الفصل الرابع
"اذا رضيت عني كرام عشيرتي
فلا زال غضباناً علي لئامها"
كانت حرباً بالفعل.
ذلك ما أدركه ليث ما ان دخل القاعة الضخمة المخصصة لحفلة الليلة. في البداية كان الوضع هادئاً باختفاء الأميرة عن الأضواء، ولكن ما ان دخلت بحضورها المبهر المعتاد الذي لا يُمل منه، بدأ ما يسمى بحرب المشاعر.
المدعوين كانوا من كبراء الشخصيات المرموقة، ولمرة حمد الله ليث على قلة وجود الأمراء في الحفل. فبالرغم من علاقته الجيدة بهم، الا ان علاقتهم بفاتن ليست بجيدة او بالأحرى ستنهيها فاتن بشكل سيء. يتوجب عليه ان يهنئها، فهاهي تجعله يهتم بأمورها رغماً عنه. تنهد بضيق وهو يضيق عيناه مراقباً للسيدة التي أخذت كأساً من النادل وتقدم منها شاب ذو وجه حسن، فلم تعره اقل اهتمام.
بدء بالتحدث اليها بالرغم من انه يرى تجاهلها له وهي تحدق بما أمامها ببرود وتأخذ رشفات من كأسها بين الحين والآخر. سَعد ليث عندما تأكد انها لن تجلب لنفسها المزيد من المشاكل واستدار عنهما ليأخذ كأساً من النبيذ لنفسه من احد النادلات. الا انه وبخطفة نظر فقد كل الاطمئنان الذي كان يشعر به وهو يرى الأميرة فاتن تسكب المتبقي من كأس نبيذها على ذاك الرجل ذو الوجه الحسن الذي شهق ما ان لامست قطرات النبيذ وجهه فاغلق عينيه بقوة دلالة على محاولته للتماسك على غضبه بينما هي تفوهت بشيء ما بقمة غضبها ثم التفتت عنه لتتجه نحو الشرفات.
بينما ذهبت هي وتركت الصاعقة ورائها، لمح ليث نظرة حاقدة بوجه أياً كان ذلك الرجل. بلا ان يشعر وجد نفسه أمام الرجل الذي صار الان ممسكاً بمنديل اعطته إياه النادلة. "أتشرفنا بمقابلة بعضنا سابقاً؟" بدء الليث بحديثه المراوغ.
توسعت عينا الرجل عندما ادرك انه يتحدث اليه وابعد المنديل. "عذراً. اتوقع ذلك، فأنني دائماً ما احضر حفلات كهذه بعد اصرار من والدي."
تبسم ليث. "وما اسمُ والدك الكريم؟"
مد الرجل يديه لليث بابتسامة مستعجلة. "باولو فرانسيس، انني فرانك فرانسيس."
صافحه ليث بمودة وهو يومئ، "اتمنى انك حضيت بوقت ممتع الليلة."
"اجل، الى ان قررت السيدة سكب نبيذها علي وكأنني حنفية يُسكب عليها النبيذ." قال وهو يؤشر نحو الشرفات بضجر.
حاول ليث تمالك ضحكته فتبسم عوضاً عن ذلك. "السيدة فاتن؟ اعذرها رجاءاً فإنها تمر بفترة عصيبة."
"بالطبع." تبسم الآخر بغموض وكأنه يحاول إنهاء الحديث الذي لم يعد متمتعاً به.
تركه ليث واتجه للشرفات. ليجدها تقف أمام إحداهم وشعرها الاسود الذي يصل لخصرها يتطاير من ورائها، وجهها متجهم وهي تحدق بعتمة الليل بحاجبين معقودين وشفتين مستديرتان بضيق ظاهر للعيان.
تنهد، ها قد بدأت مهمته لليلة. اقترب منها بخطوات بطيئة وشعرت بشخص خلفها الا انها لم تستدير.
"لمَ لم تلتفتي؟ وماذا ان كنت شخصاً اخر ينوي دفك من اعلى الشرفة حتى يتخلص منك؟" قال ببرود وهو يقف لجانبها.
لم تلتفت له وقالت بصوت خافت. "لم اعلم انك تظن بي السوء لهذه الدرجة، تطمن ليس لدي أعداء بتلك الكثرة."
"اخالفك الرأي تماماً، فإنك كسبتي عدواً جديداً منذ دقائق. مبارك لك."
التفتت له، "ذاك الرجل الثرثار؟"
اومئ ليث فعادت لعدم مبالاتها. "أقصى انتقام يستطيع فعله هو الثرثرة امامي الى ما لا نهاية."
حاز ذلك على ضحكة بسيطة من ليث فالتفتت له هذه المرة بأكمل جسدها. "مالذي تفعله هنا؟"
تنهد، "لا اتوقع بأننا انهينا حديث الامس بعد، فهناك العديد من
الأمور التي لا زلت لا افهمها."
"حسنا؟" قالت فاتن بإستفهام مديرة برأسها عنه خشية ان يرى اللهفة والضعف بهما. فإنها بالكاد تستطيع تصديق انه يحادثها يومان على التوالي.
"كيف تيقنتي ان الجزار كان من طرف اسكوبار؟" بدء بالسؤال الذي بدر في ذهنه أولاً وحدق بها منتظراً الاجابة. للحظات لم تتحرك وهي مصوبة عينيها على ما أمامها من فناء خارجي، عيناها كانت شيئاً لم يره من قبل. فقد رأى الأعين الزرقاء كعينيه والرمادية والخضراء و العسليتين، الا انه قطعاً لم يرى عينان سوداوان كسواد عينيها. عينان تخيف العدو وتقرب الحبيب.
كاد النفس ينقطع منه ما ان التفتت لتتأمل تقاسيم وجهه منتهية بعينيه، أزعجته دقات قلبه المتسارعة وهو ينتظر إجابتها فأردف بقسوة وبرود عكس كل مشاعره الهائجة. "أستنتظرين حلول الفجر؟ اؤكد لك انني لن أبقى هنا كثيراً، لذا انطقي."
تجمدت ملامحها وأبعدت عيناها عنه لتتنهد وتتحدث اخيراً، بينما هو لم يسمع أياً من ذلك، فإنه كان مشغولاً بلوم نفسه على جعلها تستدير بعينيها عنه. للحظة استوعب ما يفكر به واستفاق من شروده ليقول. "عفواً، لم اسمع."
كان بانتظار نهر او سخرية منها، الا انها كررت ما قالته بكل بساطة. "أسفل السكين، علامة ماعز بخطين تحته باللون الاسود. أيذكرك هذا بشيء؟"
عقد حاجبيه، "لا اظن ذلك-" قطع حديثه وذاكرته بدأت تسعفه. "الا- ان كنت تقصدين شركة اللحوم الفرنسية."
اومئت هي. "ذلك ما اقصده تماماً."
"ولكنني لا افهم، فمالكها ليس اسكوبار وإنما رجل فرنسي معروف."
"بالطبع اسكوبار لن يشوه سمعته بهذه السهولة، فإن الرسالة واضحة. بإمكانه الاتحاد مع أياً كان ضدي، حتى و كان ذلك الشخص جزاراً."
"ذلك ليس بدليل كافٍ لاتهامه، ظننتك تعلمين هذا."
"يا ليث، لا تجنني. هناك شراكة حديثة بينهما منذ فترة بسيطة. الا انها كافية لاتحادهما ضد اعادائهما، وفي هذه الحالة انا العدو."
"و امبراطورية ستراثكلايد بأكملها عدواً لهم ان احبوا."
اتسعت عيناها. "لنفكر بروية، فكما قلت انني اجذب الأعداء الي."
"لأنك حمقاء." التفتت اليه بغيض، "نعم حمقاء وأشك انك تتعمدين فعل كل هذا حتى تجذبين نظري، ليكن في علمك انكِ تسيئين لصورتك اكثر فأكثر."
كانت تود لو تصمت لكي يشعر ببشاعة ما قاله بنفسه، فبالرغم من انها تعمدت جلب المخاطر لنفسها الا ان هذا يخصها وليس بالضرورة ان يتدخل ليث بالموضوع. "ان كنت منزعجاً لهذه الدرجة فلا تقلق، لست بحاجة لشفقتك لهذا الحد، يمكنك اخذ اقرب مخرج قبل ان تسوء الامور." قالت بلا ان تنظر اليه بنبرة اعتلاها البرود.
ولكن ليث لن يكون الليث ان لم يرى ما أسفل تلك النبرة الباردة، نبرة مكسورة تبحث عن الأمان. استدار عنها، "لا تتصرفي حتى أتحقق انا من الامر."
ما الذي يظن نفسه فاعلاً؟ قد تكون بحاجة لحبه ومشاعره، ولكنها قطعاً لن تحتاج لرجل كي يحل مشاكلها هي. انها ليست بتلك الامرأة الضعيفة، فأجابت بنبرة لا يمكن مجادلتها. "يبدو انك نسيت انني ابنة القيصر يا أيها الوريث، انني لم ولن احتاج لأحد ان يحل مشاكلي. هذه ليشت بمشكلة أصلاً، مررت بأسوء من هذا." قد تكون كذبت في اخر جزء من كلامها، الا انها احتاجت ان تتأكد من عدم تدخله.
وقف الليث في مكانه بلا ان يستدير ليواجهها، ما دهاها؟ الم تفتعل كل هذه الفوضى كي يبقى بقربها؟ اذن هذا الي يفعله، فلمَ تلعب دور الغنية عن خدماته الان؟ انه وبالرغم من نظرته الثاقبة، لن يستطيع فهم هذه الامرأة. وربما كان هذا سبباً اخر في عدم تقبله لها، انه لا يفهم النساء اللواتي بطبعها. مغرورات بشكل لا يُصدق ولا يطلبن المساعدة عند حاجتهن مما يؤدي لتفاقم مشاكلهن. تذكره فاتن بإمراة اعزها قلبه كثيراً، الا انها ليست هنا الأن، ولن تكون في اي وقت قريب او بعيد.
لمرة اخرى، قرر ان ينهي حديثهما بالابتعاد. فلطالما اختار الابتعاد عنها، وان اضطُر، سيفعلها مرة اخرى وأخرى.
بينما وقفت هي هناك أمام الشرفة تتبعه بنظرها الى ان اختفى عن ناظرها والتفتت للجانب الآخر لتتأمل ظلمة الليل الآسرة. تلك الظلمة التي تشبه ظلمة قلبها.
"ما دهاكِ يا فتاة؟"
لسببٍ ما كان ذلك اكثر سؤال تردده حيدا على فاتن، وذلك ان دل على شيء فإنه دليل على تغير جذري في تصرفاتها مؤخراً.
دهاني الليث يا حيدا، ذلك ما دهاني.
كانت فاتن، وهي تحوم في الغرفة تود بقول ذلك بكل غيض من ذاك المتعجرف الذي يظن نفسه ذا سلطة وفهم اكبر منها. لولا معزتها له لكانت جرحته بكلماتها وذكرته من يكون. بأنه لا يمت للعائلة المالكة بصلة، بإنه ابن-
هزت رأسها نافية تلك الأفكار الشيطانية، لا تستيطيع أذيته وان أذاها، الا هو.
تنهدت بضيق، ما دهاها بالفعل.
قعدت على السرير برضوخ. "حيدا، اتمنى جداً ان ما بي هو روح تحدي لا تُقهر."
تأملت حيدا تقاسيم وجه ابنة عمها بضيق هي الأخرى، فاتن ليست بفاتن الي تعرفها. وضعت يدها على كتف فاتن، "اتمنى ذلك أيضاً."
ابتسمت فاتن بمرارة وهزت حيدا رأسها دلالة على عدم الرضا. "الان كفى حزناً، ما الذي حدث كي تحزن ابنة القيصر؟ أتجرأ ليث على قول ما يزعجك مرة اخرى؟"
"نعم، وسيتجرأ مرة اخرى وغيرها." نظرت لها فاتن بنظرة منكسرة، "لا يحق له."
صُعقت حيدا وهي تنظر لعينا فاتن السوداوتين حزينتان. تلك النظرة، التي لم تراها منذ مدة طويلة، طويلة جداً. عندما توفت والدة فاتن، عادت بها الذاكرة للوراء. عندما كانت حيدا في غرفة تعليم البيانو الخاص بها فدخلت امها بفزعة بلا ان تطرق الباب او تعتذر لقطع الحصة، وجهت نظراتها لابنتها وبلا لباقة قالت. "حيدا، تعالي حالاً. سنذهب لقصر عمك."
عقدت حيدا حاجبيها. "ما الامر امي؟"
الا ان امها بدت في عالم اخر وبعدم اتزان علَّت صوتها. "تعالي وحسب، اجلبي لأخاك وقابلاني في السيارة سأكون بانتظاركم."
حيدا باستشعار للخطر اومئت. "حاضر امي."
ما تلى ذلك كان مؤلما لحيدا بالرغم من انه من المفترض الّا يعنيها لذلك الحد. لقد رأت حيدا بذلك اليوم اول انكسار لفاتن. وبالرغم من عدم ذرفها لكثير من الدموع. الا ان عيناها الداكنتين حكت قصة عن الألم والفقد. وكلما وجهت فاتن نظراتها التائهة لوالدة حيدا، فَهِمت حيدا ما كان يدور ببال ابنة عمها. ان حيدا لديها والدة وهي لا، فتحاول حيدا ابعاد النظر عنها كي لا تتحسس الشفقة التي تعتلي نظراتها.
فإن من اكثر الصفات التي لن تنساها حيدا عن فاتن، هي كرهها لنظرات الشفقة او شفقة الناس عامة. ذلك لأن فاتن علمتها ذلك الدرس بكل قساوة، ولكن تلك قصة ليوم اخر. اما الان، فعليها ان تمحي نظرة الانكسار تلك التي تُشعرها بعدم الثبات. حزن فاتن شيء نادر الحدوث، فإنها احدى أقوى النساء التي تعرفهم حيدا ان لم تكن اقواهن.
"فاتن لا،" قالت حيدا بشكل مفاجئ مما جعل فاتن تتعجب.
"ماذا؟"
"الا تلك النظرة يا فاتن، من هو ليث كي يؤدي بحالك هكذا؟ انه لا شيء، اتفهمين؟ ان أردت استبعاده عم الحكم نهائياً فكل ما علي فعله هو كشف حقيقته للشعب."
أمسكت فاتن بكتفها بقوة بلا ان تشعر وعيناها تحدق بها بطريقة لم تعتد عليها حيدا. "اياك وفعل ذلك، انني أحذرك اياك. وان آذاني او حتى جرحني فلا تفعلي، ليقتلني ولا تفعلي، اتفهمين؟"
اتسعت عينا حيدا وازدادت حدة. "اتعقلين الذي تتفوهين به؟ من هو ليث كي يحظى باهتمامك لهذا الحد." نفضت يد فاتن من على كتفها بقوة وهي تحدق بها بنظرة توازي حدة عينا فاتن. "لن أتردد يوماً في المدافعة عنك مهما كان، ادخلي هذا لعقلك الصغير."
"الا ليث يا حيدا، فأنا من أقحمته بحياتي وعلي تحمل العواقب." نطقت فاتن بكلمات بدت لها مألوفة، وذلك لانها سمعتها فقط بالأمس من قيصر الصدود."لا تجعليني اندم على اخبارك بهذا.فأنا لم اندم في حياتي على ثقتي بك."
اومئت حيدا بآسى. "اذن، ما الذي فعله هذه المرة؟"
نظرت اليها فاتن، ما الذي فعله؟ بل ما الذي فعلته هي. فإن كان هو المخطئ لكان ألم قلبها ليخف ويهون، الا انه يحملها كل المسؤولية. انها تتذكر الامس جيداً، كما ما تذكر الليلة التي سبقتها والتي قبلها. كما ما تتذكر اول يوم عرض عليها الليث ان تقبل بالأمير المدلل.
اليوم الذي تلى نقاشها هي وليث عن اسكوبار، جاء ليث مخاطباً إياها بأنه لا يستطيع ان يحادثه بدليل غير قاطع كذاك، وأنه يخشى ان تزداد الأمور سوءاً ان كشف لأسكوبار عن شكوكه. كما ذكر لها ويليام، الأمير الإيطالي الذي يبدو انه نال استحساناً كبيراً من ليث، ذكرها بقرب وصوله لستراثكلايد الشمالية ،حيث مقرهم هم.
تناست هي في تلك اللحظة وجود والدها الذي لمح تغير الجو بذكر الليث لتلك المعلومة. وتناست أيضاً ان تأتي بجواب مناسباً لليث الذي بعد ان رمى قنبلته التي فجرت أوتار قلبها وودع أباها بتهذيب وهمَّ بالخروج مسرعاً كعادته. وكأن شيئاً دائماً ما يأخذه عنها سريعاً، وكأن لديه ما يلهيه عنها هي ومشاكلها.
تمنت في تلك اللحظات التي بقى رأسها فيها مطأطأً للأسفل ان يصدق الليث في وعده الأولي. ان يتنحى جانباً عن هذه المهزلة كما احب ان يسميها فلا يشارك بها نهائياً، فإن اثر ذلك عليها سيكون اهون بمئات المرات عن مشاركته التي لم تنجح الا في استبداد احترامها لذاتها الأنثوية، كرامتها المهدورة. تمنت للحظة، ان ينسى الليث عن دخولها للقاعة بتلك الباقة، ولأول مرة منذ شهران، شعرت بشيء من الندم يتسلل لقلبها.
نجح الليث في قلب خطتها رأسها على عقب، وها قد انقلب السحر على الساحر.
تدرك هي ان الليث لا يدخل مجال الا ونجح به، الا انها لم تدرك انه سينجح حتى بدور الخطابة.
ما مر يومان حتى أُعلن عن حفلة سيتم بها الترحيب بالأمير الإيطالي، الذي كانت تعلم في قرارة نفسها، انه لم يأتي الا لكسب قلبها. وان لم تدرك ذلك من قبل، فإن ذلك كان واضحاً في الحفل.
بينما حاولت فاتن التقليل من زينتها حتى تظهر بمظهر بشع، لم تفلح بذلك نهائياً. فإن عينا المدلل لمعت ببريق تعرفت عليه فاتن، فإن اغلب من ينظر اليها تلمع عيناه بنفس البريق. الإعجاب، نظراته كانت تتبعها بإعجاب شديد قابلته هي بصد ونفور. تسائلت في نفسها ان كان يشعر بنفس مرارتها وهي ترفض النظر اليه، أيشعر بنفس الحرقة التي تشعر بها جراء تجاهل الليث لها؟
لم تجد الاجابة لذلك، لأنه اقترب منها بابتسامة طالباً منها ان تشرفه برقصة. تلفتت هي لمن حولها. كان الحفل في اوله، حيث الجميع لا يزال بأوج حماسته وتجلى ذلك في رقصهم الغير متوقف وابتساماتهم المزيفة. لم تعلم لمَ، ولكنها لأول مرة ومنذ فترة طويلة جداً، قبلت بدعوة للرقص.
نظرات الدهشة لاحقت الثنائي طيلة الحفل، فإن فاتن عرُفت بإنها امرأة حديدية صعبة المنال، وأنها نادراً ما تقبل بالرقص. ذلك ساهم كثيراً في رفع امال الأمير الذي لم يتوقف عن الثرثرة الى اذنيها طوال الحفل، بلهجته الإيطالية اللطيفة التي كانت لتستميل اي فتاة. اي فتاة غير فاتن.
عدم ردها على اي من أسئلته او حتى مجاراتها للكلام معه لم يحبطه أبداً، وهو يتأمل جمالها عن قرب. لم تكن المرة الاولى التي يراها بها، فقد رأها مراراً وتكراراً في حفلات لا معنى لها كهذه. بينما قابلت هي نظراته بالتجاهل، او ربما لم تراه حقاً. لم يكن ليعلم الا ان سألها بالرغم من انه موقن انه لن يتلقى اي اجابة منها، فترك السؤال ليوم اخر. فطبقاً لخططه انه سيقابلها كثيراً في الفترة التي سيقيم بها ببلاد صاحبه العزيز. بلاد غريبة عليه يحاول ان يتأقلم عليها للفتاة التي أُعجب بها كثيراً، وكانت دعواها للزواج تشجيعاً له على التقدم بخطوة اتجاهها اخيراً.
فاتن كانت متمللة ككل حفلة تحضرها، لا تذكر اخر مرة حضرت حفلة كانت متحمسة لها. الا حفلة واحدة، وكان حماسها بعد ان قابلت أحداً بدء يعني لها الكثير مؤخراً. نظرت لشريكها في الرقص، الأمير المدلل كما تحب ان تطلق عليه، انها لا تعرف اسمه حتى. فبالرغم من تعرفها على شكله بأنه احد الأمراء الذين قابلتهم في حفلة كهذه مرة او مرتين، الا انها لا تتذكر اسمه أبداً، وتشك ان كانت تعرفه سابقاً أصلاً.
فجأة، قررت انها اكتفت من الرقص وأبعدت يداها عن كتفيه، ممسكة بيده التي كانت على خاصرتها وساحبةً إياه خلفها. كان الأمير سعيداً بذلك وهو يتبعها في ظنٍ سخيف منه على انها ستأخذه لمكان اكثر خصوصية لتعترف له بمشاعرها الدفينة. ادهشته فاتن عندما بالفعل أخذته لإحدى الغرف الهادئة، عيناها السوداوتين اللتان أوقعا به منذ البداية تحدقان به. "هل لي ان اعلم ماذا تكون بالنسبة لليث؟"
كان هذا اول سؤال وجهته له، فتجنب الإحباط الذي شعر به لعدم سماع اعترافها الذي كان ينتظره. "هو..صديق عزيز لا اكثر."
اومئت هي ببطئ. "هل هو صديق مقرب كفاية لأن يخبرك بأسراره؟"
تعجب الأمير لذلك فتنهد بصبر. "لا اتوقع ذلك، ليث متحفظ جداً."
هكذا اذن؟ فكرت فاتن، اذن لن اخبره بمشاعري تجاه الليث. الا انني لن أعطيه أملاً اكثر من هذا. "حسناً ليكن بعلمك، انا لن اختارك كشريك أبداً."
صدمة اعتلت وجهه الوسيم، وللحظة شعرت فاتن بالندم على ما قالته، الا انها أكملت بقسوة. "اخبرك لألا اعطيك أملاً كاذباً، فالسقوط في بادئ الامر أفضل من السقوط في نهايته."
تنهد الآخر بضيق شديد. "هل اي ان اعلم السبب على الاقل؟"
"في قلبي شخص اخر." قالت فاتن بكل برود.
وهكذا انتهت الليلة التي سبقت الامس، وبالأمس جاء الليث ليذكرها مرة اخيرة بكم هي محظوظة للحصول على شخص كويليام، الأمير المدلل. فقالت له فاتن ببرود انه ان كان يهتم ولو قليلاً لذلك الويليام، فليبعده عنها لانها لن تفعل الا ما سيؤذيه، حتى وان كان كانت اذيتها بغير قصد. ثم أردفت قائلة له بأن لا دخل له في خياراتها، وعندما رأت ملامحه بتلك اللحظة علمت ان ما قالته لم يكن صحيحا، لانه صاح بها بعد ثانية بأنها هي من أقحمته في هذه المهزلة فعليها تحمل ثمن إقحامه لحياتها الان.
كانت تود ان تصرخ في وجهه قائلة بأنها رغبت ان تقحمه الى حياتها، ولكن ليس بهذه الطريقة، ليس هكذا أبداً. ولكنها لم تستطع، وانتظرت حتى خرج من الباب تاركاً إياه مفتوحاً على مصراعيه حتى جثت على ركبتيها لتسقط دمعة من عينها.
ولكن ان تخبر حيدا بكل الإهانة التي تعرضت لها؟ انها لم تعتد ان تهين نفسها لذلك الحد. فاكتفت بقولها ان ليث رفضها مرة اخرى، على ان ذلك مهين بحد ذاته، الا انه كان اقل إهانة لفاتن من ان يرغب بتزويجها لرجل من اختياره هو كي يرتاح من همها.
ارائكم؟ اي توقعات لخطوة فاتن القادمة؟
موعد التنزيل القادم السبت ان شاء الله ❤️
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top