مَشلول

بعد مغادرة عُتمة وتركها لي، حاولت الاسراع والخروج من المقبرة. ومع ذلك، كلما خطوتُ خطوة، شعرت بثقل في قدمي. وصلت إلى الحالة التي لم أعد قادرًا على تحريكهما على الإطلاق.

سقطت أرضًا بين القبور متسائلا برعب: "ما الذي يحدث معي؟ هل بدأ عقابي؟" حاولت النهوض بكل الطرق الممكنة، ولكنني لم أتمكن من تحريك أي جزء من جسدي.

انتابني الذعر، خاصةً عندما توقف مصباحي الخاص عن العمل. لعنته؛ يجب علي أن أشتري شيئًا أصليًا، هذا هو الدرس الذي يجب أن أتذكره دائمًا!

حاولت بصعوبة تحريك يدي، عسى أن أتمكن من استخراج هاتفي، ولكنني لم أستطع. كنت مثل جثة هامدة، تمامًا كما تريد هذه المهمة مني أن أكون.

أتساءل لو قمت بتنفيذ تلك المهمة، هل كنت سأكون قادرًا على قضاء وقتي على الهاتف وتحريك جسدي بشكل طبيعي بدلاً من هذا الموقف المزري؟

صوت هدوء القبور مرعب، أستطيع سماع دقات قلبي أقسم! متى سينتهي هذا العذاب.

الآن، أستطيع أن أقول بثقة أن أمر المفكرة جدي وخطير للغاية، ويجب أن أتوقف عن التهاون به وأخذه بعين الاعتبار. سأحاول مجاراة كل شيء حتى أجد حلاً لهذه الورطة.

سأحاول أيضًا مماطلة ذات الشعر الأحمر حتى تخبرني بالطريقة التي يمكنني من خلالها التخلص من هذه الجحيم.

أشعر أن الوقت يمر ببطء شديد جدًا، لا أستطيع تحريك رأسي حتى! كل ما أرى هو السماء والنجوم فوقي، وأشكر الله أن هناك العديد منها، فقد عزمت أمري وقررت أن أبدأ في عدِّها حتى أشعر بالنعاس، وهذا ما حدث بالفعل.
-

فتحت عيناي بسبب أشعة الشمس العمودية على رأسي حاولت تحريك قدماي  ولكنني لم أستطع.

حاولت تحريك يداي ولحسن الحظ استطعت تحريكهم يبدو بأنني سأستعيد حركتي قريبا.

بحثتُ بعيني عن هاتفي ولمحتُه يبعد عني بمسافة لا بأس بها، ثم نظرتُ إلى المفكرة بشيءٍ من الاشمئزاز، حيث كانت تبعدني ببعض البوصات قرب الحفرة التي قمت بحفرها.

انزعجتُ كثيرًا بسبب عدم قدرتي على الوصول إلى هاتفي، ومع ذلك حاولتُ أن أطمئنَّ نفسي بأن جميع الأمور ستتحسن، وسأحاول إصلاح كل شيء بمجرد استعادة حركتي.

لا أصدق أنني أرقد في وسط مقبرة كالمشلول! شعرت بجميع المرضى الذين فقدوا حركتهم ومرت علي حالاتهم خلال مسيرتي الطبية منذ كنت طالب إلى الان.
وكم شعرت بالأسف اتجاههم.

" عُتمة، عُتمة...عتمة!" قلت بهمس وظللت أحدق حولي أترقب ظهورها، سأجن إن بقيت وحدي لساعة أخرى، ومن ثم أرغب بالحصول على بعض الإجابات.

" ما الأمر؟" قالت عندما عبرت بجانبي لتجلس فوق أحد القبور ترمقني بنظرات متململة.

" متى سينتهي هذا؟" سألت مشيرًا على حالتي لتتنهد بهدوء قائلة " أنت محظوظ لكون هذا عقابك، ولكن لا تفرح كثيرًا فهذه أول مهمة فقط".

" هل أنت صماء! هذا ليس سؤالي!" قلت بانزعاج واضح في نبرتي ولكنها قلبت عينيها مردفة " دعنا من هذا، لقد قمت بالتسجيل في نادي سباحة، هذا رائع أليس كذلك؟".

عجزت عن الرد من شدة صدمتي وغضبي بآن واحد، ما هذه المخلوقة، رمقتها بنظرة مميتة ولكنها تجاهلتني مكملة بحماس " أعني يجب على الشخص تحريك عضلاته بين الحين والأخر" ختمت جملتها بالنهوض والهرولة في مكانها قليلا.

انها تمازحني لا محال! أنا بالكاد أستطيع الحراك وهي تحضى بوقت ممتع في إغاضتي.

زفرت بغضب فأعدت سؤالي بصياح متجاهلا كل ما قالته لترد هي بتأفف " لا أعلم أخبرتك بذلك مسبقا، لا أعلم متى سينتهي عقابك، أو ماهي مهمتك القادمة حتى! ولكن أعلم شيء واحد أعتقد بأنه مرتبط بالاوامر التي تتلقاها من المفكرة وهذا الامر الذي لن أخبرك به، فمن أنت لاساعدك!" انهت كلماتها وانهلت عليها بجميع الشتائم التي قد تخطر على بال أحدكم.

قاطعتني قائلة " أنت ميؤوس منك... لا تناديني مجددًا أبدًا!" ثم اختفت.

صرخت كالمجنون وكنت أرغب بتحطيم أي شيء ولكنني بالكاد أستطيع تحريك يدي. نظرت لعقارب ساعتي وقد كانت تشير على الثانية ظهرًا.

لنركز على الجانب المشرق ها أنا أخد يوم عطلة من العمل أستجم بأحد.. المقابر!

8:30 مساءًا ..

بدأت أسمع صوت همسٍ من القبر بجانبي وبدأت معه ضربات قلبي بالتعالي، كنت أحاول تحريك قدماي بكل قواي.

" إهدأ ..إهدأ، ركز ركز" كنت اتمتم بين انفاسي ولكن أقسم بأنني رأيت ظلًّ أسود يعبر من فوقي بسرعة مخيفة.

لا يجب أن أقلق هذه مجرد هلوسات، لا داعي للهلع كل ما علي فعله هو الاستمرار في محاولة التحرك والجيد أنني استطعت الجلوس أخيرًا.

شعرت ببصيص أمل أنني سأخرج قريبا قبل أن أفقد عقلي ولكن لمس أحدهم لكتفي الأيمن أفقدني صوابي فصرخت كالمجنون وناديت عُتمة.

" أصمت! ستصيبني بالطرش أنا بالفعل أقف خلفك!" قالت وفهمت الأن من الذي لمس كتفي.

" عُتمة سأقتلك أقسم!" قلت أنفث أنفاسي الغاضبة لتتعالي ضحاكتها ثم وقفت أمامي ترمقني بسخرية وكأنها تقول يالك من جبان مما اضطرني لتبرير موقفي قائلا :" أنا فقط شعرت بالتقزز من لمستك!"

توقفت عن الضحك لتنحني على ركبتيها ناظرة نحوي بعينيها الحمراوتين نظرة أفزعتني وقالت بنبرة أشبه بالهمس : " بمجرد تحررك أُهرب فورًا؛ فلست أنا من لمستك!" ثم اختفت.

إختفت واختفت معها أنفاسي. حاولت الثبات، لكن هذا الموقف أسوأ من امتحانات الكلية. أعتقد أنني أمر بنوبة فزع، فقد نسيت كيف أتنفس.

لا أتذكر شيئًا بعد ذلك سوى أنني فتحت عيني على صوت عجوز يحاول أن يوقظني، وكان يمسح رأس تلك القطة السوداء.

"هل أنت بخير؟" سألني بنبرة هادئة. لأومأ بالإيجاب ولمفاجأتي السارة، تمكنت أخيرًا من التحرك.

نهضت من مكاني وجمعت أغراضي، بما في ذلك هاتفي والمفكرة. تركت المصباح والمجرفة خلفي. وفي هذا الوقت، سمعت صوت العجوز ذو الشعر الأبيض والعيون الشبه بيضاء يقول: "يا صغيري، كنت تبدو شاحبًا عندما جئت. لا تزال لديك الكثير لمواجهته في هذه الحياة، لا داعي للبقاء هنا.. ما زال الوقت مبكرًا".

كنت على وشك أن أشكره، لكن هناك أمرًا غريبًا في جملته. لذا، التفت لأرى ملامحه ولكن لصدمتي، لم أجد أحدًا.

وهنا تذكرت كلمات عُتمة بشأن الهروب، وهذا بالفعل ما فعلته. لقد خرجت من تلك المقبرة في غضون ثوانٍ، تركت وراءي الغبار فقط.

صعدت إلى سيارتي وشغّلت المحرك بسرعة. حاولت بصعوبة تنظيم تنفسي المضطرب. بعد دقائق، كنت قد ابتعدت عن ذلك المكان بأسرع ما يمكن.

"تبًا!" صرخت بأعلى صوتي تعبيرًا عما يحدث لي. نظرت إلى المقعد بجانبي حيث رميت تلك المفكرة المشؤومة، وشعرت بالضياع لأنني لا أعلم كيف أتخلص منها.

في الوقت الحالي، أعتقد أن عُتمة وحدها من تعلم، لذا يجب عليّ أن أتبعها لتساعدني.

توقفت أمام المنزل ونظرت إلى وجهي في المرآة الجانبية. كنت أبدو منهكًا للغاية ووجهي شاحبًا. بالطبع، لقد قضيت ليلة ونصف مرميًا في تلك المقبرة.

حسنًا، سأفكر في كل ما حدث وما يجب علي فعله في وقت لاحق. أما الآن، فأنا بحاجة ماسة لاستخدام دورة المياه.

يتبع...

************

بارت جديد بعد نصف قرن 💀

رأيكم؟

عُتمة؟

بطلنا؟

شكرًا لانتظاركم معي -احبكم-


basant3040 اعلم بأنني تاخرت ومع هذا اتمنى انه اسعدك 🤍

لا تنسوا الدعاء لي في هذه الايام الفاضلة واكثروا من التكبير والتهليل.

دمتم في رعاية الله وحفظه.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top