«ليليث: غني لي. »
بارت من 7 آلاف كلمة تقريبا كتبت مفرقة لهذا استغرقت وقتا طويلا.
ربما أطول من اللازم في شرح آليكساندر وشكل خطه لول.
المشكلة أنه لم ينتهي، اقصد بارت ليليث غني لي لذا لنقل أنه:
«ليليث: غني لي. (1)»
استمتعوا♡
_____________________
______
ماذا يحملُ البشر..
ما شكل أرواحهم؟
ترقص عبر الأثير المخلّد.
جواب راقص.
تشعرُ بالأفكار داخل الوعي ونقيضه.
جواب عالم نفس.
تبحثُ عن طريقها نحو القمم، عبر الهمم، عبر الندوب والضياع، وصرخات الألم.
جواب محارب.
تهتزُ في احتمالات من الزمكان بالهرتز.
جواب كيميائي/فيزيائي.
تغني، تغني، تغني...
إنها تغني وترقص لتتحرر أو تُحرّر.
جواب.
وإذا ماتت هل تصعدُ للسماء
لأن السماء سألَت، حين وُجبَ
: "ما شكل الروح؟"
_ كتب آليكساندر إلاغون ذلك عندما انفلقَت سماءُ مشهده من زجاج المخبر، وانعكسَت كقاتل متسلّل، متسلسل، منسلّ نحو زجاجياته وسوائله وأوراقه.
وانسكَب من حبره ثخين الخطّ، لاسع السطور حيث تدور أحرفه نهاية كل كلمة، ولسبب ما دومًا ما ينسى وضع فواصله ونقاطهِ فتلتصق جملهُ كترابط الأفكار في رأسِه والجزيئات في نظره سواء.
كان عندها ينتظرُ تحولاً لونيا ليطرأ في الإرلينة نتيجة تفاعل كيميائي يظنُّ أنه سيكشف له المادة في دم كارولينا.
لكنه لم يفعل، لم تكن ما ظنّه.
فاغتاظَت أمعائه من الفراغ والسهر وفكرة أنهُ على خطأ وراحَ يتخبط في سريرته كوحشٍ جريح فقدَ ساقه.
جرّ جسده حينها لكرسيُّ اعتادت ميكي أن تجلس فيه منذ أشهرهما هنا وتحكي له عن كل الأشياء التي لا تهمهُ فعلا بينما يصفي هو ذهنه بتجاربٍ لا تهم غيره.
استدار بعجلاته واستوعب أن طيلة ذاك الوقت، كانت ميكي تأخذ المكان الأفضلَ في المخبر لتصفية ذهنها: هذا الكرسي بالذات.
ثم صوته أخبرهُ أنه بدأ يهلوس لأنه لم ينم منذ ثلاثة أيامٍ ومزيدا فسخر منهُ وتهكّم تذمراته حتى اصطدمَ ظهر الكرسي بالجدار وترنَح ثقله ومن مكانه وقعت عيناه على ڤين ديرما في الساحة.
وحيدَة، شامخة، تقف على أصابع ساقٍ واحدة، تتحرك شفتيهَا بايقاعٍ رتيب واحد منمق، وتتمدّد كأفعى ليس لديها صيد أو عليها خطر.
وتذكر الضباب المظلم، ساقها التي لمسها ويده التي يعلمُ أنها لن تشفى قريبًا، ويوم هجومه عليهما والسلاح.
ركض حينها لهاتفه وطلبَ رقم عقلٍ ناهزه ذكاءًا، صديقة وشريكة دروب.
مون أجابَته سريعًا، وقدمت له النتائج التي يحتاجها والتي توصلت إليها هي وإنانا ورامونا.
النتائج التي اكتشفَ لاحقا أنها تظهر وجودَ تطابق بين المادة في دم كارولينا وأحد المواد في سلاح ڤين ديرما.
تلك التي تقفُ أمامه الآن بعد أن جرّها جونغكوك مجازيًا للداخل.
في غرفَة أضيق شعرت ڤين ديرما بضغطٍ رهيب أسدلته عيونهم كحبالٍ، أنها لو تحركَت أو تحدثت ستُعقد حول رقبتها.
لكنها بالطبع تبدُو المالكة الأصلية لهذا المكان برمته بما فيه الساحة الخارجية وتمثال النافورة وحتَى غرفة أدوات التنظيف حيث ترك آلونزو ولوديفيكو الباب مفتوحًا حين خرجا (انتهى وقت العرض الدرامي بالنسبة لهما.)
ظهرَ صوت سوكا بعد أن أخذ الجميع مكانهُ، بذلك اغترفَ انتباههم من صحون الترقب.
-- لم يبقَى من الوقت مزيدًا لنضيعه، مشعوذة..
لا للعب..
لا للقفز في الهواء..
لا لخنق بروس.--
ميكي وجونغكوك ولولا ضحكا عندمَا تحول وجه بروس الجادُ لكتلة من الحنق والشعور بالغدر بسبب سوكا.
دانتيه حاول التظاهر بأنّ لديه مشاعر وربت على كتف بروس، غير أن وجههُ الجامد وعيناه الميتة أفسدت ذلك.
سوكا اكمل رغم أنّ ڤين ديرما كانت تنظر حولهَا، للوحات في الجدران، الخشب الذي يأخذ أشكالاً هندسية والزهور التي نبتت على قماش الستائر.
-- تعاوني معنا، أخبرينَا عن ليليث والسلاح وسأحرص شخصيًا على تلبية ما تحتاجينه..
ما احتجتِ إليه عندما غادرتِ منطقتك وقدمت إلى هنا متحججَة بعرض لولا وجونغكوك وآليكساندر.--
عيناها رفرفتا وسقطَتا كالنيزكِ على وجهه، احترقَ فتيل ما بهما، إدراكهُ لذلك جعل شيء بها يهتز..
وربما يتوتر، يرجو سوكا ذلك من كلّ قلبه حد أنه ابتسمَ.
اخترق خط شفتيهِ خده الأيمن وارتقى بكتفيه أعظمَ مجلس، ورمقها، من عيناها التي تتمسكانِ بالصلادة إلى ساقيها التي تبرز سنواتها في القتال.
-- ماذا؟
فاجئتكِ ربما..
اعتذر؟--
لولا أبعدت وجهها مخافةَ أن يظهر إعجابها بأسلوبه في كل ملامحهَا وتضحك فاضحَة ذلك، لكن جونغكوك لم يكُن مترددا بشأن إظهار اعجابه..
الأرعن ضحكَ حتى لكمته ميكي بعيدًا عنها لأنه لا ينفك عن زعزعَة استقرار المقعد المزدوج الذي تشاركاه.
آليكساندر كان يحتفظُ بوقفته الغرورَة خلف سوكا ولولا وبروس الجالسين على الأريكة، دانتيه ظلّ واقفًا جانبه على رأس بروس.
ورأسيهما الأسودين كغياهب الليلِ ظلان طويلانِ يمنعان الشمس من الهطول على وجه ڤين ديرما التي تقابل الجميع كالمجرمِ في محكمة قرّر جونغكوك أن تُعقد مع كعك الليمون والشاي الأحمر.
-- الأسف لا يقتلُ الفعل.
ذئب..
لكن ما احتاجه؟
قد يفعل.--
-- آه حقًا؟
ألهذا أنتِ خجلَة من قوله لي؟--
-- هل هما يتغازلان أم يتناوشان؟
لقد فقدت تركيزي..--
جونغكوك حاولَ أن يهمس -في قاعة صامتة مليئة بالمستذئبين- لميكي التي سخرت قائلة:
-- كالمعتاد..
إنهما يتنافسان، من يدفع الآخر لقتله أولاً.
لا عجبَ أنك لا زلت عازبًا. --
-- حسنًا؟ هذا سببي..
أتسائلُ لما أنتِ لا زلت عازبة.--
تنهدت ميكي وخزرته متعاطفَة الملامح.
-- فعلاً برو، لأنني عندما انظرُ لنفسي في المرآة يراودني نفس السؤال.
ثم أقول: ربمَا أنا فقط أفضل من الجميع ولا أحدَ يستطيع الوصول لمستواي.--
-- ميكي وجونغكوك سأبدل مكانكما مع المقعد الذي تجلسان عليه وأحرص على أن أسنانكما ستكون مكان رجليه.--
بروس انفجَر بهما لأن البقية مشغولون بما يحدثُ، الأمر الجاد والمهم الذي يحدثُ الآن بينما جونغكوك وميكي يحضيان بشجَار أطفال.
ڤين ديرما قالت بعد أن توقفَ الطفلين عن البكاء، تشعر بحاجة للانعزال الآن أكثر من وقتها في تدريبهم.
-- لا أخفي هذا العلم عنكُم..
بل أحافظ عليكما.--
نظرت لآليكساندر لما انتهت جملتها، لكنها لم تقصدِ سوكا وآليكس بل قصدت هؤلاء الناس الذين سيسمعونَ والعلم نفسه.
المتلقي والملقّى.
العلم والمتعلم.
أنارَت حلقات الظلام حول عيون آليكساندر، التهبَ اهتمامه داخله وخرج صوته أخيرًا، سلسًا، مليحا، لكن مريب.
-- كان بيننا اتفاقٌ آنستي.
الآن وقد وجدنَا عنصرًا من سلاحك في دمِ مستذئبة، مهما كان قطيعهَا، وقد قتلتها قبل أن تُكمل اعترافها، بشهادة الجميع..
ماذا تظنين سيكون ردُّ قطعان المستذئبين على هذا حين الإقرار به في اجتماع كبارهم القادم؟--
شيطانيٌّ.
هي لم تقتل كارولينا لإخراسها بل لإنقاذ سوكا، لكنه يجيدُ التهديد وتحويل كلّ الظروف الخارجية والسيناريوهات لصالحه.
ورغم أنّ تهديده لها لم يتم الاتفاقُ على سير خطته مع البقية إلا أنهُم أخرسوا تعليقاتهم وآرائهم لأنهم يعلمُون أنها مدروسة من قبله، آليكساندر إلاغون.
-- افعل ذلك.
اخسَر الصوت الذي يقودك لحقيقتها.--
أشارت للولا بانحراف ذقنها، كانت تجلس يمين سوكادور وعيناها الآن وجلة، تعبرهَا جمل ونصوص وعوالمٌ لا يمكن وصفها أو إمساكها بحروف كاتبٍ مهما بلغَ حنكة.
-- إذا دعينَا لا نفعل ذلك، بالنهايَة نحن نعرضُ عليكِ أكثر مما تعرضين علينا.
يمكنني دومًا البحث مجددا وإيجادُ
ما أريد معرفته عن ليليث، لكن..
هل هناك غيرنا سيساعدكِ فيما تحتاجين؟--
ظنّ آليكساندر أنه تمكن منها، لكن معركتهمَا تزال قائمة.
-- لا تستطيع..--
--بعد أسبوع من الآن مشعوذة.
سيفعل.
وستفقدينَ هذا العرض وبعض أطرافكِ،
لذا فكري مجددًا.--
تدخل سوكا بأسلوبهُ المستفز الهادئ وڤين ديرما حقًا، ولثانية، تمنت لو يعودُ الهمجيُّ المجنون المندفع منه.
وهذه الثانية أصبحَت ثلاثا، ثمّ ارتفعَ التوتر الأولي الذي أحدثه بها خلفَ ستار ملامحهَا الساكنة، ثم..
انفجرت تلطمُ الجملة في وجوههم
-- لا، لا، لا ذئب..
لن تستطيع.
لن يستطيع.
لا أحد.
لأن، لا أحدَ يعرف، وإن عرفَ، لا يفهم!--
الأَمر أن..
شيئًا داخل لولا تحرك، وسمعت همسًا تعرفه جيدًا، ولا تعرفه..
تمسكه حين تسمعهُ لكنه يركض للظلام دومًا هلعا، مضطربًا، ليس من أي شيءٍ سوى نفسه.
"مزقي حنجرتها."
طنين، طنين، ثم اختفَى كأنه لم يكن بأذن لولا، وظلت حائرَة لثوان لكنها فهمت.
هي غاضبة لأن ڤين ديرما لا تخبرهَا ما تريد، ماريا هي ذروة هذا الغضب.
تنفسَت، وقتلَت هذا الجنون داخلها لتندفع:
-- إذًا اجعليني أفهم!
لم يعد الأمر يهم، كل ما أريده هو معرفة الحقيقة حولها.
لا لأجلي ولا لأي شيء..
فقط الحقيقة.--
ربما لولا تكذب..
ربما جزءٌ منها يرغب بمعرفة ما تكونه ليليث لأن ڤين ديرما ربطتها بها بالأمس، ربما كلّ تفكيرها بشأن هذه الأسطورة أنانية بحتة وتمسكٌ مريض بامكانية أن تكون حقًا مرتبطة بها، أن تكون مميزة لهذا الحد، ولولا لطالما كانت جشعة اتجاهِ تحقيق التميز.
لكن الإنسان ذا العقل، اللاعقلاني في تصرفاته سيبرّر دومًا أفعاله بطرق خاطئة.
مثال ذلك أن تقول لولا: "كل ما أريده هو الحقيقة." لكن وبطريقة فلسفية نقول أنها لن ترغب بهذه الحقيقة حقًا إن لم تكن كما تريدها أن تكون.
إلا أن لولا مميزَة فعلا، ففي قرارة نفسها وهي تطرحُ حجتها على ڤين ديرما كانت تُدرك بالفعل أنها تريد اكتشاف هذا الارتباطَ الشاذ الحدوث بليليث.
الآن وهي تحملُ مصداقية الكون في لهيبِ عيناها، كانت لولا تحترفُ أكثر الأسلحة خطرًا:
التلاعب.
وعلى أذنها سمعَت لولا ذاك الهمس مجددًا..
" لي، لي، لي.."
ڤين ديرما أخذَت وقتًا وهي تنظر لتلك العيون، الوجه، طريقة الحديث، اهتزازاتُ الصوت.
ثم انتشرَ ضباب ابتسامَة على شفتيها، فجر ضبابيٌّ أزرق مجهول الأفق.
--بالطبع.
بالطبع ستكونين أنتِ.--
لم يفهم الجميعُ قصدها، وهذا أصبحَ عاديًا بسبب طريقتها في الكلام، إلا أن سوكادور لم يعجبهُ ما قالته ولا تلك الطريقة غير المفهومة.
راقبها وهي تنحني للأرض جالسَة بحيث تتداخل ساقيها وترفعُ ظهرها لما تتموضعُ ذراعيها على فخذيها أمامها.
-- ألن يكون الكرسي أفضل يا فتاة؟--
جونغكوك تسائلَ لكن العيون حوله لسعَت لسانه ليخرس.
-- ما تمنحني، ذئب؟--
خاطبَت الآلفا بكياسة، تعالٍ يليق بها، عكس ما يتوقع أن يكون عليه الحال بالنسبَة لمواقع جلوسهما.
كان ينظرُ لها وهي الأدنَى، يحاول أن لا يغالبَ ذاته التي تخبره أنه يعقد صفقَة وراء صفقة وراء هدنة مع عدوٍ قديم لهم.
قومٌ جامعوهم في حربٍ طويلة ارهقَت حاصد الأرواح.
ثمّ..
يجلده سواطٌ جديد على عقله، أنها أخبرته حقيقة موت جميعهم عداها.
ليس وكأنه يثقُ بما تقوله، لكن كانت هناكَ العديد من النظريات والأقاويل التي فسّرت عدم ظهور قوم ما وراء الحدود مرة أخرى ولو بالخطأ على مشارف الحدود.
صحيح، كل من يدخلُ لا يعود، لكن لا أحد ظهرَ ليقول مثلا:
"لقد اخترق أحدكُم المعاهدة باختراقه لحدودنا يا معشرَ الذئاب والآن علينا الرد."
ومن بين هذه النظريات كانت الإمكانية الضئيلة لكونهِم لا يستطيعون الخروج ولعب لعبَة الحرب.
--لا يجبُ أن يكون المرء عبقريًا ليدركَ أنكِ بحاجة لشيء ما في هذا الجانب من الحدود.
كان بإمكانكِ الذهاب في نزهة بعدَ حصولك على موافقة القائد الأعلَى بتخطي الحدود وإحظار ذلك الشيء، فالفتيات بارعَات في التبضّع..
لكن، بقائكِ المزعج والثقيل حولنا..
حولي. --
حدّد بعد ثوان واكمَل:
-- لا يسعني سوى التفكير بأن ما تحتاجينهُ موجود هنا بالأصل، وأنكِ أغبى من طريقتكِ في الحديث ومما تأملين أن تكوني عليه لتعتقدي بأنني لن انتبهَ لذلك.
لذا سأكون الجنتلمان الذي يمنحُ المشعوذةَ آخر أمنية قبل الموت.--
فتح فاهُ الكبير حتى ظهرَت جميع أسنانه يعرضِهم عليها ويرعبها بأنيابه التي حتى في هيئتهِ البشرية تبلغُ من الطول ما يبرزها عن البقية وتجعَل تخيله كذئب أمرًا طبيعيا.
آليكساندر ابتسمَ، سوكا أحدُ مفضليه لسبب واضحٍ، تقدّم نحو مقبض الأريكة جانب لولا واتكأ عليه.
عيناهُ انزلقَت إليها، رموشها كانت ترتجف بينمَا تنظر بين ڤين ديرما وسوكا والوجوه الغريبَة التي تحيا وتموت على وجه جونغكوك لأنهُ لا يستطيع أن يفهمَ هل يحب أو يمقتُ هذا الحديث.
-- تتحدثُ عن الموت كأنكَ تملكه.--
تمدّد المبسم في ثغرهَا وهي تقول ذلك، حملَت في عيناها كلامًا آخر ونجحَت بجعلهم يعيدون التفكير فيما يعرفونه ولا يعرفونه.
لكن سوكادور اوقفَ ألعابها النفسية بقوله:
--لا أدري بشأن امتلاكهِ لكنني متأكدٌ من أنني أستطيع استعارتهُ للعب
معكِ مشعوذة.
لذا حافظي على هذا الهدوء.--
أشار بسبابته الملتحفَة بالقفاز إلى نفسه، رفع حاجبًا واستصغرها في نظره.
حرّكت رأسها في بادرَة غريبة ولا مفهومة الغاية، مسحَت ركبتها اليسرى بكفها في دورتين، ربما هي تفكّر في عرضه وفائدتها من القبول به..
وربما هي تفكّر في طريقة للقفز الآن ونحره أمامَهم أجمع..
لا يمكن التكهّن حول ذلك، وهذا دفعَ العديد منهم للترقب.
آليكساندر لم يفعَل، لقد قرأَ العلامات من عليها، منذ حلولها هنا، إلى اليوم..
وكما قال سوكا هي فعلاً بحاجة لشيء ما منهم، وعليه فإن رفضَها لعرض سخيٍّ من عدوها الطبيعي يعد غباءًا لا يمكنُ له أن يتوافقَ مع ما علمه آليكس عن حضارتهم..
عنها هي تحديدًا.
--مبكرٌ جدًا..
القول أنّ الضباب قادم..
الوقوف ومحاربته..
الكلام الطويل.--
وجوههم سريعًا أخذَت لون الصباحِ الرطب في ثنايا ريو دي جانيرو، وطيورها حلّقت تسحبُ الألوان الأخرى منهم..
أن ذلك "الشيء" مهما كان، الذي هدد حياةَ جونغكوك ولولا وآليكساندر، والذي لم يسبق لهم ملاقاة ما شابههِ قط..
أضحى يهدد حياتهم الآن.
وحياة كلّ ما لديه حياة.
-- أتريدينَ منا محاربته؟--
جونغكوك اندفعَ للقول كما اندفع جذعه للأمام، غير أنهُ لم يعرف عنه التراجع قط، لا عن قولِ ما يريد قوله ولا عن قتالٍ يريد الخوض فيه..
لذا سؤاله لم يكُن تعجبًا أو وليد الدهشَة بل أقربَ لأضحية الولعِ بالقتل وإحلالِ الهلاك الذين يسبحَان شغفًا في دماءِ جميع أبناء قابيل.
--لا يوجدُ غيره طريق.--
نظرَت لولا لآليكساندر، ترفع رأسهَا فتنسدل مقلتاه على وجهها.
-- يبدو عرضُ سوكا واعدًا أكثرَ بالنسبة
لك الآن، لذا هيا..
ابزقي المعلومَات تجنبًا لإرغامكِ على
بزقِ الدم.--
ختمَ بروس قوله بغمزة لا محلَ لها من الخطر في كلامه.
-- أضرَبْتُ عينك؟-
سألته ڤين ديرما بكلّ مصداقية، هي ظنت أنها أصابت عينه خلال قتالهما السابق.
الاحتفاظُ بالجِد عند إهانة بروس شيء مستحيل حتى بالنسبَة لدانتيه.
بالطبع جونغكوك لا يحتاجُ لذلك وكاد يسقط ضاحكًا من كرسيه لولا أن ميكي اشفقَت على عظامه.
-- هذا ما تتمنيه، Vagabundo
(متشردة).--
أجابها بروس بعد فرقعَة لسانه بسنه، كأنه بذلك ينفي ما سبقَ لها قوله ويؤكد لها أنه محق في قوله اللاحق.
سوكا قطعَ هذا الهرجَ المطول بين بروس وڤين ديرما.
-- لما يتحرّكُ فككِ جيدًا فيما لا
يخصُّ ما نريده؟--
أبعد رأسه،
--تتحدثينَ كثيرا.--
بضاعتكم رُدّت إليكم، كانت تلك العبارة مرسومَة على ملامح سوكا عندما انهى قوله.
-- أقول ونعود للقتال..--
لم يكُن مشابهًا للسؤال أكثر مما هو مشابه للأمر الذي يجب أن يقع. فقال سوكا، مهدهدًا رأسه، تراقص الموجود أعلاه شعرهُ، يتابعُ ما لديها لتعرضه..
-- لكِ ذلك، مع جرعَة زائدة حبورًا.--
نثره للتهديدات الجمالية هنا وهناكَ مجال اختصاصه.
-- ونمشي للحرب؟--
تقصد الحرب ضدّ الضباب الذي تركته خلفها، أن يعودُوا لقتاله، يمشون في الطريق التي تقول ڤين ديرما أنه لا يوجد غيرهَا.
سوكا نظر لآليكساندر حينهَا، لم يكن هناك سببٌ محدد لذلك كما يبدو للجميع حولهما، لكنهما يعلمان..
ستجدهما يفعلانِ هذا كثيرا، في تلك اللحظاتِ التي تتواصل فيها عيون آليكساندر بسوكادور وتتصل، لا بد أنّ كتابًا كاملا قد كُتب، تبادلت رسائل أزلية وتشفّرت أخرى برموز صامتة راقصة بين ظلالهما في الظلام.
-- أخبرينا ما نريد، وسأقرّر حينئذٍ في أي طريقٍ سنمشي.--
وضّح سوكادور بذلك أن رأيها المتمثل في حتمية سلكِ طريق قتال ضباب الموت خلف حدودهم هو الطريق الوحيد، أن هذا الرأي بالنسبة لسوكا ليس حتميًا البتة، وأنه سيجدُ غيره إن لم يناسبه ما تعرضه.
لذا نتيجَةً لتوضيحاته الشفافة بالنسبة لڤين ديرما، سوكا حتّم عليها الآن أن تجعَل معلوماتها وما تخبرهم به قيمًا.
وبينما آليكساندر يراقبُهما وما يجري بينهما، فكر في أن التنَافس بين هذين القطبين المتنافرين قد تمدد وصولاً للنخاع، يذوب مع الدماء، وقد يفجّر الطاقة في ذرات وجودهما.
خزرَ جونغكوك وابتسم له، السمُّ المتقاطر من أنيابه جعلَ الآخر يقشعر، رافعًا حاجبيه يشير لآليكس بسؤال "ماذا هناك؟/ ماذا فعلت؟"
لكن آليكساندر لم يردّ عليه إشارة إجابته بل التفت صوبَ ڤين ديرما حين تحدثت..
أو هذا ما بدى عليه الأمر في مطلعِه، حين فتحت ثغرها، وأصدرت صوتها، لكنه لم ينسج كلِمَ قولها..
ما نسجه هو خيطٌ طويل من صوت ثابت النوتة، ليس صراخًا ولا هديرا..
ليس بشريًا ولا حيونيا..
وبالتأكيد ليس طبيعيًا.
ثم اختفى الصوت، لكنها لم تغلق ثغرهَا ولا ظهر في الصورة التي يرونَ بها ڤين ديرما مقرفصَة على البلاط العاجي، ووجهها صريحِ الوغى أنها توقفت حتى عن اصدار ذلك الصوت.
تقدم جونغكوك وعلى لسانهُ تساؤلٌ انقطعَ لأنه لاحظ وجه ميكي، منه إلى بروس وسوكا، دانتيه وحتى لولا..
نظر لآليكساندر، كانا الوحيدين الذين لا يسمعانها الآن.
وهذا ليس تحليلاً عبقريًا، هم مستذئبين وقدرتهم على السمع قد تخطّت العديد من الفصائل سابقا بما منهم أبناء قابيل.
لكن..
لولا!
أغلقت ڤين ديرما فمها بريثٍ، الجميع كان ينظر للآخر بينهم ولولا فقط لم تستوعب أنها كانت تستمعُ الآن لصوت لا يسمعه الجميع.
آليكساندر بدى حائرًا، لكن كون ماريا تعدُّ كائنًا لم تفك جميع ألغازه فقد أعزى هذا الاكتشاف للمدة الزمنية التي ترابطتا بها.
تطورت كلاهما طوالها.
-- كيف يمكنكِ فعل ذلك؟--
دانتيه تسائل، وجههُ يأخذ زاوية غريبة مع وقفته لأنه يحاول السيطرَة على تدفق اهتمامه بالأمر.
--هذا..
هذا قلته.--
رفعت يدها مع فتحِ الأصابع الخمس، كانت توضح أنها شرحت لهم هذا بالأمس، عندما أحاطها ضوء خافت، بعد ذكرها للتدريبات الخمسَة التي تنوي نقلها إليهم.
رفعت حاجبًا، يبدو أنها حقا منزعجة بشأن إيقاف التدريب.
-- لا أرى كيفَ يعين هذا على فهمِ
علاقة قائدتنا بليليث؟--
بروس بزقَ، جامعا ذراعيه مستوَى صدره...
-- آه، هذا؟
هذا لا..
إنما..--
صمتت ثمّ فتحت فاهها، ومجددًا أخرجت نوتة يسمعها الجميع لكنها سريعة، ثم تموّجت من حلقها لتختفي كأنها حورية غرّدت وقفزت للبحر.
(اصدرت صوتًا كالحوريات.)
وهذا التشبيه يمتدُّ حتى لشكل الصوت ذاته، كان كصوت الحور اللاحقيقية، القادمة من الأحلام، ذكرى ضبابية لصبية لمسهَا الافتتان بهنّ.
الصبية ظهرت بين عيون آليكساندر، لولا الصغيرة وهي تحكي له عن كل ما تحبهُ رغم أنه لم يرغب بأن يعرف.
الصبية ظهرَت في عقل لولا، تسرّح شعرها في شكلٍ غريب وتدندن أغنية ما لا يمكن أن لا تعلقَ في هذا الرأس الفوضوي الأشعَث.
تلك الصبية هي لولا، وذلك الافتتان لم ينزعهُ العمر.
وشكل الصوت بعد أن اختفى عن اسماعهم جميعًا، عندما قفزت ڤين ديرما من المسموع إلى اللا مسموع، قد نُحِتَ في عقل لولا مجددا..
صورٌ وصورٌ من الضباب، المزيد حتى كاد يبتلعهَا، الكثير حتى ظنّت أنه سيأكل عيناها...
رأسهَا تدهورَت وكما سقط صوت ڤين ديرما من آذان الجميع سواها سقطَت رأسها بين كتفيها لثقل ذلك الشعور في عقلها..
تستطيع سماع الرفاق يتحركون حولها، يدُ آليكساندر، سوكا الذي يرفعُ كتفها
لكن الصبية ركضَت نحو الضباب وهي لحقتهَا وعندما وصلت لم تجد أحدًا.
ظلام أكله ظلامٌ والظلام أكَل ما تبقى من وعيها، وعند الطرف الآخر سمعت نهاية الصوت الذي غردته ڤين ديرما، آخر صرخة لحورية بحرٍ خيالية.
-- مرحبًا؟--
قالت وشكل الصوت تغيّر من الظلام إلى الضباب إلى خطوطٍ صغيرة في الصورة أمامها، متشابكة، عشوائية وليست كأي شيءٍ قد أراها إياه الذي لا يرى شرًا من قبل.
--هل تسمعني؟--
-- تعالي إلى المكتبة..--
يقول ولا قال بعد ذلك شيئًا.
استرجعت أنفاسها وفتحت عيناها على وجهِ آليكساندر راكعًا بين ساقيها، متضرعًا ليديها..
وهذا المشهد كان تكرارًا لما حدث منذ ثلاث سنوات، وكلّ شيء وقعَ في دوامة زمنية رجّت عقلها.
عيناها كانت سوداءَ كليًا، ما يحدث عند حضور ماريا فيها، إلا أن ذلك لم يفسّر التوسع الغريب الذي طرأ عليهما، كأنما بهما هلعٌ..
-- آليكساندر..--
هي لم تقل اسمه،
لولا غنّته.
وجونغكوك صرخَ في ڤين ديرما هذه المرة، محمومًا بفكرة أن حكمه خاطئ، وأنها قد تكون فعلاً الشخص السيء الذي قد يؤذي قائدته بأي شكلٍ كان:
-- ما الذي فعلته؟
اقسِم إن فعلتِ شيئًا لها..--
سقطَ وجه ڤين ديرما في الحيرة لثانية امتصهَا الجّدُ ونبست.
--إجابته..--
يدها اخترقت الهواء أمامها تشير لبروس، أنها إجابة سؤاله عن علاقة ليليث بلولا.
--إجابتنا.--
انثنت ذراعها عندما اكملت.
--الصوت الوحيد،
كل ما أعرفه..
لكن كافٍ للتأكد، أن ليليث تغني عبركِ.
ماذا سمعتِ؟--
الرفاق غيروا وجهَة العيون الوجلة من ڤين ديرما للولا الآن، عدى آليكساندر الذي لم يزِحها عن صبوه منذ فقدَها في غيهبٍ لا يراه لثوانٍ كالديجاڤو.
غلّقت لولا أصابعها على يديه، تنفست بكلّ خلية في جسدها، سمحت لنفسها بالحضور مجددا في المكان وذلك تجلى بها في اللامرئي..
اللامرئي الذي يُمكن لڤين ديرما رؤيته، سوكادور الشعور به، آليكساندر الإحساس بوجوده، وجودها..
--إن امكنكِ افتعاله، أي يمكنك سماعه
أيضًا صحيح؟
لما لا "تغني عبركِ" إذا؟--
لولا سألت هذا السؤال المنطقي، واستقامَت تجعل آليكساندر يساندها ويسندها.
-- الصوت الوحيد الذي اعرفه..--
قاطعتها لولا عن تكرار جملتها السابقَة، كانت تقترب منها أيضا، تسير دانية منهَا وكتفيها يرسمَان ثقة.
-- أعلمُ، ذلك..
لا أصدقه عزيزتي، اعطني شيئًا يُصدّق.
كيفَ لك اصدار صوت لا تسمعينهُ ولما تعرفين أنهُ يشير لعلاقة ما بليليث؟
ليليث!
الأسطورة منذ ما يُعرف عن بداية البشر.--
نظرت ڤين ديرما لعيناها، لهيب الشمس يبدو أكثَر هدوئا أمامهما،
ما الذي تحتويه هذه التركيبة الغريبة من المادة لتحُوز كل هذه النار داخلها؟
ما الذي مرّت به لتحترقَ في عيناها كواكب الكون ولا يذوب الجلد الذي حولها؟
ارتفعَ طرف الشفاه النيلية، الليلية، المرصعة بشعاعٍ قمر دموي. ڤين ديرما كانت هادئَة للحد الذي تظن فيه أنهَا جثة ضاحكَة.
--بداية..
البشر؟
آه لا.--
وضعَت أصابعها على حلقها مستقيمة، تلمسهُ الأظافر وبعضه.
-- لا تغني عبري..
أنا لا اسمعه، ما سمعوه--
وأشارَت بيدها الأخرى للمستذئبين هنا، سوكادور تحديدًا الذي كان يتربص أي مفاجأة أخرى.
-- نعم، لكن، ما سمعتِه أنت الآن..
لا.
لأنه ليس مني.
آيثن ثير..
هي من تغني عبري.
وقد نادَت ليليث، لأجلكِ.--
نظرَت ڤين ديرما حينها لآليكساندر، وفي عقله ظنها ستنطق وتقول، لا، بل تصرخ كما لم يراها تفعلُ من قبل سوى عندما كاد يمزق سوكادور رقبة آيثن ثير اللامرئية:
"أليس هذا ما أردته؟!
المعرفة عن ليليث؟
لأجلها!"
لكن ڤين ديرما لم تصرخ بذلك، لا في وجهه ولا في وجهِ سوكادور ولا حتى لولا التي تقفُ على بعد ملمترات من وجهها.
اخفضت يديها فرنّت خرزها وقلائدها ثم خَبت وانتحَر صوت الغرفة من نافذَة القول لمدة.
-- آيثن ثير..
نادت ليليث؟
أنتِ بالتأكيد مليئةٌ بعلبِ المفاجآت.--
انفجر سوكادور ضاحكًا، لكنها صدئة، كالنافذة التي انتحر منها الصوت.
مسح وجههُ وابتلعَ وجوه الجميع وتحديقاتهم ريثما يعدل القفازين في يديه.
-- إذا كانت آيثن ثير تستطيعُ دعوة ليليث العظيمَة لحفل مبيت فلماذا تحتاجاننَا لقتال عدوكما؟
أليسَت حسب شعبكمَا: "آلهة" --
شكَّل مزدوجتين وهميتينِ بسبابته ووسطاه الأيمنان ثم استعملهما لتضييق شريطِ القفاز مجددا.
-- فكّر ذئب.--
قالت ببساطَة والتي أمامها شعرَت بشيء مألوف في هذا القرب فتراجعَت تراجع السبب في ذهنها..
تلجأ لآليكساندر الذي ألجأ كتفيها لجسده وهمس قلقه بسؤالٍ عابر لكن ليس بالنسبَة له:
-- أنتِ بخير؟--
"لا، ونعم، وأكثَر مما ينبغي لي."
لكنها اومئت وبدل الإجابة بذلك قالت
--ماهيتو جعَل هذه الأمور طبيعية
بالنسبة لي.--
لم يبتسم لكنّ جزء ثغره طال، زمنُ حديثهما لم يكُن كذلك.
من الزاوية شاهدا سوكادور يقفُ، يستنشق ماء أنفه ويتقدم نحوها بخطى حثيثة.
-- ما الذي عليّ التفكير فيه..--
-- لما احتاج منكم و صديقتي آلهة؟--
رفع عيناه أكثر حتى تجاوزَ طولها، ورفع ما يحدُّ تفكيره.
-- آه، صديقتكِ الآلهة بلا فائدة أمام ذلك الشيء صحيح؟--
-- كقائدكَ الأعلى.--
أشارَت لآليكساندر والإهانَة التي ردتها لسوكادور لم تكُن تعنيه وحده، الجميع شعر بها وتصرّفَ على أساسها، صيحات وتهديد، خاصة من بروس وميكي..
إلا أن آليكساندر تنهد لثانية، وضع يده على رأس لولا التي عبّرت عن رغبتها بحشر أصابعها في فم ڤين ديرما.
-- هل أنتِ متأكدةٌ بشأن ذلك؟--
سأل ڤين ديرما، خرسَت وجسد سوكا حارب ركلها للحائط.
-- رأيته بعيناي.--
تقصد ما حدثَ في الغابة، علَت حواجب آليكساندر دهشَة ساخرة، لاذعة، وابتسامة..
--أذكرُ أنني أنقذتكِ من الموت هناك، آنستي؟--
سؤاله كانَ حانقا، قليلاً..
-- أجل، لكنك في خطر.
هذا ما قصدت،
لما الغضب ذئاب؟--
نظرت للوجوه حولهَا وآخرهم سوكادور الذي أبعدَ عيناه، يحرك كتفاه و دنا من وجهها شبرًا.
-- هل يحكّكِ جلدكِ إذا خاطبتكِ بطبيعية أم أنه أمرٌ في دمك ما يدفعك لجعل جميع من حولك يرغبون بقتلك؟--
تظاهرَت بالتفكير في سؤاله بكلّ جدية فزفرَ مبتعدًا عن وجهها دافعًا جونغكوك للضحك وعندما عادوا لأماكنهم ورشدهم من أسلوب ڤين ديرما المزعج في الحديث آليكساندر بدأ آخرًا وهذه المرة هو رفعَ يده..
ابهام، سبابة ووسطى، أشار بثلاثتهم لها يسألُ بوجههِ وروحه وربما لو تم التركيز فيه لوقتٍ أكبر لنزفَت رغبته بالإجابات من مسام جلده.
إلا أنه كان سؤالاً قصيرًا.
-- هل أنتِ متأكدة من أن آيثن ثير في خطرٍ إن واجهت ذلك الضباب؟--
جونغكوك وميكي خزرَا بعضهما يستوعبان للتو أن هذا ما قصدته بالتحديد ڤين ديرما عندما قالت لسوكا "كقائدك الأعلى".
اومئَت وأخذت يدها تدور في الهواء لوهلة، تُسمع صوت القلائد والرنين.
-- كل شيء في خطرٍ أمامه.--
--إذا ماذا؟
أنتِ تقوديننا لهلاكنا المحتم لكن في جوٍ
أكثرَ غموضًا وحماسا؟--
كان هذا بروس بأصابعه تسند جانب رأسه ووجهه الملول.
-- أحب الغموض والحماس.--
جونغكوك قال بابتسامَة عظيمة مختلَة الأساس والمبدأ.
-- حسنًا، نعم، أنا أيضًا صديق لكنها ليسَت...
تعلم!
ليست منا.--
والأمر كان واضحًا، تلك الحدود لم تفرق الأرض فحسب.
تلك الحرب قتَلت أي مستقبل للسلام.
أو هذا ما عُرِف.
-- كل شيء جزءٌ من كل شيء.
لست مختلفًا عن الهواء الذي تتنفسه ولا الأرض تحت الأقدام.
حين يأتي ضباب الموت، وسيأتي..
سيقتل كل شيء.
أنا، أنت، آيثن ثير، قائدك الأعلى، الآلفا..
وحتى هي!--
أشارَت للولا والتي كما حلّلت ڤين ديرما سابقا، يتوقع منها جميع الذين هنا الكثير..
ولحد ما هم على حق، يمكنهَا رؤية تلك القوة والصلادة تخترِق المادة اللامرئية من حولها، رأتها منذ أول لقاء.
لكنهم قد رفعوا سقف توقعاتهم أكثر مما ينبغي، وربما سيسقطُ على رؤوسهم إن لم تخفضه بنفسها.
وربما منذ خُلقت ڤين ديرما لم تتحدث عن شيءٍ ليست متأكدة بشأنه واثقة النبرة هكذا إلا أنها استمدّت الثقة في قوله لتحميهم من أنفسهم وما يتوقعونه من فتاة لا تدركُ بعد ما تكونه.
لولا مارغرييت دوايت.
ماريا.
صبو القائد الأعلى.
صبو الحفيد السابع للإسكندر الأعظم.
ابنة هابيل الأخيرة.
هذه كانت مجرد البداية.
من ظله الصامت خرجَ دانتيه، شعره يرتجفُ حين يتكلم وعيناه سليطة رمادية كأقواله.
--لما نتعبُ أنفسنا بمحاربته إذا؟
إن كنا سنموت على أي حال..--
والغريب ما وقعَ بعد ذلك، من بين جميع الأمور الغريبة التي تحدُث هذه الأيام، لم يكن جوابه من ڤين ديرما بل من سوكادور، الذي يفترض أنهُ لا يقف في صفها منذ الأزل.
-- لأنه من الأفضَل جمعُ مقاتلين قد يُهزمون لقتال عدو لا يهزم على انتظاره ليسقطهم، لأنهم فُرادًا قد يسقطون فعلاً لكن..
معًا؟--
نظرَ لڤين ديرما وأحد جدائلها بالكاد تحركت لتعلن أنها هزّت برأسها.
دانتيه أخذَ تلك الإجابة وعرضها في كل زوايا عقله المعقّد لتعلق أمام عيناه، كالمنظار، أخذ يترصّد باحتمالات مستقبل هذه الإجابة وهذا القرَار الذي يفكر الآلفا بانتهاجه.
وبالطبع، فكرة أن ڤين ديرما فعلاً ستقودهم للطريق الذي تريدُه.
لكن هذه الفكرة ماتَت شابة والقاتل هو آليكساندر.
--تفكيرٌ صائب آلفا لكن التوقيت يسيء إلينَا.
إنني أرى اليوم احتشادَ أعداء ضدنا لم يكُن لهم في خريطتنَا تعليم أو مفتاح.
فما سنفعلهُ إن جمعنا من يُسقطنا نحن لا من يعصفُ ريح الضباب؟--
رفعَ سوكادور رأسه بعد مدة من مراعاةِ السؤال في وجه آليكساندر، بحثَ عن بقعة لاحقًا ليراقبها في النافذة ثم عادَ يجيبه، يناهزه..
-- إذا لن نفعَل..
نلتصقُ بالخريطة الأولى، نلتصقُ بظهر بعضنا آليكس ونحاربُ كالأيام الخوالي..
قطيعُ جونيور ومجموعة آليكساندر إلاغون.--
عند قوله ذلك كان سوكا يشيرُ لنفسه في ذكر القطيع ثم لآليكس في ذكرهِ للمجموعة والبقية أصابتهم حمى الابتسامِ والذكرى.
-- يبدو هذا جيدًا بالنسبة لي.--
جونغكوك هتفَ وميكي وضعت يدها على كتفه توافقه.
-- هذا سيكون ممتعًا!--
-- مئة آمين لذلك لـو.--
لولا وبروس تشاركَا الحماس الذي فقدوه في رحلة متقطعَة من سنة إلى ثلاثة لا يمكن فهمها فعلا.
-- إذًا سنتجاهل فحسب أنها قالَت حتى الآلهة في خطر أمام ذلك الشيءِ؟--
دانتيه بسبابته المقلوبة المصوبة نحو ڤين ديرما أضاف ولولا لوّحت يدها تشرأب رقبتهَا بقليل من الغرور.
-- واهٍ حسنٌ، إن ساءت الأمور يمكنكُم
إغضاب ماريا وستتكلّف به.--
-- أفضّل الموت بالضباب، شكرًا.--
جونغكوك وضع قدرًا عظيما من الهلع على وجهه، ممثلٌ بارع، يكفي أنه يخدعُ الجميع دومًا بتصرفاته الغبية.
-- إن كنا سنفعلُ هذا فيجدر بنا البدأ إذًا..
نحتاجُ لدخول نطاق السيد سبينوزا ذاك، كنت لأفضل كل ما يندرجُ في قائمة الاقتحامِ، التفجير، الخطف والتعذيب، السلخ أو التدمير العمراني التام لكن هذا لا يفيدنا إن أردنا معلومات ملموسة و..
حسنًا مصدرها حي وكامل.--
تلك كانت ميكي، ذراعيها لصدرها ووجهها الجادُّ لا يناسب طريقتها في قوله.
على كلٍ الجميع وافقهَا وأخوها أخذَ ما تبقى من الحديث.
-- بقول ذلك سيكونُ علينا الاستفادة من أربعة أيامٍ من التدريب المكثف..--
اقتنَص نظرة لڤين ديرما والجميع لاحظَ ذلك، إذا هو يوافق على استمرار هدنتهما ومنه سيوافق علَى ما تريده، ما اقترحته، السير في ذلك الطريق نحو الضباب.
ذلك اخرسهم ريثمَا يقول سوكا:
-- سنرى إن استطعنا إمساكَ أعدائنا في هذه الجهَة من الحدود، ثم نقرّر هل ندعُ عدو الجهة الأخرى من الحدود يمسكُنا.--
غير محدد، هذا ما قاله، جملته ومهما حمَلت من أمل بمحاربة الضباب بالنسبة لڤين ديرما يبقى فيها طعمٌ غريب لـ اللاحتمية، مر وثقيلٌ ويحول الأرض تحت الأقدامِ لتكتلات من الطينِ والزجاج.
-- قائد..--
نظر سوكا لآليكس شطرًا، للتأكد لا غير والآخر منحه يده
-- إنهَا الطريقة القديمَة إذا.--
ابتسمَ وسوكادور قهقه يأخذُ عرض يده يصافحها، غير أنه شعرَ بها يغوص في قبضته، ترتخي، لا تمت لآليكساندر بصلة أو داعي.
تذكر العروق السوداء في الساحة لكنه اخفى ذلك خلفَ قناعه واستمعَ لڤين ديرما وهي تقاطعهما.
-- ꪊꪀᦔꫀ ᦓꪻꪖᦓ, ꪮ ꪑꪖꪶꫀᦔ꠸ᥴꪻꫀ ꪶꪊρꫀ, ᦓꪖꪀᧁꪊ꠸ꪀꫀꪊꪑ ꠸ꪀ ꪻꫀ᥅᥅ꪖ ꪻ᥅ꪖꫝ꠸ᦓ ꪖᥴ꠸ꫀꪑ.
ᦓꫀᦔ ꪻꫀ ꪖꪑꪖꪜ꠸ꪻ ꪻꫀ᥅᥅ꪖ ᥴꪖ᥅꠸ᦓᦓ꠸ꪑꪖ, ᦓ꠸ᥴ ᥇ꫀꪶꪶꪊꪑ, ᦓ꠸ᥴ ᦓ꠸ꪶꪜꪖ ᠻꫀᥴ꠸ꪻ ꫀꪻ ꠸᥇꠸ ꪜ꠸ꪜꫀᦓ.
ꪊ
ꪀᦔꫀ ᦓꪻꪖᦓ ρ᥅ꪖꫀꪻꫀ᥅ ꪻꫀ ᧁꪶꪮ᥅꠸ꪖ, ᦓ꠸ᥴ ᥴꪶꪖᦔꫀᦓ ꫀꪻ ᥴꫝꪖꪮᦓ, ᦓꫀᦔ ꪻꫀ ꪇꪊꪮꪇꪊꫀ ꪖꪑꪖꪜ꠸ꪻ, ᦓ꠸ᥴ ꪊꪶꪊꪶꪖꪻ, ᦓ꠸ᥴ ꪜꪮ᥊, ꫀꪻ ꪜꪮᥴꪖ᥇꠸ꪻ ꪖꪑ꠸ᥴꪊꪑ ᥴꫝꪖ᥅꠸ᦓᦓ꠸ꪑꪊꪑ, ꫀꪻ ꪑꪮ᥅ꪻꫀꪑ ᠻꫀ᥅ꫀᦓ.
(Unde stas, o maledicte lupe, sanguineum in terra trahis aciem.
Sed te amavit terra carissima, sic bellum, sic silva fecit et ibi vives.
Unde stas praeter te gloria, sic clades et chaos, Sed te quoque amavit, sic ululat, sic vox, et vocabit Amicum charissimum, et mortem feres.)--
بإمكان البرازليين أو من يفهمُ اللغة إيجاد بضعَ مفردات مألوفة فيما قالته ڤين ديرما، بينما ذوي الأصول الأقدم والمعرفة الأدق باللغة كسوكادور وميكي وبروس ودانتيه فسيفهمون لمحة طفيفة مما تودّ قوله.
بالنسبة لآليكساندر فقد اختصَر على الجميع المشقة في كلّ هذا وترجمه للإنجليزية ليفهم الجميع هنا مستعينًا بتعدد احترافه اللغوي وذاكرته التي نمّاها عندما حفظَ الجدول الدوري للعناصر الكيميائية وهو في سن لا تتجاوزُ السادسة عشر.
-- 𝐅𝐫𝐨𝐦 𝐰𝐡𝐞𝐫𝐞 𝐲𝐨𝐮 𝐫𝐢𝐬𝐞, 𝐨𝐡 𝐜𝐮𝐫𝐬𝐞𝐝 𝐰𝐨𝐥𝐟, 𝐲𝐨𝐮 𝐝𝐫𝐚𝐰 𝐚 𝐛𝐥𝐨𝐨𝐝 𝐥𝐢𝐧𝐞 𝐨𝐧 𝐞𝐚𝐫𝐭𝐡.
𝐁𝐮𝐭 𝐞𝐚𝐫𝐭𝐡 𝐥𝐨𝐯𝐞𝐝 𝐲𝐨𝐮 𝐝𝐞𝐚𝐫𝐥𝐲, 𝐬𝐨 𝐝𝐢𝐝 𝐰𝐚𝐫, 𝐬𝐨 𝐝𝐢𝐝 𝐭𝐡𝐞 𝐟𝐨𝐫𝐞𝐬𝐭 𝐚𝐧𝐝 𝐭𝐡𝐞𝐫𝐞 𝐲𝐨𝐮 𝐬𝐡𝐚𝐥𝐥 𝐥𝐢𝐯𝐞.
𝐅𝐫𝐨𝐦 𝐰𝐡𝐞𝐫𝐞 𝐲𝐨𝐮 𝐬𝐭𝐚𝐧𝐝 𝐭𝐡𝐞𝐫𝐞'𝐬 𝐠𝐥𝐨𝐫𝐲 𝐛𝐞𝐬𝐢𝐝𝐞𝐬 𝐲𝐨𝐮, 𝐬𝐨 𝐝𝐨𝐞𝐬 𝐝𝐢𝐬𝐚𝐬𝐭𝐞𝐫 𝐚𝐧𝐝 𝐜𝐡𝐚𝐨𝐬, 𝐁𝐮𝐭 𝐬𝐡𝐞 𝐭𝐨𝐨 𝐥𝐨𝐯𝐞𝐝 𝐲𝐨𝐮 𝐝𝐞𝐚𝐫𝐥𝐲, 𝐬𝐨 𝐲𝐨𝐮𝐫 𝐡𝐨𝐰𝐥, 𝐬𝐨 𝐲𝐨𝐮𝐫 𝐯𝐨𝐢𝐜𝐞, 𝐚𝐧𝐝 𝐬𝐡𝐞 𝐰𝐢𝐥𝐥 𝐜𝐚𝐥𝐥 𝐲𝐨𝐮 𝐭𝐡𝐞 𝐝𝐞𝐚𝐫𝐞𝐬𝐭 𝐟𝐫𝐢𝐞𝐧𝐝, 𝐚𝐧𝐝 𝐲𝐨𝐮 𝐬𝐡𝐚𝐥𝐥 𝐛𝐫𝐢𝐧𝐠 𝐭𝐡𝐞 𝐝𝐞𝐚𝐭𝐡.
(المكانُ حيث تقوم، أيها الذئبُ المشؤوم، ترسم خطّ دماء على الأرض، لكن الأرض ودّتك عزيزًا، كذلك فعلت الحرب، كذلك فعلت الغابة وهناك ستحيا.
المكان حيث تقف مجدُه جانبك، كذلك فعلت الكارثة والفوضى، لكنها ودّتك عزيزًا، كذلك عوائك، كذلك صوتك، وستدعوك الأعزّ في الأصدقاء، وإنّكَ لتجلبنّ الفناء.(الموت) )--
___
بعد تأكد ڤين ديرما من أن أحدهم على الأقل فهمَ خطبتها الصغيرة تلك غادرت عبر النافذة، وفيما ظنّه الجميع هروبًا منهم هي انتظرتهم في الواقع في الساحة مجددًا.
جونغكوك أطلّ من فوق واقترحَ أن ينزل لإكمال ما بدئوه، فإن كانوا سيقاتلون ما قالوا أنهم سيقاتلونه، ومما رآه جونغكوك في تلك الغابة، أربعة أيام من التدريب ليسَت سوى تحمية.
تبعهم البقية ولم يظلّ سوى آليكساندر وسوكادور الذي تاهت رحالهُ بعد ما قالته ڤين ديرما، ما يظنه نصًا من مصدر مقدس ما كان في الواقعِ مجرد أفكار تناظرت في زوايا عقلها واندفعَت عبر لسانها عندما رأتهم.
لكن لا أحدَ سيعرف حقيقة الأمر أو لما فعلت ذلك بعد أن أخبرته سابقًا أنه ليس ملعونًا.
موبوئًا بالفكرة المرعبَة لكونها قد تعرف عنه أكثر مما يجب مجددًا أخذه آليكساندر من نفسه بكأسِين ليتشاركَا.
لم يجلسَا بعد ولا يريدان ذلك على ما يبدو، انقادا للنافذة، أصوات جونغكوك وميكي ولولا تكرران التدرّب، وللمفاجأة بروس ودانتيه أيضًا هناك، بعيدين عن ڤين ديرما والمجموعة الصغيرة التي تشكّلت حولها بمسافة ظريفة في الواقع تعكسُ واقع أنهما حقًا لا يثقان بها لدرجة: أقوى من أن يكترثَ لإخمادها بالنسبة لبروس، و لا يوجد مصلحَة من إخفائها بالنسبة لدانتيه.
-- أفكّر في اتصالٍ بألمانيا.--
آليكساندر شرع حديثًا، يرتشف ويبقي عيناهُ على ظفيرتين وجسد يهتزُّ فيهز كيانه كله هناك في الأسفل.
--هيا، جين مشغولٌ ولا أحدَ لينوبه حتى لو طلبتَ حضوره آليكس.--
-- لا، بل مون.
أحتاجُ عقلها ويديها هنا.--
--متى عادَت من إيطاليا؟
أستخبرُ جيمين..--
ابتسم آليكساندر عندما دفع سوكا المشروب لحلقه مباشرة، يبدو أنه كان بحاجَة لهذا الكأس أكثر مما توقع.
-- لن اضطرّ لذلك، تعرفهما، جسدين
لنفسِ الكيان.
مون عادت من إيطاليا قبل شهر، مع بعض أطفالنَا من الأكاديمية، لديهم عطلَة وهي لديها شيءٌ في عقلها ذاك تريدُ التأكد منه.
فكّرت!
أنا أيضًا.
لذا، فلتأتي هنا ونتأكد من أشيائنا.--
ضحكَ سوكادور حتى بانت نواجذه.
--شرطَ أن لا تحضرهم، آخرُ مرة تعاملت فيها مع اولئكَ الأطفال فقدت رغبتي بالإنجاب، تذكر؟--
بالطبع هو يفعَل، من الغريبِ سؤال ذلك لآليكساندر لكن كل شيء حول سوكادور غريب، كيفية موازنته بينَ الشخصية والمرحة والشخصية المفتوك بها نفسيًا أحد أكثرها غرابة.
إلا أنه يمازحهُ بشأن "الأطفال" لأنه وكما سيقول آليكساندر في احتسائه الثاني من كأسه وانهائها أن:
--من المبالغَ فيه الاستمرارية اللامعقولة في اطلاق لفظِ أطفال عليهم بعد مرور ثلاث سنواتٍ من إنقاذهم، تخرجهِم من دير الراهبان والتحاقهم بالأكاديمية.
قد مرّوا بالكثير لدرجَة أنني ومون نستصعبُ أحيانا تصديقَ أنهم لم يفقدوا عقولهم..
حسنًا هذا لا ينطبقُ على رامونا كثيرًا، هي فقدت عقلها.--
ضحكَ سوكادور متذكرًا ما حكته مون وجيمين عن رامونا سابقًا، بالنسبة لفتاة في الثامنة عشر من عمرهَا، كانت رامونا تبدو معلقة ككرية نواس ترقصُ بين العبقرية والجنون.
-- نعم، قد فقدَ بعضهم بوصلته السلوكية النمطية، بعضَ المفاهيم البشرية، لكن ذلك راجعٌ لاحتكاكهم بالراهبات والمخلوقات وبنا طيلة الوقت.
على الأقل نستطيعُ توفير مستقبلٍ لهم.--
-- ذلك وأنّهم حقًا شكلوا روابطَ بين بعضهم وبينكم، لا أظن أن أي سلوكياتٍ شاذة من قبل أطفالكِم ستفسد ذلك.
صحيح آليكس؟--
شاهد سوكا الابتسامة الدافئة تتشكل على جانب وجه صديقه، أومأ وذهب لملئ الكؤوس مجددًا..
هذه المرة أخذ وقته وعندما عاد فتحَ موضوعًا جديدا، يؤرقه منذ أمس، وسيؤرقهم كثيرًا.
عندما ألقى آليكساندر يده لاستلام كأسه ركّز سوكا على معصمه، انتقل لعيناه وحدّد
-- متى كنت عازمًا إخباري؟
قد لا تحملُ تلك الخطوط رائحة لكن منظرَها يدُرّ الإحساس بالمرض والشؤم.--
عادة يلتقطُ المستذئبين رائحة غريبة إن كان مقابلهم مريضًا، لأن الفيروسات والميكروبات المسببة للمرض ستعبثُ بالإفرازات الجسدية للكائنات، شيء طفيف ليلتقطه أنف الذئب حتى في الدماء.
إلا أن سوكا وغيره لم يلتقطوا رائحة كتلك من آليكساندر، وسوكا لم يحتج الشّم ليلاحظ..
-- ربما..
عندما أفهَم ما هي تحديدًا.--
حرّك حاجبيه متهكمًا لكنه مجرد تشتيتٍ لحقيقة أنه لم يكن يرغبُ بأن يعرف غيره، يكفيه قلق لولا.
--هل لولا تعرف؟--
وها هو يسأل ذلك السؤال، آليكساندر هزّ رأسه وأبعد وجهه يختلي بكأسه.
-- والمشعوذة؟--
قهقه آليكس، كانت قصيرة وهادئة.
-- وهل ندركُ معرفتها قدرا؟--
كان يسخرُ احتكارها للمعلومات عن ليليث وبدى لئيمًا بينما ينظر لها الآن.
-- لا تصدقها؟--
--هل تفعلُ أنت؟--
--أدركُ أنها تخفي أكثرَ مما تبوح به.--
--جيد، إذًا أدركنا نفس القدر من معرفتهَا..
لنأمل أن ندركَ الباقي قبلَ أن يفوت لهذا أوانه.--
همهم سوكا وهو يراقبهَا توجه قبضتها لتريهم الفرق بين القوة العضلية ثم القوة العقلية التي تثبت تلك العضلة.
-- حسنًا إذا، إلى ذلك الوقت، ابقيني على اطلاعٍ حول يدك.--
نزع قفازه وقدّمه له، كان طويلاً عند المعصم بما يناسبُ إخفاء العروق، آليكساندر أخذه عنه ممتنًا حدّ رموش عيناه وارتداه يحرك أصابعه المتيبسَة.
نظر له سوكا مرَة بعد وشعاعُ الشمس يغدق جانبه الآخر والخطوط المشكلة لجسده.
تركه ونزل يمنح كأسه لبروس في طريقه الذي رحّب بذلك أشد ترحيب.
--جولةٌ أخرى حية؟--
خزرته ڤين ديرما وتجهزت في وقفتها، يبدو أن لوديفيكو محقٌ بشأن عدم حاجتهم للنوم والراحة.
لوديفيكو وآلونزو الذين الآن استطاعا التسلل ومشاركَة الوافدة الجديدة تدريبها، اختلاس نظرة أقرب والتجهز لغدٍ طويل.
_____________________
_________
تمتزجُ الألوان الترابية لريو دي جانيرو ببراعَة فنية آخاذة تكادُ تكون غير واقعية، مع البريق اللاذع الذي تُشعله الأشعة الشمسية المتغطرسة، تتشكلّ لوحة زيتية مليئة بالنار والوهجِ والأخضر الترابي وخطوط البيوت المتكدسة وشوارعَ الفوضى الشعبية.
وفي أعلى الهرم سنلاحظُ منظرًا آخرا للجمال المنظّم الحضاري حيث يعيش نخبَة الشعب، قلّتهم، لكن أكثرهم مالاً وحظًا.
|فيلا فيرناندو سبينوزا |
كُتب في صفيحة بلاتينية لمبنَى أبيضٍ يدل على النظافة والثراء المتدفقّ لمالكه، يقف بزواياه العديدَة على كيلومتراتٍ منمقة من العشب والأشجار المقلمة.
وعلى الجانب الآخر منها، بهيدًا بما لا يمكن للعين البشرية رصدهُ، كان دانتيه وميكي والصديقين لوديفيكو وآلونزو.
قد بدأوا مهمة مراقبَة مريبة بعض الشيء للفيلا، تحت إشراف بروس الذي يهتم بما يمكن من تدريب القطيع في الفندق والتعامل مع الصراعِ بين الآلفا والدخيلة.
حيث بزوغُ فجر جديد واحدٍ كان صافرة السباق نحوَ تحضيراتهم.
أخفضَ دانتيه منظاره المتطور، كان لديه وبشكلٍ غير اعتيادي أنبوبين دقيقين يربطانِ جسد العدسات والحامل، لون زيتيٌّ داكن وصوت خافت حتى بالنسبة لهم يصدرُ عنه.
بعد أن سخرت ميكي شكله أخبرها أن
-- هذا المنظَار قد طوّره السيد جيمين إلاغون وقد منحني إياه في آخر مهمَة جمعتنا هناك في آلمانيا.
إنه يحوّل درجات الحرارة لقراءاتٍ رقمية، يفرزها ثم يعرضهَا كأهدافٍ أوضح حاذفًا بذلك ما تبقى من الأجسام التي قد تشتّتُ رقابتي.--
ذلك أخرسها.
وأضحكَ الرفيقين.
-- إذًا سنجلس هنا للفجر القادم أم..
ماذا؟ إلى حين انتهَاء الحفل.--
ميكي مجددا، هذه المرَة تستلقي بين غصن شجرَة وساقها، ظلال الورق على وجهها والرجال الثلاثة أسفلها ينخفضون أرضًا أو يسدون جوعًا قد كبُر.
-- ها نحن مجددًا..
ميكي لا أحدَ طلب منكِ المجئ، أنتِ سيئة في المراقبة وكل ما يمتُّ للصبر بصلة كما هو سوء عاداتكِ في الشرب!--
بدى دانتيهِ فاقدا لصبره بقدرها تمامًا، لكن السبب ليس المراقبة بل وجود ميكي معه أثنائها.
--منذ متى أصبحتَ مزعجًا هكذا دان؟--
زفرت واعتدلت.
--منذُ بدأنا نسير لنهاية العالمِ وأنتِ تتصرفين كأنه يومٌ أحد عادي آخر.--
كان هادئا أكثر هذه المرة وعادت ملامح دانتيه الدمثة للظهور.
-- آه، هذه أول نهاية عالم بالنسبَة لك، الأمر حقًا ليس بتلك الجدية، ارتخي يا أخي.--
نظر لها جيدًا لنصف دقيقَة ثم أبعد وجهه قبل أن يخنقهَا بذيله الصلد.
-- حسنًا، تقنيا، كنتُ حاضرًا في نهاية العالم واحد لكن لا أظنّ أن هذا يفسّر هدوئكِ بشأن الأمر سينيوريتا، ولا حتى سبب منح دانتيه وقتا عصيبًا.--
لوديفيكو شرحَ بوجه بسيطٍ وفطن.
-- لأنه من يهتم ولأننا محاربين ولأنّ هذا ما نفعله؟
انظُر لآلونزو يتناول وجبَته دون أي تذمر أو قلق، كونوا كآلونزو للحفاظِ على جمالكم. --
أشارت للثالث من اثنين، شطيرته نصف الطريق لفمه طويل الندبة، حيث ومع الخط الفالقِ لشفتيه تشكّلُ صليبًا.
مع أنها ذكرت الجمال لكنه لم يستحبَّ ذلك لأنه يعلم أن ميكي لا تمدحُ أحدا، خاصة إن كان ذكرًا أو شخصًا لا يشرب.
-- عندما تنهيان تضييع الوقت،
تعالاَ لرؤية هذا..--
قفزت ميكي بأملِ حدوث شيء جديد يسرقهَا من الملل، دانتيه منحها المنظَار الذي كانت تسخر منه لترى عدة شاحناتٍ تدخل الفيلا، وبدل الركون في الحديقة زاهية اللون والطرف اختفت الشاحنات الوحشية في مكانٍ ما أسفل الأرض.
كيف علموا أنهَا اتجهت لأسفل الأرض؟
الفتحة التي ظهرَت بعد توقفهم والتي لم تنغلق حتى سارت الشاحنات للداخل.
-- أننزلُ في أثرهم؟--
سأل لوديفيكو بعد أن رأى المشهَد، المشكلة أنه لا يعلَم ما داخل الشاحنات لكن دانتيه يعرف بفضل منظاره.
لذا أجابه..
-- لا داعي لذلك.
إنهم يحملُون مخلوقات بشرية الهيئَة لا يمكن سوى أن تكون أحدَ الأمرّين..--
ميكي نظرت له هذه المرة، تستوعب أن المنظارَ قد كان يظهر المسح الحراري للأجساد ولهذا كان هناك العديد منها، فاهت رزينَة الصوت..
-- تقصد بذلك؟--
آلونزو كان أولهم اقتناصًا لمقصد دانتيه..
-- إما المستذئبين من أقوال كارولينا
أو بشرٌ مختطفين للبيع.--
-- إن كنا ان ندخُل فيستحسن أن نعودَ
للقطيع ونُعلمَ الآلفا.--
لوديفيكو قال ذلك قاطعًا تواصل الأفكار غير أن ميكي همهمَت
-- أو نجعلُ رحلتنا أكثر متعَة في مستقبل ذاكراتنا وندخل.--
-- ميكي.. لا!--
دانتيه حذّرها وابلغَ يده لمنظره الذي بحوزتها.
-- أعلمُ أن آليكس سيكون مغتبطًا إن أحضرنا أكثر من مجرد معلوماتٍ شفهية.
لنقل بعض الأجساد أو أطرَافها، زجاجات دماء أو محاليل أخرى..
تعلم،
العينَات التي تعجب كيميائيًا مختلا؟--
-- ومستذئبة لامسؤولة متهورَة؟!--
كاد ينفلتُ حنقه من صوته.
-- يا لك من مملٍ دانتيه، تجعلني أتمنى لو كان جونغكوك معنَا.--
كشّرت تحمل شعرها لجهة واحدَة وتزفر، حركة متوترة صدرت عن دانتيه فجأة، سمعته يلعن ولوديفيكو يسأل عن سببَ التعطل الطفيف في شخصيتهِ..
-- أمنيتكِ تحققت ميكايلا، رجاءًا المرة القادمة تمني شيئًا غير جونغكوك.--
وضع المنظار على عيناها مشيرًا للجهة الأخرى، جونغكوك كان يعبث بالأرضية الخفية بعد أن ظهرَ من أحد نوافذ الفيلا ولأنه لم يذكُر مشاركتهم هذه العملية دانتيه شعرَ أن خلايا عقله تتصادم كهربائيا.
--هذا هو فتاي!--
هتفت ميكي ترمي المنظَار وتركض هناك محاولة تمويه حضورها ببيئتها لما رأت جونغكوك ينجح في فتح المدخل المندثر بالحشائش والشجر والصخور الاصطناعية المبالغِ فيها.
سريعا كان آلونزو ولوديفيكو خلفها، دانتيه جمعَ مخلفاتهم للتأكد من حذف أي أثر لهم وانطلق بحركاته السلسةِ يتراقص ظله بين الأشجار والأعمدة.
المسافة العظيمَة الفاصلة لأبعاد هذا الصرحِ جنّبت لقائهم بأي شخص قد يزعجهم بالترحيبات.
-- متى كنتَ ستخبرني أنك قادم؟--
ميكي ظهرَت فجأة في وجه جونغكوك في ظلام المدخل، لكنه كان واقفًا ساكنا منتظرا بابتسامة على وجهه الفطن.
-- توقّعت أن لا يستغرقكِ الأمر وقتًا لتكتشفي قدومي، بالنهاية، كاريزما كونية لا يمكنُ الغفل عنها.--
رفع حاجبهُ واغترّ بنفسه، لوديفيكو وآلونزو وصلا وعندها تغير مسار حديثه لشيءٍ آخر، جاد، حادٌ وجلف.
-- كساندرا وأنا بحثنَا في أمر القطعان التي تجمعُ في جلسات،
كارولينا كانت صادقَة،
المفاجأة كانت أن يتمَّ الأمر أمامنا
في أحد القطعان..
حسنًا، ليس تماما، وجدناهُم صدفة وبينما أبقيتها هناك لمراقبة التحركات وانتظار عودتي إلا أنني كنت أنوي إبعادها لا غير.
إن كان هناك مستذئبين في الداخل يتِمّ جرهم كأنهم حشرات لا قوة لها فأنتم حلقة ضعيفَة في هذا الاقتحام.
جميعكم دون استثناء ستخرجون وتنتظرون.--
على كلامه وصلَ دانتيه الذي سيوافق أي منطقٍ صحيح، عكس ميكي.
-- لن أعودَ للمراقبة المملة برو، تعلمُ أنني أكثر من هذا.--
قصدت المراقبة واقتراح كونهَا حلقة ضعيفة لو ذهبت معه.
-- ميـكي..--
تغضبه الآن.
-- إن عرقلتكَ، جاكين..
حاول اللحاق بي وامساكي.--
ابتسمَت لما قالت الإسم الذي استعملته لتقصد أنه عادة ما يكون هو المشكلة وانسلّت تكسر مطالبه وملامحه، لكنها بكلّ تأكيد تناسب ما توقعه دانتيه منها.
-- لنهاية الطريق يا جروة.--
قال مبتسمًا، جونغكوك، ودحضَ حنقه بحماسه.
البداية في هذا الاخترَاق كانت غير مدروسة، مع ميكي المحطمة للمنطق والأحكامِ الاحترازية، اندفع الرجال الأربعة البقية في خندق طويل أدعج.
ظلامه رماديٌّ لأن مصادر الضوء المعلقة في السقفِ كانا متأثرة بعوامل الرطوبة والتربة أسفل الأرض ببضع كيلومتراتٍ.
قلقُ لوديفيكو حول التنفس اختفى عندما اكتشفُوا شبكة التهوية في الأعمدة، اثنين منها باعدتهما سنتميرات.
لمعَ شعر ميكي عندما انبثقَ شعاع ضوء صاخبُ الوقع في آخر المسير الحذر، الأصوات الآلية وبعض الأحاديث التي تتدحرجُ نحو الصدى وضجيج الأجهزة المريبة.
-- هل دخلنَا أحد حلقات "أشياء أغرب"
سهوًا؟--
لوديفيكو همسَ عندما اتضحت لهم الرؤية، أجساد تحمل على أسرة معدنية وتنقادٌ خلف الأبواب الكثيرة في الردهة الشاسعة.
أجهزة معلقة بمختلفِ الأحجام وأزرار متوهجة تسبب العمى المؤقت.
من زاوية وقوفها ظفرَت ميكي رؤية شاملة لأحد الغرف، زجاجياتٌ تحوي محاليل ملونة بجميع الألوان الممكن وجودها.
--ها هي ذا..
هذا ما سيريدُ منا آليكس إحضاره.--
أخفضت ميكي رأسها تشير لدانتيه ليتبع مكان يدها.
--علينا إخراجُ كل هؤلاء.--
لوديفيكو أخبرهم كأنه يخشَى أن لا يحققوه ودانتيه فعل ما يفعله عادة، يحطّم آمال المستمع له.
--لا يمكننا إخراج من أتى إلى هنا طواعية.
ألم تسمع ما قالتهُ كارولينا قبل موتها؟
إن هذه خطتهم، هذه رغبتهم،
ربما يجبُ أن تتوقف عن الاكتراثِ إذا أردت أن لا تنهِي يومكَ مثلها.--
-- لا تكُن مقرفًا للعين والأذن دانتيه، انظُر لوجوههم..
هل يبدون كشخصٍ يحقق رغبته؟--
ذلك كان آلونزو بحشرجة من حنجرتهُ سببها صمته الثقيل طيلة الوقت.
وبينمَا ينظرون لذلك أخذ جونغكوك ثوان ليفكّر وابتداع ما يمكن ابتداعهُ من خطة لهكذا ظرف.
--أكرهُ فعل هذا لكننا سنتبعُ دانتيه في هذا يا مرهفي الحسِّ.
لا يمكننا تحمّلُ ثمن التكهن بردات فعلهم أو اختفائهِم أو تعرف القطعان الآخرى على الخاطف.
لذا سنأخذُ ما قد يفيدنا دونما الأفراد هنا،
والآن لستُ أرى سوى ما اقترحته ميكي.
تلك الزجاجات هدفنَا الآن.
للآن.--
لم يضف أحدهم على كلامِ جونغكوك اعتراضًا.
-- أنا الأسرع.--
قالت ميكي، ترشيحٌ للدخول واحضار الهدف.
-- أنا الأكثر رشَاقة.--
دانتيه ذكرهم بوجهه الراكد.
جونغكوك أطل بجذعه على الردهة مجددًا ثم عاد بابتسامته المختلة.
-- وأنا جاكين.
"مشكلة".--
أخرج من جيبه كيسًا صغيرا وصدمه بجانب رأسه، يمسحه حتى شابه النزيف على وجهه ودلفَ هناك صارخًا.
-- أسرعُوا!
لقد سرقوا الشاحنة، حاولت منعهم، إنهم عند المدخل...
بسرعة، بسرعة!--
كان يحدثُ أكبر ضجة يمكن له إحداثها، وهي عظيمة بالفعل، عندما انسل الجمع يتبعه مغيّبًا بمنظر جونغكوك النازف وتمثيله المتّقد هلعًا وخبثا، استطاع الأربعة الاختفاء عبرهم وبينما يسرع الناس بالبذلات العملية الزرقاء للنفق كان الرفاق يذهبون في الاتجاه المعاكس مع البقاء بعيدا في الأطراف.
ركضت ميكي للطابق الثاني عبر الدرج وتقابلت هي ودانتيه وآلونزو عند باب المخبر.
المحاليل كانت كثيرة لكن نظرَةٌ واحدة من دانتيه للصفوف والأسماء وبدأ في حمل البعض من هنا وهناك ووضعها في حقائبهم.
اثنين أخذهم آلونزو في جيبه، واحد آخير رمته ميكي في صدرها.
-- هذا لا يحمل اسمًا!--
صرخ لوديفيكو من صفٍ بعيد قليلا عن البقية، لون المحلول في قنينته أزرق داكن يكادويشبهُ الليل.
--فقط خذه.--
دانتيه صاح بينما يغلق الحقيبة، يحاول أن لا يسقط قنينة.
-- أين يا لعين!--
لوديفيكو كان ممتلئا بما وضعه دانتيه له ليحمله.
--في سروالك لو شئت.--
أجابه آلونزو وهو يتوجه للباب يتأكدُ من أن جونغكوك يقومُ بدوره اعتباطيُّ التخطيط كما يجب وأن لا أحدَ اكترث لهم أو التقطَ رائحتهم الدخيلة على المكان.
-- لنذهَب، فورًا!--
ميكي أمرت وآلونزو كان أول من خرجَ، عنظما رأى لوديفيكو هرولة ميكي ودانتيه نحو المدخل خلف رفيقه، أمسك زجاجتين في يده وواحدة حملها بين أسنانه..
كان متوترًا وقراراته تصبحُ جامحة عندما يتوتر.
خرجَ من هناك على منظر الثلاثي وهم يفتحون بابا آخر في الطابق لم يكونوا قد دخلوا منه، ما يجرّح أنه لن يقودهم لمخرج وسريعًا استوعب لوديفيكو أن بعض الأفراد لم يلحقوا جونغكوك وأنهم في الأسفل وبعضهم قد يصعد في أي لحظة.
وكما قلنا عن قراراته حين يتوتر، ركضَ لأحد الأعمدة وشغّل جهاز الحرائق، الماء المختلطُ بالرغوة هطلَ وشوّش أسماعهم كعواصف مطرية.
-- ما الذي فعلته؟--
آلونزو صات لما استدار و اكتشف أن صديقه الفاعل، والأغرب كان منظرهُ بزجاجة كيميائية المحتوى الرب فقط يعلمُ ما داخلها وما سيطرأ على جسده لو انكسرت في أي لحظة، وهذا الاحتمَال في حالتهم كبير.
لم يجبه بالطبع لأنّ فمه مشغول وقادهم ركضًا للأسفل، يختفون وسط الضجّة والرغوة ويهربون للخارج حيث ينتظرهم جونغكوك بين الأشجار.
-- أين منقذيك؟--
سألته ميكي قاصدة الحشدَ الذي تبعه مرتاعًا، كان وجهه شبهَ ممسوح لكن شعره يرقد مبللاً بذلك السائل الشبيه بالدم.
-- لا زالوا يحاولون إنقاذي.--
ابتسمَ وأكملوا رحلتهم السريعة نحو سيارتهم المخفية خلف المباني..
دانتيه يوجّههم لتجنب أي كاميرا وشاهد.
ركبوا وعيونهم تسقط على كل مكان حولهم، آلونزو ولوديفيكو في الخلف مع دانتيه، جونغكوك عند المقود صرخَ فجأة يوقف نبضهم
--توقفوا، لا يحرّكنَ أحدكم بنصرًا.--
تجمدوا كما تعنيه كلمة تجمد، تسابقَ توترهم وترقبهم حتى استدار جونغكوك والتقطَ صورة للوديفيكو والزجاجة في فمه.
-- حسنًا الآن تمت المهمة.
لنذهب!--
_______________________
_________
المؤامرة بدأت تتوسع لكن جيد أنهم اكتشفوا أحد مقراتهم، طبعا بفضل آزاليس.
لكن من هو فرناندو سبينوزا إذا؟
/
عملت بحث صغير واكتشفت أن أقدم نسخة من البرتغالية والاسبانية وغيرهم هي الغلاسية، لكنها مندثرة ولا يمكن إيجادها، وأقدم منها هي اللاتينية العريقة وهي أيضا تطورت واندثرت لذا بدل ما أضيع شهر آخر في البحث عن لغة قديمة تقدر تتحدث بها ڤين ديرما مع سوكا في كلامها الغامض فوق لي ترجمه آليكس قررت اختار أي خط غريب من قوقل وأكتب به.
وطبعا نخلي آليكس يترجمه للانجليزية كما كتبه أنا لأن له ايقاع ثم أترجم لكم عربي.
لذا لا هذيك ليست لغة ڤين ديرما لي قلت أن قاعدة اخترعها بل نسخة تقريبة وهمية للاتينية القديمة (نتخيلوها مع بعض كذا)
/
وحدة من فترة ارسلت لي هاذي، وهي أقرب شي من تخيلي لڤين ديرما.
طبعا انتم أحرار في تخيلها كما يناسب وصفي ونسيج عقلكم.
Take care ♡
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top