"Ch 3"إنهاك

#قلوب_يعانقها_الألم_3
#بقلم_أسماء_الصافي❤️

تنهيدة عميقة إختلجت صدره ، صداع إقتحم رأسه منذ الصباح .. كان قد أتي منذ ساعتين للشركة ، جاء مبكراً قليلاً فوجد كومة من الاوراق متكدسة فوق بعضها بعضاً فتنهد بعمق ليبدأ بالعمل عليها حتي ترك القلم متنهداً بإنهاك ، لا يستطيع الاكمال ، فعقله مشغول تماماً .. شئ ما قابع داخل أضلاعه مكان قلبه .. شئ قاتم جداً !

أغمض عيناه مسترخياً بإرهاق ، ذكرياته أخذت تتتابَع مُعيدة إليه بعض اللقطات الأليمة ، لقد إنهارت حياته بلمح البصر .. أكان كل ما بناه من ورق ؟! .. أكان بكل تلك الهشاشة ؟! .. أأصبح هو بكل هذا الضعف ؟! .. لأكثر من عشر أعوام لم يذق للراحة النفسية طعماً .. لم يجدها من بعدها ! .. يعترف بذلك !

ما هذه الحيرة التي إلتفت حوله فجأة ؟! أكان مخطئاً بكل ما حدث بالماضي ؟ .. أكان يجب عليه التريث عما ود فِعله ؟ .. إذاً من أَولىَ بالحياة معه ؟ .. أكان يجب التفكير قبل إبداء تلك الخطوة ؟! .. زواج حب ثم زواج أخر مصلحة ! .. لما فعل ذلك ؟! .. يعلم أن الخطأ يقع علي كاهله فلقد ظلم الاثنان معه .. و الاكثر .. ظلم من أحبها ! و ظلم .. نفسه !

تنهيدة أخرى أطلقها و غصةً تقبع داخل حنجرته ! .. تمني من قلبه أن يعيشا سوياً لكنه بلمح البصر لأجل قوانين و أشياء غبية إضطر أن يدمرها و يدمر نفسه .. حتي ذلك اليوم حين جاءت إليه تعاتبه مرة أخري بعد خمس سنوات إختفاء ، طلب منها أن تغادر بصمت ، قسي عليها .. قسى قلبه فجأة بسبب خوفه ! أكان خائف من ماذا هو ؟ .. من والده الذي أقسم بعدم عودتها مرة أخري ؟! .. أم من والدته التي قررت أن زواجه منها كان خاطئاً و أنها ليست مثلهم غير مهتمان بقلبه الذي كُسر وقتها ؟! .. أم من المجتمع أم عليها ؟! .. ماهذه الدوامة التي يغرق فيها الان ؟! .. ما عاد له شئ غير التفكير ؟! .. أين الحلول إذاً ؟!

نظر إلي هاتفه ، ببعض من التردد قبل أن يظهر رقماً بإسم لويس ، طلبه لينطق بجمود دون مقدمات :
" إبحث عن الفتاة التي سأرسل لك صورتها ، حالاً لويس ."

نهض بعدها يتقدم ناحية النافذة الزجاجية التي أخذت جداراً كاملاً ، تطلع حيث ضوء النهار .. حيث زحمة الناس خارج المكان لكنها أبداً لن تغني عن حجم الفوضي داخله .. لانت ملامحه فجأة بألم .. يتذكر تلك الذكريات معها ، لكنها الآن ليست معه ، ليست أمامه .. رآها مرتين تبتعد دون أن يستطيع منعها .. لقد تركها حتي إختفت من حياته دون نظرة أخيرة منها تاركة منها شتات من الذكريات التي أرهقته و أنهكت كيانه ! .. رحلت .. لكنها أخذت كل ما يملك معها !

أغمض عيناه بعدها لثواني ليفتحها و قد إحتلت ملامحه البرود التام ليلتفت و يغادر الشركة كلها دون كلمة أخري تاركاً العمل و تاركاً كل شئ خلفه ..

" سميث أريد رؤيتك بالمقهي ."

كان ذلك أخر ما قاله لرفيقه علي الهاتف قبل أن يستقل سيارته و يغادر بها لوجهته .

****

بالقرية .. الساعة الحادية عشرة و النصف صباحاً .

فتح عيناه بوهن ليجد نفسه علي سريره بغرفته ، قطب جبينه بحيرة من أمره و هو يتذكر أنه كان ينام مع والدته أمس ، فكيف جاء الي هنا ؟!

جلس ، فتفاجأ بشئ يسقط عن جبينه  ليجدها كمادة طبية ، لمسها بإستغراب ، لا يذكر أنه كان يعاني من الحمى ، هذا غريب !!

غادر السرير علي عجل و خرج ينادي جده ، وقف حين لمحه يجهز الطعام ووالدته تجلس تقشر البطاطا فتهللت أساريره و تقدم مسرعاً ليتخذ كرسياً بجانب والدته ينطق بلهفة :
" أمي ! أخيراً خرجتي من غرفتك التعيسة ! "

ابتسمت والدته بصمت و امتدت يدها تبعثر شعر طفلها براحة لرؤيته بخير بينما تنهد الجد تنهيدة محبطة سمعها الاثنان ليلتفت سيل عابساً بوجه جده ينطق متذمراً :
" هيه! جدي لست بهذا السوء أيها العجوز ! "

إلتفت جده بسكين موجهة ناحية الفتى لينطق بتوبيخ :
" لا تخالني غبياً أيها الصبيّ ! .. تكذب علينا لثلاث أشهر و أنت تعمل بمطعم السيد كارل دون معرفتي بالأمر ثم تأتي مريضاً ؟! .. شئ غير متوقع منك سيلين ! "

عبس الفتي و أقرَّ مبرراً :
" أسف ، لقد حاولت المساعدة فقط لكنه طردني يوم أمس لشجاري مع أحد الاغنياء القبيحين .."

نظرت له ديفيا لتباغته بسؤال حائر :
" شجار ؟ مع الاغنياء ؟! .. سيلين ماذا فعلت لتتشاجر ؟! "

" لم أفعل شئ ، لقد أهانني فصرخت عليه و فعلت مثلما فعل معي .".

لم تنطق بل أخذت تشرد بكلماته فناداها سيلين بقلق :
" أمي ، غاضبة أنتِ؟ "

انتبهت نحوه و سألته سؤالاً غير متوقع :
" كيف كانوا ؟ أرأيتهم من قبل ؟ "

عقد الصبي جبينه بغرابة لينظر لجده الذي نظر لإبنته و كأنه مستغرب سؤالها كذلك ، ثم عاد للنظر لوالدته يبادلها بسؤال أخر :
" و ماذا تريدين من معرفتي لهم ؟ .."

" فقط صفهم لي يا سيل ."

أومأ ليعقد جبينه مفكراً بينما يحاول تذكر شكلهم قائلاً :
" ممم ، أظن أني إنتبهت علي إحداهما .. كان بشعر أسود و عيناه أظنها رمادية لكنه كان يضع عدسات زرقاء و .."

" كيف علمت بأمر العدسات ؟! "

رمش بغرابة من تحقيقها معه ، نظر لملامحها الجادة التي تطالبه بتفسير لكنه أجابها رادفاً :
" لقد قرأت عنهم بهاتف جدي و لهذا استطعت ملاحظة أمر عدسات ذاك الرجل ."

أومأت بشرود تفكر بما قاله طفلها لتنهض تأمره بجمود :
" ممنوع الخروج دون إذن مجدداً ، تذهب للمدرسة و تعود دون الذهاب لأي مكان .. مفهوم ؟ "

شهق بدهشة ليتذمر :
" لكن أمي .. "

" مفهوم سيلين وودفيل ؟ "

هتفت غاضبة فنظر ليديه المعقودة و هز رأسه يهمس بصوت مهزوز دون نقاش :
" حـ حاضر أمي ."

غادرت فور قوله ، لا أحد فهم منهما ماذا حدث ليحتد النقاش هكذا دون مبرر ، لكن رغم ذلك ربما كان والدها يفهمها ، حيث نظر لها بإحباط و هي تغادر .

قاطع نظراته تلك شهقات سيلين و هو يبكي ، لم يخيل له رؤية أمه بهذا الغضب أو أن تحدثه بهذه الطريقة القاسية ! لهذا لم يحتمل عدم بكائه و رغم ذلك حاول عدم الافصاح عن ألمه أمام جده فأخفى وجهه بين كفيه يكتم شهقاته التي فضحته بالفعل !

فتحرك ميل يقترب من حفيده ليربت علي ظهره قائلاً بحنان :
" لا تبكي سيلين ، هي فقط خائفة عليك ، كما أن ما فعلته خاطئ ، فما كان عليك الشجار مع من هم أكبر منك سناً أو العمل و أنت تحت السن القانوني ! "

رفع الفتى رأسه ليسأله بعيون دامعة و نبرة بريئة :
" لماذا يا جدي ؟ لقد حاولت جلب المال لمساعدة أمي علي الشفاء ."

إنخفض الجد يمسح دموع حفيده ليرد بإبتسامة :
" صغيري ، العالم ليس كما تظن .. بالخارج الاغلب يسيرون حسب مصالحهم .. لن يهمهم كونك تعمل لأجل جنيّ المال لأجل مرض أمك ، بل بأول خطوة سوف يتخذون خطوتهم بإبعادك عن والدتك كونك قاصر و سوف تؤخذ حضانتك لتوضع بدار للأيتام ."

شهق ينطق بإعتراض :
" لكني لا اريد ذلك جدي !! "

" إذاً يجب أن تستمع للكلام و لا تعارض ."

أومأ بخيبة أمل مجيباً :
" حاضر جدي  "

فابتسم الجد معقباً بينما يفرك شعر حفيده :
" فتى مطيع ."

ابتسم سيلين و مسح بقايا دموعه عن وجهه ، فنهض ميل ليغادر لعمله لكن سؤال سيلين المباغت جعله يتصلب حيث سأل بفضول :
" جدي ، هل معك صورة لوالدي ؟ أمات في حادث حقاً ؟! "

لثواني مرت دون إجابة و كأنه غير مستوعب سؤال الولد خلفه لكنه ابتسم بحزن يواجهه قائلاً :
" للأسف ضاعت كل الصور التي تخص والداك بالحادث ."

أومأ الصبي لينهض عن كرسيه و يذهب لغرفته دون حديث تحت نظرات جده الذي تنهد ليلتفت و يغادر للمزرعة التي يعمل فيها .

****

بالـ 10.30 مساءً~

كان صاحب العشر سنوات مستلقياً علي سريره بالمقلوب ، و الصمت يحوم حول المنزل برهبة هادئة ، فجأة ارتفع صوت جرس المنزل ، ففتح عيناه بهدوء مستغرباً هذا الامر فجده معه مفتاحاً ، هل نسيه ؟!

علوْ صوت الجرس جعله يتأفف بضجر و ينهض ليفتح لجده قبل أن تخرج أمه لفعل ذلك ، فهي مريضة علي أي حال !

" حاضر ، قادم ! "

صاح بعصبية تزامناً مع فتحه للباب بغضب ليردف هاتفاً :
" جدي أنت .. "

و بتر كلماته المتعصبة حين وجد شخص أخر يقف أمامه ، ملفح بالسواد من رأسه لأخمص قدميه يحدق فيه بنظرة غريبة ، فأمال الصبي رأسه للجانب ببراءة يسأله :
" من تكون يا عم ؟ "

نظر المعني حوله بريبة لينحني نحو أذن الصبي يهمس :
" آويني عندكم لهذه الليلة فقط ، رجاءاً ساعدني ! "

لوهلة فكر في الامر ، والدته تبدو أنها أخذت دوائها و المنوم لتنام براحة ، وجده بالخارج و لم يأتي للآن  .. هل يثق في غريب ليدخله منزله دون وجود غيره ؟!

" إبحثو عنه ! "

شهق الرجل و بدون مقدمات دخل حين سمعا صوت الرجال حول المكان ليبعد سيلين فوراً و يدخل مغلقاً الباب خلفه يستند عليه يزفر أنفاسه براحة ..

رفع سيل حاجباً و كتف يديه منزعجاً منه ليقاطع خلوته قائلاً بحدة:
" من أنت ؟ و لما .. "

بتر أسئلته كف الرجل التي وضعت علي فمه تمنعه من الكلام بينما يتحدث الاكبر بصوت أشبه بالهمس :
" تشه ! أصمت قليلاً الي أن يرحلوا و سوف أخبرك ."

أومأ المعني بقلق و هو يحدق بعسليتي الرجل الغريب ، أبعد الاكبر يده بإستياء بينما يتمتم بشئ لم يسمعه سيلين ثم نظر للفتى الهادئ الذي أخفي خوفه من أمر وجود الغريب بمنزله بمثل هذا الوقت ، لينتبه لما قاله الاكبر فجأة مستغرباً :
" لما حرارتك مرتفعة ؟ أأنت مريض ؟!"

رفع الفتى كفه يلمس جبينه لينطق مستنكراً :
" مريض ؟! لا أبداً أنا بخير ."

تنهد الغريب ليقف ، أبعد الوشاح عن وجهه خفيف السمرة ليظهر خصلاته الكحيلة الكثيفة ، ملامح وجهه كانت غريبة نوعاً ما ، كان مريب مظهره !

حدق الصبي بعيناه الناعسة بشرود :
" عيناك .. "

" ما بها ؟! "

سأله بغرابة فضاقت عين سيلين الواسعة أكثر بينما يجيبه بهمس :
" أنها .. مألوفة ! .."

تزامن ذلك القول مع إنهياره فاقداً للوعي ليلتقطه الداكن بسرعة بقلب إنقبض لهذه اللحظة المفاجئة ، ضرب علي خده بلطف منادياً لكنه لم يتلقى رد فعل من الصبي الذي إزدادت حرارته ، فوضع يده الاخري تحت ركبتيه و رفعه ، كان خفيف الوزن بملامح وجه بريئة ، و قامة قصيرة! مع خصلات كحيلة و خصلة متمردة عن صديقاتها طويلة قليلاً .

" ما الذي جرى لك فجأة ! "

همس بقلق و غرابة لتتوسع عيناه لحظةً حين عطس الصبي فجأة و يداه امتدت تمسك بقلادته الفضية التي ظهرت من رقبته الظاهرة بينما ينكمش أكثر بأحضانه دون وعي !

سار نحو الدَرج ليصعد لكن إستوقفه فتح الباب خلفه ليظهر رجل مسن بتجاعيد ملأت وجهه رغم صحته الجيدة ، تلاقت عيناهما لتحتد عين المسن فيهتف غاضباً و شئ من الحذر حين وجده يحمل سيل الفاقد لوعيه :
"  هيه أنت من تكون ؟ ثم ماذا تفعل بحفيدي ؟!"

رمش بعيناه ، لم يهتم بمن أمامه و لم تتغير ملامح وجهه ، بقى للحظات واقفاً ببرود لينطق فجأة :
" لا داعي للقلق يا سيد ، جئت هنا لطلب المساعدة و الفتي فتح لي الباب و اضطررت لأدخل ، لكن .. "

أنزل نظره للصبي و لانت ملامحه فجأة ، يحدق بملامحه بشئ من الغموض لم يفهمه العجوز ، ثم أردف بصوت حاني :
".. وجدت حرارة الصبي مرتفعة و ما لبث أن فقد وعيه فجأة لهذا أردت المساعدة .. إن لم يعجبك الامر سوف أغادر ."

تقدم نحوه ليناوله الصبي لكن ردة فعل العجوز حيث ابتسم فجأة جعلته يستغرب حيق نطق العجوز بلطف :
" منزلنا دائماً مرحب بمن هم يريدون المساعدة .. يمكنك البقاء معنا يا سيد.. ."

" نادني جين ."

همس بدون وعي ثم انتبه لنفسه ليصمت فتبسم العجوز و تقدم نحوه ملتقطاً جسد حفيده فما كان يفصلهما سوي خطوتين !

نظر ميل لوجه حفيده و تنهد متذكراً نسيانه بأمر دوائه لهذا إشتدت عليه الحمى ، سار نحو الدرج صاعداً للأعلي حتي توارى عن أنظار جين الذي نظر ناحية ذهابه بإبتسامة هادئة مستنكرة ربما لما حدث للتو ، لتتوسع أكثر بينما يسترخي يغمض عيناه براحة بينما تمتد يده تلمس القلادة !

شهقة عفوية خرجت من بين شفتيه حين وجد نفسه بدون القلادة خاصته ، نظر حوله لربما سقطت منه لكنه لم يجدها لتتوسع عيناه فجأة حين تذكر أمر تمسك الفتي بها ليضرب وجهه بانزعاج من الامر ! .. عليه أن يأخذها منه قبل أن يراها أحد ! ياله من مغفل !

" أستظل هنا كثيراً ؟ .. "

شهق بفزع فور سماعه لصوت المسن لينظر له بغباء ، فضحك ميل بخفة حين فهم ردة فعله و نطق :
" هيا ، هناك غرفة شاغرة .. إبنتي والدة سيل نائمة و سيلين وضعته بغرفته بعد إيقاظه و إعطائه دواءً للحرارة ، تبقى أنا و أنت ."

ضيق المعني عيناه مفكراً قليلاً لينطق معقباً علي كلام ميل :
" سيدي ، هل تعيش مع الفتى ووالدته ؟ "

همهم المعني ليردف جين مستنكراً بهدوء :
" و أين زوج السيدة ؟ لما لا يعيش معكم ؟ "

" لقد مات .. "

رفع جين عيناه بدهشة لميل الذي همس ثم نظر له بجدية أنهاها بشرود :
" مات بحادث سير .. ربما هذا ما يجب عليك معرفته ."

تركه و غادر بعد أن عرفه مكان الغرفة
التي سينام فيها .. نظر جين ليديه بشئ من الحزن طبع بقلبه ، و ربما مستاءاً ؟

تنهد بعمق ليتحرك ناحية الغرفة التي أخبره عنها العجوز بنفس الطابق الذي يقف فيه ، لتنتهي أحداث تلك الليلة بسكون ، لربما يكون أخر سكون بحياة الصبي؟! "

*
*
*
يتبع..

إتأخرت كتير أنا عارفه ، بس الامتحانات قتلاني يا شوباب
😂💔

المهم بقا ادوني رأيكم و اللايك😎❤️

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top