٢

استيقظتُ على صوتِ صراخ أحدهم، أستغرقتُ عِدة لحظات حتى أتذكر انني أُقيمُ مع فتى غريب قابلتهُ البارحة في نفسِ الغرفة!

تنهدتُ بضيق ثم نهضت من السريرِ متجاهلة صراخه المتواصل و هو يتحدث في الهاتف بغضب. إتجهت نحو دزرو المياه بخطاً متثاقِلة ودخلت ثم نزعت ملابسي و استلقيتُ في الحوضِ الكبير الذي ملأتُه بالماءِ الدافئ.

لا أعلم ماذا دهاني البارحة،كيف أسمحُ لشخصٍ غريب أن يجلس معي في نفس الغرفة؟ تباً لغبائي و تسرُعي.

الأمر ليسَ سهلاً، كيف لي أن أدع شخصاً غريباً يمكثُ معي في نفس الغرفة ماذا إن كان مُدماً أو شخصٌ ذو اضطرابٍ من أي نوع؟

"كيف حدث ذلك؟..اللعنة لوى فقط لا تقع في المشاكل ارجوك."سمعتُ صوت صراخ هاري من الخارج لأعقد حاجباي بضيق فأنا أُحاول الإسترخاء هُنا و هو يصرخُ كالمجانين.

انهيتُ أستحمامي و أرتديتُ ملابسي ثم خرجت لأجده جالس على الكرسيّ أمام الشرفة عيناه مغلقتان وقبضتهُ مشدودة على شعره.

فرقعت أصابعي حتى ألفت إنتباهه فرفع رأسه ونظر تجاهي بعينين مرهقتان.

"صباح الخير أليكس."إبتسم و خرج صوته ضعيفاً،بالتأكيد مِن كثرة الصراخ.

"صباحُ الخير لكَ أيضاً"أجبتُ أرد له الإبتسامة.

"حسنا ، هل حصلت على فطورك ؟"سألته و أنا أتجه للجلوس على السرير موجهة نظري له.

"لا، ليس بعد. أتودين تناوله سوياً؟"

حسناً هو يحاول أن يكون لطيفاً هنّا و لكنني للأسف لا أستطيع أن أبقيه معي في الغرفة نفسها.

"بالطبع. أطلب لنا الفطور من فضلك، لأننا يجب أن نتحدث في أمر ما."قلت له. أظن أنّني يجبُ أن أجعله يرحل ويجد غرفة أخرى أوفندقاً أخر يمكثُ فيه. لقد كنت كريمة كفاية البارحة لأدعه يمضي الليلة.

"حسناً." همس ثم أخذ الهاتف الملحق بالغرفة وطلب إفطاراً لشخصين.

بعد أن أحضرَ عامل الغرف الطعام جلستُ على الطاولة الصغيرة في الغرفة و هاري أمامي مُباشرة،في بداية الأمر كان كلانا يأكلُ في هدوءٍ حتى بدأتُ انا الحديث.

"أنظر،هاري لا أظنُ أن فكرة بقائك معي في نفس الغرفة صحيحة فأنا حتى لا أعرِفكَ،أنا فقط وافقتُ البارحة أن تبقى معي في نفس الغرفة لأن الوقتَ كان متأخراً و أنا كنت متعبة؛أظن أنه يجب عليك البحث عن فندق أخر، أنا حقا أسفة."أخبرته بهدوء و أحاول أن أكون لطيفة قدر الإمكان.

صمت هاري قليلاً ثُم تحدث ببرودٍ شديد:"لا أعتقد ذلك،أنا سأبقى في هذه الغرفة؛يمكنكِ انتِ الرحيل إذا أردتِ"

أشعرُ بالغضب الآن.

"هل تمزح معي يا هذا! أنا من أخذ هذه الغرفة قبلك و أنا لستُ مستعدة للبحثِ عن فندق أخر،لا تجعلني أطلب حراس الفندق لإلقائك خارجاً،لقد تعاملت معك بلطف فقط لان الوقت كان متأخراً."قلت بغضب و تعالت وتيره صوتي، ذلك الرجل يدفعني للجنون.

" لا يمكنكِ إلقائي خارجاً فأنا ذهبتُ لعامل الاستقبال و أخبرته أننا إستقررنا في الغرفة معاً بالفعل و أخبرته أنني قمتُ بدفع نصف الأموال."قال و هو يشير على السرير.

كان قد وضع عليه المال بالفعل ثم أردف قائلاً و هو يشبكُ ساعديه على الطاولة"و انا لن أتخلى عن هذه الغرفة مهما حدث يمكنكِ انتِ الذهاب إذا أردتي و يمكنكِ أيضا البقاء فأنا لستُ منزعجاً من وجودكِ، أليكس." قال و هو يبتسم بتكلف.

أقسمُ أنني سأقتله! أو سأقوم بضربه ليمحو تِلك الإبتسامة الغبية عن وجهه.

"يا إلهي."همستُ بضيق،أضع وجهي بين يداي.

فهذا الفندق موقعه متميز و قريبٌ من ورشة الرسم التى سوف أذهب للتدرب بها و أيضا يوجد سوبر ماركت،مجمع تجاري و العديد من الأماكن قريبة منه و هذا يسهل على أمر الاقامة في بلدٍ لا أعرفه،يبدو انه على البقاء مع ذلك الشخص المتعجرف هنا،لستُ أنا من يستسلم.

"أتعلم انا لا أهتم يمكنك البقاء لكن هناك قوانين!"تحدثت بصرامة.

"أولا لا شرب أو أي نوع من أنواع الخمر أو الممنوعات سيدخل هذه الغرفة، ثانياً لن نتاخر عن الحادية عشر مساءً،ثالثاً لا احد سوف يقوم بالعبث في أغراض الاخر أو ما يخصه،رابعاً لا تتدخل في شئوني و أنا لن اتدخل في شئونك،إتفقنا؟"قلت له بحزم و هو رفع إحدى حاجباه بدهشة.

بضعة لحظات ثم تنهد قائلاً:"حسناً لا بأس،إتفقنا."

تنهدت بهدوء الموضوع لن يكون بهذا السوء و على أيةِ حال هيّ فترة محددة و سوف أعود إلى موطني.

إهدأي أليكس،إهدأي.

توجهت إلى دورة المياه مرة أخرى و أنا أحمل في يدي فستان زهري اللون و ضيق يصل حتى ركبتي،ارتديته ثم صففت شعري في مرأة الحمام و تركته منسدلاً و وضعت ملمع شفاه زهري.

إتجهت خارجاً و أخذت حذاءً بكعبٍ عالي أبيض اللون و جلستُ على السرير حتى أرتديه و أنا أرى هاري ممسكاً هاتفه ينظر تجاهي يراقبني، تجاهلته ثم أمسكت حقيبتي و هاتفي  و إتجهت خارج الغرفة بدون التحدث معه، أنا الان في طريقي إلى الورشة حتى أبدأ في تحقيق حُلمي الكبير.

-

بعد أن أمضيتُ أربع ساعاتٍ في تلك الورشة و قد تعرفت على العديد من الاشخاصِ الرائعين هنا،لكن أكثر شخصين شعرتُ بالراحة تجاههما و قد إنسجمت معهما بسهولة كانا مايك و لورينا ربما تكوين بعضِ الصداقاتِ هنا سيساعدني على إمضاءِ الفترة بدون الشعور بالغربة.

"إلى اللقاء جميعاً،أراكم غداً."لوحتُ ألقي التحية على الاشخاص في الورشة ثم خرجت منها و قررت التوجه إلى مقهى وقعت عيني عليه و أنا داخل السيارة في طريقي إلى الفندق البارحة.

دخلت المقهى بعد أن وصلت و اشتممت رائحة القهوة التى تغَمرُ المكان،جلستُ على طاولة بجانب النافذة أراقب الأمطار الطفيفة التي بدأت في النزول.

"مرحباً سيدتي، ما هو طلبكِ؟"سأل النادل الواقِف أمامي بإبتسامة و هو يحمل دفتراً صغيراً و قلماً في يده.

"أُريد شاياً أخضر وبعض البسكويت من فضلك." قلت. كوني بريطانية في بلدٍ أجنبي لا يعني أن إدماني للشاي قد يتوقف.

فإبتسم بلطف قائلاً:"سيكون الطلب أمامكِ في الحال."ثمّ إنصرف من أماميي.

بدأت أعبثُ في هاتفي أقرأ الرسائل التي تلقيتها من بعض أصدقائي وعائلتي حتى جاء النادل ووضع الشاي والبسكويت أمامي ثم انصرف في هدوء

شربتُ كوب الشاي بينما عيناي تتفحصان الطريق في الخارج والمارة الذين يتحركون على عجل وأفكر في كم أنني فخورة بنفسي وقدرتي على السفر من قارة لأخرى وحدي دون أدني شعور بالتردد.

وبعد بعض الوقت كنت قد انتهيت ودفعتُ الحساب ثم توجهت إلى الفندق من جديد وقد كانت الأمطار قد إختفت بالفعل.

صعدتُ إلى الغرفة و أخرجت المفتاح ثمّ كدت أفتح الباب حتى تذكرت أن هاري بالداخل ربما علىَّ أن أطرق قبل أن أدخل الغرفة.

طرقتُ الباب ثم أنتظرتُ قليلا و فتحت لأجد هاري ينظر من النافذة و يبدو انه يركز على شيئ ما،لانه كان يضيق عينيه و شفتيه مفتوحتين جزئياً،عيناه تتحرك مع تحرك الشئ الذي يراقبه،يبدو أنه لم يشعر بدخولي.

" مرحباً. "تحدثتُ حتى يلاحظ دخولي فإلتفتَ بسرعة متسائلاً"متى عدتي؟"

"منذ لحظات، لقد طرقتُ الباب لكن يبدو أنكَ لم تستمع له."أجبتُ و انا أخلعُ حذائي و أُلقيه بأهمال أجلس على سريري."لقد كنتُ شارداً قليلا و لَم أنتبه."قال و جلس على السرير بجانبي.

"لا بأس." همست ثم عم الصمت لحظات.

"كيف كان يومك؟" أعطاني ابتسامة لطيفة وغمازتيه ظهرتا لأوّل مرة.

"آه.. جيدٌ جداً شكراً لسؤالك." أجبت بتردد لازلت غير معتادة على صنع حوار معه.

دلفتُ إلى دورة المياة وبدلت ملابسي. الأمر مملل، أكره حقيقة أن عليّ الدخول إلى دورة المياه في كل مرة أريد فيها أن أبدّل ملابسي.

حين خرجت هاري كان يعبثُ في هاتفه بملل وعيناه ارتفعتا لي فور خروجي.

"أتريدين التعرف عليّ؟ فكما تقولين أنا غريب معك في الغرفة لذا لما لا نغير هذه الحقيقة. إن كان هذا عرض غير مرحب به فلا بأس لا أريد أن أكون فظّاً." تحدث ببساطة وهو يجلس فوق سريره وقدميه مضمومتان نحوه.

"حسناً هذا يبدو جيداً بالنسبة لي." ابتسمت واقتربت لأجلس أمامه على السرير. 

"كم عُمركَ ؟" سألت السؤال البديهي الأول..

"أنا لدي ثمانية و عشرون عاماً." أجاب على سؤالي. "ماذا عنكِ؟" أضاف.

"خمسة وعشرين عاماً." أجبت.

"هل أن أمريكيّ؟" سألت.

"كلّا بريطاني الأصل لكني أعيش في أمريكا منذُ الصغر. أنتِ بريطانية صحيح؟" سأل.

"أجل." هززت رأسي. "من لندن." أضفت.

"لماذا جئتي إلى نيويورك ؟"

"حتى أشارك في مسابقة للرسم تُقيمها إحدى المعارض." أجبت وراقبته يُثني شفتيه بإعجاب.

"هل تُحبين الرسم ؟"سألني.

"الرسم يعني لي الكثير، لقد أصبح عادة بالنسبة لي."أجبتُ بإبتسامة أضع يدي أسفل ذقني.

"ما هي هوايتك؟"سألته.

"أُحبُ الغناء، عزف الجيتار، كتابة الأغاني والتصوير."قال وإرتفع حاجباي تلقائياً بإنبهار.

" متعدد الهوايات، هذا مثيرٌ للإهتمام." أخبرته وراقبته يبتسم بجانبية.

" أجل أجل أنا أميلُ لإبهار النّاس." قال.

"متفاخر.." زفرت ضحكة وراقبته يبتسم.

"أتملك بعضاً من الصور التي قمت بتصويرها؟" سألت ليومئ ويفتح هاتفه ليريني الصور.

"عجباً هذا.. هذا فعلاً ممتاز." أثنيت على تصويره المُتقن.

صوره معظمها كانت تعبر عن البشر وتعكس ملامحهم وأحاسيسهم الظاهرة على وجوههم.

كما أن هناك بعض الصور لبعض الحيوانات وأماكن سياحية.

"أنت بالفعل تمتلك موهبة هُنا.." تمتمت ليشكرني.

"ألم تشارك في أي مسابقات من قبل؟" سألت.

"كلا." نفى. "لماذا؟"

"لا أعلم، لا أملك الوقت."قال بهمس لأعقد حاجباي رُبما عمله يشغله.

"بسبب عملك؟ ماذا تعمل؟"

نظر نحوي للحظات. "مصور في جريدة." رد بثبات.

"بالطبع. لابد أن الجريدة تحصل على صور جيدة." هززت رأسي.

"حسناً.." تمتمت وشعرت بألم في معدتي يشير إلى شعوري بالجوع فأضفت قائلة:"أظن أنني سوف أطلب الغذاء لكلينا أم أنك تُريد أن نتناول الغذاء خارجاً؟"

"لنتناول الغذاء خارجاً، هيّا بنا."قال ووقف ساحباً هاتفه ومحفظته التي كانت ملقية على الطاولة.

لكن قبل أن يتحرك نحو الباب هو ألقى نظرة خاطفة من النافذة.. ثم تحرّك.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top