Part_Three : Third_Level


⚠️

يَسْعى الانْسان دائِماً إِلى الانتِقام، لأنَّه يرى أن ذلِك من باب العَدل و الإِنْصاف.
=
فيودور دوستويفسكي من رواية مذكرات قبو.

¤
¤
¤

Seoul , 27 December 2018 , 8 : 32 am

جفونها المثقلة تفتحت بثمالة وإنّ بها تعب الدهر، سعلت أنفاسًا ساخنة وقد اِفترست الحمى جسدها. أفرجت عن معتقلتيها لتبصرا نهاية جدارًا لا ينتمي إلى شقتها. اِنتفضت بفزعها وترى أنها فوق سرير فردي بحجرة شبيهة بالتي كانت بها، لم تجهل سبيل اِنتقالها إليها طويلًا؛ فما إن اِستردت وعيها حتى لمحت ريا ممددة فوق ملاءة خفيفة صفراء على الأرضية بجانبها الأيمن.

كانت ترتعش من البرد في حين قد منحتها فراشها الدافئ، اِمتلأتا مقلتا سرانغ بدموع القهر، لم تقوى على التلفظ بكلمة.

لم يكن بسوابقها من قد قدم تضحيات كهذه سوى والدها، هذه الفتاة لم يدوم على لقائهما ستة أشهر، لكنها كانت بجوارها منذ اللحظة الأولى كشعلة تضيء عتمتها كلما أحست بالوحدة.

مددت ريا ذراعيها بينما بدأت تسترجع اِشراقها، نظرت إلى صديقتها ثم اِبتسمت بلطف.

"صباح الخير."

"لما تفعلين ذلك؟"

تعتعت سرانغ بمرارة ثم اِنهارت ونحيبها، فاِرتفعت ريا بجذعها:

"ماذا بك؟"

نفت سرانغ قلة حيلتها وإنها لم تتوقف عن البكاء؛ فتمتمت بعد ذلك بمشقة من بين شهقاتها.

"لما تساعدنني؟"

"لما لن أفعل؟"

هتفت ريا باِستغراب، فكبحت سرانغ الغصة التي بحلقها ونبست.

"لكننا..، لست أقرباء."

"يبدو أن الحمى قد أثرت عليكِ."

سخرت ريا ثم آستقامت وهي تترنح، أضلاعها قد تشنجت؛ فحاولت تدليك كتفها ورقبتها.

"اليوم عطلة..، سمعت أن المدير قد تم اِستبداله..، لذا تمّ منحنا فسحة."

دخلت إلى حمامها ثم صرخت بخفة من داخله:

"أكملي نومك!..، حينما سأنهي إعداد الفطور!..، سأقظكِ!"

لم يكن بسرانغ مقدرة على الوقوف، كانت تنوي الاعتراض لكنّ ذلك فاق طاقتها واِنكمشت محدقة بالسقيفة. بعدما عادت ريا ملفوفة بمنشفة بيضاء وهي تقفز من البرد، أخرجت ثيابها المنزلية من قميصين أحدهما من القطن أخضر اللون بأكمام والآخر من الصوف ذو ياقة طويلة أزرق ثم أنهت حلّتها بسروال أسود.

اِنغمست سرانغ بها بينما أخذت ريا تجفف خصلاتها الدهماء بالمجفف ثم سألتها بتردد.

"أتمتلكين..، عائلة؟"

همهمت ولم تقم بصياغة رد؛ فتحدثت سرانغ بحسرة.

"أخي..، يكرهني."

"لا فائدة من تذكر أشخاص ما عادوا بقربكِ..، كلما ستخوضين بهذه الحياة..، ستتعلمين كيف أن علينا حذف بعض الأجزاء كي نستمر."

قضمت سرانغ شفتها السفلى ثم تمتمت بآسى.

"لن أنكر..، أنني..، اِشتقت إليه."

"لكنه لا يفعل..، أليس كذلك؟"

تهكمت ريا فعاتبتها سرانغ لأن ما قالته اِعتصر جراحها.

"ذلك كان قاسيا."

وضعت ريا المجفف فوق الخزانة ثم قلصت المسافة بينهما قائلة:

"إنه الواقع عزيزتي..، تقبلي شناعته..، ذلك سيجعلكِ أقوى."

"لو عشتِ.."

برود ملامح ريا فجأة أخرس سرانغ، إنه لم يسبق لها أن قابلت تلك النظرة الصلبة منها. لكنّها اِستطاعت التيقن أنّ صمود ريا لم يكن من بئر جاف، حتما كان بحياتها معاناتها.

إنّها تكبرها بسبعة عشرة سنة، لكنها تبدو أصغر سنًا وأشد جمالًا. لم يسبق أن أظهرت جزءً عاطفيا بها. إنّ أي رجل ستمرّ من قربه سيستدير إليها، لكنّها تتصرف بحذر وتتجنب أي محاولة منهم في التقرب منها. تهتم بمهامها في العمل ثم تغادر إلى شقتها بينما تحتفل أحيانا وصديقاتها.

بعد ذلك الصمت، اِتجهت إلى حيث قد قامت بتعليق معطفها، فهدرت سرانغ بفزع؛ فلا تبتغي أن تبقى بمفردها:

"إلى أين؟"

"البقالة..، نسيت التسوق بسببك..، فلو لم أذهب للاِطمئنان عليك..، كنتِ ستتجمدين من البرد!"

حينما تذكر ما تجرعته بالأمس تصلبت أوصالها خوفًا، بمجرد التفكير في ذلك الوحش وفعلته، خشيت أن يكون قد علم بمكانها؛ فاِحتمالية أن يؤذي صديقتها الجديدة كانت متاحة.

"أريد الذهاب معاكِ."

قالت؛ فقطبت ريا حاجبيها وأردفت:

"مازلتِ متعبة."

"رجاءً."

أرغمت ريا على انتظارها لتغتسل وتمنحها من ثيابها، اِستترت بإحدى أقمصتها الصوفية البيضاء وسروالها القطني الأخضر ثم لفت حولها معطف تلك السيدة الغنية؛ فقد وجدته بالحجرة وتذكرت أنها كانت مرتدية إياه قبل ذهابها إلى شقتها أمس.

أخذت ريا السلة وتتبعتها سرانغ كظلها، بنهاية الرواق فوجأتا بوجود تلك السيدة سويونغ. توقفت مصعوقة من وجودهما معا. سمعت سرانغ حينئذ تنهيدة ريا الساخرة في حين دحرجت سويونغ بؤبؤيها بتبرم ثم تقدمت مردفة بإزدراء وقد كانت لهجتها سامة.

"لا أعتقد أنّ هذه صدفة جيدة."

شقت ريا فكها بجانبية ثم حررت ضحكتها المتهكمة.

"تسعدني رؤيتكِ حقاً."

مررت سويونغ مقلتيها بينهما وكان بلسانها حديث لكنها كظمته، ثم تبسمت لسرانغ وسألتها برقة.

"كيف حالكِ؟"

هزّت رأسها بالإيجاب وقبل أن ترد قالت ريا بطنز:

"هل قذفكِ إلى الحضيض بعدما اِنتهى منكِ؟"

قبضت سويونغ على قبضتها وصرت من بين أسنانها بحدة:

"من تظنين نفسك؟"

"كان من الذكاء أن تأخذِي بحكايتي كنصيحة..، فلا تقودي بذاتكِ إلى خطيئتي..، لكنكِ حمقاء سيدة.."

تأوهت وكأنها قالت خطأ ثم أتممت حديثها:

"آنسة تشوي."

رغم أنّ سويونغ قد كدت لتغوص بصبرها لكنها اِنفجرت مردفة بنبرة جافة:

"نصيحة؟..، من خادمة عاهرة..، كانت متاحة لنزهة مراهقته."

توسعا بؤبؤا سرانغ وما أصابها بالتعجب سوى ردة فعل ريا، لقد ضحكت.

"لقد اِستمتعت به أيضا."

تلفظت بدماثة ثم اِنصرفت تاركة الصاعقة بالآخرى، لم تجد سرانغ سبيلا للبقاء فلحقت بصديقتها التي قد اِكتفت بما اِختارته من مشتريات ثم قصدت جهة الحساب.

دفعت ما عليها من ثمن ثم غادرت دون أن تنتظر سرانغ؛ فسحبت ذراعها وإذا بريا كانت متجمدة الملامح وكأنها قد رأت شبحا.

"أنتِ بخير؟"

سألتها سرانغ بنبرة تعبق بالقلق؛ فأصدرت ريا زفرة مثقلة بالهموم.

"فقط تذكرت شيء."

لم تشاء أن تسبب الإزعاج بسؤالها، فتجاهلت رغبتها في معرفة ذلك وتتبعتها إلى الشقة. رفضت ريا مساعدتها في تجهيز ما يأكلانه، بمفردها صنعت حساء الخضر والفطائر بالجبن ثم أعد الشاي الساخن حتى تستعيد سرانغ عافيتها.

جذبت ريا الطاولة إلى السرير ثم جلستا جنبا إلى جنب. اِنشغلتا بما أمامهما، لكنّ سرانغ قررت هدم جسر ذلك السكون وأخرجت سؤالها بتقطع.

"ماذا كانت تعنيه؟"

أدارت ريا بؤبؤيها إليها ثم أرجعتهما إلى صحنها مجيبة ببرود.

"القصة طويلة."

"كانت تقصد..، رجلًا؟"

بسطت ريا ثغرها ثم أجابت دون أن تنظر إليها.

"باِختصار تام..، قبل عقد ونصف..، اِرتكبت حماقة حينما كنت أعمل..، كخادمة..، لعائلة ثرية بأمريكا..، وقعت لسذاجتي واِبنهم الذي اِستغل وجودي..، ما إن كشف الأمر..، تم طردي..، ثم قضيت أيامي أنتقل بين البلدان..، وقررت الاستقرار هنا منذ خمس سنوات."

"تلك الفتاة..، حبيبته؟"

تشدقت ريا ثم قضمت قطعة من فطيرتها.

"طليقته."

بللت سرانغ حنجرتها برشفة من كوب الشاي، وبدواخلها أسئلة أخرى لكنها خشيت أن تحفر بآلامها. اِستشعرت ريا ذلك من هدوء سرانغ المفاجئ؛ فأصدرت قهقهة صغيرة ثم سخرت:

"ستتآكلين."

"مازلتِ تحبينه؟..، لهذا لا ترغبين في وجود رجل آخر بحياتكِ؟"

اِندفعت سرانغ قائلةّ ولم يكن بتوقعات ريا أن يكون ذلك ما تريد معرفته. زمّت سرانغ ثغرها؛ فذبول محيا ريا أصابها بالندم، حمحمت ثم غمغمت باِعتذار.

"آسفة."

دحرجت ريا بؤبؤيها ثم أفرجت عن أنفاسها.

"كلا.."

نبست وأرغمت فمها على التبسم.

"إنني عشت ما بكفايتي حتى أكرهه."

رنين هاتف ريا أفسد اِجتماعهما، إدارة موظفين الفندق أمروا بحضورهما لأنّ هناك اِجتماعا طارئً قد قرر تنظيمه بشكل فوجائي. لم يكن بمقدرتهم تأجيله، إنهم مجرد موظفين تحت رحمة الراتب الشهري وما عليهم سوى الطاعة حتى لا يكون الطرد مصيرهم.

تجهزتا للمغادرة ثم قصدتا مكان العمل، كان جميع موظفين الاستقبال في الردهة أمام قاعة الاجتماعات. أمرت رئيسة الموظفين بالدخول فردًا تلو الآخر، ما اِستوعبتاه من أول زميل لهم أنّ هناك رجل جديد قد حلّ بجحيمه عليهم. مارك تايوان الذي كان يشغل منصب الموارد البشرية بالفندق الرئيسي الموجود بأمريكا وقد آتوا به إلى هنا حتى يقوم باِستنطاقهم ويقدم أسئلة لاِختبارهم.

اِنتظرت سرانغ مصيرها وهي ترتعش من التوتر، إنّ دورها حلّ ما قبل الأخير، دلفت بحذر وقد كان منشغلا بقراءة ملفها. وقفت بالمنتصف ثم اِنحدرت كتحية قبل أن تتقدم إليه معرفة بذاتها.

"موظفة قسم الاستقبال..، كيم سرانغ."

عقد أصابعه عند ذقنه ثم أخذ يحملق بها، قبضت على حافة المعطف في حين تلفظ ببرود وكأنه يخاطب الجدار.

"لا شهادة جامعية..، كما أنكِ لا تتقنين لغات أجنبية حية..، أتسأل كيف تم قبولكِ بهذا المنصب دون ذلك وإنكِ بلا خبرة مسبقة أيضا."

لم تجد ما ترد به، غرزت أسنانها بلسانها جزعًا من أن تغادر؛ فلا يبدو شخصا متساهلًا.

"ألا ترين هذا خارج المنطق؟"

تأتأت ثم تمالكت ذاتها وأجابته.

"أحاول التطور..، لم أتبدئ العمل هنا إلا مؤخرًا..، وسعيدة بوجودي هنا."

"هل تعلمتِ لغة جديدة؟..، ماذا قد يمنعنا من اِستبدالكِ؟"

تيبست ببقعتها في حين نطق بثبات.

"آنسة كيم."

"سأبدل كل مجهوداتي..، حتى أستحق عملي."

تبسم ثم أعلن عن إنتهاء اِختبارها.

"يمكنكِ المغادرة."

لم تجد وسيلة أو سبيلا لتتوسل إلى بقائها. اِنحنت ثم أدبرت وأوشكت أن تهوي بذلك الرواق لولا أن ريا ورفيقتها جايدي أسنادتاها. تم تسريحهم وأخبرتهم رئيسة الموظفين أنّهم سيتلقون إتصالا بعدما سيحددون مصيرهم، ثم دخلت ريا إلى عهدة ذلك المدير الجديد.

تجاهلت أنه يعرفها، وتظاهرت بذلك؛ فقامت بتقديم ذاتها بهدوء واِنتظرت أسئلته. لوى ثغره ثم أخذ يمسح تفاصيلها الجميلة ببصيرته، نظراته اٍستفزت أعصابها لكنّ صمودها الشديد راوغت به وأحدثت بسمة طبيعية.

"اِزددتِ فروهةً."

لم تمنحه ردًا؛ فاِستقام ثم توجه ليواجهها. لم تتراجع، ظلت محافظة على مهنيتها.

"هل هو من قام بتوظيفكِ هنا؟"

نظرت إلى مقلتيه ببرود وأجابته:

"أمتلك مؤهلاتٍ لذلك..، عملت هنا قبل أن يتم الاستيلاء على هذا الفندق وتحويله إلى فرع آخر لتلك الشركة..، تم الإبقاء على خدماتي لأنني ممتازة بعملي."

"أوتظنين ذلك؟"

تهكم فمددت شفتيها وحركت رأسها بالإيجاب.

"إن رأيتني لا أناسب متطلبات العمل..، يمكنني الإستقالة."

حينما مد أصابعه إلى وجهها اِنكفأت بخطوتين لكنه جذب رسغها بخشونة ولم تبدي بردة فعل. أظهر غضبه فلم يتمكن من كبح عصبيته.

إنها تدرك كم يكره تعاملها البارد معه!

"لما؟"

اِستنكر فاِسترسلت ببساطة.

"إنكٓ رجل متزوج..، لا أريد الخوض في المشاكل."

"أم لأنه قد أصبح حرًا ليعود إليكِ؟"

صرّ من بين أسنانه فقطبت ما بين حاجبيها.

"لا أعلم عمّ تتحدث عنه يا سيدي."

قيد رقبتها بقبضته وكان بحافة خنقها، لكنه اِبتعد عنها عندما أردفت بنبرة هادئة.

"إنني هنا لأعيل نفسي..، أكرر ذلك..، إن لم أتوافق مع الشروط الجديدة..، يمكنني الانسحاب."

"أتدعين أنكِ قد تجاوزته؟"

صنعت اِبتسامة ثم أثوت جذعها كتحية.

"هل يمكنني الانصراف الآن؟"

لم تنتظر أوامره، فرّت مسرعة لكنها لم تجد أحدًا قبالة المخرج؛ الجميع تمّ منحهم الإذن بالمغادرة!

حينما كانت هناك، قصدت سرانغ جهة غرف العمال، كانت مشتتة الذهن ولم تستطع الرحيل من دونها. قررت اِنتظارها بتلك الحجرة ثم تمددت فوق أريكتها لتزيح القليل من تعبها. فور شعورها بوجود شخص ما حولها بدأت تسترجع وعيها لكن ما فتئ جسد ملثم الرأس بقناع أفحم قد وضع منديلًا  فوق أنفاسها.

لم تستطع مقاومته فتلاشى إدراكها صوب الظلام، شعورها بالواقع تدفق شيء فشيءً، وشهقت بينما عثرت على ذاتها بحوض مملوءٍ بمياه حمراء.

إنها بإحدى غرف الطابق السابع!

اِنزلقت وأوشك أن تبتلعها، لكنّ ما أخافها كونه قد جردها من ثيابها مجددًا!

اِكتسحها اِرتياع قد أخرس شفتيها المرتجفتين. تكبدت المشقة لتنهض لكن ساقيها أبتا الانصياع. اِهدودرتا مقلتاها بدموع حارقة وهتفت بصوت خافت منادية صديقتها.

"ريا.."

بتلك اللحظة أبصرت بطاقة فضية تطفو أمامها، رست إزاء حدقتيها وهي تتأرجح مع مياه الحوض، بها جملة باللغة الإنجليزية!

-Third Level-

{الجولة الثالثة}

"what goes around comes around, Isn't Fair ?"

{كما تدين تدان، أليس عادلاً؟}

Be Continued ~

-كيف كان البارت ؟

°°°

سرانغ؟

°°°°

-ريا؟

°°°°

-سويونغ؟

°°°°

-مارك؟

See u later 🔜

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top