الفصل الأول: بعيدا عن الأنظار
# لوري #
كنت أجلس على سريري الصغير في تلك الغرفة الضيقة، أمسك كتابا ، بالكاد أستطيع حمله لأتصفحه ريتما تدخل الطبيبة إيفي، لتقتحم الغرفة بابتسامة زائفة.
لم أبعد عيناي عن الكتاب، لتتدخل قائلة.
إيفي:
_ إذن هل الصغيرة لوري جاهزة للفحص ...؟
رفعت رأسي بينما تأخذ الكتاب الضخم و تضعه على الطاولة الصغيرة إلى جانب الجدار، و تمسك يدي برفق و تسحبني نحو باب الغرفة، لقد كانت الشخص الوحيد الذي يعاملني بلطف حتى و إن كانت تصطنعه.
ما تزال ممسكة بيدي و نحن نمشي كما يشبه الهرولة، و كالعادة أجول برأسي بين الممرات، على اليمين أمر دائما بجانب غرفة المعدات ذات نوافد شفافة تسمح لمن يمر برؤية الأسلحة و بعض من المواد المشعة التي طالما جذبتني إليها، كانت ذات لون أخضر شديد الهيجان، و إلى جانب هذه الغرفة توجد مباشرة غرفة الوحوش، كما أطلقت عليها أنا، ففي الداخل توجد كائنات غريبة الهيأة و مرعبة بشكل كبير، أما في الجانب الآخر من الرواق أشاهد بابا ضخما ليس بجانبه أية نوافد و لا يسمح لي بعبوره، فنادرا ما أشاهد أحدا ما يدخل عبره باستخدام تلك البطاقة، كما توجد إلى جانبه غرفة الإستراحة على ما أظن ففيها يجتمع أطباء و علماء هذا القطاع.
هل عرفتم الآن أين أنا؟... أجل، إنه مركز لإجراء الإختبارات على الكائنات حيث يقومون بالتجارب لإختبار المواد الكيميائية على الجسم أو الكائن الحي، حيث يجتمع العلماء و الأطباء من شتى أنحاء العالم، حيث لا قوانين إنسانية أو حقوق.
بالمناسبة أنا أدعى لوري، لا أعلم من أكون أو من أين أتيت، جل ما أعرفه هو أنني سجينة هذا الجحيم، و أنه تجرى علي التجارب، فكم مرة يتم حقني بالإبر، و إجراء الفحوصات لي، و عادة أشاهدهم يجرونها على كائنات أخرى، صحيح أن عمري لا يتعدى السابعة، لكن جل هذه السنوات أمضيتها في هذا المركز، و لم يسبق لي أن خرجت منه أو تخطيت عتبة أسواره، و لذلك لا أعرف شيئا حول العالم الخارجي عدا أن الجميع هنا يقول بأنه خطير جدا و أنهم يهدفون إلى تصحيح أخطائه.
على العموم وصلنا إلى غرفة ضخمة في آخر الرواق، فمدت إيفي يدها لتدخلها جيب وزرتها الناصعة البياض، فتخرج منها بطاقة تحمل صورة صغيرة لها إضافة إلى بعض المعلومات الشخصية، ثم أدخلت البطاقة في شق ضيق بجانب الباب ليفتح على مصرعيه، تقدمت بخطوات متثاقلة، ففي هذا اليوم بالتحديد سآخذ جرعة إضافية من الحقن، فتقدم إلي زين، إنه عالم مخبول نوعا ما فنبرة صوته تشعرك بعدم الإرتياح، و أن في عقله خطبا.
زين:
_ هيا أسرعي لوري و استلقي على السرير ...
ثم راح يخاطب روي، بينما أنا أستلقي على السرير الطبي وسط الغرفة.
زين:
_ لقد وجدت تركيبة جديدة و سيكون لها مفعول قوي صدقني ... هذه المرة سننجح ...
روي:
_ ألا يجب أن نختبرها على الحيوانات أولا ...؟
لم أفهم عما يتحدثون، على أي لم أعرهم أدنى اهتمام، فقد استلقيت و بدأت أداعب خصلات شعري الكثيف، إلى أن أمسكت إيفي بحقنة مخدر و غرستها في يدي، و قد أصدرت صوت التألم دون قصد، فعلى غرار تعرضي للحقن ما أزال أتألم في كل مرة، أما يدي فباثت مليئة بالخدوش بسبب الإبر، و زرقاء من شدة تعرضي لتلك المواد الكيميائية.
أغلقت أجفاني لأغط في نوم عميق شبيه بالغيبوبة، و لم أعد أشعر بأي شيء من حولي.
# روي #
بصراحة أشفق على هذه الفتاة، لم تعش طفولتها كباقي من في عمرها، لكننا في أمس الحاجة إلى هذه التجارب، مع أن موقف المدير غامض أحيانا.
بعد أن غاصت لوري في أحلامها، جهزنا الأدوات و المعدات، و قمنا بوصلها بها، أنا تكفلت بغرس الإبر الموصولة بالأنابيب في كلتا ذراعيها، في حين أخذت إيفي تبحث بين القوارير على الرفوف، أما زين فكان يكتب بسرعة على حاسوبه و يخلط بين المواد الموضوعة أمامه.
ثم اقتحم المكان وليام و آدم، و هما يحملان رزمة من الأوراق، و قنينة بها مواد ممزوجة بالإشعاعات الكيميائية، لاحظت ذلك من اللون الأخضر المتوهج، فقال آدم و هو يكاد ينفجر من السعادة.
آدم:
_ لقد وجدتها ... أخيرا وجدت التركيبة الصحيحة ...
ليقاطعه زين:
_ لا تزعج نفسك ... فقد سبقتك إليها ...
بالتأكيد سيتنافسون لأن من يكتشف التركيبة المطلوبة سينال ترقية و ربما يسمح له بالإلتحاق بالطابق الأعلى، و هو حيث لا يدخل إلا كبار الموظفين و السادة المسؤولون.
تقدم وليام و وضع رزمة الأوراق على الطاولة، ثم أخذ القارورة من بين يدي آدم ليوصلها بالأنابيب المعلقة بلوري، لكنني لم و لن أصمت فقد تدخلت معترضا آدم.
روي:
_ توقف ... ما بكم اليوم ... على أي إنها بشر مثلنا ...
التفت نحوي الجميع و من ثمة عادوا إلى عملهم متجاهلين لما أقول، صحيح أحاول أحيانا أن أبدوا قاسيا و أن لا أتصرف مع لوري بلطف لكني حقا أشفق عليها.
#لوري#
بدأت أشعر بأطرافي تستعيد الحياة لكنني منهكة بشدة على الرغم من أنني كنت نائمة، حاولت النهوض إلا أن آدم منعني، يبدوا أنني استيقظت في وقت غير مناسب، و أنهم لم ينتهوا بعد من تجاربهم المجنونة علي، ثم عدت للإستلقاء فبالكاد أتحرك، لأن تلك الأنابيب على ذراعي تسد طريقي و تشدني إلى كلا الجهتين.
حاولت ألا أتحرك حسب أوامر آدم لي، لكن تأثير المخدر قد زال تقريبا و في إمكاني الشعور بذلك الألم يتخلل جسدي شيئا فشيئا، إلى أن اشتد بي الألم كثيرا و أطلقت صرخت مدوية و أنا أحاول ضم ذراعاي نحو بعضهما دون إدراك، متجاهلة كل تلك الأنابيب من حولي، و قد أفلتت من يداي الصغيرتان بأعجوبة و لاحت تتلوى و تفرغ تلك السوائل المتدفقة عبرها، في حين كان الجميع ينظر إلي باندهاش ما عدا المجنون زين.
زين:
_ لقد نجحت ... لقد نجحت التركيبة ...
لاحظت بعضا من القلق على وجه روي، بعد أن خف الألم قليلا و رفعت رأسي باتجاهه. تقدمت إيفي إلي و غرست الإبرة المهدئة في عنقي سريعا، و ما إن ابتعدت بخطوات متثاقلة حتى باثت الرؤية لدي غير واضحة و لم أعد أشعر بما يوجد حولي.
#روي#
لمحت إيفي تعطي إبرة منوم للوري كي تغفوا بهدوء، لا أصدق أن زين ما يزال يضحك و يدور بين المحاليل الكيميائية كالمجانين، بصدق لا أدري و كأنهم يأتون بهؤلاء العلماء من مستشفيات الأمراض العقلية، أما أنا فقد تم انضمامي إلى هذا المركز بعد أن تفوقت في طب الأعضاء، و ها أنا هنا الآن أعذب طفلة صغيرة بإجراء التجارب عليها كالفئران.
روي:
_ مهلا يا زين ... ألا تظن أن هذا كاف لليوم ... ستمزق أوردتها ... ثم ألم تلحظ تغيرا
في لون بشرتها، لقد أصبحت أكثر شحوبا ... مما يدل على ...
قاطعني آدم متمما جملتي.
آدم:
_ مما يدل على تلاشي الكريات الحمراء و البيضاء بفعل المواد الكيميائية ... و مما
سيؤدي إلى ضعف مناعتها و بالتالي قد يصيبها أي مرض و لو كان بسيطا ... هذا ما
أردت قوله، صحيح...؟
ابتسمت ابتسامة جانبية بتكلف و أنا أنظر إليه، أحيانا يفاجئني دهاؤه الحاد، فهذه ليست أول مرة يحذر فيها ما أود قوله و لا أظنها الأخيرة، كما أنه يفعل ذلك مع الجميع.
روي:
_ أجل ... هذا كنت أنوي قوله ... لكنك سبقتني إليه ...
وليام:
_ إذن سنأجل التجربة إلى الغد ...؟
فأومأ إلى إيفي بأن تأخذها، و بينما هي تجردها من بقية الأنابيب قاطعتها.
روي:
_ لا بأس إيفانجلين ... سأهتم بإعادتها إلى الغرفة ...
ابتسمت لي ثم تنحت جانبا لتعود إلى الأوراق التي على الطاولة و تتخذ لها مقعدا هناك، في حين قمت أنا بحمل لوري بكلتا يداي بشكل يشبه العناق، و قد شعرت بتلك الأصابع الصغيرة تتعلق بسترتي البيضاء و تتمسك بها بقوة خائرة. أدخلتها إلى الغرفة، حيث يوجد سريرها الصغير بجواره طاولة مربعة صغيرة تحمل فوقها كتابا يتحدث حول السياسة و السلام في العالم و ما إلى ذلك...
وضعت لوري الصغيرة ذات السنوات السبع على السرير و وضعت الغطاء عليها، ثم تقدمت نحو النافذة و أغلقتها بإحكام لكي لا تفتحها مطبات الهواء العاصفة، يبدوا و كأنها ستمطر، و دون شعور مني عدت نحو لوري النائمة بعمق كالملاك، و قبلت جبينها بحنان أبوي، يا إلهي يبدوا أنني تعلقت بها بالفعل.
بعد أن خرجت من غرفة لوري توجهة مباشرة نحو غرفة المتحولين، أو كما تسميها لوري غرفة الوحوش، هناك حيث نحتفظ بالحيوانات التي أجرينا عليها اختباراتنا، بما أننا نزودها بمواد كيميائية ممنوع استعمالها مع الكائنات الحية قانونيا، لكن في هذا المركز بالتحديد لا وجود لمن يتبع القوانين، لكن الكلمة للرؤساء و مديري هذا المكان، إنهم السلطة العليا و الوحيدون القادرون على ترقيتك أو إرسالك مباشرة إلى غرفة المتحولين بين تلك الوحوش، فمن غير المسموح لأحد بالمغادرة بعد تطأ قدماء عتبة البوابة الحاجية للمركز.
استخدمت بطاقتي لأفتح الباب ثم تقدمت إلى الداخل، لم تكن لدي أي فكرة عما أفعله هنا، لا أدري لماذا دخلت هذه الغرفة بالتحديد، لكن قدماي قد ساقتان إليه، و في الوقت عينه أردت أن أتفقد آخر إنجازاتنا ألا و هو ذئب متحول، لقد كان أساسا ذئبا مميزا نوعا ما بفروه الكثيف الأبيض، و ضخم حجمه، و أنيابه البارزة، كما و لن أنسى لون عينيه الرمادي ... لكن بعد أن ألحقنا به تلك المواد ، تضاعف حجمه مرتين، و باثت أنيابه أطول و أكثر بروزا، و قد اكتسب فروه الأبيض وهجا أخضر بسبب الإشعاعات النووية، لكن عينيه أصبحتا باللون الرمادي الداكن و كأنهما انطفأتا.
اتجهت صوبه لأتفقده فقد كان هائجا من قبل لذلك قمنا بتقييده، بدأت بفحص نبضه، يبدوا طبيعيا، ثم انتقلت إلى عينيه و أخرجت إصبع ليزر طبي من جيبي ذو لون أبيض خافت، و وجهته نحو عيني الذئب لكنه لم يصدر أي ردة فعل، و هنا تحديدا تأكدت من أن هذه المواد أثرت بشكل سلبي على حواسه و أفقدته بصره، عل الرغم من أنها تساهم في تضعيف أعضاء الجسم لكن المناطق الحساسة كجهة الدماغ أو الرأس باختصار تتعرض أجهزتها المناعية إلى الإبادة بفعل الإشعاعات.
دونت ذلك على مفكرتي قبل أن أنهض مغادرا لأغلق الباب خلفي، و عدت إلى غرفة الفحص حيث ما تزال إيفي تداعب الأوراق لا بد أنها تسجل نتائج هذه التجربة، و زين منهمك في التحقق من مكونات الأنابيب فثارة يصب سائلا فوق آخر و ثارة أخرى يدون على حاسوبه، لكن وليام و آدم ليسا هنا، فقاطعت صمتهما.
روي:
_ سأغادر اليوم باكرا لأن لدي عملا في المدينة ... إن لم تحتاجوني هنا ...
أجابه كل من إيفي و زين المنهمكين في عملهما دون أن يلتفتا إليه.
إيفي:
_ لا... لا نحتاجك في شيء ...
زين:
_ مع السلامة ...
شعرت بنوع من الإحتقار و السخرية في كلامهما لي، لكنني لم أعرهما أدنى اهتمام، و اتجهت نحو المصعد، بعد أن تركت المفكرة على الطاولة إلى جانب إيفي كي تتفقد نتائج التجربة على الذئب، بعد أن دخلت المصعد اتجهت إلى الطابق السفلي، و خرجت نحو مكتب الإستقبال بعد أن خلعت وزرتي البيضاء و غيرتها بمعطف جلدي أسود، أخبرت سيلفيا -السكرتيرة- القابعة أمام الحاسوب بأنني سأخرج سأغادر المركز اليوم مبكرا و أن تسجل انتهاء عملي لليوم.
ركبت سيارتي الحمراء المكشوفة، و رحت أقود في اتجاه المدينة بسرعة معتدلة...
# لوري #
استيقظت إثر اصتدام غصن شجرة بنافذة غرفتي الصغيرة و الذي افتعل صوتا أشبه بمن يطرق الباب، جلت بنظري في الغرفة قليلا لألتقط الكتاب الذي على الطاولة، بصراحة لقد كان كبؤرا علي لكن معلوماته جذبتني كثيرا، لأنه يحتوي على معلومات حول العالم الخارجي الذي لم يسبق لي أن رأيته عن قرب أن اختبرت تجربة أن أكون مجرد طفلة تعيش حياة عادية و تذهب إلى المدرسة.
أنهيت الكتاب سريعا، مع أنه استغرق مني ثلاثة أيام لأنهيه، فأعدته إلى الدرج في خزانتي حيث أحتفظ بجميع الكتب التي سبق أن قرأتها، لأنني عندما أشعر بالملل و لا أجد ما أفعله أعيد قراءتها، إلى أن يحظر لي روي كتابا آخر.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top