"Ch 10"ابتسامة تداري ألم


ربما كان شعوري لحظتها غريباً ، غضبي ، آهاتي ، صراخي .. ربما كنت مخطئاً ، لهذا رأيت ذلك الحلم الذي كان ذكرى ؟ .. لما عادت ذاكرتي لما قبل خمس سنوات من الان ؟! ألم أكن صغيراً لأتذكر ؟

لازلت أذكر رغم عدم إدراكي لما تعانيه كنت أذكر إنهيارها ذلك اليوم .. غضبها .. و كأنه حدث أمس ... كنت ساذج وقتها .. كلمات جدي كانت تدور حول رأسي ، تدفعني لأن أقف سنداً لوالدتي ، فلقد كنت وحيدها .. لا أحد غيري كان يمكنه فعل ذلك ، لكن ذلك اليوم حصلت منها علي ندبة .. أعلم جيداً أنها لم تكن قاصدة ، فقد كانت .. كانت ربما تحسبني .. آريان ؟!!

ما الذي يحدث ؟ .. ألا يوجد من يجيب أفكاري المتسائلة ؟! .. ألا يوجد من يهدي قلبي التائه ؟! .. لما تلك المشاعر تستنزفني لهذه الدرجة ؟! .. مازلت صغيراً فلما أتألم ؟!

رغم جلوسي بهذا المكان ، أشاهد السماء من مكاني ، مسطح جبلي بنهاية الغابة بنهاية القرية .. لم أذهب لآدريان بل جئت هنا لأختلي بروحي هنا .. روحي التي تكاد تشيب من كثرة الامور العالقة دون إجابة بذهني !! .. أمن منجي من هذه المتاهة ؟!

أغمضت عيناي لثواني حين ارتطم بوجهي هواء الظهيرة الرطب كوننا قربنا من الشتاء ، ثم فتحتها حين تراءت لمخيلتي فكرة ربما متهورة ! فلم تأخذ مني لحظات حتي وقفت لأباشر بفعلها ، علِّي أخرج بعضاً مما يختلج بقلبي !

" هيا إفعلها .. "

نطقت أشجع نفسي فرسمت إبتسامة واسعة خائفة و انا أقترب من الوادي العميق ثم فتحت فاهي و فردت ذراعاي لأطلق صرخـــاتي .. و يا له من شعور جميل! .. زدت أكثر و أكثر ، صراخ يعلوه صراخ ، ثم علت ضحكة حمقاء لأني و أخيراً فعلتها !! .. لم أكن أصدق ذلك ! .. لقد تركت العنان لصراخي و أخيراً ! .. ربما بهذه اللحظة فقط استطعت فعل شئ تمنيت لو أفعله طويلاً ! و بها قد شعرت بالهدوء يعود لقلبي و كأن تلك الصرخة كانت تجثم علي صدري منذ زمن ! و بإطلاقها إرتحت جداً !

و ها أنا بعدها أعود أدراجي ، و نصف ساعة فصلتني عن الوقوف أمام منزل آدريان فطرقت الباب ، مرة ، مرتان .. ثم ثلاثة .. لما لا يفتح لي ؟ .. لكني أسمع ضوضاء بالداخل !

وفجأة وسط أفكاره و أسئلته فتح الباب ليجذب للداخل ! .. شهق بملء رئتيه و هو يبحلق بذهول بالحفلة المقيمة ، هل جاء لمكان خطأ !

" تعال سيلين .. استمتع ! "

هتف أدريان و هو يجذبه معه ، الموسيقي عالية جداً ، فتيات و فتية ، أغلبهم يرقصون و يتمايلون بحماس !.. و أحدهم يعزف علي قيثارة و أخر علي جيتار ! .. و ..

وجد نفسه ينضم للرقص الشبابي هذا ! .. فنظر لآدريان الذي لم يمهله أن يفهم ما يحدث ليفاجأ به قد حمله من خاصرته بذراعه و ذراعه الاخرى أمسكت يده القصيرة ليلتف حول مركزهما و هو يضحك مدعياً الرقص معه و الاصغر سرعان ما انكمش بعنقه مندهشاً مما يحدث و خائفاً أن يسقط ليهمس بأذن آدريان و هو يستمع لصرخات الفتيات و الفتيان يشجعون آدريان :
" أنزلني ، ستسقطني، آدريان ! "

لم يهتم آدريان بقلقه لكنه لم يمانع أن يتوقف عما فاجأ به الولد ! .. يعلم جيداً أن الفتى لديه رهبة من التعامل مع الغرباء لهذا قام بمفاجئته بهذه الطريقة !

توقفت الموسيقى فانحني ينزله ليقف سيلين علي الارض لكنه لم يترك جانب أدريان حين تفاجأ بالجميع و خاصةً الفتيات يتهاتفن عليه ، كانوا غرباء ، ليسوا من هذه القرية الريفية .. يبدون من المدينة !

" من هذا الفتي آدريان ؟! "

" واو ! يبدو لطيفاً ! "

" عيناك جميلة ، ما إسمك ؟! "

" أنه طفل جميل ! "

و تعالت همساتهم حوله لينكمش بأدريان الذي أحاطه بذراعيه بينما يقهقه علي خوفه ويوجه حديثه لأصدقاءه :
" هلا توقفتم يا حمقى ؟! .. الفتي لديه رهبة من التجمعات ! "

و فجأة انخفض صوتهم ليبتعد آدريان يمسك بيده و يسير به للخارج .

تنفس سيلين الصعداء بينما يرتمي بجانب آدريان خلف المنزل لينظر له الاكبر بابتسامة قائلاً :
" ألهذه الدرجة تخاف ؟ "

فنظر له سيلين للحظات ثم أبعد نظره عنه يجيبه بهمس :
" أجل .. أقلق بشدة بهذه مواقف ! "

فابتسم آدريان و نظر للسماء الزرقاء فوقهم لينطق بعد لحظات بشئ يفكر فيه منذ مدة :
" سمعت من جدك أنك لم تكن بالقرية و كنت بالمدينة ، ماذا جرى ؟ "

منذ تكلم كان الفتي يحدق به بدهشة من معرفته لكنه سرعان ما نظر ليداه المعقودة أمامه حين علم أن جده من أخبره ، لانت ملامحه بحزن و ضيق ينطق متجاهلاً لسؤال آدريان :
" آدريان ، هل يمكننا أن نشعر أو نلتقي بشخص قد تمنيناه يوماً ثم يختفي ؟ .. "

صمت ليعيد نظره لآدريان الذي تفاجأ من كلامه الذي أكمله بألم :
" لما حين نمتلك من كنا نريده يذهب مجدداً ؟ .. دائماً كنت أحلم بشخص يحبني و يفهمني و لكن حين .. حين وجدته لم يتركني أحد ببقائي معه حتي هو لم يكلف نفسه بالنظر لي و أنا أغادر .. هل أنا يائس لهذه الدرجة ! "

صمت بقهر يحدق بالارض ليشعر بيد آدريان تمسح دموعه التي نزلت دون شعور منه ، رفع نظره لوجه صديقه الكبير الذي تبسم بحنان و هو يمسح علي خصلاته :
" لا أعلم ما قد تشعر به و أنت مع ذاك الشخص ، لكن ما أعرفه أن لا أحد قد يشعر بذاك الشعور الا و كان ذاك الشخص قريب منه .. لكني مازلت لا أعلم ولا أبني فرضياتي عليك ، لكن هذا ما أظنه .. لكن ربما أنت شعرت بذلك كونك تمنيت فتوهمت ذاك الشعور تجاه ذاك الشخص .. لذا فكر جيداً ، ماذا يقول لك قلبك حين تراه ؟! ."

رمش سيلين بتفكير ، أكان يتوهم حقاً ؟! .. أكان مجرد شعور ذهب لشخص لا ينتمي له ؟ .. لكن تلك الذكري و ذاك الاسم ؟ .. أكان من مخيلته ؟!

أنزل نظراته و بعثر شعره بهدوء ثم رفع نظراته لآدريان ينطق :
" أيمكن لقلبي إخباري ؟! "

فابتسم آدريان بخفة مجيباً إياه :
" بالطبع .. قلوبنا دائماً تعطينا إشارات و دقات تظهر لنا مدي شعورنا تجاه الشئ الذي أمامنا .. "

أمسك أدريان بكفه الصغيرة و عكسها لتكون علي قلبه  يردف :
" أمسك قلبك هكذا حين ترى الشخص و إسأله بينك و بين نفسك ، يا قلبي كيف تراني و أنظر ذاك الشخص ؟ أعطني إشارة تريني أهميته بقلبي ."

أبعد يده لجانبه فأنزل الاصغر كفه عن قلبه ليكمل آدريان و هو يتطلع علي السماء :
" دائماً نشعر بكل ما سيحدث لنا لكننا لا نستطيع أن نفهم أو نستوعب ذاك الشعور رغم أنه أغلب الاوقات حقيقي ، نكذب قلبنا و إحساسنا تجاه الاشياء فنزيد التمسك بمن ليس لنا ليخيب ظننا فيما بعد ، و نترك من يتمسكون بنا فنهملهم و نندم فيما بعد .. للأسف نحن لا يمكننا فهم قلوبنا."

رمش يفكر بكلامه ، لا يستطيع فهم كلماته جيداً لكنه سيحاول التفكير جيداً و رؤية ما يقوله له قلبه .

عاد سيلين لمنزله بعد أن أخبر آدريان بكل ما حدث معه ، دخل منزله ليجده فارغاً ، حتي جده لم يكن موجوداً ، والدته لم تعود بعد !

تلك اللحظة عاد الرنين الخاص بهاتف المنزل يرتفع فتحرك نحوه بغرابة ، أمسك بالهاتف لينطق ..

" سيد ميل عليك بـ... "

*****

إرتفع صوت صفعة قوية فتراجع جسده خطوتين ليسقط علي الارض و تتحرك يده تمسك بخده الذي طبع عليه أصابع المسن الجشع الذي يقف أمامه !

" لوان !! "

صاحت كاميا بخوف و هي تحتمي بوالدتها أميليا التي تقف مكتوفة الايدي أمام والدها و هو يعاقب شقيقها الصغير لخطأ تافه !

أمسك العجوز ديمتري بسوط بين أصابع يده اليمنى و إقترب خطوتين من الفتى الذي تراجع بقلب يرتعد من الخوف ، ألقي نظره مستنجدة لشقيقته ثم نظر للأرض بسرعة حين صدع صوت جهوري غاضب من والده العجوز :
" كان يجب أن ترد علي السيد أنطونيو جيداً يا عديم التربية ! .. سألك ما إسمك فتجيبه جيداً .. "

قاطعه لوان بشئ من الشجاعة رغم ارتباكه :
" لكني أجبته بإسمي ليام .. لم .. لم أفعل شئ رغم أنه رجل سئ .. "

" لا تقاطعنــــي ! "
صرخ المسن و يديه ترتفع و تنزل بالسوط علي جسده بقوة لكنه كتم صراخه و أنينه و هو يغمض عيناه التي تكاد تذرف دموعها من قوة السوط ، و لم ينتبه علي أميليا التي تركت طفلتها و تقدمت سريعاً لتقف أمام والدها تترجاه بقلق و ارتباك :
" والدي أرجوك ، مازال صغيراً ! .."

لكنه دفعها عنه و صرخ فيها :
" إغربي عن وجهي فوراً! .. صغير ماذا هو ؟ ألم أسميه بلوان ؟! الجميع يعرف بذلك لكنه عاندني أمام السيد انطونيو و نطق باسم ليام و تعامل مع الرجل بقلة تهذيب و كله لأن نظراته لم تكن توحي بأنه جيد ؟! .."

تركها و عاد بنظره للوان الذي ما زال مستلقي علي الارض يضم جسده بخوف ليفرد السوط بيداه و يبتسم بغضب و هو يردف :
" هذا العقاب لتعرف كيف تطيع أوامري أيها العاق ! "

و ارتفعت يده بالسوط تحت نظرات أميليا الفزعة و كاميا الباكية بينما انكمش الصغير أكثر بخوف مستعداً لضربة أخري تسلب روحه للحظات قبل أن تعود ، تخترق جلده و تصيبه بألام فظيعة مخلفة أثاراً تدوم !!

لكن ذلك لم يحصل بعد أن لمح العجوز ابنه الاكبر واقفا بجانب لوان ، و مكتفاً ذراعيه الي صدره في برود و تهكم ليكتفيا بنظرات وعيد و شرارات متطايرة من الاب و إبنه ! .. بتلك اللحظة كانت أميليا تتنهد براحة لأن شقيقها هنا ، فحين يكون موجوداً لسببٍ ما يتوقف والدها المزعج عن إزعاجها او إيذاء لوان.

نبس أخيراً ببرود كالصقيع :
" من الافضل أن لا تلمسه مجدداً ولا تريه لأصدقاءك الفاسدين ."

احتدت نظرات ديمتري بغضب بينما ينطق :
" أصدقائي ليسوا فاسدين لكنك تدلل هذا الشقي و جعلته مثلك ، غبي عديم التربية ."

ابتسم سميث بلطف مزيف :
" ان لم نعجبك فلا تقترب مننا أيها العجوز ."

و اختفت ابتسامته و هو يقترب من شقيقه الذي وجده قد غفي و رغم قلقه عليه قام بحمله بدون أن يتحدث بينما يستشعر الدم الذي لون تيشرت أخيه الابيض .. أعطي نظرة غاضبة متوعدة لوالده ثم إلتفت ليغادر و أميليا سرعان ما لحقت به و بيدها كاميا الصغيرة !

ركل غرفة الاصغر بقدمه و دخل مسرعاً ناحية السرير .. وضعه عليه باللحظة التي دخلت شقيقته خلفه و ابنتها لتغلق الباب خلفهم ليخاطبها بقلق :
" أميليا ، أعطني بعض الماء بسرعة .."

فتركت يد صغيرتها و ذهبت مسرعة لتأتي بالمياه بينما أمسك سميث وجه شقيقه بكفيه الاثنان بقلق و أخذ يهزه بقلق شديد عليه :
" لوان .. إفتح عيناك يا فتي! .. "

أراح رأسه علي الوسادة ثم انتقل لجسده ، أبعد ملابسه ليتفاجأ بالسوط قد ترك علام علي جسده بجانب تلك العلامات الزرقاء و الكدمات القديمة و الحديثة التي لم ينشأها غير عذاب والده و هو غائب عن المنزل ، فما يكاد يتركه لساعة حتي يأتي ليجد أنه يتم معاقبته علي أي سبب ! .. ترك مكانه و ذهب ليحضر علبة الاسعافات بينما أحضرت أميليا الماء لتضعه علي الكمود و تجلس بالطرف الاخر من السرير تساعد سميث بمعالجة الصغير .

" تباً لك أيها العجوز ، يوماً ما سوف أقتلك ."
همس سميث بحقد بعد أن أنتهي من تضميد جراح شقيقه و قام بتغيير ملابسه لقميص أخر باللون الاسود .

" سميث .. أنا أسفة ."
همست أميليا بحزن و ندم لشقيقها الاكبر الذي نظر لها بتفهم و ابتسم قائلاً :
" لا داعي .. أعلم أنكِ مضطرة للبقاء هنا لأجل ابنتك .. و أعلم انك لستي بصدد مواجهة ذاك الجشع فهو لن يهتم كون دمائك متصلة بدماءه .. كل ما يراه هو الثروة و الاملاك و أصدقائه الفاسدون تجار السلاح ."

اخفضت عيناها باستياء ، تعلم أن والدها يتشارك مع هؤلاء السيئون و لكن بالرغم من ذلك لا أحد يملك دليلاً واحداً ضده او ضد رفاقه هؤلاء كما أنه لا يحب لوان أبداً و دائماً ما يُعرضه علي رفاقه كي يتخلص منه لكن لولا وجود سميث لكان فعلها منذ زمن !

رفعت رأسها حين سمعت تنهيدة سميث الذي نطق بعدها و هو يمسح علي شعر شقيقه :
" دائماً ما يفقد وعيه تماماً بعد تعرضه لضغط نفسي هائل ، كلما يعاقبه ذاك العجوز ينتهي به طريح الفراش بنفسية تسوء أكثر .. أتمني أن يأتي يوماً و أستطيع إبعاده عن هذا المنزل و العيش بعيداً تماماً عن هنا ."

" أتمني ذلك أيضاً أخي ."

همست بحزن و هي تنظر لوجه لوان النائم بينما نهض سميث فجأة حين رأي أن كاميا تمسك بأطراف ملابسها و تنظر بحزن و ألم ممتزج بخوف علي لوان ، فتبسم و هو يجثو أمامها ليحتضن كتفاها بحنان ينطق :
" حبيبتي كامي اللطيفة ، أأنتِ خائفة علي صديقك لهذه الدرجة ؟! "

و سرعان ما نظرت له و تحررت دموعها لتهتف باكية :
" أكره جدي ديمتري لأنه يؤذي لوان كثيراً ."

تنهد و هو يحتضنها ليدعها تبكي و تنتحب علي صدره ، دائماً كان لوان معها ، يلعبان سوياً ، يتنزهان معاً .. يأكلان .. يتشاجران .. كانا دائماً سوياً بكل شئ ، كان لوان كالنور إليها يرشدها و يحبها و يخاف عليها من الاذى ! لكنه متأذي الان و هذا ما تكرهه !

*****

تباطأت خطواته بانهاك و قلق حين بدأ يرى جده يسير ذهاباً و إياباً برواق المشفى ، فعاد للركض نحوه و هو يهتف بخوف :
" جدي ! .. "

فانتفض جده و هو يلتفت إليه بدهشة ليكمل سيلين بقلق :
" ما بها أمي يا جدي؟!! "

لحظتها خرج الطبيب من غرفة الطوارئ يهتف بقلق غير منتبه علي شئ:
" عليها إجراء بعض التحاليل الطبية المستعجلة و بدء العلاج ، السرطان ينتشر بسرعة .."

و بتر باقي ما ود قوله حين شهق سيلين تزامناً مع تغطية شهقته بكفاه بصدمة قد تلقاها غير مستوعباً ما يحدث من حوله!

أما الجد فقد بقى يحدق به بصمت و ألم .. لم يرد أن يحدث ذلك،  لم يرد إياه أن يعلم.

*
*
*
يتبع...

رأيكم و التصويت بئا 🙂😂✌️

رأيكم بالأحداث؟🙂

من مع موت ايفا و من مع احيائها؟ 😌✌️

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top