الفصل الثاني
"ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدي
وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ"
"امي؟" أخذت الفتاة الصغيرة تنادي امها امرأة القيصر، اخت فاتن الغير شقيقة التي انجبتها رمانة بعد زواج القيصر مالك المنصور منها. توفيت ام فاتن قبل زواج رمانة بثلاث سنوات و كانت فاتن في الثالثة عشر آنذاك. لم تشعر رمانة بالكراهية او الغيرة منها على الإطلاق، إلى ان انجبت هي بناتها الاثنتين و اللاتي لم يحظين باهتمام أباهم كما اهتم بأختهم الكبرى. فعلى الرغم من كل الدلال، كانت فاتن هي الاولى و حبيبة قلب أباها دائماً.
"امي؟" نادت الفتاة ذات الشعر الأشقر مرة اخرى، لم تكن لتتجاوز السابعة من عمرها.
"نعم يا ابنتي؟" ردت رمانة بعد ان استفاقت من شرودها.
"ما الذي تعنيه باقة ورد بيضاء، بثلاثة ورود زرقاء و وواحدة صفراء؟"
احتدت عينا رمانة فجأة، و أمسكت بيد ابنتها بقوة، "و من اين عرفتي بالأمر؟ هيا اخبريني."
حاولت الفتاة فك يد امها التي بدأت تؤلمها. "لقد سمعت الخدم يتحدثون عنها و ان الأمر مزعج لأبي، فما الامر؟"
عقدت رمانة حاجبيها و تركت يد ابنتها. "هكذا اذن؟ انها أمور اخص الكبار ولا تعنيك."
اتسعت عينا ابنتها سليمة الزرقاوتين بلهفة طفولية لمعرفة المخفي عنها. "ولكن امي، انني كبيرة بما يكفي."
رمانة حاولت ان لا تنظر الى عينيها ولكن فشلت، ومن لا يضعف عند عيني سليمة البريئتان. على ما يبدو ان السلالة الملكية بأكملها تمتلك عينين لا تُقاومان. تنهدت وهي تستسلم.
"حسنًا سأخبرك اذن، و لكن عديني ان لا تدخل الفكرة برأسك نهائيا، اتفقنا يا سليمة؟"
اومئت سليمة بكل براءة و هي متلهفة لسماع القصة.
تنهدت رمانة و قذ اخذتها الذكريات بعيدا، لحينٍ لم تكن تفكر ولو للحظة بأن القيصر قد يكون من نصيبها هي.
كانت الحفلة في اولها، و الحضور يرقصون بكل حماسة و يتمايلون للموسيقى الكلاسيكية بأزيائهم الفخمة بخامها النادر التي من المستحيل على الطبقات الأدنى ان ترتديها. كان ذلك حفلاً عادياً بنظر الجميع إلى ان دخلت ابنة احد الوزراء المهمين في الدولة، فتاة ذات جمال حسن لا يضاهى و ليس له مثيل. فتاة بشعر اسود بسواد الفحم حريري منسدل على كتفيها، طويلة القامة شديدة البياض بأنف سليل و شفتين مغريتين، ولكن ما جذب أنظار الجميع هو دخولها بتلك الباقة البيضاء بوردة واحدة صفراء، بلا وجود لواحدة زرقاء. ففهم الجميع مرادها، لكن احد الحاضرين لم ينتظر للغد كعادة الأسطورة، بل تقدم نحوها راكعا على ركبتيه طالبا إياها في ذلك الحين، في ذلك الوقت رمانة أشاحت بنظرها لابن القيصر، فكانت الإشاعات تقول بأنه هائم بتلك الامرأة، و قد رأت ذلك بعينيه. تلك الليلة و الليالي التي تلتها لم تمر على خير أبداً.
تنهدت رمانة على الذكرى و هي تشعر بغيرة قديمة تشتعل، فنظرة الهيام تلك لم تُوجه اليها حتى الان و بعد مرور سنوات على زواجها بابن القيصر الذي اصبح قيصرا و أباً لبناتها الان.
"تلك الباقة، التي حملتها أختك، كانت دعوة للزواج."
عقدت الصغيرة حاجبيها،"و كيف ذلك يا ماما؟"
"الباقة البيضاء تدل على الرغبة بالزواج، الوردة الصفراء تدل على اختيار العروس لرجل واحد من المتقدمين."
"و الزرقاوات؟"
"تدل على اختيار ثلاثة كبداية،و من ثم اختيار واحد من بينهم."
دخل البيت بكل سهولة بعكس بقية الرجال الذين يحومون حول القصر، فبعكسهم هو لم يكن هنا للفوز بإعجاب الأميرة كما في القصص الأسطورية، بل كان هنا لأمر اكثر أهمية. دخل و انحنوا الخدم ترحيباً به و وقف الحرس الخاصة به عند المدخل. تنهد بعد ان ادخلوه لغرفة اجتماعات القيصر، فلهما أمراً مهماً ليتناقشوا حوله عن انهباط سوق العمل و تلف المحاصيل الزراعية في هذا الموسم اكثر من غيره في السنوات السابقة.
كان ذلك يدور في ذهنه حتى انفتح الباب و دخل منه القيصر و بجانبه مستشاره حاملاً أوراق قد تزن غلاماً. أخفض نظره عن المستشار و وقف احتراماً للرجل الذي أمامه،فهو القيصر و بمنزلة عمه و فيما بعد سيصبح هو وريثه ان مشت الأمور بصفه.
"مرحبا بك يا ليث، سعدت بلقائك."
بعد الترحيب الرسمي الممل، جلسا الاثنان و بدءا بنقاش دام لأكثر من ساعة، حتى اتفقا على حل مناسب يرضي كل الأطراف.
وقف بعد ان نفض سترته الرسمية بالرغم من انها نظيفة،مجرد عادة اعتاد عليها، و من ثم أتم وداعه للقيصر متجهاً لخارج القصر حين استوقفه صوت أنثوي بات يحفظه جيداً، كيف لا وقد سمعه مراراً و تكراراً منذ عودته من فرنسا. نادى الصوت الرقيق من اعلى السلالم العالية المصممة بتصميم سلطاني كلاسيكي.
رفع نظره لتلك التي تقف اعلى السلالم مستندة عليها ببرود تنظر اليه، بدت كلوحة لرسام حاول جاهداً ان يجعل لوحته مثالية، وأفلح في ذلك. "اتتجاهلني يا وريث ابي؟" ابتسمت هي ابتسامة تخلو من البراءة.
حاول عدم إظهار انزعاجه و تنحنح، "ذلك ليس بالأمر المقرر، آنسة."
"آنسة؟" أفلتت ضحكة رنانة من شفتيها و هزت رأسها. "لا أظنك تحتاج لتلك الألقاب معي."
اغمض عينيه بصبر، و قبل ان يتفوه بشيء قد يندم عليه سبقته هي.
"على كلٍ، انني أردت ان احادثك بأمر مهم. فهلا تفضلت بعدة دقائق؟"
وافق هو و نزلت لتقعد أمامه في الصالة الراقية بكراسيها المخملية الحمراء و جدرانها وعواميدها الذهبية ليكمل الديكور بلمسة ملكية.
"انت تعلم جيدًا معنى الباقة التي جئت بها اوليس كذلك؟ ام ان الغربة انستك؟"
هز رأسه نافيًا، "لا اعتقد ان بضعة سنوات في الخارج ستنسيني بلدي."
"فلتبقى كذلك، يا وريث العرش."
"استسمحك فأنا لست بالوريث، يا ابنة العمة." تعمد ليث ذكر قرابتهم المزعومة، حتى لا تتعدى حدودها معه.
اشتعلت عيناها بريقًا يعرفه جيدًا و حاولت ان لا تثقل عليه بالكلام فهمست. "كلانا يعلم ان ذلك غير صحيح يا ليث، انك وريث غريب على العائلة المالكة. مما يجعلني اجنبية عنك تماماً"
"انتِ تعلمين ان هذا لا يهمني، و لا يعنيني."
"بلى، فأنت ستحتاج لهذه المعلومة لخرس المتحدثين عن زواجنا، فكيف لابنا عم ان يتزوجا؟"
نظر اليها نظرة مطولة بهدوء لعدة لحظات وهي تراقبه قبل ان ينفجر ضاحكاً بسخرية أمامها. "ولمَ هذه الثقة يا ابنة القيصر، فكلانا يعلم انني لن أتقدم بخطوة حتى اتزوج بكِ تماماً كما ما يعلم كلانا اننا لا نقرب لبعضٍ بالدم."
تنهدت بقوة و هي تحاول لملمة كرامتها المهدورة، تحاول التحكم بنبضات قلبها المتسارعة بغضب شديد و إنهاك. "ليث، انا لم افعل هذا لأثير غيرتك لأني خير من يعلم بان لا أهمية لي البتة
عندك و لكن-"
توقفت من مقعدها و جلست بجانبه بغير اذن و أمسكت بإحدى يديه، "ولكن لعلمي ان وريث العرش سيفعل كل ما بيده للحفاظ على البلاد التي سيحكمها يومًا."
ارتفعت عينيه عن يديهما ليتعمق بالنظر في عينيها محاولاً فهم ما تقصده بكلامها. "ما الذي تقصدينه؟"
"ستندلع الحرب، وسأشعلها بنفسي يا ليث. حتى انال مرادي و أُسلِّم الزهرة الصفراء ليد الزوج الذي لطالما اردته منذ البداية." وكأنه لم يفهم فشاحت بنظرها ليديهما لتخبره انه هو المقصود.
سحب يده من يدها الناعمة. "لا، لن تفعلي. وان فعلت فما دخلي؟"
"اكاد اجزم ان ذلك ما قاله ابي في البداية، و لكنه لان و قبل بأمي أسرع منك مئات المرات. يا ليث، اطلب من أحدٍ ان يسرد لك احداث الحرب الأهلية الاخيرة، فما افعله الان هو ما سببها و ما سيسبب حربًا أخرى."
هو يعلم بتلك القصة، فوالدة فاتن كانت فاتنة بنفسها و كانت كريمة جدًا حين نقلت لابنتها الوحيدة ملامحها الأسطورية. قد تحارب الرجال لاجلها في حرب قذرة سقط فيها رجال الأعمال و انقطعت العلاقات بينهم. فما كان منه الا ان اردف بكلمة واحدة فقط. "لماذا؟ "
ابتسمت ابتسامة بسيطة و التي تحولت لابتسامة شريرة بداخلها الم عميق لم يستطع ادراكه. "انني أنال ما اريده، وأنت ما اريده."
ان كانت تتوقع الاستسلام او حتى لمحة من الضعف، فكل ما حصلت عليه هي تلك الابتسامة التي تبغضها اشد البغض، ابتسامة نجحت في الاستهانة بها واحتقارها. لدرجة انها أخذت نفساً محاولة بجهد عدم صرف النظر عنه، لأنها ان فعلت فذلك فقط سيبين مدى إحباطها و تأثرها بمجرد ابتسامة.
ليث استقام من جلسته و خرج مسرعًا من المجلس الذي شعر به بالاختناق، انه لا يستطيع تصديق هذه المهزلة، لمَ هو؟ لمَ هو بالذات و هي لديها من الرجال الوسام و الأغنياء. يا الهي من مصيبة وقعت علي.
ابتسمت هي بمرارة بعد ان اسرع بالخروج، الهذه الدرجة لا تُطاق؟
استفاقت من شردوها و أخذت تأخذ خطوات بطيئة تائهة لغرفتها الملكية، وما ان اغلقت الباب ورائها حتى سمعت طرقاً على الباب، ففتحته بلا ان تسأل عن هوية الطارق، لتقعد بعد ذلك على سريرها منتظرة دخول الطارق.
"يا ابنتي، ماذا دهاك؟"
رفعت فاتن نظرها لأبيها، تعلم جيدًا ما يقصده، و هي ليست بالمزاج لاستجواب من استجوابات القيصر الان. "وما دهاني غير انني كبرت و أصبحت في سن الزواج؟"
تقدم أباها منها وجلس بجانبها ينظر اليها بحنان. "ولكنني أباك، و أباك يعلم انكِ لم تفكري في موضوع الزواج من قبل. وأنتِ فتاة ذات سبعة عشر ربيعاً، أمامك متسع من الوقت، فلمَ رغبتي بالزواج الان، ولمَ بتلك الطريقة؟"
"أردت اتباع خطوات امي-"
"ولكنك لم تتحدثي عن الامر سابقًا. تلك الكذبة قد تمر على رمانة، ولكن ليس انا. فأنا موقن بأن هناك سبب وراء هذا وسأعلمه مهما كان فوفري علي عناء البحث."
ابتسمت فاتن بخبث مخفي. "ولمَ؟ ألم تبحث انت وراء امي؟ فابحث وراء ابنتها الان."
تنهد مالك المنصور بقليل من الانزعاج. "أكانت تخبرك بكل شيء؟"
"كل تفصيلة صغيرة." ازدادت ابتسامتها خبثاً فضحك القيصر ضحكة عادة ما تُفزع الشعب، فبالرغم من انها ضحكة لطيفة، ولكن كونها تأتي من القيصر بصوته المهيب فذلك يفزعهم.
ربت مالك على ركبة ابنته. "حسناً سأبحث وراء السبب ان كان هذا مرادك."
ابتسمت الفاتنة برضا وهي تومئ.
"كبرتي واصبحتي تشبهين امك كثيراً." قال مالك بنتهيدة اوضح فيها مدى شوقه لامرأة القيصر السابقة، أعلاهم جمالاً و أكثرهم رقة.
عم الهدوء قليلاً بينهم ليستذكر الاثنان امرأة كانت وما زالت تعني لهم الكثير، حتى قطع الهدوء صوت طرقٍ على الباب.
قام القيصر على نية الرحيل وهو يعلم الطارق، فمن غيرها الشقية شبيهة ابنته التي تأتي بهذا الوقت.
فتح الباب بلا ان يسأل فاستقبلته ابتسامة حيدا البلهاء، تلك الابتسامة لم تكن لتبتسمها على مرأى أناسٌ غير اقرباء لها، فإن فعلت فسلاماً على هيبتها المزعومة.
"أهلاً أهلاً بابنة الغالي." رحب القيصر بصاحبة ابنته وابنة اخيه الأصغر.
ابتسمت ابتسامتها الساحرة لتتقدم منه بشقاوة حاضنةً إياه، "أهلاً أهلاً بعمي العزيز، كيف حال قيصرنا بعد القنبلة التي رمتها ابنته؟"
ضحك الآخر وهو يبعدها، "بخير بخير، مع علمي بأن لك دخل في الموضوع، ففاتن لا تخطو خطوة بغيرك."
شهقت حيدا مدعية الصدمة، "أهذا ظن القيصر بي؟ يا ويلتاه انني بريئة من ابنتك الخبيثة."
"هيه،" تدخلت فاتن ما ان سمعت اسمها. "ما الخبيثة غيرك مدعية البراءة."
ضحك القيصر و ربت على كتف حيدا. "ومن سيبقى بريئاً وهو حول فاتن طيلة الوقت."
ضحكت حيدا بانتصار و هي تنظر لملامح فاتن المنزعجة. "ابي!"
ضحك الآخر مستديراً عنهما. "حسنا لأترككما يا رأسي الشر لوحدكما."
بعد رحيله التفتت فاتن لحيدا و أدخلتها غرفتها ثم رمت بنفسها على السرير العملاق.
دخلت حيدا ورائها وابتسمت بخبث. "يا الهي يا فاتن، عندما نصحتك بفعل امر يكسر توقعاتي لم افكر ولو لواحد بالمئة بأنك ستزوجين نفسك."
"لم افعل." فاتن همهمت وهي مغمضة العينين.
"ماذا تعنين، و أيضاً انني لا افهم مرادك من هذا، فليث لن يلين لك لمجرد ان الرجال سيتقاتلون لأجلك. بل كلتانا تعلمان انه سيتنحى جانباً."
"الا ان كان يود الحفاظ على دولته."
استلقت حيدا على السرير بعدم فهم. "ما الذي تعنينه بذلك؟"
قعدت فاتن ونظرت لحيدا. "انا لن اختار زوجاً.. الا هو."
"وهو لن يتقدم لك ايتها البلهاء." قالت حيدا وهي غير مبالية بإمكانية جرحها لمشاعر فاتن بكلماتها. فإن كانت هناك صفةمعروفة بها حيدا، فهي الصراحة المطلقة.
"أنتِ البلهاء، فحتى هو فهمها من اول مرة. ستعم الفوضى لأجلي بلا ان أتقدم بخطوة للاختيار، لن تتوقف الفوضى حتى يتقدم هو واختاره بنفسي."
حيدا وسعت عيناها. "اتدركين انك من اخبث الناس الذين اعرفهم، اتجبرينه عليكِ؟ وثم ما الذي تقصدينه بأنه فهم من اول مرة، هل قابلتِ ليث ايتها البلهاء؟"
اومئت فاتن بهدوء و هو تعود للاستلقاء على سريرها. "نعم، فقد جاء اليوم لمقابلة ابي."
شهقت حيدا. "ماذا؟ أتقدم لكِ بهذه السرعة؟"
نظرت لها فاتن بنصف عين. "لا يا حمقاء، كان قادم لمحادثته عن امر اخر."
احتدت عينا حيدا، فهي لا تقبل وصفها بالحمقاء و فقهت ذلك فاتن التي اشارت بأصبعها على فمها دلالة على اسكات نفسها.
عادت عينا حيدا لطيفتان وابتسمت، "اذن حان وقتي لأُخبرك عن مغاماراتي بالأمس قبل قنبلتك التي خربت مخططاتي."
"يا الهي منكِ، انني اخاف ان تمسي بسمعتنا سوءًا يومًا بسبب العابك تلك."
"وما الضرر في القليل من المرح؟ فأنا امرأة ذات جمال وأريد ان اشعر بذلك بين الحين والآخر. وانتِ تعلمين انني لا ادع الأمور تذهب بعيداً."
"حسناً حسناً، اخبريني من كان سعيد الحظ بالأمس؟" فاتن سألت، وبدأتا الاثتنان في حديث لن ينقطع حتى وقت الظهيرة.
كانت خطته ان يتجاهل الآنسة حتى تستفيق من أحلامها وتدرك انه لن يكون في حياتها ابدًا، لكن ما حدث اليوم جعله يفكر قليلاً، هل ستنفذ المجنونة تهديدها؟ هل تقلب الدولة رأساً على عقب للحصول عليه هو؟
انجذاب النساء اليه لم يكن بالأمر الغريب عليه، لطالما حاولن جذبه إليهن عن طريق مغازلته و اسبال عينيهن بطريقة رآها مستفزة. ولطالما واسته أمه بأنه جميل ولهذا عليه تحمل مغازلة الفتيات، عندما كان صغيراً كان الأمر ممتعاً بالنسبة له. ولكن ذلك كان قديماً جدا، فقد كان في السادسة عندما كانت أمه تخبره كم هو وسيم وحتى انها كانت تسميه ليث الوسيم. فسألها ببراءة الأطفال. "ان كنت وسيماً، فهل يعني ذلك ان الناس سيحبونني لوسامتي؟"
تركت امه الخضرة التي كانت تقطعها وذهبت اليه لتحمله وتقبل وجنتيه الممتلئتان، "ومن لا يحب الليث؟"
ابتسم هو بفرح بريء والذي حالما تحول لانزعاج وعقد حاجبيه، "اذن، هل ابي يحبني؟"
جمدت ملامح امه وهي تنظر لعيني ابنها الزرقاويين اللاتي ورثهم منها لا أباه و اومئت بسرحان شديد. "اجل، بالطبع."
لم يقتنع الليث الصغير بالإجابة فأضاف. "اذن، لمَ تركني وهو يحبني؟"
بدت ملامح الانزعاج على امه وقد تركته ليجلس على كرسي المطبخ، والتفتت عنه لتمسح دمعة سقطت من عينها بلا ان تشعر وهمست. "هو يحبك، ولكن العمل اخذه منا يا ليث."
ليث لم يقتنع بهذه الاجابة الأخرى ولكنه اومئ واضعاً رأسه على طاولة المطبخ ليرتاح حتى تنهي امه إعداد الطعام.
استفاق من ذكرياته الثمينة مع والدته وتنهد. "ولا زال العمل يأخذه مني يا أماه."
وفي داخله تنهد و هو يفكر. "ولا زالت النساء تلاحقني لمجرد وسامتي."
فُتح احد أبواب غرفته الخشبي الصلد المرصع بالذهب بلا ان يُطرق، ودخل رجل لم يكن ليقل عنه وسامة. بشعر بني داكن وابتسامة بلهاء تحفر غمازة على احدى وجنتيه، أمر دفع الكثير من الفتيات للجنون به.
"ما بك أيها المهموم، لقد توقعت ان تكون هنا تخطط لأخذ الأميرة ابنة القيصر لك."
لانت ملامح الليث ما ان رأى الداخل بغير استئذان، ومن غيره صاحبه صديق العمر. "هه، في أحلامها الوردية."
عقد الوسيم الآخر حاجبيه ليأخذ مقعداً بالسرير بجانب الليث وهو يتسائل. "ما الذي تعنيه بأحلامها الوردية؟ هل تتوقع فاتن ان تحارب لأجلها؟"
ألقى الليث عليه نظرة باردة وأردف. "بل انها متيقنة من ذلك، تلك المسكينة." ولكنه لم يظن انها مسكينة، نبرته عَلى عليها السخرية اللاذعة.
تقدم اليه اخ حيدا 'جودا' "ولكن، منذ متى وهي ترغب بك؟ لمَ لم تخبرني؟"
"منذ زمن، ولمَ اخبرك؟"
"انني صاحبك أيها الأحمق، ولمَ لا تخبرني. انها فتاة خطيرة تحصل على ما ترغب به بكل سهولة، ولا تقل لي انها ترغب بك بجدية؟" علت على نبرته القلق الشديد على صاحبه حتى ان ليث قد تعجب من هذا القلق.
"بكل الجدية التي تستدعي قلب المدينة رأساً على عقِب."
شهق جودا بعدم اطمئنان وهو يفك ربطة بدلته الرسمية ليأخذ راحته بالكلام. "لا تقل انها قامت بتلك الحركة المتهورة لأجلك."
تنهد الليث بتملل. "اذن لن افعل."
تقرب منه جودا وهز كتفه. "وما قرارك انت؟"
"لا ارغب بها." هتف الليث بكل برود.
"اجننت؟ يريدها العالم ولا تريدها انت؟ اي فرصة هي أمامك وأنت تضيعها بهذه الطريقة؟"
نظر الليث إلى عينا جودا. "اذن فليأخذها العالم، لا اهتم."
عقد جودا حاجبيه. "ولمَ لا؟"
كان الليث على وشك قول ما بجعبته و نعتها بكل الصفات التي تلائمها وتصفها حقاً، الا انه منع نفسه في اخر لحظة حفاظاً على كرامتها. "وما شأنك انت؟ انه أمر يخصني وهي ليست من النساء اللاتي افضلهن."
"ومن من النساء تفضل؟اكاد اجزم ان لا فتاة قد استطاعت استمالة قلبك."
تقلب ليث في فراشه واغلق عينيه. "ظنك صحيح، والأن اذا تكرمت فأغلق الأضواء و انت خارج. انه وقت قيلولتي."
تنهد جودا بضيق لحال صاحبه، هو يعلمه جيدًا، والشعور بالذنب سيلاحق صديقه ما ان يعلم بالفوضى التي بدأت تعم البلاد. قد اختلف صديقين اليوم و تعاركا بسبب ان كلاهما أراد التقدم للأميرة. أصدقاء عمر يتعاركان لامرأة بالكاد رآوها اكثر من مرة. ما الذي تفعله ابنة عمه المجنونة؟
عذراً على التأخير ما انتبهت على الوقت. كيف طول الفصل ؟ مناسب؟ بحاول اخلي باقي الفصول بنفس عدد الكلمات
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top