجهه منها وقال بنبرةٍ هادئة : "دعيني أخمن .. خائفةٌ من المكوثٍ في بيتٍ واحدٍ رفقةَ منحرفٍ مهووس تحبينه .."
حملقت به بصدمة ، نظراتها تسأل : 'كيف علمت أيُّها اللعنة؟!'
قهقه ساخراً بعد أن تأكد من صحةِ قوله .
هزَّت رأسها بعدها ثمَّ قالت بثقة : "منحرفٌ مهووس نعم .. أما 'تُحبينهُ' فلتستخدمها مع امرأةٍ أخرى ."
'إمرأة ' هي جلٌّ ما سمعه، عقدَ حاجبيه مستغرباً ، اعتادَ على مناداتها لنفسها بفتاة .. شعرَ أنَّها الآن بأمرٍ غريب ، ليست فتاته البريئة بعد الآن ...
وليكن .. ستبقى شارلوت حتّى ولو كانت عجوزاً ، شارلوت من ناداها بجون شارلوت ولن تكونَ أخرى .
ابتسمَ بعدها قائلاً : "حسناً يا امرأة ، سأتظاهرُ بأنني صدقتُ كذبكِ الَّذي كانَ على نفسك وسأسأل ، أتأتين معيِ بالحُسنى أمْ عليَّ أن استخدمَ طريقةَ أُخرى ."
حدَّقت به عابسةً تُفكِّر ، هذا جونقكوك ، أي في الحالتين هي ستأتي إذاً ، فكَّرت ، إن رفضت فسيحملها ، ما الضيرُ من ذلكَ ؟ تشعرُ بالتعب ، كما أنَّها ترتديِ حذاء ذو كعب عالٍ .. وأيضاً ستبيِّنُ له أنّها ليست سهلة كما قالَ ذات مرّة .
"لا أُريد ." ، قالت عابسةً متظاهرة بالغضب .
"حسناً إذاً .. اسمحي لي أن أكون لطيفاً أولاً .."
قالَ ثمَّ نزع معطفه ووضعه فوق كتفيها العاريان ، استرسل : "تمسكي به جيداً .. "
قال لتنفذ ، وبعكسِ توقعاتها هو أمسكَ بمعصمها وبدأ بسحبها خلفه ، لعنته بين أنفاسها هذا متعبٌ أكثر من المشيِ وحدها حتّى ، لا تستطيعُ مجاراة سرعته .
"على مهلك أيُّها اللَّعين ." ، قالت بحنق .
"شششش ، لا أريد سماعك تتفوهين بهذه الألفاظ .. على كلٍّ علينا الاستعجال ، ركنتُ سيارتي بعيداً .." ، قال موبخاً .
توقفت فجأة فتوقف أيضاً ، قالت عابسةً تحاول استذراء عطفه ، قائلة : " أنا أرتدي كعباً عالياً ، هذا يؤلم ، كما أنَّني أشعرُ أنَّ قدماي تجمدتا .."
نظرَ لها لثوانٍ بصمتٍ دون تعابير تذكر ، تقدَّمَ نحوها ثمَّ قهقه بهدوء .
"تريدين مني حملكِ إذاً .. لو قلتِ هذا منذُ البداية ، لكِ ذلك ."
كانت نبرته لعوبة ، لعنته ملايين المرات تحت أنفاسها ، حتّى أنّها داست على قدمه لكنَّه لم يبدِ ردَّ فعلِ سوى ابتسامته الَّتي أشرقت أكثر .
لمَ يصرُّ على إحراجها ؟
"أنزلني ، أنزلني .." ، قالت مدعيةً الغضب ، أو أنَّها لا تريدُ ذلك .
"حسناً كما تشائين " ، قال مبتسماً وتظاهر بأنَّه على وشكَ أن يفعل بعدَ أن توقف .
حدَّقت بهِ بصدمة ، هل سيفعلُ حقاً ؟
نظرَ إليها ثمَّ سخر بضحكته من جديد .
"توقفي عن إدعاء الثقلِ معي ، أعلمُ أنَّك لستِ سهلة ، وأنَّك لا تحتاجين لأحد .. أنتِ صعبة المنالِ شارلوت وإلّا لما كنتُ الآن أسعى خلفك تحت الأمطار بهذا الجوِّ المتجمد .. لمْ أكن لأفعل هذا لأيَّة فتاةٍ سواك .. أنا أسعى للحصولِ عليك ، أفهمتني ؟"
كلامهُ أراح نفسها قليلاً ، على الأقل لن تشعر بأنَّها جرحت كبريائها .
وصلا لمنزله .
تنهدت تحدِّقُ بملابسها الغارقة بالماء ، وهو فعل المثل .
قال بأسىً واضح : " آسف شارلوت .. ليسَ لديَّ سوى قميصٌ واحد في هذا المنزل ، ويبدو أنَّك ستضطرين لاردتائه ."
حملقت به بصدمة ، كادت على وشك إخباره أن يعيدها من حيثُ أخذها ، إلّا أنَّهُ ضحك فجأة فعلمت أن حسَّ الفكاهة مرتفعٌ لديه اليوم بشكلٍ زائد .
"ظريف." ، تمتمت بانزعاج ، قالَ بعدها بهدوء :
"لا بأس ، على أيِّ حال لديكِ ملابس هنا ، بالمناسبة ، فلتحرصي على آخر جزءٍ بالخزانة ، إنَّهُ برعايةِ فيكتوريا سيكريت . "
انهى جملته بنبرةٍ لعوبة ، أدت إلى ضربه ونعته بالمنحرف المختل .
كانَ يجلسُ بالأسفل ، انزعجَ بسبب أخذها وقتاً طويلاً لتغيير ملابسها ، لقد مضت ساعةٌ ونصف شاهد في أثنائها فيلماً ولم تنزل إليه حتى الآن ، أو أنَّهُ كانَ مغفلاً كثيراً ليفكِّر بأنَّها ستفعل .
صعدَ حيث غرفته بعد أن نفذ صبره .
فتح الباب دون أن يطرقه قائلاً : "هل تستغـ.."
استوقفه حينَ أدرك جسدها على السَّرير ، زفر براحة ثمَّ تقدَّم نحوها ،
عضَّ شفته السفلى متمتماً : " اللَّعنة ، هي تغطي نفسها جيداً ، لا تُعطني فرصةٌ بأن أكون رجلاً نبيلاً .."
هو اعتقد ذلك ، وهي فعلت لغيرِ ذلك .
أطفأ الأنوار واستسلمَ لِليلةٍ هادئة ، نامَ بعدها براحة لأولِ مرةٍ منذُ غادرته .
استيقظَ صباحاً على صوتِ أنفاسٍ متسارعة ، بدا الصَّوت مخيفاً كأنَّ أحداً يحتضر ، اعتدل في جلسته على السَّرير مفزوعاً ليحدِّق بها بقلق يكتسحه .
جسدٌ متعرقٌ بشكلٍ كامل ، شفتان تميلان للبياض ، ووجنتان محمرّْتان ، بقي أن يلمسَها حتَّى استشعر الجسد الَّذي يحترق من حرارته .
"شارلوت أأ.." ، كاد أن يسألها إن كانت بخيرٍ حتّى أدرك مدى غباء سؤاله .
"جـونق .. كوك ، أشعرُ بالبرد.." ، بصوتٍ ضعيفٍ متقطِّع وجسدٌ هزيل يرتجف هذا كلُّ ما نبست به .
عانقها ، لم يعي ما يفعل ، حتّى أدرك أنَّهُ ليس طبيباً وقد تموتُ بين يديه ، ثمَّ وفي طريقهما لأقرب عيادةٍ بدأ النَّدم يتآكله ، توقَّع أن تمرض ولم يتفقدها مسبقاً ، كيف لا وهي كانت بملابس مكشوفة في ذلك الجو ، وأين ؟ في موسكو !
_____
استلقت على الأريكة بتعب حين وصلا المنزل .
وضعَ هو أكياس ما اشتراه بالمطبخ ثمَّ تقدّم إليها وباشر بالسُّؤال : "مالَّذي ترغبين بأكله اليوم ؟"
نظرت إليه من أسفل عينيها اللَّتان لا تقوى على فتحهما كما يجب ثمَّ همست بعدها : "أريد النَّوم فحسب ."
"شارلوت .. أيُّ شيء إن كنتِ ستبقينَ معي ."، قال بتعب ، نظرتْ إليه بطرف عينها وأومأت ، لمَ يصرُّ على أن يختار المستحيلَ ليجعله هدفاً ؟ والوسيلة هي .
جلسَ بجانبها ووضعَ رأسها على صدره ، مرت دقائق قليلةً بالنسبة لكليهما ، إلّا أنَّه لاحظ أن حرارتها بدأت ترتفع مجدداً .
قبّل رأسها ثمَّ أردف بهدوء : " أيُّ شيءٍ لكِ ، لكن عليكِ أن تتناولي الطعام ومن ثمَّ الدواء ، ماذا تريدين أنْ أعدَّ لكِ صغيرتي ؟ "
شعرت بأنَّه على وشك النهوض فتشبثت بقميصه أكثر ، دموعٌ قليلة لامست صدره تلاها صوتها المختنق : " ابقَ هكذا ، أرجوك .."
لم يستطع رفض طلبها ، انتظر حتى غطت بالنوم وهمَّ لإعداد الطعام بنفسه ليتأكدَ من أنّه صحيٌّ وملائم لها .
"شارلوت ، هيا وقت الطعام .. جون شارلوت .." ، ناداها بلطف بينما يربت على رأسها ، أدرك بعد دقائق أنها قد استيقظت وتتظاهر بالنوم ، ابتسم للطافتها ثمَّ أردف : " جون شارلوت ، لديكِ ثلاثُ ثوانٍ ، إن لم تستيقظي فسأجعل شفتاك تنزفان .. " ، لم تمضِ ثانية حتى أردف : "اوه انتهى الوقت ." ، أخذ يقترب سريعاً لتفتح عينيها على مصراعيهما قبل أن يفعلها ، "حسناً أنا مستيقظة" ، قالت بصوتها المتعب ، قبل وجنتها بابتسامةٍ لطيفة ، ثمَّ عدَّل جلستها ليبدأ بإطعامها .
"حقاً ، لقد امتلأت معدتي !" ، قالت بتذمر .
"لم تنهي ربعَ الطبق ! ، تعبت في إعداده .. هياا أرجوكِ آخر واحدة ."
عقدت حاجبيها ، نظرت للطبق ثمَّ له وقالت بتفاجؤ : " أحقاً أنتَ من أعده ؟!! آخر مرةٍ أعددت صخوراً حسبما أذكر في الثانويّة ، لكن هذا .. رائع ، أتعلم سأجعلك طباخي الخاص "
"سأكون لكِ ما شئتِ ، لكن تعافيّ أولاً .."
نظرت له مطولاً ، تناولت الشوكة منه وبدأت هي بإطعامه ، هو حتّى لم يستطع الرفض ، كانَ شبهَ مخدَّر !
"ها قد أنهيته .." ، قالت بابتسامة واسعة .
"رائع ! خدعتني !!" ، ضرب جبهته غير مصدِّق .
"حسناً إذاً ، دور الدواء ." ، تناوله ووضع القليل منه في الملعقة المخصصة .
"اتمزح ؟!" ، قالت مغطيةً وجهها .
"لا ، هيا لا تعاندي ، يجب أن تتعافيّ .."
"وهل تراني بعمر الخامسة لآخذه سائلاً ؟! ثمَّ ، هذا الأبيض ؟!! كنت أتقيأ حين أتناوله وأنا طفلة !!"
"حقاً ؟! ، حسناً أنت تتصرفين كالاطفال ، لذا ظننتكِ ستفضلين هذا ، أظن أنَّه لديّ من العاديّ ، سأحضره .." ، ذهب سريعاً وعاد بعد دقائق ، أخرج لها قطعةً لتتناولها مع كوب ماء .
ظلَّت تحدِّق به فقط ، كأنها تجمدت .
"هيا ما بكِ؟"
_______
يتبع .
البارت برعاية شارلوت وكوك .. :)
اكثر مومنتات بينهم ؟
من الحين بقول تايهيونق ما رح يمرقها لها 🌝 وش تتوقعون بيسوي ؟ ..
و .. اوه ، سييو ب ٢٠٦٠ 😁
امزح متحمسة اوصل للبارتات اللي فيها الشخصية اللي خاقة معها
:( .. بس هي بنت ، اختارولها اسم لاني حالياً خليته دوريت بس مدري احسه ثقيل ..
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top