الفصل الخامس و الأخير: الهروب
#لوري#
تجهزت لكل الإحتمالات، و بالتأكيد استعنت بالمخطط السري، حل الظلام و أطفأت الأنوار لأنعم بقسط من الراحة، ريثما تشرق الشمس فتلك المواد التي حقنوني بها ما تزال تسري في عروقي، و تسبب لي التعب و الإرهاق الشديد، لدرجة أنني أحيانا أشعر بأطرافي مخدرة و لا أستطيع حركها أو السيطرة عليها.
أشرقت الشمس، و بدأت أشعتها تداعب أجفاني، لأفتحها بصعوبة و كأنني في حرب مع النعاس، انتفضت من على السرير بعد أن عاد الحماس ليسري في أعضائي و أنا أتذكر الخطة، بدلت ثيابي بفستان يمتد إلى حدود ركبتاي، و قد عدلت شعري القصير بعد أن مشطته، و أمسكت بالفرشاة في يدي ثم اتجهت بها نحو غرفة الوحوش، و دخلت بابتسامة عريضة تحتل وجنتاي، و ذهت مباشرة إلى رمادي الذي كان مستلقيا و رأسه على الأرض ، تقدمت نحوه.
لوري:
_ هيا أيها الكسول ... اليوم يجب أن تكون في قمة نشاطك ... فهذه ستكون أكبر عملية هروب في التاريخ ...
و بدأت أمشط على فروه برفق بينما هو مسترخ في حضني، و بعد برهة أخرجت البطاقة و مررتها في الشق الذي بجانب الأصفاد على الجدار، ثم انفكت قيود رمادي، لينتفض من مكانه في عجلة صوبي و يقفز فوقي ثم يلعق وجهي
لأتتقزز بسبب لعابه الذي يسيل في وجهي، مسحته بيدي ثم أومأت له كي يتبعني، فتحت الباب ببطئ و هدوء شديدين، و تفحصت الرواق، لحسن حظي لا يوجد أحد هذه المرة، فأشرت لرمادي ببدي من الخلف كي يتبعني، أدخلته سريعا إلى غرفتي، ثم أخذت كرسيا و وقفت عليه مباشرة أمام الكاميرا المثبتة بأحد الزوايا الأربعة للغرفة، أخذت قميصا و لففته حولها كي لا تسجل ما سيجري.
بعد أن انتهيت مما أفعله، نزلت من على الكرسي و بدأت أتفحص الجدار و الأرضية، لأتذكر أنه قد ذكر في المخطط وجود نفق سري خلف الخزانة، بدأت أدفع لكن دون جدوى إلى أن تدخل رمادي و بدأ هو الآخر بإزاحة الخزانة الثقيلة معي، و أخيرا فتحناها بما يسمح لنا أن نعبر خلالها.
أحذت كشاف ضوء و حقيبة صغيرة بها بعض المستلزمات، ثم توجهنا نحو الممر الضيق و المظلم، ليساعدني رمادي مجددا على إعادة الخزانة إلى مكانها، أغلقناها بعد أن أنرت لنا الطريق، مشينا لدقائق فقط حتى اتضح أننا في مفترق طرق، بصراحة لا أدري كيف تم صنع هذه الممرات، تبدوا و كأنهم اقتطعوا بعض المساحة من الممرات الأخرى لتبقى هذه خفية عن الآخرين.
بدأت أتذكر المخطط المرسوم في باطن عقلي، لأغمض عيناي بشدة، ثم أفتحها بسرعة و أنا أوجه إصبع السبابة نحو الممر على اليسار.
لوري:
_ هذا الممر سيؤدي بنا إلى الدرج حيث سننزل نحو الأسفل و ينتهي النفق في مكتب الإستقبال ... إذن هذا ليس الممر المناسب...
نظر إلي رمادي و كأنه يسألني "ماذا عن الرواق الآخر" فأجبته بابتسامة رقيقة.
لوري:
_ هذا الرواق سيؤدي بنا إلى قاع المركز... حيث سنجد ممرا آخر يقودنا مباشرة إلى بر الأمان ...
نظرت نحوه و قد بدا على ملامحه العزيمة و الحزم على الهرب معي، فركت قليلا على بطنه ليحتك بي قليلا ثم نكمل طريقنا عبر الممر الأيمن، إلى أن وصلنا بعد مدة ليست بطويلة، توقفنا عند نهاية الجدار المسدود، و هنا مددت دراعي لأمرر البطاقة في الشق الضيق الذي بالكاد يمكن رؤيته في الزاوية.
فتح الجدار على شكل بوابتين، لأتفقدها من الداخل و رمادي يتقدمني، دخلنا إلى أن لفت انتباهي وميض خفيف بنبع من قلب الغرفة الشاسعة، يا إلهي.. إنها شجرة تحت الأرض!! كانت شامخة العلو تمتد إلى حدود حاجز زجاجي تعوم فوقه الأسماك و الكائنات البحرية، لا بد و أنه الحوض الذي يتوسط المركز في الطابق الأرضي، اقتربت أكثر منها أنا و رمادي، و قد بدت لي أنها تحتضر ، أيعقل أن الفيروس يؤثر على النباتات أيضا!
فورا تراجعت إلى الخلف، و قلت لرمادي بانزعاج.
لوري:
_ هيا نذهب ... فقد أهلك هؤلاء البشر أنفسهم و باقي الكائنات أيضا ...
تبعني رمادي إلى أن توقفت ثانية أمام جدار و أدخلت البطاقة في الشق ليفتح الباب، و نعبر من خلاله، خرجنا أخيرا، و الإبتسامة تتشكل على وجهي.
لكن سرعان ما فقدت الأمل تماما، الجميع ملقا على الأرض جنبا إلى جنب، أصابني الفزغ الشديد و ارتددت من مكاني نحو رمادي الذي لم يحرك ساكنا، حاولت أن أتخطى الأمر لأمر عبرهم و أنا أرتجف من الخوف، بينما رمادي يسير بخطى واثقة إلى جانبي، اتجهنا نحو أقرب مجمع للناس، كنت متلهفة لمقابلة شخص من خارج المركز أو أطفال في مثل عمري.
ما إن وصلنا كان المنظر أكثر سوء من الذي قبله الجميع ميت و لا أحد يتحرك، إنما يخرج سائل أخضر من أفواههم و آذانهم و أنوفهم و أعينهم أيضا و وجوههم شاحبة جدا، أصابني الهلع الشديد، و رحت أركض في اتجاه المركز ثانية، فقد ندمت أشد الندم على مغادرتي له، أفضل أن يعذبوني و يجروا علي التجارب على أن أعيش بين هؤلاء في فزع دائم.
وصلت إلى البوابة و استخدمت البطاقة لأتمكن من الدخول، كان المنظر مروعا، جثث في كل مكان، حتى إيفانجلين مرتمية على الأرض و إلى جانبها وليام، و في الجانب الآخر من قاعة الإستقبال توجد جثة زين و آدم و روي، مستلقية هي الأخرى على الأرضية الباردة و حولهم أشخاص آخرون، لم أستطع أن أحتمل فأخذت أبكي دون شعور مني و الدموع تتساقط بغزارة، و أنا أحاول أن أقول في ندم و عتاب.
لوري:
_ لماذا استخدمتموه علي فقط ...؟ لماذا يجب أن أبقى وحيدة دائما ...؟
اقترب مني رمادي محاولا مواساتي بنوع من الإحتكاك، انبطحت أرضا لأنهال عليه بالعناق و أكاد أخنقه، فجأة سمع صوت الإنذار ينطلق من جديد، فاتجهت نحو الحاسوب في مكتب الإستقبال لأتفقد الوضع، فإذا بي أعلم أن المولد الذي خلف المركز في أقصى طاقاته و على وشك الإنفجار.
اتسعت كلتا عيناي لأركض سريعا و أشير إلى رمادي فيتبعني بدوره، لكنه هذه المرة جعلني أصعد على ظهره لينطلق بسرعة كالبرق، و هو يعدوا و يعدوا... ثم سمع صوت الإنفجار المدوي خلفنا ليجعلنا الهواء الساخن المنبثق منه خلفنا، نسقط أرضا ثم أفقد وعيي و لا أشعر بشيء بعدها.
شعرت بشيء يداعب وجهي لأفتح عيناي إثر ذلك، فاتضح أنه رمادي بفروه الكثيف المضيء باللون الأخضر، حاولت أن أنهض من على السرير الخشبي، ليوقفني صوت أنثوي عدب من الخلف.
ليزا:
_ لا بأس عزيزتي... أنت بخير و بمأمن... فقط لا تتحركي حتى تلتئم جراحك...
استغربت و حاولت الإلتفات لأرى من الذي يتحدث، و اتضح أنها امرأة في الأربعين من عمرها، يا للعجب ظننت أنني الوحيدة التي نجت!
اقتربت مني و على وجهها ابتسامة لطيفة لتطمئنني، ابتسمت لها بدوري و حاولت أن أبدو قوية أمامها، ثم أمسكت بدراعي و سحبتني برفق لتعانقني، و هي تتمتم.
ليزا:
_ أنا ليزا... و لا تقلقي تستطيعين اعتباري بمثابة أمك عزيزتي...
دفعتها بخفة لأنسحب من العناق.
لوري:
_ مهلا، أين أنا...؟!
ابتسمت ليزا أكثر و هي تضع كف يدها على خدي.
ليزا:
_ أنت في مأمن... جميعكم كذلك ...
لوري:
_ من تقصدين بالجميع...؟ هل هناك المزيد...
أومأت لي ثم ساعدتني على النهوض، وقفت بصعوبة ثم اتجهت بي نحو الشرفة، و بمجرد أن فتحت الستارة عنها، تسلل ضوء الشمس لأغمض عيناي إثره، لكن عندما فتحتهما مجددا وجدت المكان في الخارج مهدما و منهارا تمام، لكن توجد حركة لأطفال صغار يركضون هنا و هناك، ابتسمت بخفة و أنا أتابعهم بعيناي، إلى أن قاطعتني ليزا.
ليزا:
_ بالمناسبة ما اسمك يا صغيرة ...؟ و ذئبك أيضا ...
نظرت نحوها في نوع من الإحراج.
لوري:
_ آسفة لم أخبرك عن اسمي... أنا لوري، و هذا رمادي ...
قلت هذا بعد أن أشرت إلى رمادي الممدد على الأرض بكسل، ثم سمعت المرأة تجيب بحنان.
ليزا:
_ لا عليك عزيزتي... لما لا تذهبين و تتعرفي على الأولاد الآخرين ريتما يجهز الغذاء...
أومأت لها بالإيجاب و أنا أركض سريعا نحو الباب، و قد أطلقت ضحكة طفولية لم أنعم بها من قبل حين كنت أسيرة ذلك المكان، و لم أظن أنني سأحظى بها بعد الذي رأيته.
فيا ترى هل سيأتي يوم ينتهي فيه الجنس البشري حقا بسبب أطماعهم؟ و يقضوا على جميع أشكال الحياة على الكوكب كما كادوا أن يفعلوا هنا؟ أم سينتقلون إلى الفضاء ليخربوه بدوه؟
من يدري؟ ربما ما سيجري أسوأ بكثير..
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top