|14|أربـعـة عشـر عـامًا
مضى عام كامل تقريبا على وجود لووي معنا وطوال العام لقد أعتبرناه كفرد من العائلة ولم نشعره أنه شخص غريب عنا.
وكانت بعض الذكريات وإن كانت رمادية تعود بالتدرج إلى عقله وبدأت تأتيه نوبات من الفزع يتذكر فيه أمر الحادث الذي تعرض له، كانت ذكرياته مزيج مابين عمرهِ الحقيقي ومرحلة الطفولة.
فنراه تارة قد عاد بذاكرته إلى وقت الحادث وتارة أخرى يعود إلى وضعه، وكل هذا الذي يحدث معه أشاره إلى معافاه عقله وأسترجاع ذاكرته وعلى الرغم أنه دلالة جيدة على صحة لووي يعود إلى سابق عهده إلا أنني أنا وأمي كنا قلقين ليس على مسألة أسترجاع ذكرياته فقط وأنما لدينا خوف إلى ما بعد ذلك، فكيف سوف يتصرف إزاء عودته إلى وضعه الطبيعي قبل الحادث!
جميع تلك الأسئلة لم تكن تراودني فقط بل كانت أمي تشاطرني نفس التفكير وإن كانت لم تعترف شخصيا لي بذلك.
حاولت أشغال نفسي بالعمل وتجاهل جميع هذه الهواجس
إلى أن قدم ذلك اليوم في مساء أحد أيام الربيع كان الجو بديعا فنسمات الهواء الباردة القادمة من النهر عذبة جدا وهي ترشقنا بتيارات منعشة سيما في فترة المساء
دلف لووي إلى غرفتي عندما كنت مشغول بكتابة التقرير الشهري مستلقيا على سريري الواسع، جلس بجانبي بهدوء وقد بدا عاقلا إلى حد يثير الريبة، وإن كنت لم أستغرب ذلك كثيرا فعقب مرحلة أسترجاع الذكريات أصبح لووي أكثر هدوءً وعقلانية ولم يعد يعبث بالأرجاء.
أبعدت التقرير من أمامي ثم أبتسمت نصف أبتسامة وألقيت عليه تحية المساء.
إجابني بهدوء ثم أخفض بصره يحاول قول شيء ما ولكنه كان مترددًا كثيرًا وكلما حاول نطق الحروف أخاله خانته العبارات.
دنوت منه وأحتضنته بحنان أبوي وهمست بمودة
« عزيزي لوو أشعر إن لديك كلام تود قوله، تفضل كلي إذان صاغية؟»
رفع بصره شطري ثم همهم بنبرة توشك على البكاء
« أنا..أنا أشكرك جدا على أنقاذي وأن كانت هذه الكلمة لا تكفي على شكركم أنت وأمي لأنكم قمتم بأحتوائي »
أنفرجت حدقيتي قليلًا على سماع كلماته وبقيت مندهش برهة من الزمن قبل إن أحتضنه وأنا أقول بنبرة حانية
«لا تقل هذا الكلام أنت واحد من العائلة، أنت بمثابة أخي كلا بل أبني الذي لم ألده »
فصلت العناق حتى أعطيه فسحة يكمل حديثه
« ماتيو هل أستطيع أن أطلب منك خدمة؟ »
أجبته دون تردد وأنا متلهف لمعرفة ماهو طلبه
« تفضل»
أخفض بصره إلى الأرض ولمحة شبح غيث يهيم بالنزول، ثم تلفض الكلمات بحشرجة
« أريدك .. أريدك أن تأخذني إلى مركز الشرطة، أريد أن أرى الشخص الذي قتل أمي وأبي...»
قطع جملته الدموع التي أنهمرت من حدقيتيه رغم محاولته البائسة في كبتها.
عاودت أحتضانه مع التمسيد ظهره بخفة عله يهدئ وتلتأم جروحه، بكى في أحضاني مدة من الوقت إلى أن هدأت ثارته عندها قلت وأنا لا أزال أمسح على شعره بخفة « عزيزي لووي الجاني سوف يتم عقابه على جريمته البشعة وأنت تستطيع أن تبقى معنا وإذا أردت العودة إلى منزلك وتعيش فيه فأنا أعدك أنني سوف أزورك أنا وأمي كل مساء.. وبالنسبة للذهاب إلى مركز الشرطة غدا صباح سنذهب »
رفع بصره ونظر نحوي ثم أبتسم ببهوت وتمتم
« شكرا »
كانت عينا لووي تتلألأ وتحاول قول الكثير ولكنه أكتفى بكلمة واحدة ليعبر عن أمتنانه، ربما هو لا يجد الجرائد التي تقال في العادة في مثل هذه الظروف ولكن كلمته هذه كانت تكفي لأنها نابعة من مشاعر حقيقية
عند قدوم اليوم التالي ولأول مرة لم يكن تفكيري يصب على المشفى بدّوت كأنني شخص أخر مختلف عن شخصيتي القديمة الطبيب أختصاص جراحة الجملة العصبية، فقط جسدي كان يشبه نفسي القديمة ولكن روحي كانت مختلفة كل الأختلاف، حتى أنني نسيت أن اليوم هو يوم خفارتي.
حينما أشارت عقارب الساعة إلى التاسعة صباحًا أخذت لووي إلى مركز الشرطة ولم نواجه صعوبة باللقاء بالمحقق جريسن، كون أخي يعمل في نفس المركز، ألقى علينا التحية ورحب بـلووي بحفاوة
ثم قادنا المحقق إلى غرفة أخرى في الطابق الثالث تحتوي على زجاج يطل إلى غرفة أخرى صغيرة مربعة الحجم يقبع فيها رجل في الأربعين قبيح المنظر وتدل من هيئته على سمات الاجرام تسري في عروقه، أو ربما أنا أبالغ
أرتعد قلبي لرؤيته فهذه أول مرة أرى فيها سفاح حقيقيا وقمت بأسناد لووي من الخلف بصدري، وأنا الاحظ كيف يحدق لووي في الرجل الذي قتل والداه.
لحظات حتى أنتبهت إلى تبلل أجفانه، بقى عشر دقائق ينظر إلى الرجل ويتمتم مع نفسه بعض الكلمات التي لم أفهمها، ولكن أعتقد أنه يعاتبه على الأغلب على ما فعله بعائلته
عقبها ألتفت نحوي ثم مد يده وسحب كتفي حتى أخفض رأسي لأصبح بمستواه ولكي أستطيع سماع كلامه همس في إذني اليمنى
« ماتيو.. هل تستطيع أخذي إلى قبر والداي، أود أن أزورهم »
هززت رأسي بالموافقة ثم أستدرت إلى المحقق، القيت عليه التحية مرة أخرى ومن ثم قمت بالتوقيع على جميع أوراق لووي، وقد أخبرنا المحقق أن المجرم يكن عداوة قديمة مع عائلة دايلان حيث خسرت شركته خسارة فاضحة أمام شركة والد دايلان لذا قرر الأنتقام وقتل جميع أفراد العائلة.
أرتعشت لسماع هذه القصة من المحقق عقبها خرجنا من مركز الشرطة،أخذنا هاريسون إلى حيث قد دفنوا والدا لووي ثم تركنا وأنصرف.
تقدم لووي بخطوات وئيدة نحو قبرهما بينما كانت شهقاته تفلت منه بين الحين والأخرى ومحجريه قد غرقا بالدموع، مسح أنفه بأكمام قميصه ثم تحدث بحشرجة
« أمي..أبي فالترقد روحكما بأمان لقد قبضوا على المجرم ويوم غد سوف يعاقبوه.. ماما..بابا لقد تعرفت بأجمل عائلة، ماتيو وأمي راشيل وهاريسون وباقي الأولاد، كانو نعم السند لي وأصبحوا عائلتي الثانية »
ثم أكمل مناجاة والداه إلى أن أكمل خطابه
« أمي أبي أنا أحبكم كثيرا وأرجو من الله أن ترقدوا بسلام »
أستقام من القبر عقب أن كان جاثيا عليه وأستدار نحوي، أبتسم نصف أبتسامة مزجتها الدموع وتحدث بالكاد أثر الحشرجة
« هل تعلم؟ على الرغم من مقتي الشديد على المجرم إلا أنه فعل حسنة واحدة وهي أنني ألتقيت بكم، حتى يتسنى لي العيش معكم والتمتع بطفولتي التي كانت مسلوبة؛ فأمي وأبي كان جلّ وقتهم مشغولان وكثيري السفر في أغلب الأوقات، وأنا كنت أمضي معضم وقتي مع المربية التي أستأجراها للعناية بي، حتى أنها كانت مثل أمي فهي من ربتني، ولكن الأن أنتم أصبحتم عائلتي الجديدة التي عوضتني عن النقص الحنان الذي أفتقدته في عائلتي السابقة »
وجدت نفسي أبكي دون أن أعلم مع ضمير مهشم فقد شعرت أنني أنا أيضا مخطئ وأفضل العمل على العائلة، ناسيا أن أهم شيء في الحياة الذي هو الأسرة ويجب أن نجعلها الأولى في أهتماماتنا.
دنوت من لووي وأحتضنته وبدأت أبكي مع الأعتذار له ولأمي على الرغم أنها ليست موجودة معنا ألا أنني تمنيت أن تكون بجواري في هذه اللحظة حتى أقبل يدها وأطلب العفو منها حتى تسامحني.
______________________________________
أرائكم:
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top