الفصل الثامن


لا تَعجَبنَّ من غرورها، فبخت الغرور اذ لم يخلق الا لها

ارتفعت عيناها لتنظر الى الشرطي بتهكم وابتسامة سخرية تعتلي شفتيها. "زيارة أخرى؟"

ابتلع الشرطي ريقه وهو يحاول ان يصرف عينيه عن عيناها البنفسجيتان ليومئ بإصرار وجمود.

صدت عنه ايميليا برفض وهي تقول بجمود. "ان كان نفس الزائر السابق فلا رغبة لي برؤيته، أمره بالرحيل."

تعجب الشرطي بأن هناك امرأة كهذه، عشرة سنوات بالسجن أعطته الخبرة الكافية لمعرفة ان لا سجين يرفض مقابلة زائر أبداً، خصيصا ان كان من الشخصيات المرموقة. وهذه الامرأة لم يزرها سوى اصحاب الطبقة العالية، ليتعجب هو انها لا زالت تقبع بهذه الزنزانة المتسخة التي لا تليق بجمالها هذا. هز رأسه محاولاً التركيز ليقول بصرامة. "انه امير الدولة ليث ثيتا المنصور."

التفتت ايميليا بسرعة وعيناها تتسعان وشعرها الأشقر يتناثر حولها، بدت مشتتة وهي تقف ببطئ شديد وتتجه لخارج الزنزانة ليوجهها الشرطي لغرفة الزيارة. افكار كثيرة تدور ببالها، واهمها ان الفرج قد اقترب اخيراً. ان ليث هنا.

حالما فُتح الباب بحثت بعيناها البنفسجيتان عن زائرها لتتأكد من هويته بلهفة، فرأته. رأت منقذها وهو يقعد على كرسي خشبي بسيط وعيناه الزرقاوتين شاردتان. شعره البني كان مبعثرا وكأن أنامله كانت تعبث به كما يفعل دوما عندما يشعر بالتوتر. بدلته الرسمية السوداء بدت افخم من ان تلائم هذا المكان، تكتيفه ليديه أمام صدره اظهر لها مدى توتره لمقابلتها. لم تكن لتلومه، فإن انعكست الأدوار لكانت اكثر توترا منه لمقابلته.

همست بصوت خافت خرج من شفتيها، وكأنها تطلب تأكيدا اخيرا فقط. "ليث؟"

تحركت عيناه بسرعة لتستقران عليها وهو يعدل من جلسته. كانت ايميليا الأنيقة اقل اناقة عن العادة، في الواقع هو بالكاد يرى ثيابها الراقية التي تصممها بيديها وحليها التي ترتديها على عنقها. ثيابها البسيطة التي كانت  عبارة عن رداء اصفر منزلي دلت على طيلة مكوثها بهذا السجن المتهالك، ولكم أغضبه ذلك حالما وصله الخبر.

"ايميليا" تلت همستها همسته هو التي أشعلت نار طاقتها لتخطو خطوات واسعة فتجلس على الكرسي المقابل لليث بسرعة وهي تتأمل عينيه.

"لقد اتيت." ابتسمت ابتسامة خفيفة حزينة.

اومئ ليث بهدوء وهو يراقب ارتباكها. "لقد فعلت." تنهد بضيق وهو يرى هدوئها الذي لم يعتد عليه، كانت تتأمل يديها المعقودان أمامها فوق الطاولة، ففي العادة دائما ما تكون منفعلة وكأنها على شفا حفرة من الوقوع في مصيبة. "لم لم تخبرينني؟"

نظرت اليه وعلامة استفهام على رأسها. "وكيف لي ان اخبرك؟"

عقد ليث حاجبيه وهو يزفر، "كان بإمكانك إرسال رسالة، أياً كان. اخبار ماتيلدا لتخبرني، كان عليك التصرف." رمق المكان بنظرة ازدراء. "عوضا عن البقاء هنا لفترة اكثر من اللازمة."

جمدت ملامحها وهي تنظر اليه واختفى اي اثر للتوتر والربكة من على وجهها الحسن. "أتظن انه كان علي البقاء لفترة لازمة؟"

"اجل!" ضربت يد ليث الطاولة بقوة وهو يقترب بكرسيه منها الا ان الطاولة كانت فاصلا بينهما. "ان كنت بالحماقة التي تجعلك تنسين ان تخبريني بالأمر اذن نعم، سأقول انك استحقيتي هذه الفترة بالسجن."

تغيرت ملامحها للضيق ولمعت عيناها وهي تقترب بدورها اليه. بانفعال. "ماذا كنت تنوي مني ان افعل؟ اجعلك تنظف القذارة التي أقحمت بها نفسي كالعادة؟"

"اي قذارة ايتها الحمقاء؟ انتي لم تفعلي اي شيء خاطئ." نظر اليها باحتقار، "غير انك لم تخبرينني لأتي، عدا ذاك فأنتِ بريئة تماماً."

تنهدت وهي ترمي بظهرها على الكرسي الخشبي الذي يوشك على التحطم في اي ثانية. "ومالذي يثبت ذلك؟ تلك الشمطاء قد لعبت اللعبة جيداً وانا صدقتها بكل سذاجة. القانون لن يحميني وانا بهذه السذاجة."

"بل سيفعل، لأنني اقول انك بريئة."

ابتسمت بسخرية وهي ترفع احدى حاجبيها بالرغم من انها واثقة من كلماته. "تبدو واثقا."

اعتلت شفتاه ابتسامة الثقة التي عهدت ان تراها دوماً عليه وبالنسبة لها، فلا رجل يليق به هذه الابتسامة غير الذي أمامها الان."علي ان أكون، فالليث دوما ما يكون على صواب."

ضحكت ضحكة عالية وابتسامة صادقة فارقتها منذ زمن تعتلي شفتيها. "حذارى، قد تخطئ يوما فيتألم قلبك الصغير."

امسك ليث بصدره بتمثيل. "آه انه يؤلم بالفعل منذ الان، فهو يشعر ان امرأة جميلة لا تؤمن بقدراته."

ارتفعت ضحكات ايميليا اكثر فأكثر والأمل بالخروج من هنا يعود اليها، لطالما كان ليث طوق النجاة. منذ دقائق بسيطة كادا يتعاركان، الا انه الان يضحكها كما لم يفعل رجل من قبل.

تنهد بتوتر وهو يراقب الطرقات، لقد اخبر ليث بأنه سيزور الأميرة فاتن، الا ان ليث كان مشغولا بأمر ما على ما يبدو ولم يعره الكثير من الاهتمام. دقات قلبه آذته وهو يسمعها بأذنيه، ما الذي تمتلكه فاتن ولا تمتلكه امرأة غيرها لتمتلك هذا القدر من التأثير عليه.

للحظة مرت عيناها السوداوتين بذاكرته وهي ترمقه بتملل وعدم انجذاب. لكم تمنى ان تنظر اليه باللهفة التي تنظر بها الى ابن عمها ليث، الا ان تلك الأمنية تبدو ابعد له من النجوم. خرج من سيارته مسرعا حالما توقفت أمام قصر العائلة المالكة بلا ان ينتظر من حارسه ان يفتح له بابه. لطالما انكر ويليام هذه الرسميات التي لا تحمل اي معنى بالنسبة له، وذلك كان سببا في عدم رؤية والده له كرجل مثله مثل اخوته الكبار. نفض سترته النظيفة وهو يدخل الى مدخل القصر، واستقبله منظرا احبه قلبه كثيرا.

حالما دخل كانت الأميرة فاتن تقف أمام غرفة الاجتماعات وعلى ما يبدو انها لم تتنبه اليه.كان فستانها بسيط جدا بالنسبة لتلك الفخمة التي ترتديها في المناسبات. فستان اصفر  يصل الى قدميها يبرز ملامحها الحادة وبياض بشرتها، كانتا كتفيها عاريتيان ووشاح خفيف باللون الذهبي يغطيهما، شعرها الداكن كان مرفوعاً بتسريحة بسيطة خطفت قلبه. على ما يبدو انه اصدر صوتا عند دخوله  فجذب نظرها اليه لينقبض قلبه وعيناها الحادتين تتجهان اليه.

ثانية، ثانيتان. لقد انتظر ان تصدر منها كلمة تنهره بها الا انها كانت تتأمله بصمت وشرود ظاهر على وجهها الخالي من اي مساحيق التجميل، ورباه، ايعقل ان تزداد جمالا بلا المجملات؟ ام ان وجهها خُلق ليكون جميلاً في كل حالاته.

"ويليام؟ اهلا." قالت وهي لا زالت تنظر اليه وقل ما ترمش، مما يوتره اكثر فأكثر. نظراتها الواثقة تمتص اي ثقة كان يمتلكها قبل ملاقاتها.

"أ-اهلا، آنستي." قالها وهو ينحني قليلا كنوع من الاحترام. فالتفتت عنه لتمشي في الجهة المخالفة له تحت دهشته، ألن تضيفه او تطلب منه القعود على الاقل؟

"اتبعني." وكأنها سمعت أفكاره الصامتة فأمرته ان يتبعها.ولم يكن من ويليام الا ان تبعها، وفي منتصف الطريق ادرك انها لم ترشده الى الصالة التي يستقبلونه فيها بالعادة، ولا تلك الغرفة التي سبق وان أخذته اليها مرة، بل كانت ترشده لشيء يخصها هي وحدها، غرفتها.

لم يعلم لمَ، ولكنه شعر بأنه مميز لحد ما. من بين جميع الجموع التي تتنافس على يد الأميرة، كان هو أقربهم اليها، قريب لدرجة ان يدخل الى غرفتها فلا يحاسبه احد. حاول ان يخفي ابتسامته وهي تغلق الباب خلفهما، ثم قعدت على احدى الأرائك وهي تشير له بأن يقعد أمامها.

"أتعلم لم انت هنا؟"

لامست أشعة الشمس خصلات شعرها لتظهر لونه البني البندقي المتناسق مع سمار بشرتها اللامعة. حجبت عيناها عن الشمس بكفيها وهي تأخذ نفسا عميقا. تقتطف الذرة بكل ملل وذهنها ابعد ما يكون عن حقول الذرة الصفراء. خصلات شعرها المجعدة المربوطة بربطة واحدة تتقافز مع كل خطوة تخطيها، في تلك اللحظة فقط لاحظت نظرات أصحابها المتفحصة عن بعد فعقدت حاجبيها وهي تصرخ بهم. "هل من خطب ما؟"

الولد صاحب  القميص الأزرق بشعره الأشقر ووجهه الطفولي المحمر من شقاء العمل تحت أشعة الشمس الحارقة هز رأسه نافيا. "لا شيء."

رفعت سيسيليا احدى حاجبيها وهي تنتظر تكملته لتلك الجملة، فمن سابع المستحيلات ان يصمت "كول" بتلك البساطة وبغير احتجاج. ولم يخيب ظنها عندما توقف عن حصاد الذرة ليرمقها بنظرة غاضبة. "بل هناك خطب ما،" تنهد وهو يقولها ويرمي بسلته جانبا ليأخذ بضع خطوات بقربها. "منذ ان اختفى ذلك التافه وانتِ لست على ما يرام، ان كان بالجبن الذي لا يسمح له ان يستمع لتبريراتك فلمَ تضيعين وقتك عليه؟"

فتحت سيسيليا شفتيها لتحتج الا ان كول سبقها بذلك. "لا، انتِ لن تدافعي عنه. ليس امامي وكلانا يعلم انكِ بريئة."

عقدت حاجبيها بضيق وهي ترمي بسلتها جانبا وتقعد على الأرض المتسخة . "وما العمل؟ انه يرفض رؤيتي او حتى ان يلمحني." توقفت عن الحديث وعيناها تلمعان بألم حاولت اخفاؤه وهي تتأمل الأرض الجرداء. "كول، لم اكن اظن ولو ليوم انه سيتخلى عني عند ابسط سوء تفاهم."

تنهد كول وهو يجلس بجانبها، "لم اظن انا ذلك ايضاً. لا اصدق ان البقية يصدقون انه باستطاعتك الأقدام على شيء كذاك."

التفتت سيسيليا لتنظر الى كول للحظة والهواء العليل يتلاعب بخصلات شعره الأشقر وابتسمت بمرارة. "على الاقل تأكدت من شكوكي الان."

التفت اليها كول سريعا وهو يلمح الضيق بنبرتها، ملامحها، عينيها التي دائما ما كانت تشع بالمرح بالرغم عن كل ما مرت به منذ صغرها، ها قد نجح 'سينا' -من كان سببا في ابتسامتها- بسلب كل ذلك منها. أصبحت جسدا بلا روح، روح مملة لا تتشوق للمرح. تعمل نهارا في الحقول وفي مشغلها ليلاً على الرغم من انها لم تتعدى الثامنة عشرة، الا ان ظروفها المالية أجبرتها.

تنهد بضيق لحال رفيقته وهو يفهم تماماً ما تقصده، حالما اختلف سينا معها اختلف بقية أصحابهم معها. وكأنهم كانوا ينتظرون السبب الذي سيدفعهم بعيدا عنها. الحقيقة هي انهم لم يتقبلوها يوماً، ولولا حبهم لسينا وشخصيته المرحة لما تقبلوها واجبروا نفسهم على الابتسام أمامها. كان سينا بشخصيته الاجتماعية هو من جمع هذه الرفقة مع بعضهم وعرفهم على عائلة ويلز والتي بالتالي وفرت لهم عملا في مزارعهم البسيطة. لم تكن تبعد عن قريتهم كثيرا، الا انهم كانوا يشعرون بأنهم ذاهبين لنزهة مع الاصحاب عند قدومهم الى هنا.  الا ان الأوضاع تغيرت منذ ما حدث بين سيسيليا وسينا وكايل، ابن خالة كول. لتتعجب سيسيليا ان كول وكايل جذورهم واحدة، فواحد كان سببا لدمارها والآخر كان يلملم شتاتها.

"سيستمع الي يوماً." قالت سيسيليا بعد مدة وهي ترمي بحجرة التقطتها من الأرض بعيدا وعيناها تلمعان بإصرار، "الا انه في ذلك الوقت سيكون الأوان قد فات."

لطالما فكرت فاتن مراراً عن المرة التي سينجح بها ليث في كسرها برمتها، المرة الي سيكون كسره فيها لا يقبل الترميم، كسراً لن تستطيع نسيانه مهما حاولت ومهما مر بها الزمن.

لكنها لم تتوقع ان يأتي كسره لها بهذه السرعة، المرة التي ربما وأخيراً، سيبعدها عنه. كانت الايام تمر بشكل طبيعي من بعد ذاك اليوم الذي حثت أباها فيه على ان يتكلم أمام الشعب، او على الاقل بشكل طبيعي بقدر ما يمكن ان يكون بعد ان رمت قنبلتها الموقوتة قبل ما يقارب الثلاث اشهر.

وبعد ما يقارب الثلاث اشهرها هي تنظر للرجل الوحيد الذي استطاع ان يتحمل فضاضتها، ويليام. لا تنكر هي انها تشعر بالذنب اتجاهه وهي تعلم بداخلها انها لن تنجذب يوما اليه وعلى الرغم من ذلك تواصل على اعطائه الامل بانها ربما قد تشعر شيئا باتجاهه يوما. الا انها لا تستطيع، خصوصا في هذه الفترة وهي تمر بحالة غريبة من الجمود بعد ان تلقت الصدمة منذ ساعات قليلة من حارسها الشخصي. حارسها امين -الذي يدبر لها جميع أمورها- اخبرها ان سيده ليث ذهب لمقابلة امرأة في السجن، وعلى ما يبدو انه مهتما كثيرا بها.

كان الليث بالنسبة لها ومنذ رأته في حفل الترحيب الخاص به لأول مرة، رجل لا ينجذب للنساء. فعندما كانت تتقرب اليه كانت موقنة ان نفوره منها لم يكن لوجود امرأة في حياته، بل لسبب اخر تجهله، او ربما لا تجهله وإنما تفضل عدم التفكير به. لأن تأثيره عليها سيكون مؤلماً جداً، سيؤلمها معرفة ان ليث وكغيره من الناس، سيتجاهلها لشخصيتها الفضة.

لم لا يفهمون انها لم تختار هذا؟ لم لا يفهمون انها لا تستطيع التحكم بمشاعرها الجامدة، بأنها ومنذ وفاة امها فقدت جزءاً كبيرا من شخصيتها المرحة فأصبحت فاتن الأنانية المتسلطة. ولن تكذب على احد الان، فإنها لا تتوق لان تصبح فاتن المرحة مرة اخرى، فإن هذه باتت شخصيتها الان، بل ان شخصيتها هذه كانت تسكنها منذ صغرها ولكن كانت تخشى الظهور خوفاً من حكم الناس عليها بأنها متبلدة المشاعر. ولكن بعد وفاة امها، لم تعد ببساطة تهتم.

بقى بجانبها من يستطيع تحمل هذه الشخصية الفضة، ابنة عمها حيدا. لم تكن تمتلك العديد من الأصدقاء و لا حتى المعارف. فإنهم ما ان يروها بأي مناسبة ينفرون من نظراتها الباردة المتعالية، وجزء منها كان يستمتع بذلك.

ولكنها تتذكر رؤية ليث لأول مرة، ربما ليست المرة الاولى بحيث ان ليث كان موجودا هنا لسنة وحدة عندما أعاده والده الى أحضانه فاختار ليث ان يترك البلاد ليبتعث خارجاً. الا انها لم تتذكر ذلك، لانها ببساطة في عمر الرابعة عشر لم تكن لتكترث برؤية حيدا نفسها، فكيف تتعنى برؤية غيرها. على كلٍ، هي تذكر عدم اكتراثها بحفل ليث، فقد قيل لها ان ابن عمها  سيأتي من بعثته اخيرًا. فقامت هي بتزيين نفسها بكل ازدراء وملل، حتى ان زينتها لم تكن بتلك الكفاءة، ولم ترتد الكثير من الحلي. لانه وبالمصادفة، كانت عودة ليث في نفس اسبوع ذكرى وفاة والدتها. او ربما الاسبوع الذي تلاه، الا انها كانت لا تزال تحت تاثير ذكريات والدتها، لتُصدم بعد ذلك برؤية ليث.

كانت تحادث حيدا او ربما تجادلها في شيء لا تستطيع تذكره الان، فزاح نظرها بالصدفة على الرجل ذو العينين الزرقاوتين الذي شرف الحفل وأخيرا بحضوره، لم تستطع الأميرة في تلك اللحظة ان تزيح نظرها عنه كما كانت لتفعل لأي رجل اخر. وما صدمها ان جودا ابن عمها قد دخل معه وهو يحادثه ويمازحه وظهر طوله الفارع بجانبه، فبالرغم من ان ذلك الرجل يعلوها طولا بما لا يقل عن العشرون سانتي، لطالما كان جودا الأطول بين رفاقه ، بدا لها انهما صديقين، فما كان منها الا ان سالت حيدا وهي لا تحيد نظرها عنه. "من هو ذاك الرجل بجانب أخاك يا حيدا؟"

كانت حيدا تراقب المنظر أيضاً كغيرها من الحاضرين، فها قد شرَّف صاحب الحفل الجميع بحضوره، ولكنها التفتت لفاتن ما ان سمعت سؤالها وعقدت حاجبيها ما ان رأت الاهتمام الذي كان مرتكزاً بعيني فاتن، وكانت تلك بالفعل اول مرة تعير فاتن اهتماماً لرجل، فعقدت حاجبيها بخبث لم تحاول إخفاءه. "انه ليث، ابن عمنا." وكانت حيدا في ذلك الوقت تظنه بالفعل ابن عمها، بينما لم تنطلي الكذبة على فاتن التي كانت على دراية مسبقة بأنه مجرد غريب على العائلة المالكة بعد ان التقطت الكذبة من عيني عمها فسألت أباها لاحقاً الذي لم يفلت من أسئلتها المفترسة، ليس لانها كانت مهتمة بذاك الوريث، بل فقط لتثبت لاباها انهم لن يستطيعوا الكذب عليها.

فأومئت فاتن بانجذاب كبير الى ذلك الشاب، مما ادى الى توتر حيدا، فإن فاتن لم تظهر اهتماما بالغاً لرجال من قبل، فتفعل الان لابن عمها لا غير؟

بينما كانت فاتن في عالم اخر، تنظر للشاب الذي ولأول مرة في حياتها كلها يجذبها، يسحبها اليه دون رغبة منه. وللحظة التقت عيناه البحريتان بعيناها السوداوتين كسواد الفحم، كانت لحظة فقط، الا انها أيقظت آمالاً بصدر فاتن لم تكن تعلم بوجودها او أهميتها لها. ومنذ ذلك الوقت، اصبح الليث نصب اهتمامها. بدأت فاتن تلاحقه وتحاول اختلاق المحادثات معه. الا انها نادراً ما نجحت في ذلك، لقد كان ليث بالنسبة لها مسألة صعبة لا تستطيع حلها او حتى الاقتراب من حلها. لأنه لن يسمح لها بالاقتراب أبداً. متمسكا بصلابته وصده وبالكاد يبادلها الحديث، وكان هو بتلك الطريقة يحثها على الاقتراب اكثر فأكثر، ليصدها اقوى من ذي قبل فترجع  خائبة.

الا انها دائماً ما استعادت قوتها، دائماً ما كانت تفعل. فلمَ ترى نفسها عاجزة الان؟ الان وويليام يجلس أمامها ينظر اليها بعينيه الرمادتيتين الناعستين. "أتعلم لم انت هنا؟" سألته وهي لا تعلم الجواب بنفسها، الا انها شعرت انه السؤال الصحيح الذي يجذب ان يُطرح، لها هي قبل ان يُطرح اليه.

"لأنني أردت رؤيتك؟" قال هو بابتسامة دائما ما تنجح في جعله يبدو ابلهاً، بالنسبة لفاتن على الاقل.

"ولأي سبب؟" رفعت فاتن احدى حاجبيها فشعر ويليام بسرعة نبضات قلبه، كيف لا وعيناها السوداوتين تحدقان بعينيه مباشرة.

"لا سبب الا ان أردت ان احادثك."

استندت فاتن بظهرها على الكنبة بأريحية حسدها عليها ويليام، فلكم يتمنى ان يكون بأريحيتها في هذه اللحظة. "و فيمَ؟"

"ربما في انني سأفعل اي شيء لتختارينني انا؟" قال ويليام وابتسامته البلهاء بدات تختفي ليحل محلها وجهه الجدي الذي يروق للفاتنة اكثر. وفي حالتها هذه، وهي ترى الليث يبتعد عنها، ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفاهها.

"اي شي؟ أأنت متأكد؟"

أومأ بإرادة من حديد. "اي شيء."

ايش رايكم؟ توقعاتكم عن سيسيليا وايش دورها وايش علاقتها بسينا؟ وايش بتطلب فاتن من ويليام؟

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top