~٤~ كافل الايتام

أّلَلَهّـمً صّـلَ عٌلَى مًحًمًدٍ وٌأّلَ مًحًمًدٍ

▪️▪️▪️▪️◾◾◽◽◾◾▪️▪️▪️▪️

على أطراف وادي السلام الذي يضم أكبر مقبرة في العالم حيث أي شخص يدخلها سوف يشعر برهبة، يشعر أنه جزء من هذه القبور حيث مستقرنا النهائي، حيث جميع البشرية تحت التراب.

كان هناك منزل صغير من الطين محاط بأسوار من سعف النخيل يسكنه ارملة في عقدها الرابع تمتلك صبيان تتراوح أعمارهم ما بين سادسة وسن العاشرة وطفلة صغيرة تكاد تمشي تحملها معها أينما ذهبت.

تقوم بكل صباح بجمع قوارير المياة الفارغه وتعبئه بالمياه وحدها وأحياناً بمساعدة صغيريّها (في أيام عطلتهم من المدرسة) ثم تقوم ببيعهن على زوار القبور مع بعض البخور وشموع، حيث كان أغلب الأشخاص الذين يأتون لزيارة قبر ذويهم يشترون هذه الأمور لفقيدهم مع قراءة بعض السور لهم .

في ظهيرة يوم الثامن عشر من شهر رمضان عاد حيدر برفقة أخاه الصغير من المدرسة وقد كان الطريق طويل بالنسبة لأرجلهم الصغيرة وفي أثناء طريق العودة مرّ بجانبهم رهط من الصبية التي تبدوا أعمارهم أكبر من حيدر بسنتين أو ثلاثة تحدث أحدهم بحالمية عقب أن أخذ العطش منه مأخذ
« اه اتسائل ماذا سوف تطبخ أمي لنا اليوم على الفطار ؟»

أجابه الآخر الذي كان يمشي على يمينه
« لقد طلبت من والدتي أن تعد لي طعامي المفضل ..»
ثم بدأ يذكر مختلف اصناف الطعام ويتخيلها أمامه .

عندها سحب مرتضى يد أخاه حيدر ليجبره على الوقوف ، أستدار المعني إلى أخاه لينظر ماذا يريد، عندها همس مرتضى « أليس من المفترض أنهم يشعرون بالجوع مثلنا ؟»

أبتسم أخاه بحنان وأردف بفم قد جفّ من العطش
« وهو كذلك إلا تراهم يتخيلون الطعام لأنهم يشعرون بالجوع والعطش »

أستأنف حديثه برهة يحاول أيجاد ماسوف يقوله من عبارات مناسبة
« في رمضان يتساوى الجميع الفقراء والاغنياء ويكون الناس مثل الطبقة الواحدة في معاناتهم في تحمل الجوع والعطش»

عندما سمع مرتضى كلمة عطش هتف
« نعم أنا عطشان وأريد ماء ؟ »

تأفأف حيدر على صُغر عقل أخاه ثم قال بضجر
« حسنا أنت لست صائم مثلي لذا دعنا نصل إلى البيت وأعطيك الماء»

تحدث مرتضى من جديد وقال بتساؤل
« وهل سوف نحصل على طعام جديد مثلهم »

صمت حيدر عن الكلام وقد أحتار في إختيار الإجابة الملائمة لذا فضل الصمت فهو يكره أن يراه أخاه الصغير في موقف البؤس وأكتفى فقط بأن دعى الله في سره بأن تحدث معجزة تجعلهم يتناولون صنف جديدًا فقد مضت أربعة أيام يتناولون نفس النوع.

في ذلك المساء أستجاب الله دعوة حيدر، وقد جاءهم رزقًا (ثواب) كثيراً أكثر من المتوقع من جيرانهم لدرجة جعلت والدتهم تقسم الطعام إلى ثلاثة أقسام حيث صادف هذه الأيام ليالي استشهاد الإمام علي (عليه السلام) لذا أغلب البيوت يطبخون ثوابا ويقومون بتوزيعه على جيرانهم وسيما الفقراء المحيطين بهم، كذلك نفس الشيء يفعلونه في ليالي القدر.

في تلك الليلة نام حيدر سعيدًا وهو يراقب أخاه كيف ينظر بتهلل إلى الوان الطعام المختلفة التي زارت بيتهم .

مضت الأيام تباعًا وكانت مليئة بذكر الله حيث كان حيدر يعلم مرتضى بعض السور من القرآن ويحفظهُ له مع ذكر الأحاديث النبوية التي تتحدث على التحلي بالأخلاق الحميدة.

أقترب العيد ولم يبقى سوى خمسة أيام ويهل الهلال بطلته الجميلة معلنًا عن قدوم عيد الفطر المبارك، كان بعض الفتية مجتمعين يلعبون فيما بينهم ثم أتجه الحديث إلى منحنى أخر لم يرقِ أستحسان حيدر حيث قال أحدهم
« لقد أشتريت ملابس جديدة للعيد وأنت ماذا أشتريت؟»

أجابه زميلة بتفاخر « أنا أشتريت بنطال جديدًا مع حذاء رياضي »

وهكذا بدأوا الأطفال في سرد مشترياتهم، بينما كان حيدر شعر بغضب يستعر في داخله أثر حديثهم لذا لم يتمالك نفسه وجأر فيهم بقوة

« يالكم من أطفال صغار لا تفهقون شيئا ! الم تسمعوا بمقولة ﴿ليس العيد لمن لبس الجديد، وإنما العيد لمن أمن الوعيد﴾*

دُهش الصبيان من ردّت فعل حيدر والبعض الذين كانوا في سن أخيه أو أصغر سألوه ببرائة
« ولكننا فعلًا أطفال صغار؟»

عندما سمع ردّت فعلهم الغير مبالي أغلق قبضة يده وتمتم بقول
« استغفر الله من كل ذنب عظيم»

بينما الأولاد الذين في مثل سنهِ تقريبا قد غيروا دفّة الحديث إلى موضوع أكثر حساسية عليه وهو الآباء!

أستدار حيدر بقليل من الخوف صوب أخاه خشية أن يرى نظرات الحزن والقهر في عيناه ولكن الغريب لم يبالي مرتضى كثيراً بموضوع الملابس العيد بقدر ما تغيرت هيئته عندنا بدأوا يذكرون أين سوف يأخذونهم في العيد ؟ وأين كل شخص سوف يأخذه أباه ؟

وتحديدًا على كلمة الأب!

كل تلك الأشياء قد حازت في نفس الطفل وبقية صامتا دون أن ينطق بكلمة!

كانت الشمس قد شارفت على المغيب سحب حيدر يدّ أخاه قبل أن يتحدثوا أكثر فلم يعد يستطيع أن يتحمل سماع المزيد، في طريق العودة كان الصمت هو الذي يرن في الارجاء، حال وصولهم وقف مرتضى أمام الباب أخفض رأسه وانسابت الدوع من مقلتيه ونطق بالكاد
« أنا لا أريد ملابس أنا أريد بابا ! »

ثم وجه سؤاله نحو أخاه بلهفة ممزوجة بالأسى
« حيدر متى سوف يعود بابا؟ ألا تعتقد بأن غيابهُ قد طال كثيراً!»

اجفل حيدر من السؤال وارتعش جسده أكثر من الأستفسار الذي طرحهُ عليه، شعر أن قلبه يعتصر ألمًا فقد كان يخبرهُ دائماً أنه مسافر إلى مكان بعيد، أغلق قبضة يداه بقوة ولم يحري جوابًا عندها عاد مرتضى إلى الكلام بنبرة مبحوحّة « أرجوك خذني إلى أبي أنا سوف أكون ولدًا مطيعا وسوف لن أطالبك بأي طعام أو شراء لعبة لي، ولكن خذني إلى أبي ! أنا لا أريد أي شيء سوى بابا ...أريد بابا ؟»

ثم بدأ يكرر سؤاله عدّت مرات في كونه يريد أباه مع البكاء مستمر.

لأن حيدر كان غاضبا وعاجزًا على الإجابة علاوة إلى ذلك كان لا يزال لم يفطر أنفجر في أخاه قائلاً
« يكفي بابا سوف لن يعود أبداً؛ لأنه مات ورحل من الدنيا .. سوف لن يعود إلى الحياة ثانيةً »

بصق كلماته بقهر وتوجه صوب الداخل وتحديدًا حيث فراشه غطى نفسه حتى لا يراه أحد وهو يبكي فهو يمقت أن يراه أحد في منظر الشفقة، عقبها أخذ يستغفر الله فلا يجوز أن يلوم أحد أو أن ينفجر هكذا على أخاه الصغير وهو لا يعلم شيء ولا ذنب لهُ .

حاول عبثا أن يهدأ من ناره الملتهبة التي تستعر في قلبه ولكن دون جدوى بكى بحرقة دون صوت وتمنى أن يكون والده موجودًا معهم في العيد يمسح على رؤوسهم لكن ليس جميع ما يرنوه الفتى يجدهُ!

ولأن والدته ومرتضى يعلمان طبعه فلم يقتربا منه وتركا إلى أن تهدأ ثارته .

في المنام رأى أخاه بملابس بهية يهرول بغبطة بجانبه شخص معطي ظهرهُ لهُ، فلم يتبين ملامحه يمسح على شعر مرتضى، بدا أخاه سعيدًا جدًا في تلك اللحظة وهو تحت رعاية ذلك الرجل الصالح.

بخطوات بطيئة ومثقلة تقدم نحوهم وهو يمد يده بقشعرة نحو الرجل خفق قلبه بشدّة وهو يشعر بالدفئ الذي أحتضنه من كل صوب، شعور بالبهجة داعب وجدانه مسك برداء الرجل وشعر بتلك اللحظة أن جميع حزنه قد تبخر وأنهُ قد أمتلك العالم وهو يسمع دائماً عن الأشخاص الصالحين الذين يحبهم الله ويحضوّن بلقاء الإمام .

همس بنبرة مرتجفة مملوءة بالحب والشوق
« هل أنت سيدي ومولاي صحاب الزمان؟ »

أستدار الرجل الصالح إليه ولم يرى سوى نور وجهِ الذي ملأ الفضاء المحيط بهما، مسَّد على شعرهِ بدفئ وقال
« بل أنا أبا الايتام!»

ترقرقت حدقيتيّ حيدر بالدموع وأردف بحشرجة بنبرة حبيب يعاتب محبوبه
« ياسيدي يامولاي إلى أين غادرت قبل مجيء العيد! وتركت أيتامك يبكون عليك حسرات ؟»

تحدث بنبرة تفيض حنانًا وهو يضع راحة يده على صدره

« أنا في قلوب اليتامى دائماً معهم، أمدهم بالدفئ كلما ذكروني أو قاموا بزيارتي»

في تلك اللحظة أستفاق حيدر من الرؤيا على هزات أخاه الصغير الذي أستطرد بحزن
« أنا آسف أرجوك سامحني، سوف لن أبكِ ثانيةً ولكن عدني بألا تغضب عليّ مجددًا »

أسرع حيدر بوضع راحة يده على صدره ليتأكد مما رأى، فأحس بشعور غريب ممزوج بالطمأنية يملأ كيانه، عندها تهللت أساريره عقبها

أحتضن مرتضى بسرعة بكل حب ووئام ثم أستشعر رائحة المسك تفيض من أخاه، حينها فقط أيقن أن الامام معهم .

استرسل حيدر بسعادة وسط أعين دامعة
« بل أنا أعتذر لأنني صرخت عليك، وأنت لا ذنب لك»

في هذه الاثناء جاء صوت الأم مخاطبا حيدر
« هيا ياقرة عيني أنهض وصلي ثم تعال لنتناول الفطار معًا »

وبعد الفطار أفصحت الأم بسعادة
« لقد رزقني الله اليوم رزقًا طيبًا وأستطعت أن أشتري لكم ملابس للعيد »

ثم أستخرجت من الكيس قميصان وقدمت لهما، هرول مرتضى صوب والدته قبّل رأسها وهو يهتف بتهلل
« نعم ملابس جديدة »

على الرغم أن القميص كان عاديا وذا جودة متوسطة ألا أنه كان كافي لرسم أبتسامة صادقة على وجهِ البريء.

قهقهة الأم ومسحت برأس طفلها الصغير وقالت بدفئ
« نعم ملابس جديدة إلى طفلي العزيز »

ثم خاطب حيدر والدته وهو يحتضنها
«أظنني أعلم أين نذهب في العيد »

ابتسمت الأم وعلقت وهي متشوقة لمعرفة الإجابة
« إلى أين ؟»

بينما صرخ مرتضى بحماس
« إلى أين نذهب ؟»

أجابه حيدر بأعين متلئلئة
« نذهب إلى زيارة أمير المؤمنين حيث عشق المحُبين»

- النهاية -

______________________________


(T_T)

*ملاحظة هذا الحديث لا سند له عندنا انما الحديث الصحيح الوارد هو ( إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اَللهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ وَكُلُّ يَوْمٍ لاَ يُعْصَى اَللهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ) ولكن الحديث لا يلائم مع الموضوع الذي كانوا يتحديثون عنه وهو ملابس العيد لذا انا فقط ذكرت في القصة (الم تسمعوا هذا المقولة) ولم احدد اي شخص

قصة كتبتها سريعا على ذكر استشهاد أمير المؤمنين
عظم الله اجورنا واجوركم بستشهاد أمير المؤمنين

نشرت في ليلة 21 من شهر رمضان /عام 2022

ختاما الله الله في الايتام هذه كانت وصية الإمام لأبناءه

رأيكم

ارجو ان تنال اعجابكم

(ملاحظة هذه المهنة لم أدرجها في فصل التعرف على المهن في كتاب {معا لنتعلم النقد} ولكنها موجودة بكثرة في المناطق التي توجد بها قبور في كربلاء والنجف و بغداد 😁)

( ملاحظة ممنوع السرقة او الاقتباس دون أذاً مني تذكر الله موجود ^__^ )

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top