«الوجوهُ الثلاثة للزمن والعدم.(01)»

-[ الفصل الثالث:
ثيانن مور، بوابَة العوالم.]-

|

(الجزء الأول من البارت)

نعم طولت ونعم أخلفت ونعم البارت كله شرح ومافيهش أحداث محددة لكنه نص بارت وتكملته بعدين لأن طويل.

شكرا للمخلصين لداكن وشريد ولي، الي ما وقفوا دعم وقراءة بل زادوا بعد تغيير الأسماء🤍

صار عندنا سيرفر بديسكورد لي بدها تنظم تدخل الرابط في حسابي ومرحب بها.

___________________

_______

"خلفَ الحدود استطَاعت أجيالٌ عظيمة من شعبٍ لا ولن يعلمَ عنه البشر شيئًا أن تعيشَ لقرون لا ولن يدركَ مخلوقٌ أمدهَا.

حدودٌ لم يستطِع العلماءُ والمستكشفون التوغّل بعدها داخل غاباتِ الأمازون التي يُعتقد أن مساحتهَا تسعةُ ملايين كيلومتر مكعّب، لكن الخطأ واردٌ في حسابِ ما لا يمكن الإقتراب منه.

لم يكُن البشر وحدهم العاجزين عن معرفَة ما هو أعمقَ داخل الغابات، لقد حُرّم منذ دهور تخطي ما خلف تلك الحدود على جميع المخلوقَات، بالقوة ثم بالدبلوماسية ثمَّ بالخطر.

تقودنا قصص المستذئبين الذين يعيشُون قدرا معتبرًا من الزمن إن لم يقتلوا أو يفتك بهم سمٌ أو مرض، إلى زمنٍ استطاعَ فيه القطعانُ و المحاربون وببسالتهم المتأصلَة أن يخترقوا مشارف الحدود ومساحة منها لأجل الحرب مع الشعب الغامض والمُنعزل.

وربما يتواردُ السؤال: لما بدأَت هذه الحرب؟

كما تبدأ أغلبها، لأجلِ الأرض والوطنِ

عبر الإنتقامِ والدم.

وفي هذا لفَّت ثلاث حكاياتٍ على الألسنة التي تدفنها القبور الآن، والألسنة التي لا تزال تدور حتى الآن..

الحكاية الأولى: أسطورة المستذئبِ الأول، ليوبارد.

وهي أسطورةٌ غير منطقية عند مقارنَة قصة خلقِ المستذئبين التي يتداولهَا مجتمعُ المستذئبين ذاته.

المستذئب الأول ليوبارد، ليوباد أو ليوبو كانَ آخر طفلٍ ملعون في الأطفال السبعة للقاتل والمختطف مازان (الكلمة تنحدرُ من Maza والتي تعني الفوضى.) والذي دفعَ ثمن رغبته وجشعه، ثمنَ الخطايا..

والثمن كان لعنه وأطفاله، من البِكر إلى الأينع..

جميعهم ولدوا كوحوش، وهكذا ولدَ الشقيق الأصغر ليوبارد مشوهًا، لا يستطيعُ التحدثَ ولا الجلوس ولا يمكنه تناول شيء دونَ أن يتبعه المرض..

الغذاء الوحيدُ الذي لم يكد يقتله هو لحمُ بني جنسه، وهكذا كانَ ليوبارد نهاية بني جنسه وهلاكهم.

وهكذَا يمكن ببساطَة اعتبَار المستذئبين رمزًا لهلاك الأقوام التي عاشَت داخل الأمازون، لكن لا يمكن الجزمُ أي قومٍ هذا الذي روّعه مازان وسلبَ منه وحاربه حتى تم لعنه ودمه القادم بعده، فقط لينتهي الأمر بآخر ابن أن يقتلَ الجميع..

القصة تنتهي دون أن تذكُر نهاية ليوبارد.

وتبدأُ دون ذكرِ علاقة سيلين بخلق المستذئبين في المقام الأول.

وتُروى هذه الأسطورة دون معرفَةِ هذا القوم.

الحكاية الثانية: أطلانطس التي لا تموت.

والغرض من تسمية أطلانطس هنا ليسَ التحديد بل الترميز، فالحضارة التي تخصهَا هذه الأسطورة ليست بالتحديد أطلانطس التي ييحثُ عنها البشر ويدّعون بوجودها الحتمي في نقطة ما بعيدة في الزمن.

بل مجرّد رمز تشابه ما بين وقعَ لهذين الحضارتين، التقدّم في العلم والمعرفة، الإزدهار والقوة في ظلال وغموضٌ، ثم النهايَة غير المعروفة.

وهذه قصة شعبِ ڤين ديرما الأول، أجدادها الذين تعاونوا مع التجسد الطاقوي الرباعي الذي تشكّل كحلفٍ لدحر القوة الخامسة، الأخ الأكبر.

القصة الثالثة: حَرب الأرض والإنتقَام.

هنا سنعرفُ السببَ المتداول بين النخبَة حول الحربِ المجنونة التي خنقَت رئة العالم لسنين، داخل الأمازون، داخلاً.. داخلاً..

عميقًا كنقطَة في عقل إنسان لا ولن يصلها العلمُ والطب، نقطة تكاد تكون وهميَة بالنسبة للعامة والغافلين.

يقَال أن الاحتكَاك بين بعض الأقوام التي عاشَت في الأمازون وما جاوره في ذلك وبين شعب خلف الحدُود لم يكُن وديًا يومًا، في فترة ما من الزمن تواجدوا معًا و في مكان ما لم يحتمل كلاهما وهنا اندلعَت الحرب كما يظن الجميع لأن الأرضَ احتاجت لمن يملكها ويبسطُ سلطته عليها..

لكن لا يمكن التغافُل عن أن الأقوام المجاورة لم تعِش داخل الحدود يومًا، أو وكأن شعب ما خلف الحدود قد انتشل أرضهم منهم.

يقَال أن الحرب اندلعَت لأن أحدهم أرادَ المزيد منها، ليس الأرض بل الحرب في جوهرها.

ويقال أنه هذا الأحدهم كان العدو الذي جعلَ سيلين تمنحُ بعض تلك الأقوام والقبائلَ هبة اعتادَت أن تكون لعنة، هبة التحول إلى ذئب..

وتلك القوة لم تندثِر حتى بعد الحرب.

قد يتسائلُ المرأ لما اختارَت سيلين جانب الحدود المضاد لشعبِ ڤين ديرما، وكيف لوجود طاقوي مرتقٍ ومحايدٍ مثلها كما شرحت ڤين ديرما أن يختارَ؟

والتفسير الأقربُ للمنطق رغمَ أن لا شيء منطقي في ما تفعلهُ هذه الطاقات هو أن هؤلاء الأقوام كانُوا كما تكون ڤين ديرما لآيثن ثير..

أو على الأقل بعض الأفراد منهم.

لنأخذ آل ثيراس كمثالٍ، المعروف أن دمهم ينحدرُ من محاربٍ ومستذئب أصلي.

المستذئب الأصلي ليسَ مجرد كلمة للوصف، هؤلاء يقصدُ بهم أول من أخذ هبة سيلين، أول من وجدَ الذئب داخله، وأول من وقعَ عليه اختيارها.

ومن نسلهم سينحدرُ الأقوى دومًا.

بالطبع تمَّ نقل الهبة بطرقٍ أخرى، يقال أن من عاش مع هؤلاء الأصليين قد وقع صريعَ مرض ما ولم يلبث أن التقطَ الهبة كذلك.

والبعض يذكُر أن الأمر انتقلَ عبر طقوسٍ خاصة تقتضي تضحية أو شربَ دماء هؤلاء المستذئبين الأصليين الذين علا شأنهم لاحقًا.

مهما كانت الحقيقَة تبقى النتيجة واحدة: قطعان وقبائلَ عديدة من المستذئبين تجلُّ سيلين ومساعدتها لهم على هزيمة عدوهم القادم: شعبَ ما خلف الحدود.

من أجل الوطن والإنتقَام..
من أجل ما تؤمنُ به
عبرَ الدم والفوضى."

--وهذا عزيزتي لولاَ درسكِ حول حربِ الذئاب وقوم ڤين ديرما.--

غنّى الصوت الرخيمُ خلف السماعة، تثقلهُ تردداتُ الهرتز في خطوط الإتصال فيبدو مذيعَ راديو قديمًا خاصة بطريقته في الحديث.

ارتحلَ عن عقل لولا غبش الأحداث التي مرت بها، رغم أنها لما كانت في خضمها قد وصفَت الأمر بالنقاء الخام.

لما كانت تقتلُ وترقص على جثث رجالِ السيد سبينوزا والإيكواز الذين عبثوا مع النساء، شعرت لولا بأكبر تواصلٍ مع ماريا قد حصلت عليه يومًا.

وبعد قصة ڤين ديرما عن الوجود الطاقوي للإخوة الخمسة كما تصفهم، وعلاقتها هي وسوكادور ولولا بهم كانت بحاجَة لجدار تتكأ عليه..

أو عظمٍ يسندُ عمودها الفقري لليوم.

الفضولُ كان دوما محركّها، وجدت نفسها بعدها تتصلُ بأستاذها طيلة هذه السنوات.

-- معلّم..
هل حقًا تعتقدُ بأن ليليث متواجدَة بي الآن؟--

سمعته يتحرّك في مقعده وتذكرت دروسها الخاصَة معه، الأثاث العريقُ وروح العصور الغابرَة حيث ازدهرَ الفنُّ وعاش مقدسًا بين العيون والأفواه وعبر الأصابع والخوافقِ قبل أن تقظمهُ أزمان جديدةٌ بتوجهاتٍ بعيدة عن الروح.

وفي منزل السيد كوريلِي كانت أرواحٌ وعوالم تزورها لولا وتتحول عند أول خطوة في عتبة الباب إلى طفلَة عالقَة بين عالمين.

-- أنا كائنٌ قديم أيتها الأعزُّ، لكنني لستُ بذلك القدم..
لا يمكن الجزم فعلاً، لا يمكن..
ولكن أليسَ هذا ما يجعلهُ أهم؟
هذا ما يجعلنا نبحثُ وندمر خلايا عقولنَا لبناء أخرى..
هذا!
والهدفُ الذي تسعين إليه.--

--أن أكتشفَ بنفسي؟--

-- مثل جدّكِ الأكبر إيكاروس.--

حينها قهقهَت لولا فأضاف.

-- وفي ذلكَ المتعُ الأكبر.--

سمعتهُ بعدها يرتشفُ وأجزمت أنه شايهُ المفضل الذي يجلسُ في هذه الساعةِ من كل يومِ جمعةٍ على الثالثة وبضع دقائق في الحديقَة الخلفية على طاولة من الرخامِ لشربه، حينما كانت تزورهُ كان ينظرُ للشجر وهو يحادثها عن درس ذلك اليوم، علومُ العالم الخفي والذي غدى عالمها.

-- هل لديكَ فكرة عن من قد يكُون الأخ الأكبر الذي ذكرتهُ ڤين ديرما؟--

سكتَ لمدة ولم تقاطِع لولا ذلك حتى تحدثَ بنفسه، صوته يغرقُ أكثر في التردداتِ والظلال.

-- ما كنتُ لأعرف بعلمي الضئيل هذا..--

سخرَت من لولا الملامحُ دون إصدار صوتٍ، هي والجميع يدركون أن علم هذا الظل بعيدٌ كل البعد عن الضئالة.

-- لكن.. آه..
حسنٌ لا أحبذُ إخفاء أصغرِ تفصيل عن عقلكِ المبهر هذا لأنني أدركَ حدًا أنكِ ستعودينَ لي بضعفِ المعلومة لو تركتُكِ للزمن.
كورقة اليانصيب!--

فكهَ ثغره المنمّق بعباراتٍ لا تسمع أو تقرأ سوى في الكتب والأفلام القديمة.

-- لذا فلأخبرنَّكِ يا مليحتي بشيء صغيرٍ، ولتضعيهِ في صندوق الألعاب في عقلك ولتحوليه بسحركِ لشيء أكبر.

في كل قصة بالتاريخ، كل أسطورةٍ ودين أو حلمٍ بشري يراقصُ ظلال الكوابيس...

هناك دومًا شخصية شريرة واحدة أكثرُ شرًا من أي أحد، أسوأ من أن تتوبَ أو تنقذَ من براثنِ ذاتها المضطربة والمظلمة.

شخصيةٌ لا مجالَ لها للإصلاح لأنها ترغبُ وتطمع وتنهبُ وتجشعُ..--

-- الشيطان؟--

صفّق لها كوريلي بحفاوةٍ حتى ظنته لن يتوقّف وجزءٌ منها، جزء التلميذةِ الأبدية له قد شعرَت بالغبطَة والفخر.

-- نعم! نعم نعم عزيزتي ذاكَ هو.
أتفهمين الآن؟ حتى الشخصيَات الشريرة في القصص والأفلام، حتى البشر إن أجرموا سيقولون :" آه بسبب الشيطان."

إنه الشخصية الأسوأ منذُ عرفَ العقل الصواب والخطأ، وهنا الفاصل..

منذ عرفَ العقل الصواب والخطأ، كان يجبُ وضع وجهين لهما كما أخشى.

لكن هذا لم يكُن بالتحديد سؤالكِ إلا أنه يجيب بعضه، كما ترين..
إن كان الأخ الأكبرُ هو الشيطانُ في هذه القصة، ما الذي تسلبه هذه الحقيقَة من باقي الشياطين؟

وما الذي تعلمنا إياهُ قصة ختمهِ في بوابةِ الفناء تلك؟ أليسَ أمرًا مهيبا كلّ هذا؟ --

انتبهت لولاَ للأمر، السيد كوريلي يثير اهتمامًا بها ناحية البوابة لأنه يريدها أن تسأل السؤال..
فسألت

-- هل هي نفس البوابَة؟--

-- وكيف لها أن لا تكُون، بوابة بين العوالم بأسرارٍ لا يمكن معرفتها..
خلفها فراغاتٌ أشسعُ من الكون يمكنها حجزُ واحتواء وجود طاقوي غاضبٍ كالأخ الأكبر الذي تصفه ڤين ديرما.

هناك بوابة واحدةٌ أعلمُ أنها موجودةٌ في مكان ما خلف تلك الحدودِ المذهلة للعقل، المغرية للمعرفة..
بوابة جانوس.--

أثناءَ وصفه شعرت لولا بضئالة وجودها في الكونِ مترامي الأطرافِ الذي تعيشُ فيه، أن كل شيءٍ يسبحُ وهي لا تجيدُ سوى ضرب قدميها وذراعيها لتبقَى طافية فوق ماءِ الحياة لكن أطرفَ الكون أعظم من أطرافها.

لذا ولأنهُ سند عمودها الفقري لم تدرِك لولا لسانها وهي تطلبُ منه التالي

-- أظنُّ أنه يجدرُ بك الوجود هنا..
ألا يمكنكَ الحضور معلّم؟--

ابتسَم السيد كوريلي خلفَ ظلّ السماعة، بجميعِ أنيابه ودوافعهِ الخفية الرهيبة والنافعَة.

-- إنكِ تبهجينَ خافقي وتملئينه دفئًا بهكذا طلبٍ لولا مارغريت..
لكن، هل من سببٍ آخر غير الوحوش والمؤامراتِ والطاقات الملعونة يدفعني للقلقِ حولكِ بعد هذا الطلب؟--

بحثت لولا بعيناها عن زاويَة أخرى تناظرها.

-- إنما الأمر يا معلّم في مدَى الضوء الذي سيتسلّط على عدة نقاط مظلمَة في ما يحدثُ وسيحدث لنا.. لي..
سيكون وجودكَ هنا مهمًا.--

تشبيه ظلٍّ بالضوء كان غريبًا لكنه ليس أغربَ شيء بادرت به لولاَ.

الظلُّ وقف والسماعة بأذنه، الظلُّ خطَى بطولهِ فوق عشبه وأرضه، خزرت عيون الظلِّ أبعد نقاطِ هيمنته، الظلُّ يرى كل شيءٍ لكنه لا يقول كل شيءٍ.

سمعتهُ يفترُّ مبسمَ دمثًا كطفلٍ لكن الصوت جبّارٌ، للظل صوت يخترقُ اهتزاز الكون..

--تريدينَني في قلبِ الحدث لكن..
أنا ظل يا آنستي، لقد خلقت لأتحرك في الكواليس، خلفَ خشبة المسرَح، في حبرِ السيناريو وبناءِ الحبكة.

أما أنتِ لولا...

أنت عزيزتي قد خلقتِ لتتحركي وسطَ الأضواء، لتكوني قلب المسرح الحي، وترقصِي وترقصِي حتى تُسحر الأروَاح عبر العيون.--

خاضَت لولا هذا الحديثَ مع الأستاذ كوريلي بعدَ ما روته ڤين ديرما عن الطاقات الخمسَة المشكلة للمادة في الكون، والمشكلَة لأنواع مختلفة من الطاقَة الحية.

خمسة إخوة تواجدُوا منذ أقدم نقطَة للكون، ومع كل هذا الزمن كان التحطم والتلاقي محتمًا مرارا وتكرَارًا.

الأخت الصغرى: آيثن ثير، روحُ الغابة والسكونِ والروحُ الخام للمخلوقاتها الحيوانية والنباتية.

المرتقي الأصغر: الماء، مسارُ النهر والمطرِ والمحيطِ وعوالمهم.

المرتقيةُ الوسطَى: أصوات الكون ومزاميره ، سيلين، محرّكُ الترددات والمؤثرةُ في المادة والحياة.

الشمسُ الكبرى: الأخت الأكبرُ، المنتقمَة، نارُ الكون ونورهُ وبراكينه الثائرة.

الأخ الأكبر: الآن مخلوقٌ قهر بوابة الفناءِ وسجنه الأبدي، الآن المنتقمُ الأكبر الذي سيدمّر كل ما يمكنُ لظلال الموتِ والعدمِ به أن تدمر.

هل سيعيدُ الفوضى أم سيعيدُ الفراغ؟

عندما عادَت لغرفتهَا كان آليكساندر هناكَ بإنتظارها، ظهرهُ قابلها أولا يجلسُ لمكتبه وينظرُ بشيء ما بحيث لم يستدر لما فتقت الباب.

-- آليكساندر؟--

-- ماذا قال الظلُّ كوريلي؟--

دخلت وغلّقت الباب خلفها، تسير نحوه تدنُوه وتخبره

-- بأنهُ لن يحضر أكثرَ ما يثير فضوله وهذا يثيرُ فضولي لأسبابه.--

همهمَ آليكساندر وارتدى قفازَ سوكادور على يده باقترابها.

-- هل تعتقدين أنهُ خائف ؟--
ضحكَا والأمر أنه يعلمان عنه ما يكفِي ليدركا أن أقل مخاوفه هي الموت.

-- طبعًا..
على كلٍ، يرسلُ سلامه ويحذركَ من أن يصيبني مكروه.--

رشقَت صدره بسبابتها تحذره كأنها كوريلي، فابتسمَ وسايرها يشدّ خصرها إليه.

-- أحقًا فعل؟ --

-- بالتأكِيد..
ونصحكِ بأخذي في موعدٍ قبل أن نلقى حتفنَا خلف الحدود عند لمِّ شمل عائلة ليليث بأخيهم الأكبر.--

-- آه فكرةٌ سديدة.
هل تريدين الذهابَ الآن؟--

ضحكَت.
-- بعد أن ذبحتُ دزينة رجالٍ ونكّلت بجثثهم؟ توقيتٌ مثالي.

لا، لا، جديًا..
يعتقدُ المعلّم أن البوابة التي تصفها ڤين ديرما والتي زجوا بالأخ الأكبر داخلها هي بوابة جانوس نفسها.
ويقول إن كانَت البوابة تخضعُ لقوانين زمنية ومكانية أخرَى فهذا يبرّر تغيّر ماهية طاقة الأخ الأكبر وتحوله..
لقد بقي هناك لزمن أكبر من فهمنا، زمن مختلفٍ عن طريقة عمل زمننا.--

صمتَ قليلاً يفكّر، عيناه ابتعدَت للفضاء، للسقف ثم عادَت إليها وقد همس.

--كالتفاحَة في الصندوق!--

--ماذا؟ --

-- تعالي، على سوكا أن يسمَع هذا أيضًا.--

استقَام وأخذ يدهَا عبر الممراتِ، أفرادُ القطيع ممن عرضوهم في الطريقِ لاحظوا لهفةٍ غريبة في القائد الأعلى.

عند مكتبِ سوكا طرقَ آليكسَاندر ولم يدخلهما حتى طلبَ منهما سوكادور الدخول دون حاجَة لسؤال من الطارق، قد علمَ بوجودهما وهما في الرواق.

-- لديَّ نظرية!
اجلسَا وركزَا معي.--

عاد سوكادور للقعودُ خلف مكتبه بعد أن وقفَ مستقبلاً، لولا على يمينه وآليكساندر ليساره مقابلها.

-- ماذا وجدت؟--
سأله الآلفا فبحثَ آليكسَاندر عن كلماته في بضع لحظَات خرساء.

-- ما وجدتهُ سيساعدنا في فهمَ التحول الذي طرأَ على كيان الأخ الأكبر..
لماذا تحول لضبابٍ كذلك الضباب ولماذا يبدو كأنهُ فقد وعيه بذاته عكس باقي إخوته..
لو تذكران في قصَة ڤين ديرما، حتى بارتقاء سيلين والمرتقي الأصغر، واختفاءِ ليليث وضياعِ آيثن ثير قرونًا قبل أن تولد ڤين ديرما، رغم كلّ هذا وذاك..
لم يفقد هؤلاءِ وعيهم بذاتهم، لقد بقيت الطاقة التي يبعثونها والمواد المرتبطَة بهم تسيرُ في خطة الكون وتسبحُ في مجالات طاقاتهم وهذا ليس علمًا معقدًا لأنه لو حدثَ غير ذلك لحلّت كوارث سنراها حتى في الأرض.

لكن هذا لا ينطبقُ على الأخ الأكبر.
نحن نعلمُ أن طاقته باقية، إن كانت ما أظنه فهي شيءٌ من الفراغِ ولا يمكنني سوى التفكيرُ بالفراغ داخل الذراتِ فالأخ الأكبر يبقى مكونًا للمادة مثلهم تمامًا، بل.. بما أنه يكنى بالأكبرَ فهو الأول- --

-- كيوس.. الهة الفوضى في الأساطيرِ الإغريقية كانت تعبّر عن حالة الكون الأولى: الفراغ والعدم.
هذا يسقطُ مثاليًا على كل ما قالته ڤين ديرما عن الأخ الأكبر.--

كانت تلك لولا وآليكساندر وافقها ووافقَ ربطها، سوكادور احتاجَ ثوانٍ ليستوعبَ مطلع حديثِ صديقه ثمّ ما نبهت له صبوه.

-- لكن هذا لم يختفي باختفائهِ، وهذا ما حدَثَ مع ليليث أيضًا.
لكن الاختلافَ يكمنُ في تحوله، ذلك الضبابُ لا يبدو كطاقة أولية ولا حتى ككيانٍ له حكمة ووعي ذاتي كافٍ لاعتباره ما كان.--

-- ماذا تقصدُ اعتباره ما كان؟--
استفسر سوكا.

-- أقصد اعتبارهُ الأخ الأكبر.
ذلك الضبَاب هو شيءٌ متحوّر تمامًا، لا أقول هذا لما رأيته بل لما شعرتُ به..
حينَ أمسكني.--

نظرَ آليكسَاندر ليده الملتحفة بقفاز سوكا، كلاهما تتبّع عيناه ثم قرّر أن ينزعه ويريهما الخطوط المتداخلة والمتعددة التي تخترقُ معصمه، ترتفع حدًا من كفه وتتكاثفُ كلما نزلت المقلُ ذراعه لكنها تنتهي عندَ منتصفه..

لولا صاحت واقتربَت، صوتهَا الحرُّ قيدتهُ اللهفة، ووجه سوكادور شحبَ..

-- لم تكُن هكذا.. متى؟
متى غدَت بهذا السوء؟--

لكن آليكساندر منعها من لمس يدهِ بضم كفيه معًا والتنهد.

-- إنهَا لا تؤلمُ لولا، لا بأس.
و أنتَ لا تبدأ الخوضَ في تفكيركَ بعيدًا وركزَا معي.

ذلكَ الضباب، برؤيتهِ من مسافة قد يبدو دخانًا، لكن الاقتراب منه، لمسه والشعورُ به شيء آخر.

ما شعرتُ به حينها هو انسلالُ الحياة مني، كأنّ شيئًا يمتصُ دمي أو روحي..

فيزيائيًا هذا مستحيل، كيميائيًا هذا ممكن.
لكن باعتباره طاقةً فهذا قد حدثَ وانتهى، ولو نظرنا لصفةِ الأخ الأكبر سنجدُ الأمر منطقيًا، لكن الاختلافَ يكمن في أنني شعرتُ به فيزيائيًا أيضًا.

لولا؟ هل تشعرين بماريا كجسدٍ؟
هل لها وجودٌ ملموس وكيانها كيانُ مخلوق من لحم ودم وعظام؟--

ارتجفَت عيون لولا واُجبرت بكلامه على النظر لوجهه لا يدهِ المصابة أخيرًا، إجابتها كانت النفي وعليه استكملَ آليكساندر درسه.

-- سوكا؟
هل قدرتكَ على الشعور بما حولكَ من كياناتٍ تمنحك شعورًا ملموسا بهم؟
هل تعتقدُ أن هذا ممكن؟--

-- لا.. بالتفكيرِ في الأمر.
لم أشعر يومًا سوى بهالتهم أو.. حسنًا كم أمقتُ الاعتراف لتلك المشعوذة بهذا لكنني فعلاً أشعر بنوع من الطاقة والتي تحدّد كل كيان إن كنت قد ألفتهُ مسبقًا.

مثلاً، عندما تكونان على مقربَة يبدو الأمر كأنما الماء والنار، للولا هالةٌ من اللهب تسير معها، لقد أخبرتكما بهذا..

أما آليكس، ليس الماء.. لا، لا، بل شيءٌ بارد..
لا أجدُ كلماتٍ لوصفه، وهذا سبب التنافر الكبير الذي يسهّل علي معرفةَ أنكما معًا، أعتقد.--

-- وهذا فقط يضيفُ التأكيد على ما قالتهُ ڤين ديرما.--

-- آهخ!--
استهجَن سوكادور ذلك التصريح من آليكساندر ما دفعَ لولا للقهقهة بينما تخزرُ ملامحه وجههِ.

ابتسمَ المتحدّث لصديقه وطرقَ مكتبه.

-- عليكَ اعتيادُ الأمر سوكا، لقد عاشَت أكثر مما عشنَا، مع طاقة جوهرية للكون، لذا هي تعرفُ أكثر مما نعرف.

الآن، ليليث الشمس أو مهما كان ما دعتها به تتوافقُ في وصفها مع ما قلتهُ عن لولا.

قدرتكَ التي تتأثر بما حولكَ تتوافقُ مع سيلين...

لكن وصفَ ڤين ديرما للأخ الأكبر لا يتوافقُ كليًا مع ما شعرتُ به، لقد كان حيًا..

شيءٌ ما كان حيًا ونابضًا داخل ذلك الضباب، وهذا يعني أنه تحوّر عن أصلِه وجوهره.

هنا تدخل نظريتي حوله..
هناك مفهوم يقول أن وضع تفاحة داخل صندوقٍ محكم لا يخضغ لعوامل فيزيائية قد تتداخل و التجربة لآلاف السنين، بل لنقل لزمن لا يمكنُ عدّه تماما كالذي حدثَ مع الأخ الأكبر خلف البوابة، نتيجة لذلك ستتحلل التفاحة وتتفككُ ذراتها وبعدها وفي ذات الزمن الذي لا يمكنُ حصره ستعودُ الذرات للارتباط بعشوائيتها المنتظمة وستشكّل في النهاية جسمًا آخر..

هذا الجسمُ يحتمل أن يكون أي شي، خشبًا، نباتًا، ماءًا..

لكن هناك احتمالٌ آخر: أنها قد تشكّل جسمًا ذو تكوين جديدٍ تماما لم نعرفه قط.

إذًا..--

صمتَ وتركهما يستوعبانِ هنيهة حتى همسَ سوكادور الاستنتاج:

-- إذًا.. الأخ الأكبر كان كالتفاحَة في الصندوق الذي هو البوابة في زمنٍ لا يمكننا معرفته لأنه ليسَ مقيدًا بزمننا.

الأخ الأكبر الآن هو شيء آخر..--

ولولا تابعت بعد أن عمّ السكوت على الرجلين.

-- كيانٌ جديد للكيانِ الأقدم.

ونحن بالطبعِ لا نعلم عنه شيئًا لكننا نخططُ لقتله.--

تهكّمت لكنها لم تبتسم أو تغير وضعيتها، سوكادور أجابها.

-- بما نعرفه الآن، علينا أن نقتله.
وعلينا أن نسرع.--

استدار كلاهما إليه، عيناهُ ذات الظلال قرعت داخلهَا طبول المعاركِ والوغى..

سيّدُ الحرب يعلم موعدَها إن حلّ.

-- علينا استكمالُ طقوس الترسيمِ.--

أخبره آليكسَاندر فهمهمَ سوكادور ورفعَ شعرهُ يسرةً..

-- أجل، أجل، الاستجمامُ قبل الموت..
إلا أنَّ الاجتماعُ بكبارِ العشيرة ليس مخططًا مثاليًا للاستجمام.--

فكه آليكسَاندر ولولا اقترحَت.

--يمكننَا الاحتفالُ بعد الترسيم، ألا يمكن؟
أعلمُ أن ذلك سيرفعُ معنوياتك آلفا.--

-- الاحتفالُ قبل الموت؟
بالتأكيد..--

ضحكوا رغمَ أن الموت ليس مادّة فكاهية، غير أنه كذلك بالنسبة لأشخاصٍ يلاقونه كلّ يوم، في كل زاويةٍ.

_______________________

مرّ اليوم بين تنظيمِ الضحايَا والمصابين والتخطيط للقادم، أما في الغد فقد استدعَى سوكادور مرسالَ العشيرة إرايدا وعقد معه اجتماعًا يحدّدُ موعد الطقوس.

جلسَ سوكادور في قاعة الإجتماعات، كرسيهُ يحمل زخارفَ قد تبدو أشكالاً لا يمكن تحديدها لوحوش تنازلُ ناظيرتها.

-- لقد سمعنَا بمحاولة اغتيالكَ سوكادور دو ثيراس، ويظن الكبار أنّ ذاك كان الاختبَار الأنسبَ في مرحلة هامة كالبيروزا.--

كان ذلك المبعوث إرايدا على يسارِ سوكادور وفي مقعدٍ ذو مكانيين، ردائه العاجي ينسدل عليه وعصاه الخشبية بين كلتا يداه.

على اليمينِ كان بروس، وجهه ولغة جسده لا يمكن قرائتهما وصمتهُ غريب عليه.

-- ليست أول مرّة أواجه فيها موتي.--
أجابه سوكادور وإرايدا ابتسم يردُّ:

-- لكنها أول مرّة بيدي فردٍ من القطيع، من عائلة لافيس إن أذكر؟
وهذا هنا فحوَى الاختبار في الأمر.--

كان يقصدُ أن محاولة اغتياله كانت من فردٍ من القطيع، كارولينا لافيس، بالطبع هي لم تعد من القطيع منذ سنين لكن الدم والرابط لا يموت قط بينهم..

لكن هذا لم يقلق سوكا، ما أقلقه وما رآه أيضًا يغير ملامح بروس ويعتريه هو فكرة أن يعلموا من أوقفَ القاتلة يومها.

--هل هناكَ سبب آخر لتلبيتكَ دعوتي يا إرايدا؟ غير الطقوس وموعدها..--

سأله سوكا ولاحظَ بطرف عينه رأس بروس تتحرّكُ بينهما وكتفاه ينكمشانِ بجسارتهما فوق مقعده.

أجابه المبعوث، طارقًا عصاه كما يفعلُ الكبار، لينًا في الفعل والقول

-- غير أنني أحادثكَ عن ما المجرياتِ فلا هدفَ لي غير الحديثِ عنها، لقد هرمتُ وهذا مغفور لي..

لكن إن كان لديكَ ما تضيفه لاجتماعنا فهلمَّ به.--

راوغَ إرايدا وسوكادور ابتسمَ، شاسعًا كالشمس وظلالها.

-- بما أنكَ على علمٍ بالمجريَات فأخبرني ما سمعت لعلّ لدي ما أصححه أو استثنيه.--

-- حسنٌ.
سمعنا أنكَ تجوبُ المدن ركنًا ركنًا لتطهرها من فسادِ جامعي التحف والشرهين وتجمعُ الضحايا، وقد نجحتم بالفعلِ في تدمير عدة أوكار.

لكنكم أثناء ذلكَ قارعتم الإيكواز، يقول بعضنا أنكمُ لم تدركوا والبعض يقول أنكم تعمدتم.--

--وأنتَ الآن تسألني؟--

-- سوكادور
دو
ثيراس..

أنا مجرّدُ مبعوث، وعلاقةٌ قديمة بالقطيع، قطرة في حوض دماءٍ لعشيرة تجمعنا.

أعيشُ في الغابة وأسمع عن المدن، ولدي قريبٌ يعرف كلاهما، ألا يحق لي التساؤل؟--

قهقهَ سوكادور وبروس تحدثَ أخيرًا.

-- قل أجل يا إرايدا وسأجد لك اليوم زوجة وبيتًا وسيارة، وأوظفكَ حيث يقبلونكَ بردائك هذا.--

ضحك إرايدا وطرقَ عصاه مجددًا ورفض

-- لا، لا.. لن أحتملَ هوائهم.--

-- على كلٍ، إرايدا.. بروس..
الإيكواز يخططون لأمر ما في منطقتي، وهذا ما يحقُّ لنا التدخل والمقارعة وحتى إيقافه.

ليسَ لدينا معاهدة معهم لذا أخبر الكبار أن لا يقلقُوا بهذا الصدد، لن يتفاقم الوضع لأنني ما أن أضعُ يدي على المخطط لن يبقَى من مخططيه نفرٌ.--

أومأ إرايدَا ومتفهمًا ورمق البيتا يباهي الآلفا والفخر يأكلُ وجهه.

-- جيدٌ، جميل..
في نهاية هذا الموضوع، يريدُني الكبار أن أعودَ بتقريرٍ عن قاتلِ كارولينا لافيس. --

-- كارولينا لافيس فردٌ سابق من قطيعنا أليسَت كذلك إرايدا؟ --

سؤال بلاغي من سوكادور يشير به أنهُ لا نفع من معرفة قاتلها بما أنها من قطيع آخر هاجمهم، الحق لهم في ذلك.

-- أجل، لكنها آخر نسلِ لافيس يا آلفا..
هنا تقعُ المشكلة.--

-- هل ستعاقبونَ فردًا من قطيعنا تصرّف بفطرته وقام بحمايةِ آلفاه؟--

كان ذلك بروس والذي فاجأ تدخله سوكادور لكن إرايدا التفتَ له ومزال يحاجّ ويناظر:

-- آلفا في مرحلةِ الترسيم، لم يتمّ ترسيمه بعد.--

اضطرّ سوكادور المعنيُّ بالأمر لوضع يده يوقفُ اندفاع بروس، يمنعه عن الوقوفِ أو زيادة ردة فعله سوءًا لأنه قد ارتعشَ وكشّر وصات بكلّ ما أمكنهُ من تحكّم في نبرة صوته فخرجَت بلحنٍ تمقّع حنقًا.

-- هل تقول لي أن سوكادور ليس آلفا بعد رغم كلّ ما فعله ويفعله؟
ليس خطئه هذا التأخير إرايدا،
إرايدا!
إرايدا.. لا تجعلني أفقد أعصَابي.--

ابتسمَ إرايدا ولوّح بيده.

-- لم أقل شيئًا كهذا لأنه رأيي بل لأنه رأي الكبار، بيتا..
نحن على وفاقٍ حول ما يفعله سوكادور، لا مجال لنقاشِ ذلك.. بيننا، لكن تعلمُ كيف هي التقاليد هناك.--

دبلوماسيٌّ فذ، امتص غضبَ بروس وتغيّر لغة جسد سوكادور.

-- ماذا تريدون بالقاتل إذا؟
ماذا تريدون؟
لأني سأخبرك من هو ولن تستطيعوا فعل شيءٍ به حتى لو أردتم..--

صوت بروس لا زال غاضبًا لكنه ارتمى على مقعده ورصَّ كلماته حريصًا، سوكادور خزرهُ ولم يعجبه مجرى الحديث، يعلم أنه لن يقول اسمها دون إذنه لكن أي خيار آخر لن يكونَ مريحا البتة.

أراد إيقافه وقطعَ الحديث لكن بروس انتصبَ واقفًا ولوح بيداه يستعرضُ منانة وتناسق جسده.

-- إنكَ تنظرُ إليه إرايدا.--

والإجابة لم تعجب إرايدَا لكنه خرس وراقب بروس يدورُ حول القاعة لأن حنقه لا يزالُ يرعد داخل جسده ولم يعد يحتمل سكونًا.

-- هل هذا ما تريدني أن أخبرَ به الكبار سوكادور؟--

تنهّد سوكا ليجمعَ أفكاره بعد أن عرج بروس بمخططه.

-- كنتُ أفضّل لو تركوا الأمر وشأنه.
بما أنهم لم يفعلُوا..--

-- أخبرهم أنه أنا، لنرَى ما يفعلون بابنِ أرضهم.--

بزق بروس من مكانه وأكملَ سيره، زفر إرايدا وحرّك رأسه يمنة ويسرة يتحسّر طاقة بروس التي يمنحها لكل تفاصيل الحياة، لو كان سيستمع إليه الآن لكان نصحه بأن يوفرها لما يستحقُّ، لكنه على الأرجح سيأخذها كإهانة فكفَّ لسانه عنه وأرجأ سوكادور.

-- لا بأس..
لنتحدّث عن المراسم الآن.
إن الطاقاتَ في أوجها منذُ أيام الآن، صحيح هناك بعض التذبذب والشذوذِ في بعض الفترات من اليوم الواحدِ لكن يمكن اعتبارُ أن الآوان حان..
في الواقع، لقد تعجّب الكبار طلبكَ هذا وتزامنه مع الطاقات ويعتقدون أنهَا علامة لا محالة.--

--كل ما يجيدونهُ هو الاعتقاد..--

تمتمَ بروس بين أسنانه لكن كلاهما سمعه، عضَّ سوكادور على ضحكته وشفنه إرايدا..

-- سمعتُ ذلك..
على كل، متى تودُّ إقامة الطقوس، بعد أسبوع؟ بعد ضعفه؟
يعتقدون أنه سيظلُّ مناسبًا مدة شهرٍ من الآن..--

-- غدًا.--

قاطعهُ سوكادور فتوقف بروسُ عن جزِّ أرض القاعة ورأى في سابقةٍ وجه إرايدا المشدوه.

-- غدًا؟ -- سأل وبروس ردَّ:

-- حسنًا نحن نعتقد أنه الموعدُ الأنسب لنا.--

بان ضرسُ سوكادور لذلك التعليقِ من بروس، وجه إرايدا لم يتغيّر لكن سنحَة من الإمتعاظ أفلت بين ظهور لما يعتبرُ وقاحَة من البيتا بروس تجاه الكبار.

بيد أنه رأى منه هذَا التهور في ردّاته وأقواله مرة أو مرتين من قبل فلا عجبَ طاله.

-- سأرى ما يمكن تحضيرهُ في هذا الوقت، سيحضرُ جميع من في القطيعِ والقائد الأعلى وصبوه ونتوقّعُ بعض ضيوفنا من فصائل وعشائرَ أخرى.--

همهمَ سوكادور وفكرة أخرى شغلت بالهُ، اعتدل في كرسيه وسأله

-- هل سأجدُ ضيفًا لا أرغبُ رؤيته في طقوس ترسيمي؟--

-- تعلمُ أن الكبارَ يفتحون صدورهم للجميع، لا يمكن استثنَاء فصيل من الترسيماتِ والتجمعات التقليدية.
هذا ما يبقي الروابطَ ويحيي الأرواحَ.--

همهمَ سوكادور له ودرس الأمر في عقله.

-- إنه العدل إذًا..
إن أنا ظهرتُ مع ضيفٍ قد لا ترغبون في رؤيته.--


بعد استضافةِ إرايدا ببعض التحلياتِ والحديث عن تفاصيل الطقوس راقبه سوكادور وبروس يغادر الفندق عبر الساحَة، تمثال الفتاة يزخُّ طريقه بالمطر وهالته الغامضة تبتعد أسفل شعاع الشمس غريقَة.

حينها سأل بروس ويبدو أن ابتعاد وجهِ إرايدا عنه ساعد في تهدئته، بالطبع هو لا يكن لإرايدا سوى الإحترام وهذا ما جعَل سماعه يشير لشيءٍ فيه قلة احترام لآلفاه يغضب ويندفعُ طيلة فترة جلوسه.

بروس ليس متهوّرًا فحسب..

-- هل أنت متأكدٌ بشأن المشعوذة؟--

-- لستُ متأكدًا بشيء حولها سوى رغبتي في نحرِها هي وحيوانها الأليف، لكنني متأكدٌ بشأن أخذها للطقوس..--

ابتسمَ سوكا شابكًا ذراعيه لصدره وعضله وعيناه لا تزال على جسدِ إرايدا يتقلّص في الأفق.

--لا تقل أنني لم أقُم بعملي كبيتا وحذّرتكَ.--

خزره سوكادور الآن وقهقه

-- لم أرى أي تحذيرٍ لا على لسانك ولا على وجهكَ بيتا بروس..
في الواقع ورغم جنون الفكرَة، إلا أنك تبدو متحمسًا ومرحِّبًا بها أكثر مما يجب.
هل تغيّر رأيكَ بشأنها؟--

هزّ بروس رأسه مرارًا بمرارة ووضع يديه على وركيه وقال

-- أنت لا تفهَم هذا..
رغبتي المتوحّشة في استفزاز كلِّ من يحاول استفزازي.
قد أتصالحُ مع المشعوذة ومن هو أسوأ منها للإنتقام: أولاً من تأخيرهم لطقوس ترسيمكَ وثانيًا لتحيّزهم الواضح رغم كل ما فعلانه..
وثالثًا وقد أصبح لدي سبب ثالث، ما قاله إرايدَا فوق.
وتذكّر كلامي سوكا..
إن أخذنا المشعوذَة وحاول أحدهم منعها، قتلها -رغم أن هذه رغبتنا- أو حتى إزعاجها، سترى مني عزيمة على حمايتها ليسَ حبًا بها أو تغيرًا في رأيي حولها بل لأنني ببساطة أبحثُ عن سبب لأنفجر في وجههم وأقذف عليهم شتائمي وعنفي المكبوتَ طيلة الثلاث سنوات والثماني أشهر.--

كان سوكا يضحكُ في الجزء الأخير، يأخذ كتف بروس ويقود عودة للفندق ولما انتهى حديثه لوّح يده وأخبره

-- لما أنت دراميٌّ لهذا الحد من بكرة الصباح.
هل شربتَ قهوتك؟ هل تحتاجُ شيئا ما؟
هل هي هرموناتك amore ؟ --

أبعدَ بروس يدَ سوكادور التي بدأت بتحسّسِ كتفه يسخرُ منه.

-- لا، لا..
لكن فعلاً أظن أنني منفعلٌ كوني لم أتنمّر على ميكي أو إريك اليوم..
إلهِ!
أنا لم أتنمّر على أحد اليوم.
هاي أنت!--

صاحَ في أول شخصٍ قابله، كان بعض الفتية من يجلسونَ في المدخل ويشاهدون التلفازَ هناك، وجّه بروس ندائه لأحدهم لكنه غيّر رأيه عندما شاهدَ إريك ينزلُ الدرج وهاتفه في يده.

بالطبع عندما رفع إريك عينَاه المختلفة ولمحه حيّاه بـ:

-- صباحُ الخير يا أحمق.--

-- أي صباحٍ برؤية وجهكَ البشع..--

-- آه هل سنبدأ الآن؟
دعني أتناول فطوري ثمّ نتحدثُ عن كيف يمكنكَ تجنب رمي حجارة قد تصيبكَ في وجهك.--

توقفَّ بروس لأنه لم يفهم ما قصده إريك برمي حجارة تصيب وجهه لكن سوكا تدخّل ليشرح له.

-- المثل يقول يا إريك:
" لا ترمي الناس بحجارةٍ وبيتكَ من زجاج"
وبروس.. لقد قصدَ أنكَ البشع لا هو..
الآن اعذراني أودُّ الاستحمام قبل أن انخرطَ في تفاهتكما أكثَر.
يا فتيان اكملوا! --

وقد قصد إريك وبروس وحتى الفتيان الذين يشاهدون التلفَاز لأنهم لا يزالون بانتظارِ ما يود بروس قوله.

_________________

فتحَ سوكادور باب غرفته ودخلَ وعند خطوته الثالثَة شعرَ بأمر غريب ثم توضّح الشعور عندما وثبت ڤين ديرما من شرفته وسارت تتبخترُ وتقتحمهَا دون ذرة خوفٍ في جسدها الفارع والصلد.

-- ماذا الآن؟ --

صات مغتاظًا لكنها لم تعرهُ انتباهها بل ركّزت على ما جاءت تفعله، سارت نحوه حثيثًا حتى شعر بفعلها اللامنطقي ذاك كتهديد فأحجم ورفع كتفيهِ يخزر اقترابها ويسخره.

إلا أنها اقتربت أكثر من اللازم لوجههِ وخزرته مليًا.

-- طقوس ترسيمك..
لما أذهب؟--

لم يتوقّع سوكا ذلك البتة.

-- هل كنتِ تتنصتين؟--

-- أصوات الحقـ..--

كانت تلك عادةً لدى شعبها، القول أن أصوات الحقيقة أخبرتهم أو أرشدتهم حتى وإن لم تفعل، كالمثل الشعبي أو كتشبيه تقريبي..

لكنها توقفت لأنها تذكرت:
ليس هناكَ أصوات حقيقة لأن هذه ليست موطنهَا، وليس هناكَ من شخص يفهمُ قصدها لأنه لم يبقى هناك شعب.

ميّل سوكا رأسه يرقبها وضيّقَ محيط عيناه.

-- أناديكِ مشعوذة لكن توقفي عن تقمّص الدور الآن، هل تنصتي لمَّا حادثنا إرايدا أو عندما كنت مع بروس؟ --

أخذ رأسه للجهة المعاكسَة واقترب خطوة تزامنًا.

-- هل هناك شيءٌ لا تخبريننا به؟--

نازلَت عيناها عيناه، أخضرٌ فيها لا واقعيٌّ وظلال فيهِ يبتلعها الخيال.

-- لا أتنصت..
لا، كنت قادمة لأخبرَك، الرجلُ تحدثَ وسمعت.--

لم يتخيّل سوكا أن إجابتها ستتسببُ في رغبته بالضحك، لكنه تماسَك ورفع رأسه وكتفيه، الظلال في محيط عيناه انحسَرت وتراجعت وڤين ديرما لاحظت ذلك التحولَ قبل أن تنتشرَ بتوازن.

-- ماذا أردتِ إخباري؟
اختصري..--

ابتعدَ وأذنيه لها يتوجه صوبَ خزانته يختار لباسًا ثم يرميه على سريره، وأثناء سيره للدرج لأخذ منشفته تحدثت.

--آيثن ثير..
دخيلٌ آخر في حدودنا.--

توقف عن البحثِ في درجه للحظةٍ ثم أكمل بينما يسألها.

-- ماذا تعنين دخيلٌ آخر؟--

-- ما لم أخبرك..
أخبركَ الآن.

منذ فترَة تجد آيثن ثير أثر دخلاءٍ، مكانٌ بين حدودنا وحدودكم.
دخول ثم اختفَاء..
اليوم حددت المكان، إن كان منكُم أو لكم يجبُ حضوركَ ذئب. --

التفَّ يرمقها من أعلَى جدائلها وخرزها إلَى قدميها وخيوطِ ملبسها.

-- تأخذينَ إذني ومشورتي الآن؟
هذا تطوّر في الأحداث، المشكلة أنه يدعُو للإرتياب..
تريدين مني مرافقتكِ لفوهة حدودكُم حيث يمنعُ علينا تجازوُها والحذر حيث أضع أقدامي، ولماذا؟
لنمسكَ بدخيلٍ خيالي في أرضكِ لم تمسكيه لا أنتِ ولا حيوانتكِ الأليفة الخارقة.--

-- تضيّع الوقت..
تضيّعُ الوقت لأنني لا أنوي قتلك.
أحتاجك..--

زفر وأبعدَ عيناه عنها، لا يستطيعُ الجزم بين حدودها اللغوية أو تعمّدها في اختيارِ الكلمات.

-- لم أقتنع..--

شعرَ بها تتحرّك خلفه، طاقتها تضغطُ كل إنشٍ من شعوره، لا عجبَ أنه لا يحتمل بقائها حوله..
قدرتهُ على استشعار الكياناتِ تفقد السيطرة كلمَا كانت هي في الفضاء المحيطِ به، إن كان هذا ما يحدثُ مع أجزاء الإخوة الخمسة فلماذا لا يحدثُ هذا مع لولا أيضًا.

هذه نقطة أخرى تجعلهُ لا يثق بقصتها عن الطاقات الخمسة، ولا عن وجودِ ليليث وسيلين بجزء منه ومن لولا.

لكن وفي ذاتِ الآن كل خلية في جسده وكل وعيٍ متشبثٌ به لا يستطيع تجاهلَ القوة الهائلة وغير المنطقية التي يستقبلُها من وجود آيثن ثير.

-- سأخبرهم أنني القاتلة.--

ارتعدَت أوصاله غضبًا وكذّب قصدها الصريحِ في جملتها، قذف الدرج واستدار..

--مشعوذة.. ماذا تقولين ؟--

كان في الواقعِ بين القهقهة والانفجَار، لم تكترث لذلك وأجابته.

-- ما قاله بروس؟ كذب..
أنا القاتلة، وسأخبرهم إذا لا تساعدني.--

هرول صوبها مهتاجًا، عيناه غيهبٌ وشرور وجسده تضخّم بما يحمله من حنق تجاهها، ثوانٍ و كانت يده تعتصر وجهها يدفعها للخلف لكن قوتها لها ردُّ فعلٍ يضاهي جسده.

-- أخرجي كلمَة وسأفصل فكيكِ!
هل تعتقدينَ أنني سأبقيكِ حية إن خالفتني؟ بقتلكِ.. آخر شعبكِ.. لن تبقى معاهدة وسأدخلُ الحدود وأوقفُ المصيبة التي حلّت علينا بسببكم.
أنا لا أحتاجكِ للدخول،
أنا.. عكسكِ.. لا أحتاجكِ.--

أحكمت كلتا يداها على قبضتهِ لكنها لم تحاول إبعاده بعد بل إرخاءَ أنامله لتتمكن من الردّ.

-- كيف تفعلُ ذلك بعد ما علِمت بيننا؟--

-- كما قتلوا أخاهم الأكبَر، هذه الرابطَة لا تعنيني في شيء. --

رمقَت عيناه وسمحَت له بدفعها حتى كانت زاوية خزانتهِ في ظهرها.

-- افعَل إذًا..--

لحظتها شيءٌ في عيناها أو سلوكهَا، أو الطريقَة التي قالت له ذلك بها، أو كيف تحرّك لسانها وأوتارها أخرجَت صوتًا مستَسلما..

ربما وجهها الذي ذابَت ملامحه أو عندما سقطَت يداها عن قبضته.

لحظتئذٍ شيء داخل عقله اشتعل، الإدراكُ أن شيء ما قد تغيّر فيها هزّه أكثر من تهديداتها نحوه أو تحديها له.

خزرها ثم بزق سؤاله

-- ما الذي تحاولينَ فعله؟--

-- لتقنع..
أنني لا أنوي قتلك.
حتى لو أخذتَ يدكَ هذه لقتلي، لن أفعل.--

شابه ذلكَ أول مشهدٍ لأول قاتلٍ في الأرض، قابيل..

أبعدَ سوكادور يده عنها سريعًا كأنما به جنون، اللحظة جعلته يرتعشُ ثم يأخذُ تسلسل فكره ليهدأ.

وضع يده الأخرى على كتفهَا، أغلق، صوتٌ صدر من إحكام أصابعه عليها لكنها لم تجفل.

قاد يده عبر كتفها إلى رقبتها ومن خلفها قبض رقبتها وجذبها منها بعيدًا عن الخزانة، على أقربِ سطح رماها.

سقوطها على سريرهِ كان سلميًا لإمرأة حربٍ وصخر مثلها، التفتت لتقابلَ وجهه فوجدته يدنوها.

-- مهما فعَلت لن تقتليني؟--

همهمَت تلاحظ اقترابه، ما لا يدركهُ سوكادور أنها حقًا لا تخشَى هذا السيناريو الذي يحاول هو إرهابها به.

ما لا تدركه ڤين ديرما هو أنّ سوكادور يستطيعُ فعل أشياء أسوأ بمراحل من القتل، أشياءٍ لا توجدُ في معاييرها وفي ثقافة شعبها.

وهذا ما يجبُ أن تخشاه.

لكن بين الصمتِ والإختلاف والتحكيم، تبقى هذه الأشياء مجهولة.

وحين لاحظَ سوكادور أنها لا تتزحزحَ أو تغير قرارها حتى بوضعيتهما وتهديده حاول مرة أخيرة خنقها..
نفس النتيجَة فتركها وابتعد.

-- أصبحتِ مملة.--

-- أنذهَب؟--

خزرته يعودُ للدرج مجددًا.

-- ربما..
هل هناكَ شيءٌ آخر تغوينني به؟--

تعلم أنه يقصدُ المعلومات.

-- فقط أنني لا أعرفُ أين البوابَة بعد تحرّر الأخ الأكبر.--

شزرها لكن ذلك لم يغضبه بل حتى أنهُ قال

-- يمكننَا البحث عن معلومَة قبل الدخول وبعد الدخول لحدودكم، ذلك ليس بمستحيل..
لدينا ثلاثُ أخواتٍ خارقات لمساعدتنا: بلوسوم بابلز وبتركاب.

وآليكس العالمُ المجنون.--

ابتسم يرمي منشفته على كتفه، لكنه عندما التفت لها وجدها في حيرة واستذكرَ أنها لا تعرف برنامج فتيات القوة ولا كيف يعمل التلفاز.

للأمانة شعرَ بالسوء لجهلها، هي التي بلغَ شعبها علمًا يتخطى الفهم.

--سنذهبُ بعد حمامي.--

-- الوقت!--

-- سأجعلهُ يمرّ حثيثًا.--

أخرج هاتفهُ واتصلَ على أخته.

-- ميكي، مرّي بغرفتي لأخذِ المشعوذة للمدخل، اجعليها تشاهدُ التلفاز..
ماذا تشاهد؟
فتيات القوة. --

أغلق الخط وقذفَ الهاتف جانبها ثم أخبرها شيئًا أخيرًا.

-- دعيني أحذّركِ مرة بعد.
لقد انتهت مرحلة البيروزا، إذا وجدتُ أو شعرت بأي خطأ في نزهتنَا تأكدي أن لعبَ دور الدمية منذ قليل لن يفيدكِ حينها في شيء.--

___________________

الأستااااااذ كوريلي 🧘

ايه أدري أنا بعد..

لمهم طلعنا بشوي نقاط مع ان البارت مافيهش اي شي
- البوابة مجهولة الموقع.
- الأخ الأكبر تحور عن طاقته الأصلية بسبب الزمن لي قضاه خلفها.
- سوكادور انهى البيروزا ويقدر يقتل ڤين ديرما وإريك في أي لحظة.
- أنا انسان كسول.

شكرا وانتبهوا لصحكتم🤍

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top