|11|أحدا عشـر عـامًا

في أحد المقاهي القريبة من المشفى عقب أخذ أستراحة الغداء أتصلت بأخي هاريسون بعد أن أتخذت من أحد المقاعد الشاغرة القريبة من النافذة مجلس لي، وكان المكان هادئ وصغير ولا يحتوي على رواد كثر.

أنتظرت قدوم الأخير في غضون عشر دقائق كان قد وصل، كان يرتدي ملابس رياضية خضراء مخططة من الأسفل وغير منقشة من الأعلى، وكان أخي متوسط القامة نسبيا نحيف الجسد، حنطي البشرة، أشعث الشعر نوع ما، من يراه أول مرة يعطيه طابع الشاب الضعيف الشخصية ومسلوب الأرادة  ومع ذلك يملك قلب واسعا طيبا متسامح.

ألقيت عليه التحية وبعد أن أتخذ من الكرسي الذي أمامي مجلس له ثم أسترسلتُ بالحديث بنبرة لا تخلو من الحزن
« لقد أتصل بي المحقق وأخبرني أن المشتبه به قد أعترف بجريمته وأنه..»

بتر أخي كلامي قائلًا بجفاء
« هل نسيت أن أخاك شرطي لمَّ تتحدثين كأنني لا أعلم شيئا»
أنهى حديثه بسخرية ومع ذلك لم أهتم وأستطردتُ
« في الوقت الراهن لا أستطيع أخبار لووي بمَّ يجري، لا يزال في طور أستعادة ذاكرته»

نظر صوبي بهتمام ثم بادر وهو يحك ذقنه
« هل أفهم أن لووي بدأ يسترجع ذاكرته»

هززت رأسي كناية الموافقة ثم أعدت بجسدي إلى الخلف أسند ظهري على الكرسي، بينما هو أفصح بوجه متهلل
« هذا خبر سار جدًا»

ثم أستأنف كلامه وسأل مستغربا
« ولكن لمَّ أراك حزينا!»

نكصت رأسي وتنهدت بعمق ثم فتحت أجفاني عقب أغلاقها للحظات وغمغمت
« لا أكذب عليك لقد تعلقنا أنا وأمي بلووي كثيرا، وأنا أخشى عقب أستعادة ذاكرته قد يقرر الرحيل

فتح أخي هاريسون ثغره كأنه حاول قول شيء ولكنه تراجع في أخر لحظة ثم ابتسم نصف أبتسامة وقال
« لا تجعل الأمر أكثر سوداويا يستطيع زيارتكم في أي وقت كذلك تستطيع البقاء على تواصل معه عبر الهاتف»
أنهى كلامه ببتسامة صغيرة ثم صمت قليلا

أرتشفت فيها كوب القهوة الذي طلبته قبل حضوره أنفًا مرت دقائق قبل أن يخاطبني هاريسون بنبرة لا تخلو من الخبث
« أرى أنك قد تعلقت بالصبي كثيرًا وبدأ يؤثر على سجيتك أتجاه العمل ويجعلك تتغيب بضعت أيام، عقب أن كنت سابقًا تود التخلص منه بأي وسيلة»

عقدت ما بين حاجباي ثم هتفت بكبرياء مصطنع
« أنت تبالغ فقط وأمي هي التي تعلقت به وأنا رجل دؤوب العمل وأي تعلق هذا الذي تهذي به!»

قهقه هاريسون على أنزعاجي الواضح ولكنه أكتفى في الضحك دون أضافة حرف واحد.

عقب نصف ساعة كنت قد ودعت هاريسون ورجعت إلى المشفى للعمل المكان الذي يرتاح قلبي فيه، أرتديت صدريتي بعد أن أشتريت أربع صداري جديدة وأبقيتها في المشفى عقب مشاغبات لووي الاخيرة، وفي كل نهاية أسبوع أرسلها الى المغسل والكوّي ويعيدوها بخدمة التوصيل إلى المشفى حيث لم يعد البيت مكانًا أمن لتخبأت ملابس العمل.

في الخامسة مساءً عدت إلى البيت وجدت أمي تقرأ لووي بعض الكتب المدرسية الذي ما أن رأني حتى رمى الكتاب وهرول نحوي.

أحتضنته وأنا أستطرد الحديث
« اماه أعطي لوو استراحة من المذاكرة ولا تضغطي عليه»

قهقهة بحماس على فكرتي وهتف
« نعم أنا أريد استراحة»

ثم توجه إلى التلفاز وفتحه، بينما أنا أخذت حماما باردة وبعدها جلست بجاني لووي في غرفة الجلوس، أخذت هاتفي المحمول بدأت أتصفح أخر الأخبار عندها باغتني لووي بطلبه
« ماتيو لماذا تذهب إلى العمل كل هذه الأيام؟ أماه تقول أن لديك فقط يومان ؟»

نظرت من طرف عيني إليه وتمتمت
« حتى هذا الطفل بدأت أمي تنقّله حتى يصبح ضدي في عملي»

رفعت يدي بغير مبالاة وأعقبت
« لوو يجب عليّ أن أكون أنسانا ناجحا وأعمل ولا أبقى أتكاسل في البيت»

نفخ وجنتاه وأستطرد بضجر واضح
« كلا أنت فقط تحب العمل .. أماه تقول ذلك»

ألتفت إليه عقب عبارته وابتسمت بحنان وقلت بأكثر نبرة عطف
« عزيزي من أين لك هذا الكلام! أنت وأمي أهم شيء بالنسبة لي وأنا أحبكم كثيرًا »

لم يعجب بجوابي وأدأرة ظهره ناحيتي أطلقت تنهيدة بسيطة فلا أعلم لمَّ هو غاضب هكذا؟
في العاشرة مساءً ولجنا إلى مخدعنا وأوينا إلى الفراش.

في اليوم التالي بعد أن أرتديت ملابس العمل أستعدادا للذهاب إلى الشفى عندما ذهبت لأخذ مفاتيح سيارتي لم أجدها في مكانها المخصص لعنت الحظ على أختفائهن فأين يمكن أنهن قد أختفن؟

بدأت البحث وأنا أسير على أصابع قدمي حتى لاأيقظه لووي من النوم فتحت الادراج دون صوت وشرعت بالبحث بسرعة وأيضا  دون فائدة

أستمريت بالبحث إلى أن يأست وتوجهت إلى حجرة أمي طرقت الباب بخفة ثم ناديتها بنبرة واطئة، أستيقظت عقب ثلاثين ثانية من ندائها، خاطبتني بنبرة طغى عليه النعاس ولكن لا تخلوة من السخرية
« مابك من الصباح ! ماذا تريد ؟»

تجاهلت نبرة صوتها الساخرة وهتفت  بقلق
« أماه مفاتيح سيارتي غير موجودة ، هل تعلمين أين أجدها ؟»

حملقت صوبي بلا مبالاة لتوتري وهسهست هزاءًا
« وأنى لي أن أعرف أين مفاتيح عربيتك !»

شعرت بالاحباط من جوابها الغير شافي فأين يمكن أن أجدها الآن ؟

أعدت البحث بهدوء داخل مخدعي وأيضا حاولت عدم أصدار أي صوت ولكن لأنني كنت متوترًا فقد بدأ الوقت ينفذ لم أنتبه عندما صدمت الدرج وسقطت العطر الموضوع فوقه محدث بذلك ضوضاء أدت إلى أستيقاظ لووي

لعنت حظي العاثر فقد أفقت الصبي، حاولت أعادته إلى النوم لكن للأسف ذهب عنه النوم ما أن رأى ملابس التي أرتديها وخاطبني بنبرة نعسه
« ماتيو لا تذهب إلى العمل وتتركنا أنا وأماه أرجوك ؟»

تصاعد الغضب في داخلي وبدأت بالبحث بصورة فوضوية دون أكتراث للضوضاء التي أحدثها ونثرت جميع أدوات الخزانة لكن دون أثر ؟

كأن الأرض أنشقت وابتلعت المفاتيح ، نفذ صبري وحاولت ضبط أعصابي وتهدأت روعي .

كان لووي قد بدأ يبحث معي رغم أنه لا يعلم عن ماذا أبحث، توجهت إلى غرفة الجلوس( الصالة)  أعيد البحث تحت الارائك ربما يكون قد سقط مني سهوا

في هذه الأثناء سأل لووي وهو يجثوا على الأرض ينظر أسفل الأريكة
« حقا ما هو الشيء الذي تبحث عنه ماتيو؟»

أفصحت بكتضاب وأنا أستقيم من الأرض وأضع يدي على رأسي مفكرًا
« أبحث عن مفاتيح سيارتي هل رأيتها سابقا في مكان ما ؟ أرجوك تذكر إن كنت قد رأيتها سابقا في الإرجاء؟»

ثم أستأنفت كلامي عقب أن أبتلعت مافي جوفي
« لقد تأخرت كثيرًا عن المشفى إلا تتذكر أين وضعته عندما عدت من العمل؟»

وضع سبابته على فمه يستعيد شريط ذكرياته، بقى وهله من الزمن قبل أن يبعد أصبعه ويهتف
« اه.. لقد تذكرت، المفاتيح لقد سقطت من يدي دون قصد في المرحاض »

أطلقت شهقة لا اراديا مع ألتفاف جميع جسدي شطره وبادرت إلى الكلام بعدم تصديق
« ماذا تقول! أين أوقعت المفاتيح؟ »

همس بنبرة خجولة ممزوجة بطيف من الخوف
« لقد سقطت في المرحاض وأنا لم أكن أتعمد ذلك أرجوك صدقني»

أغلقت قبضة يدي محاولا ضبط أعصابي، ثم قلت بكتضاب « تقول أنك أوقعتها دون قصد؟»

ما أن حاولت أن أدنو نحوه حتى هرول إلى غرفة أمي وأختبأ خلفها.

خاطبته بنبرة حادة
«لووي عقابك سيكون بعد عودتي من العمل»

عدت إلى الغرفة وأجريت أتصالا بعدها أخذت حقيبتي وأنطلقت إلى بهو المنزل تبعني لووي عقب دقائق وخاطبني بدهشة
« ولكن كيف تستطيع الذهاب إلى المشفى وأنت لا تملك سيارة تنقلك إلى مكان العمل!»

كشرت عن أنيابي وأردفت بخبث
«لقد أتصلت بالدكتورة هيلين وسوف تأتي تنقلني بعد دقيقتين وأذهب معها إلى المشفى» 

توسعت عينا لووي كأنه لم يتوقع هذه الأجابة وشعرت بكفهرار ملامحه  ، عقب دقيقتين وصلت الدكتورة، ركبت بجوارها وأخرجت رأسي من النافذة ثم أخرجت لساني صوب لووي أستهزاءا به كون خطته باءت بالفشل، ولكنني فوجئت بوجوم ملامحهِ وهناك خيط رفيع منذر ببكائه، جعل قلبي ينقبض.

أكملت ذلك اليوم بروح باهتة فقد فقدت حماسي للعمل سيما بعد رؤية لووي بوجهِ العابس.

عندما حل المساء حاولت العودة مبكرا ولم أبطء، عدت إلى البيت بواسطة سيارة أجرة.

وجدت لووي متربعا على الأريكة يشاهد التلفاز، القيت عليه التحية ولكنه لم يجبني ثم لاحظت أختفاء والدتي حينها سألته
« لوو أين والدتي؟»

عوض عن الإجابة أعطاني ظهره، أستغربت تصرفاته ثم دنوت منه مسدت شعره الحريري ثم أسترسلت
« لماذا صغيرينا لوو حزين وغاضب ويتجنب رؤيتي»

نكص رأسه وغمغم بأسى
«أماه قالت لي أن لديك يومين في الاسبوع بينما أنت تذهب جميع الأيام وتتركنا فيها»

أنفرجت حدقيتي فلووي يحاول جاهدًا أبقائي في البيت خلال أفعاله الصبيانية بينما أنا غاضب منه؟
خفضت رأسي وحدقت في الأرض أشعر بالأسى فأنا لا أستطيع التخلي عن أدماني مهما حاولت؟

******

في مساء يوم الجمعة عقب عودتي من المشفى أستقليت في حجرتي ثم حملت جهازي اللوحي وشرعت بمشاهدة فيدو جديد عن جرحة أورام الغدة الدبقية بواسطة أطباء مختصين من جامعة بريطانيا وكندا، وبينما أنا في خضم التركيز في الجراحة التي تقام قدم صوت أمي من مخدعها تريد ان أطرق لها مسمار لكي تعلق عليه اللوحة التي تبضعتها منذ الأمس.

خرجت ثم عدت أحضرت المعدات وبدأت بطرق المسمار في الحائط إلى أن أستطعت في الأخير تعليق الصورة، عقبها عدت إلى الغرفة لأكمل مشاهدة الجراحة حتى وجدت لووي على السرير،  يجلس جلسة القرفصاء، يحتضن جسده ويرتجف ثم أفصح بنبرة مرتعشة
« لقد قطعوا رأس الطفل وهو...»

تبخرت الكلمات من جوفه، لعنت نفسي لأنني نسيت أغلاق الجهاز عقب تركه على الفراش، تقربت نحوه بسرعة وأحتضنت لووي بحنان ومسدت رأسه أحاول قدر الأمكان أن أهدئ من روعه، بدأت أشرح له أنهم لم يقطعوا رأسه وأنما يعالجون دماغه من المرض.

في تلك الليلة بالكاد أستطعت أن أجعل لووي أن ينسى أمر الفيديو وينام

____________________________________

ارائكم :

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top