03: مُلتقى الأكوان

.


في غابة مِن مائة ألف شجرة،
لا توجد ورقتان مُتشابهتان، وَ لا رحلتان على الدرب نفسه متشابهتان..
حتى وَ إن كانت الوجهة واحدة! فتظل الغاية مُتباينة.

وَ ماذا عَن طريق لا يملك رفيق؟
نواه بِالفعلِ قطع مسافةَ توغلاً بِالغابةِ حيثُ تتشابكُ الأغصان مانعةً مرور ضوء الشمس،
ذلك الدرب الغير مُمهد لِوجهةِ إنسان.

حدة أصوات طلق النار تقل مَع إبصارِه لِعدد مِن الصخورِ فوق بعضها البعض، لا تشوب الصورة أي مِن مناظر الخضراء فيما تتلاحمُ أضواء خافتة مَع حلكة ما أبصره مُنذرة بِدنو وجهته. ما عليه هو تسلقُ الصخور وصولاً لِقمةِ التل، حسب ذاكرته فالأرض مستوية بِالأعلى.. لا تنمو بها النباتات وَ لا الأعشاب نظراً لِقلةِ خصوبة التُربة.
بِالنسبةِ لِمَن أعتاد المجئ لهنا يومياً.. فلا عقبة تحول بينه وَ بين قمة التل، بَل جميع تِلك الصخور في صفِه إذ هو يتسلقها وصولاً لِأعلى.

وَ بِالفعل، لَم يحتج وقتاً حتى وجد نفسه يقفُ بِشموخ أعلى التلة، أصوات الغربان مِن حولِه تهنئه كما أعتادت يومياً
فقط لِتتلقى فتات قوتها مِنه.. وَ في الحقيقةِ هي منفعة مُتبادلة،
إذ الغربان تمنحه أشياء مادية مُقابل الطعام.

غرابان وقفا في مُقدمةِ الجماعة، يحكمون الإمساك على ما بين منقارهم،
فأنخفض يدققُ بما معهما؛ بوصلة وَ مُفتاح.

وجدت الأبتسامة طريقاً لِمحياه عِندما مد يده وَ تركت الغربان ما سرقت، فأستقام يخرجُ مِن حقيبةِ صغيرة فُتات الخبز التي جمعها ليوزعها على المتطلعين لِما معه.

حتى وَ إن كان يحتاجُ الصباح بِأكملِه لِيصل لِهُنا، فما يقضيه بِالبقاءِ لا يعادل نصف مشقته المبذولة بِالطريقِ..
وَ عِندما أنتهى مخزونه مِن الفتاتِ، كان ذلك وقت العودة إلى المنزلِ.

هذه المرة، حُلكة الطريق أزدادت
إذ الشمس قد غربت.

----؛ ∞ ؛----

مِن موقعِهم ذاك، يستطيعون الأحساس بِالحركةِ المُباغتة بِالغابةِ، و سماع صوت هز الأغصان ينتقلُ مِن واحدِ لِأخر لِيدنو مِن نافذة الغُرفة.

يعرفون جيداً أن الصيادين يفضلون مُمارسة عملهم في ضوءِ النهار لِأن الليل يغشي بصيرتهم وَ تجعل فرصهم بِالنجاةِ ضئيلة، وَ على اليد الأُخرى فالسكان الأصليين لِلمنطقةِ لا يحبذون فكرة الأقتراب مِن الغابة حتى..

وَ ذلك يدلهم لِأستنتاج واحد فقط..
نواه أقترب!

على أثر بعثرة الأوراق خارجاً، سارع غُرابي الشعر بِمزجِ ما بين يديه مِن بتلات الزهور وَ المياه قَبل أن يصب المزيج بِأكملِه داخل قنينة وَ يقدمها لِغريس.
ڤي يكملُ عزف ألحان هادئة على البيانو القديم، فيما سكارلت الوحيدة التي لَم تحرك ساكناً..
على الأقل لَيس قبل أقتحام نواه لِمجلسِهم المتواضع مُمسكاً بين يديه ما قدمته الغربان.

أعطى سكارلت البوصلةَ وَ المُفتاحَ لِتسير فوق خطى شقيقتها لِلجانبِ الأخر حيثُ النزلاء،
فيتبقى الثلاث فتية وحدهم بِالُغرفة ينتظرون ما سيذاع مِن خبر على لسان غريس.

وَ على سبيل هدم الروتين، بدد ڤي الصمت قائلاً:" نواه، أرغب بِالحديث معك.. "

رمق نواه غرابي الشعر بِنظراتِ تحثه على الخروج،
إلا أنه نفى بِرأسه لِيتنهد مُشيراً لِلأخر بِالشروعِ بِسرد ما يملك.

" أخبرتك أن الأرضَ لَن تتحمل مقدار ما نملكه مِن علمِ.. أليس كذلك؟ "
أومأ نواه في صمتِ لِيسترد ڤي حديثه، وَ قال:
" ذلك يفسر تواجد عوالم أخرى.. "

"ما أعنيه هو، لِكُل عالم حد مُعين لِفعاليةِ الخلايا الدماغية، وَ تأخذ العوالم وقتاً قبل أن تتطور وَ تصل لِلحد المسموح به..
لَكن إن أزداد مقدار العلم عَن حده، فُهنا ذلك يخلق عدم توازن يهددُ العوالم التسع بِالفناءِ."

أنعقد حاجبي نواه في أستنكارِ، إلا أن ڤي قرر أخذ دور أكثر فعالية بِالقيامِ عَن مجلسِه وَ الوقوف بِمُحاذاة الأخر، تنهيدة سبقت كلامه لِلإسترسال:" تواجدنا هُنا يؤثر بِالبيئةِ المُحيطة، أنتَ تعرف بِالفعل أننا سنرحل عاجلاً أم أجلاً.. وَ لكن اليوم هو يوم أنتهاء كُل ذلك العبث بِطبيعةِ عالمك "

" مـ ماذا؟.. "

" وَ هناك ما أود الأعتذار بِشأنه.. "
غير ڤي مجرى الحوار دون سابق أنذار، حتى أنه لَم يترك لِنواه فُرصة أستيعاب ما قاله.

وَ لِلمسافة المُقلصة بينهما، أستطاع نواه رؤية ما في عينيه مِن ندمِ وَ ألتمس صدق أعتذاره الغير مُبرر..
و كانت تلك إشارة لِلشروعِ في التفكيرِ وَ تخمين ما سر الأعتذار المُفاجئ،

لكنه لَم يزح حدقتيه عَن الأخر إلا عِندما أدرك سؤال عالق بِجوفِه طريقاً لِنيل منصب بِالحوارِ:
" ما الذي كُنت تفعله اليوم صباحاً؟.. "

" أتأكد مِن عدم وجود أدلة تكشفُ وجهتنا. "

" أين والداي؟! "
سئل مُجعداً ما بين حاجبيه، يتدارس مدى جدية الوضع وَ إلى أين سيتجه الحوار
وَ مِن نظراتِ ڤي.. خمن بِأن الوضع سيكون مُحتدماً.

أزدرد ريقه، قدماه لا تمكانه مِن الوقوفِ أمام الأخر بعد الأن..فأخذ يترنح حتى أسند ظهره لِلجدارِ..

قهقهة مُستهزئة فرت مِن بين شفتيه قَبل أن ينظر لِغرابي الشعر وَ يتأمل جمود ملامحه، عينيه الذابلتان تعطيانه فرصة لِكشف الحقيقة مِن بين جميع العبث الذي خلقه ڤي.. لَكنه لَم يرى نظراته تحدجه بِتلك الجدية مِن قبل!

أعاد النظر لِموقع ڤي فاغراً فاهه وَ رافعاً حاجبيه في شئ مِن الأستنكارِ،
تهدجت أنفاسه عِند مُحاولة إصاغة الكلمات.. فكُل ما خرج كان نسخاً لِما سبق:
"أينـ.. والداي؟! "

" هذا تحديداً ما.. - "

لَم يتمكن مِن أنهاءِ جُملته قبل أن ينقض عليه نواه وَ يلصق عموده بِقسوةٍ لِلجدارِ،
عينيه تخرجان لهيباً مِن الحقدِ تجاوز ما أمتلكه ڤي يوماً بِحدقتيه..

" أكرر.. أين والداي؟! "

" إن تركت لي فرصة سأ..- "

مُجدداً قاطعه نواه وَ لكن هذه المرة بِلكمةٍ أبعدت وجهه عَن تواصل الأعين،
حرك يده يتفقد معالم وجهه وَ أثر اللكمة على وجهه لِتفر ضحكة مُستهزئة مِن بين شفتيه.

وَ نواه لا يعرف..
إن كان يساعده لِيستشيظ غضباً حتى يدفن ما بقي مِن جثته،
أم كانت تِلك مزحة سخيفة لِإخراجِ الوحش داخله..

وَ في الحالتين.. هو بِحاجةِ لِجواب،
ما على ما يبدو أن ڤي لَن يرده بِمنفعةِ.

سكارلت..
أجل، سكارلت!
هي الوحيدةُ التي لَن تكذب عليه..
هي الوحيدة التي لَن تسخر مِنه..
هي التي ستمنحه جواباً يشبعُ فضوله..

فتسابقت خطاه لِلجانبِ الأخر مِن النزلِ،
لا يأبه حقاً لِلقانون الذي يمنع تواجزه لِلستارِ
فعقله يدور حول فكرة إيجاد الفتاة وَ طرح سؤاله عليها،
حَتى وَ إن قاطع شيئاً مُهماً لِلغاية
كلحظةِ قتل النزلاء.

الموت لازمه وَ ألقى بِظلالِه الحالكة على منزله الصغير.. مُنذ أقتحم أربعة أخوة حياته الروتينية،
فما عاد يتعجب مِن منظر الجثث الملقاة بِإهمالِ
لاسيما تِلك المرة عِندما أزهقوا روحاً بِأكثر الطرق بشاعة.

لا، لَم يكونوا يوماً وحدهم..
اللوم يقعُ عليهم لِأنهم قتلوا،
وَ اللوم يقع عليه لِأنه ظل صامتاً.

وَ ها هو، صامت مرة أخرى..
عِندما شهد أزرقاق أوجه الغرباء وَ تشققُ شفاهما..
فيما أجسادهم خالية مِن أي مؤشر لِنبضِ الحياة.

ما يراه الأن يمنعه مِن رؤية أعين سكارلت التي لائمت بياض الثلج بِشمالِ سيبريا، شيئا من الضياء يحول بين ما هي عليه و ما عهدها عليه..

كما لو أن المشهد أرتبط بِحدقتيه أرتباطاً سحرياً حَتى جاء ڤي يحمل الجثتان فوق أكتافه العريضة..
فيختفي بِالشوائبِ التي دمرت صفاء المنزل وَ مفهومه الأمن.

ضغط

ظلام

همس

وَ قلبُ ينبضُ بِجسدٍ خاطئ

مُجدداً.. نواه أدرك أنه لا يتنفس.

وَ الأستيقاظ الأن كان أصعب مِن سابقتِها..
فالأن هو لا يرغب بِأجوبةِ، وَ لا بإشباعِ فضوله بِالمعرفة..
بَل يرغب في أن تغفر السماء عَن خطاياه التي لَم يرتكبها،
وَ لربما يرغب بِأن يكون جُزءاً مِنها..

ڤي كان مُحقاً..
وَ تِلك الفكرة تهدج أنفاسه.
لا بشري يتحملُ ذلك المقدار مِن المعرفةِ
بعض الأشياء مِن الأفضل أن تبقى بعيداً عَن النور
أن تبقى مستورة دوماً وَ أبداً لِلحفاظِ على سير الكون.

وَ أمام رؤيته الضبابية، لَم يتمكن مِن أستيعاب المحيط مِن حولِه
وَ لا الأجساد المُترقبة لِنهوضِه..

فكُل ما تمكن مِن الهرب مِن بين شفتيه، خرج لِيطفئ أخر شمعة لِفضولِه إذ سيستعمل البقية لإشعال ذاته بِنارٍ لا تنطفئ..
خرجت الكلمات حتى دون صياغة مُتقنة.. خرجت لِتعبر عَن مدى إرهاقه، و قال:
" مَن أنتَ؟.. "

رفع غرابي الشعر شفتيه في أبتسامةٍ رقيقةٍ، ملامحه الهادئة لَم تُعد تملكُ ذبولاً مُخيفاً كما عهدها
إلا أن نواه أدركه مِن بين الوجوه الأخرى لِأنه بدا حقيقياً جداً مُقارنة بِهم..

حتى في يده المُمتدة جهته.. تحثه بِالتمسك بها حتى يأخذه لِرحلة أخرى.. واحدة تسبقُ النهاية المَحتومة.

أصبح مُتمرداً جداً حد أنه أنصاع لِلإمساكِ بِيده..

تسقطُ كلمات هاربة مِن فاه الصبي على مسامعه كي تؤكد حقيقة ما يرى الأن.

" ما تراه الأن، هو العالم الحقيقي "

أهذا يفسرُ طوفان كُل ما خبأه يوماً داخل ثنايا عقله أمام عينيه؟
مِن ذكرياتٍ تحويه طفلاً وَ إلى رؤى تحويه كهلاً..

مشاعرُ مُتخبطة لا تملك مفهوم وَ لا مقياس تطوفُ حول كُل تِلك المناظر لِيغفل عَن سرعة تأكلها داخل نفسها،
فتنفرج مِن نُقطةٍ إلى جسدان يدرك هويتهما جيداً..

" نواه، أصغ إلى جيداً..
أنا جونكوك وَ أنا أرى ما لا تلتقطه عيناك بِأركان الغُرفة.
أنا أرى الأشباح وَ الوحوش تحوم حولنا بِشكلٍ مُستمرٍ،
ما دامت لَم تُسحب قواها إلى المواد المُخصصة

وَ كان ذلك تبعاً لِرغبةِ ڤي بِأن نترك والديك يحومان حولك دائماً وَ أبداً
فأدرك تواجدهما قبل أن أسحب قدرة رؤيتهما. "

هز رأيه نفياً، لازال مشدوهاً مِن أنتماء والديه لِعالمٍ لا يملك أحقية المرور إليه،
وَ لكنه بِطريقةٍ ما أزدرد ريقه لِيطرح سؤالاً علق بِجوفِه:" ما الحكمة مِن كُل ذلك.. ؟ "

" حدد وجهة سؤالك،
فأنا أعرف كُل ما تتسائل عَن الحكمة خلفه وَ ذلك يربكُ حواسي بِتحديدِ الإجابة. "

" القتل، جونكوك.. "
أنبأ بِما أستطاع بعد أن خذلته رئتاه مِن سحبِ كمية هواء مُناسبة..
وَ لكنه فضل الأختناق على أن يُترك فارغاً مِن الإجاباتِ: " أخبرني ما هي الحكمة مِن قتل كُل تِلك الأرواح! "

" كُل روح تشكلُ جُزءاً مِن خريطةِ لِحيث ننتمي..
كُل روح أُزهقت كانت تضحية مِن أجلِ توازن كوكبكم. "

.
.
- يُتبع -

----؛ ∞ ؛----

السلام عليكم 🌞💕

واضح ان الكلاب بقيادة في اتفقوا يقتلوا والدي نواه الي ما كنا نعرف عنهم شئ ؛-؛ ..
اهذا يفسر اختفائهم بالفصل الي فات مع اختفاء في؟ اجل.

صائدة الارواح و جوهر الحياة قتلوا النزلاء دون الحاجة لفي حتى 🌞
فيما كشفنا اخيرا عن اسم غرابي الشعر ؛-؛ ..

طيب، سؤال مسروق منmbc
ماذا بعد؟

ماذا بعد قتل والدي نواه و كشف قدرات الثلاث اخوة؟ يعني كشفنا بشكل مباشر عن جونكوك ؛-؛ انما البقية لازالوا لغز ؛-؛

بالنهاية احتاج أراء صريحة تماما 💕

وشكرا للقراءة 💕

و مع السلامة 🐼🌹

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top