(في ليلة العيد)
بقلم نهال عبد الواحد
قال جبران خليل جبران: «لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَسْوَأُ مِنَ الْغَبِيّ، إِلَّا الْغَبِيّ الْمَغْرُور.»
وسطَ صخبِ السُّوقِ ونِداءات البائعين قُبيل أحدِ الأعياد كان هناك أصوات أخرى لكن يصعُبُ عليك أن تسمعُها بأي حال، على أحد جانبيّ الطريق سارتْ صُرصورتان بالقربِ من الجدارِ، صاحتْ إحداهما متذمّرة: هل تَرِي حالنا المُشرَّد يا أُمِّي؟ ليتني ما سمعتُ كلامكِ ولا أخذتُ بنصيحتكِ الدنيئة!
صاحتْ أُمّها الصُّرصورة: اصمتي أيّتُها البلهاء! أنتِ من فهِمتِ حديثي خطأ، قُلتُ لكِ تدلّلي عليه ليُلبِّي طلباتِك ويصبحُ خاتمًا في أحد أرجلِك، لكنّكِ لم تفهمي أي شيء، أومأتِ بقرونِ استشعارِك دون فهم وذهبتِ كأغبى حشرة ودفعتيه في بِركة ماء فضلات ذلك الآدميّ السخيف وكاد أن يغرق فيها.
-كانت مليئةً بكلِّ أنواع القاذوراتِ التي يعشقها ويملأ بها معدته دومًا.
أجابت أمها: وقد رأيتِ كيف أنقذَته جارتُك اللعينة ريري فطردكِ وتزوجها، لقد خططت للتفريقِ بينكما.
صاحت الصُّرصورة رورو ببكاءٍ: لقد رماني وأنا حُبلى يا أُمِّي! تُرى ماذا أفعلُ بعدكَ يا صاصا؟ كيف سنعيشُ أنا وأبنائي القادمين؟!
فتمتمتْ أُمَّها بغيظٍ: اللعنةُ عليك يا صاصا! افتقدنا الغذاء والسكن!
فصرختْ رورو: افتقدنا الغذاء والسكن! هل هذا كل همّكِ يا أُمِّي؟ لقد فقدتُ حُبَّ عمري للأبد!
-رورو يا عزيزتي هو الخاسر، وحتى تتعلمي، أتتذكري كم نصحتكِ ألا تتزوجي هذا الصاصا لكنّك صمّمتِ وصرختِ في وجهي مثلما تصرخين الآن وقلتِ لن أتزوج غير صاصا؟! إذن فلتتحملي عواقب اختيارك!
قالتْ الأخيرة بغنجٍ وتهكّم فتابعتْ رورو: ومن ينصحني يا تُرى؟ أنتِ تريديني بلا زوج مثلكِ.
- اللعنة عليهم جميعًا! لقد تركني وأنا حُبلى فيكِ أنتِ وأُخوتك دون أن أفعل له شيء.
التفتتْ إليها رورو قائلة باستخفافٍ: لم تفعلي شيء! لقد أكلتِ خزين الشتاء من الطَّعام كاملًا.
- كنتُ جائعة وحُبلى، هل هذا جُرم؟!
فبكتْ رورو وقالتْ بتعبٍ: وأنا جائعة وحُبلى ومتعبة ولا أدري أين أضع بيضي! ليتني ما سمعتُ كلامِك!
ثم بكتْ وأكملتْ: أين أنتَ يا صاصا؟ كيف ستعود إليّ يا حُبِّي الوحيد؟
لكزتها أُمّها بأحد قرنيّ استشعارها فكادتْ تقع تحت حذاء أحد المارة لولا أن تماسكتْ رورو فقالت أُمّها: اصمتي! سنصعد في هذا البيت، قلبي يُحدّثني أن هذا المكان سيكون فيه شقة عَفنة مليئة بكلِّ الخيرات وستكون مسكننا ومستقرنا ولتضعي بيضَكِ كما تشائين، هيا فلنصعد على هذا الجدار لكن احترسي أن يراكِ أحد الآدميين فيدعسكِ أو يضربكِ فتخرّي قتيلة.
لم تعقّب رورو واضطرت أن تتبع أمها، فسارتا باحتراسٍ على الجدار وكانت الأم تتفحص كل شِقٍّ أو ثقبٍ يقابلها مفتّشةً عن مسكنٍ حتى وصلتا إلى فتحة هوّاية أسفل إحدى نوافذ المطابخ فدخلتا فيها.
كانت هذه الفتحة شديدة اللزوجة من كثرة الدهون المتراكمة فيها، فصاحتْ الأُمُّ بسعادةٍ: لقد وجدنا بُغيتنا! بيتٌ عفن!
فأكملتا توغلهما داخل المطبخ حيث سلكتا طريقًا للأسفلِ فهبطتْ على جدران القيشاني الملتصق به بعض قطرات الدهون مختلطة بقطراتٍ من صلصة الطماطم الجافة، البرتقال وغيرها، كلّ هذا جعل الأُم تتراقصُ متغنجةً ومتبخترةً بسعادةٍ في مشيتها؛ فالخير وفير بحق بعكس رورو المتعبة، تبدو على وشك وضع بيضها.
تسللتْ كلتاهما من فتحةِ مدخل الخزانة السُّفلية للمطبخ ومنها تجوّلت وسارت فوق زجاجات الزيت وعُلب السمن حتى وصلتْ إلى الجانب الآخر من الخزانة وخرجت منها فإذا هي الغسالة الأوتوماتيكية، فذهبتا خلفها...
وفور وصولهما أهدرتْ الأُمّ بسعادةٍ: لقد وصلنا! المكان رائع وفسيح وسيكفي أبناءك القادمين وسنأكل ونتغذى فالطعام وفير!
فبكتْ رورو مجددًا: لكني اشتقتُ إلى صاصا وحزينة بشدة لأنه الآن بصحبةِ ريري.
-لا يهم! سنجد غير صاصا الكثير، المهم الغذاء والمسكن.
صرختْ رورو مجددًا لكن هذه المرة من آلام المخاض وبدأت تضع بيضها الكثير لكن فجأة! صوت ضجة وفوضى زادت من ارتعاب الصُّرصورتين، شخص ما يزحزح تلك الغسالة ساكبًا الماء والصابون فصرختا وأخذتا تتحركان عشوائيًّا بهلعٍ، صرختْ رورو: أهذا هو المكان الرائع؟ لقد ضاع أبنائي وضاع كل شيءٍ لمجرد اتباعك.
ركضتْ الأم وصاحت: كفاكِ ثرثرة! المهم ننجو بعمرنا!
لكن مزيدًا من الماء والصابون يُسكب وحركات تنظيفية فجائية في كل مكان حالت دون خروجهما فصاحتْ الأم بصدمةٍ: لقد نسيتُ! إنها استعدادات البشر للعيد!
5/3/2021
Noonazad💕💖💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top