38: دمية تجارب.

فتح عيناه ليجد نفسه معلّقًا من على السّقف، عارٍ والدماء تغطي جسده، رفع رأسه ليرى نفسه في غرفة... نظيفة، الأثاث نظيف ورائحة الورود تملأ المكان، الحيطان بيضاء خالية من أصغر خدش، وأمامه نافذة زجاجها يلمع بشدّة.
التفت لليمين ليقشعرّ جسده مما رأى وبدأ الخوف يتسلله، منظر العظام المتراكمة فوق بعضها، حتى أن بعض اللحم لا زال ملتصقًا ببعض العظام. شعر بنفسه يود التقيّؤ لهذا أبعد بصره ونظر لليمين.

لم يكن هناك شيء على اليمين سوى أريكة بيضاء نظيفة ويجانبها طاولة وُضعت عليها حقيبة مفتوحة بها عدة سكاكين برّاقة مرتبة حسب الحجم والطول وكتاب قديم.

نظر أمامه ووجد هناك باب، حاول التخلص من القيود كي يخرج من هنا، شدّها بقوّة لكنها مثبتة بالحائط، شدَّ أكثر ليبدأ معصماه بالنزيف لأنه جرحهما، استسلم وأخذ عدة أنفس، هو متعب لكن لا يعلم لمَ. عاد الكرة ليتحرر بعد عناء طويل ووقع على الأرض.

وقف بصعوبة متناسيًا كونه عاري، وبخطوات صغيرة ذهب إلى الباب، بسبب ألم جسده شعر أنه يمشي إلى الأبد. أدار مقبض الباب وفتحه ليضرب جسده نسمة هواءٍ باردة ليبدأ بالارتجاف.
بدأ يمشي في ممر طويل وعلى جانباه رفوف طويلة، كلها تحمل أشرطة فيديو قديمة، كل رف يحمل تاريخ معين وبلون معيّن، وكل شريط يحمل تاريخ واسم مختلفان.

فرك يداه بذراعه كي يدفئ نفسه وشاهد البخار يخرج من فمه بينما يتنفس بصعوبة، لمَ المكان باردٌ لهذه الدرجة؟

وصل لآخر الرفوف جميعها باللون الأبيض كما أشرطتها، والتاريخ المكتوب كان 1946-2016، لفتوا انتباهه، خصيصًا أن الغرفة التي كان بها جميعها باللون الأبيض، لهذا أعتقد أنهما متصلان بطريقة ما. أيضًا التاريخ الجديد نوعًا ما.

لمس أول شريط وفجأة ظهر تلفاز معه الجهاز الذي يستطيع مشاهدة الشريط باستخدامه. وضع الشريط داخله بأصابع مرتجفة ليبدأ بالعرض. كانت المشاهد فوضوية بعض الشيء بنظره، في البداية ظهر توقيع رجل لعقد ما بدمائه، ثم تنتقل الأحداث إلى مشاهدة نفس الرجل يبتسم ويعمل، حصوله على أطفال، يقوم بأعمال غير قانونية.

ثم فجأة شعر بالخوف حين رأى من الكاميرا يد تشهر سلاح على رأس زوجة الرجل، انتفض حين قتلها ثم اليد أطلقت على الكاميرا، انقطعت الشاشة لكن بثوان عادت الكاميرا وكانت موجهة حيث ولدًا يبكي ويصرخ ثم انتهى التسجيل.

أخرجه ووضع الثاني وكان بتاريخ 1956، يظهر كيف كَبُر هذا الولد وتزوج وحظي بطفل، لكن اشترى مسدس، ثم قتل رجلًا بدمٍ بارد. لاحظ أن تصرفات الرجل غريبة وتختلف في كل مشهد، إذ أن المشاهد في بعض الأحيان تكون من وجهة نظر الكاميرا، خصيصًا مشاهد القتل، لكن أحيانًا تكون كشخص ثانٍ يصوّر حياة الرجل.
انتهى التسجيل بدخول الرجل للمصحة النفسية.

أعاد الشريط لمكانه وبقي يتفقد التواريخ عليها، شعر أنه يجب أن يحفظها حالًا لكن لم يعلم لماذا. كانت معظم الأشرطة تحتوي على تواريخ متماثلة، أربعة أشرطة بنفس السنة وأحيانًا خمسة. لكن آخر الأشرطة كان واحد بتاريخ 1994، ثم اثنان بتاريخ 1997، واثنان بتاريخ 1998، وهكذا حتى تاريخ 2016 كان هناك فقط شريط واحد.

وبينما كان يتأملهم شعر بالدفء فجأة خلفه ليبلع ريقه خوفًا مما لا يعلم، التفت ببطء ووجد نفس الرجل مع قناع الأرنب ونفس السكين، رفعه بوجهه وقبل أن تصطدم به كان قد استيقظ من كابوسه.

تنفس أغسطس بسرعة وأخذ يشهق لنفس، نظر للساعة وكانت الواحدة ظهرًا، التفت حوله ووجد نفسه نائم بين الأوراق وحاسوبه. «تبًا!» همس بضعف ورمى رأسه على الطاولة.

سمع الطرق مرة أخرى وحمل نفسه لباب المنزل، فتحه وكان كالوم يقف هناك غاضبًا. «حقًا؟ اتصلت بك ألف مرة وأرسلت مليون رسالة، ظننت أن هناك شيئًا حدث لك وأنت فقط نائم؟» قال بغضب ليبتعد أغسطس تاركًا الباب مفتوحًا، ذهب للحمام ليغتسل بينما دخل كالوم وأغلق الباب بينما يتنهد.

عندما خرج كان كالوم يرتب الأوراق المبعثرة ويخرج أوراقه وملفاته، جلس بتعب على الأريكة وبدأ بتدليك رأسه. «نفس الحلم؟» سأل كالوم بصوتٍ قلق على صديقه، هو لم يره بهذه الحالة منذ ذكرى موت آيسِلين قبل ثلاثة سنوات، حينها أنهار بعد بحث طويل عن القاتل لكنه لم يجد شيئًا.

«أسوأ، حلمٌ جديد» قال أغسطس وعدل جلسته كي ينظر له. «هل هناك شيء قيّم؟» سأل كالوم بفضول ليومئ أغسطس، أخذ نفس عميق وبدأ يتكلّم: «كنت مقيدًا في غرفة بيضاء نظيفة، حين خرجت منها كان هناك العديد من الرفوف والتي تحتوي على أشرطة عليها تواريخ معينة. حين تفحصت أحدها كان هناك جريمة قتل، والشريط الثاني لشخص مختلف لكن أيضًا عدة جرائم قتل لابن الشخص في الشريط الأوّل. حاولت حفظ باقي التواريخ ربّما تساعدنا لكن بسبب طرقك استيقظت، وشكرًا لهذا لأن الرجل المقنع كان سوف يطعنني مرة أخرى».

قال ثم تنهد بتعب. «هل تتذكر تاريخ الشريط الأوّل؟» سأل كالوم بينما يفتح حاسوبه. «أجل، 1946 مدينة إلينوي» قام كالوم بالبحث عن جرائم هذه السنة ليظهر ثلاثة، قام بالتقليب فيها حتى ظهرت صورة الزوجة والزوج. «هذه» أشار لهما ليقرآ ما كُتِب، وبالفعل حدث ما حلم به أغسطس.

نظر لبعضهما في حيرة، وبقيا يبحثان عن حياة الرجل من البداية حتى وصلا لابنهما، الذي دخل المصحة، ثم لا شيء بعدها في العائلة فقط تعداد الأفراد بها.

«هل تتذكر تواريخ أخرى؟» سأل مالكوم. «أجل، أكثر ما أثار انتباهي هي التواريخ الأخيرة، حيث من تاريخ 1997 حتى تاريخ 2015 كان هناك شريطان من كل سنة، أما سنة 2016 كان هناك شريط واحد وهو آخر شريط. باعتبارًا لنقل أن كل شريط يمثل جريمة، فهذا يعني أن كل سنة كان يحدث جريمتان، لكن في سنة 2016 حدث فقط جريمة واحدة؟» سأل أغسطس هذا السؤال وتقريبًا كان يسأل نفسه أكثر من مالكوم.

«لو تستطيع رؤية ما بداخل الأشرطة سيكون مناسبًا؛ كي نحدد المكان واليوم، لأن تسعة عشر عامًا يساوي الكثير من الجرائم والأماكن» قال مالكوم وأخذ أغسطس يفكر. «لكن رؤية ما بداخل الأشرطة يساوي النوم والحلم يعني رؤية الشخص المقنع. وفكرة أنني سأكون عارٍ مجددًا في مكان بارد تثير القشعريرة في جسدي» قال وانتفض لأنه شعر بنفس الأحاسيس مجددًا.

«أشعر أن هذه ليست مجرد أحلام، هناك سبب أنها تأتي لك، وكما رأيت كل ما تحلم به حدث في الحياة الحقيقية. ولو كنت مكانك، ولو أن خوضي هذه الرحلة الصعبة والمخيفة من أجل حل هذه القضايا، سوف أفعلها دون تردد» قال مالكوم ليتنهد أغسطس.

«أعطني وقت كي أفكر قليلًا، رأسي لا يزال مشوش مما حدث والمعلومات التي به» أجابه وأومأ كالوم ثم عاد يتفقد قصة عائلة صاميول.

نظر أغسطس للسقف وبدأ يتنفس ببطء، يود حقًا الذهاب لمعرفة كل ما حدث لكنه خائف، وفي داخله يتمنى الهرب ولا يجده مالكوم حتى ينسى هذه الفكرة، فبالنهاية الهروب هو نصف الشجاعة.
لكن من جهة أخرى ربّما لو فعل هذا سوف ينقذ المزيد من الضحايا مستقبلًا، وسوف يأخذ حق الضحايا السابقين بمن أُغلِقَت قضيتهم ضد مجهول مثل قضية محبوبته آيسِلين.

«لو كانت أحلامي تعرض قضايا القتل السابقة فربّما قد أجد قضية آيسِلين، وحينها سأعرف ماذا حدث لها» قال لكن الآخر لم يسمعه لهذا همس بـ: «ماذا؟».

«سأفعلها، ربّما قد أجد قضية آيسِلين» قال وابتسم الآخر وصفق بيداه. «رائع! إذًا بما أنكَ استيقظت للتو فسوف نحتاج إلى منوم» قال ووقف ليقف معه أغسطس ويردف: «لدي، فبعد يومان أردتُ النوم بشدة لهذا استخدمته» قال وسخر.

أكمل مشيه ناحية غرفة النوم لكنه توقف لوهلة، توقف معه كالوم ونظر له بمعنى ماذا؟ «النوم المغناطيسي هو نوع من أنواع النوم، صحيح؟ أعني نفس الشيء أكون فاقدًا للوعي» قال وعقد كالوم حاجباه لكن سرعان ما استنتج ما يود أغسطس أن يصل له: «تود استخدام التنويم المغناطيسي، حتى لو تكلمت فسوف أستطيع سماعك وتقول كل شيء، فكرة عبقرية! لكن هل ستنجح؟» سأل بتردد ليرفع أغسطس يداه بمعنى لا أعلم.

«نجرب؟ يمكننا استدعاء مارسيل فهو على حد علمي قد درس علم النفس كهواية، وهو يستطيع تنويمك» اقترح كالوم ليوافقه أغسطس الرأي، اتصل عليه وفي غضون ثلاثين دقيقة كان مارسيل أمام الباب. فتح له أغسطس الباب ورحّبا به. جلسا نصف يشرحان له الموضوع من البداية للنهاية ووافق على فعل الأمر لأنه شاب متحمس.

استلقى أغسطس على الأريكة وأغمض عيناه لكنه كان يلعب بأصابع يده بتوتر. «لا تقلق، وصلت للحد الذي أستطيع به تنويم شخص مغناطيسي لذا يمكنك الاسترخاء» قال مارسيل ليصغر أغسطس عيناه ويستقيم، «وصل للحد، أي يعني لو فعلناها سأكون أول شخص تنومه مغناطيسيًّا وسأكون دمية التجارب الخاصة بك؟» سأل بقليلٍ من الغضب ممزوج بالقلق ليجيب الآخر بينما يتراجع للخلف: «نوعًا ما» قال وتوقف كي يرى ردة فعل أغسطس.

تنهد أغسطس وعاد للإستلقاء: «لو حصل لي شيء فسوف أتحوّل إلى شبح وأطاردكما حتى لو هربتما إلى آقاصي العالم» همس بتهديد ليشعر كالوم بالإهانة. «وما دخلي أنا؟» صاح بقهر. «أنت لك يدٌ في الموضوع» قال أغسطس ليتمتم كالوم بـ: «لا يهم يا شهر ثمانية» سمعه أغسطس لكنه تجاهل الأمر وحاول الاسترخاء.

شغّل كالوم الكاميرا لتسجلهم وأحضر مارسيل قلم وتنفس بتوتر، أخذ نفس عميق وبدأ يتكلم: «حسنًا أغسطس، أريدكَ أن تغلق عيناك وتتنفس ببطء، اسحب الهواء من أنفك واخرجه ببطء من فمك» قال ونفذ أغسطس ما طُلِبَ منه.

بدأ مارسيل يطرق بالقلم على الطاولة طرقات متماثلة في الصوت والوقت. «أريدكَ أن تستمع لصوتي وصوتي فقط، حاول أن تتخيّل أنك في أي مكان تريده، أين أنت الآن؟» سأله ليصمت أغسطس عدة ثوان ثم أجاب: «في غرفة مغلقة، مليئة بالغيوم ولا يمكنني رؤية شيء» قال بهدوء. «جيد، لكن لو أمعنت النظر فسوف تجد أن الغرفة ليست مغلقة بالكامل لأنه يوجد هناك باب، مخفيّ بين الغيوم الكثيرة، هل رأيته؟» سأل وأومأ أغسطس ليكمل: «ممتاز، خلف هذا الباب يوجد عدة رفوف بها الكثير من الأشرطة التي تحوي تواريخ لجرائم حصلت من زمن، سوف تفتح هذا الباب وسوف تخبرنا عمّا بداخل هذه الأشرطة، حسنًا؟».

«حسنًا».

«جيد، الآن افتح هذا الباب وأدخل منه، أين أنت؟».

«في غرفة مليئة بالرفوف بها الكثير من الأشرطة التي تحوي تواريخ لجرائم حصلت منذ زمن».

«أحسنت، الآن امسك أحد الأشرطة البيضاء، هناك في آخر الممر، هل أمسكت أحدهم؟».

«أجل».

«الآن عندما تلتفت لليمين سوف تجد تلفاز وجهاز يدير الأشرطة، هل رأيته؟».

«أجل».

«الآن ضع الشريط في الجهاز واضغط على تشغيل. قُل لي ماذا ترى».

«أرى...».

---

-نفر واقع بحب الشخصيات الجديدة- 😔🖤

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top