6: صديقتي الوفيّة.

إعتدتِ علي أن تأتي لتحكي لي مشاكلكِ. لتشكي لي من زميلةٍ أو من فردٍ مِن عائلتكِ أو من حبيبكِ السابق، أو حتي لتخبريني بأحداث يومكِ حتي وإن كانت مُملّة وروتينيّة! إعتدتِ علي الحديث معي في أي وكل شيء وكأنّكِ تُحدّثين نفسكِ أمام المِرآة. لا شيء تريدين إخفاؤه ولا شيء تخشين مِن البوح بِه لأنّكِ تعلمين جيداً أنني كاتِمة لأسراركِ مُنذُ إلتقينا، ولذلك كُنتِ تتصرّفين علي سجيّتكِ معي طوال الوقت.

'كُنتِ'.

الآن لا تأتين للسؤال عن حالي حتّي، ولم أعُد أعرف اخباركِ سوي بمحضّ الصُدفة.

لا تقصديني سوى لقضاء حاجتكِ أو طلب شيء ما.

صديفتان مُقرّبتان، عزيزتان، غاليتان، مُفضّلتان، أختان! هذا ما كنّا عليه.

الآن نحنُ زميلتان، غريبتان، مُتباعدتان.

أتذكُرين ليلة عيد ميلادي ماذا فعلتِ؟

كُنتِ غير متواجدة بالقاهرة حينها، فإحتفلتُ من دونكِ.. وبعد أن أتيتِ أهديتِني هديّة عيد مولدي، وكانت ثياب.

ثيابٌ قديمة لكِ، إعتدتِ علي أن ترتديها وكُنتُ أراكِ بها. قدّمتِها لي وكأنّها ثياباً جديدة، ولم أكتشف الأمر سوى بعد أن مرّت الأيام.

أردتُ ضفعكِ حينها، أردتُ تبريحكِ ضرباً حتي تنزف أضلُعكِ وأعضائكِ أجمعين كما ينزِفُ قلبي حتي بات دمي أن ينفذ!

أشحّاذةٌ أنا؟

أأستحقّ منكِ تلك المُعاملة؟

أمُثيرةٌ أنا للشفقة لهذا الحد؟

ألا أستحقّ أن تهدري نقودكِ لشراء شيء لأجلي؟

كان أسوأ عيد ميلاد يمرّ عليّ بفضلِك.

تمنّيتُ حينها لو نسيتِ هذا اليوم، بدلاً مِن إهدائكِ لي هديّةً بهذا الشكل!

*****

عمر هو صديقي المُفضّل من الفتيان. تعلمين ذلك، ويليه في المرتبة الثانية أحمد.

كالأخوة نحن وأكثر.

تقرّبتِ مِن عمر عن طريقي. حتي صِرتِ تتحدّثين معه علي جميع وسائل الإتصال الإجتماعي.. وتتحدّثان في المدرسة أيضاً.

مُنذ تقرّبكِ من عمر ومُعدَّل صداقتي به ينخفِضُ نسبيّاً.

كُنتِ تشغلين وقته كلّه. لم تتسنّح له الفرصة ليحدّث غيركِ! حتي أنّه نسى أصدقائه، ونسينى.

كُنّا في العطلة الصيفيّة الطويلة. لاحظتُ مُعاملته المُتغيّرة معي عن طريق الرسائل علي التطبيقات، وإنقطعنا عن الكلام لأشهر طويلة بسبب إستخدامه لي كخيارٍ ثاني، كبديل، كعجلة إحتياطيّة لسيّارته.. حين تكونين غير متّصلة بالإنترنت يلجأ لي ويتذكر أن لديه صديقة تدعي (جيم)!

كلاكما كان صديقي المُقرّب، وكلاكما أصبح أبعَد الناس إليّ في لمحِ البصر.

كلاكما نسيني في وجود الآخر، كلاكما جرحني بالطريقة نفسها دون أن يشعُر.

تركتِ أنتِ وعمر فراغاً كبيراً في أعماقي، إحتجت لمن يملأه قبل أن أتحوّل أنا لفراغ وسراب كبير..

لحُسن الحظّ كان أحمد هنا، وجنى وسارة وملك.. الجميع إلتفّ حولي لكن لم يشعر أحدهم بألمي.

حينها إفتقدتكِ أنتِ وعمر، أنتما من كان يسمع الكلمات من قلبي دون أن أرهق لساني بالنُطق بها.

توطّدت علاقتي بجميع زملائنا في المدرسة تلك الفترة، خصيصاً أحمد وجنى.

ذات ليلة لمحتُ إشعاراً غريباً في هاتفي..

شاهد رسالة جديدة من عمر.

كان ذلك بعد أشهُرٍ طويلة منذُ آخر مرّة تحدّثنا، مما دفعني للقلق وبدأ قلبي يخفق بسرعة تزامُناً مع فتحي للرسالة.

"(جيم) هيّ ماريا مالها؟"

حقاً؟ أهذا ما تذكّرني به عمر بعد تلك الفترة الطويلة مِن الغياب والخصام!! أنني صديقة ماريا ويجب أن أكون وسيطاً بينهما!!

"ليه بتسأل؟" أرسلت له بجفاء، فعاد يكتب "فوّقيها." لأعقد حاجباي بتشوُّش.

توتّرت علاقتي بماريا تلك الفترة فلم تعُد تحكي لي ما يجري معها، لذا لم أفهم مقصده.

"أنا لسه بحبها، بس هي إتغيّرت جداً ومبقتش تسمعني وبتطلب نبعد عن بعض بكلّ سهولة."

"أنا عارف إنها بتسمعلِك، ممكن تكلّميها؟"

كان ذلك قدراً كافياً من الصدمات لليوم. عمر كان في علاقة رومانسية معكِ طوال هذا الوقت دون علمي! دون أن يخبرني أحدكم، ولم يتذكرني الإثنين سوى وقت خصامهما..

أجل، الإثنين.

فأنتِ أيضاً يا ماريا راسلتِني في نفس الوقت قائلة "محتاجة أتكلم معاكي ضروري."

كرهتُ تلك الدوّامة الغبيّة التي إحتبستونني بها.

وبدأت أسمع لكلاكما علي حِدة، كواجبٍ منّي كصديقةٍ وفيّة لكلاكما. فأنا لستُ مثلكما في نهاية المطاف.. رغم يقيني الشديد بأنه حين تُحَلّ المشكلة بينكما سينصرف كلٌّ منكم إلي حياته كما كنتما في السابق. وأعود أنا لنقطة البداية.

حاولتُ أن أُصلِح بينكما قدر الإمكان، لكنّكِ يا ماريا عنيدة بطبعكِ.. وعمر يجرحه كبرياؤه للتفاوض معكِ.

خرجنا معاً لنتحدّث بهذا الشأن علي راحتنا، جلسنا بأحد المقاهي وقُلت لكِ "المفروض إنك تكلميه وتشوفوا حلّ للموضوع، مش إنك تتجنبيه وهو كمان يعمل زيّك وتفضلوا كده! ممكن تفهّميني إنتوا كده إيه؟"

"مش عارفة.." أردفتِ بتشوّش.

"ما هو لازم تعرفي، يا تكملوا سوا رغم الخلافات اللي بينكوا يا لأ!" رفعت كتفاي ببساطة ثم إرتشفت من العصير.

"وإنتي رأيك إيه؟" تنهّدتِ وإعتدلتِ في جلستكِ لتحدّقي بعيناي آملةً في نصيحةٍ اخويّة.

"أنا مليش دعوة أصلاً، بس لو أنا مكانك كنت هثبت علي موقفي وهو لو عاجبه ماشي، لو معجبوش في ستين داهية! اصله مش هيكلم بنات الدنيا كلها وييجي يقولك متكلميش الولدين دول عشان بيتضايق!" أخبرتكِ ناصحة، فنظرتِ لي بخُبث وتسائلتِ "هو ده اللي انتي عايزاه مش كده؟"

"مفهمتش؟" عقدت حاجباي لأراقبكِ تميلين للأمام وتصنعين تواصلاً بصرياً معي بينما تردفين "عايزانا نسيب بعض، مش كده؟"

"لو عايزاكوا تسيبوا بعض إيه اللي هيخليني أقابلك النهاردة؟ وبعدين إيه اللي خلّاكي تقولي كده؟" نُثِرَت الدهشة علي تقاسيم وجهي فور أن رأيتكِ تبتسمين بمكرٍ وتقولين "عشان بتحبيه مثلاً؟"

"إنتي متخلفة؟" بزغت عيناي في صدمة، وشعرت بالدماء تَهيج في عروقي.

"متخلفة عشان بقول اللي انتي مش عارفة تقوليه؟" تعالَى صوتُكِ، وإحتدّت نظراتُكِ.

شاهدتُ عمر يدخُل المقهي ويداه متوارية خلف ظهره وعلي ثغره إبتسامة لطيفة، فنهضت لأجلب حقيبتي وأردف بمرارة "أنا مش عارفة أقولك إيه فعلاً غير إن دي أكبر غلطة أنا عملتها فـ حياتي!" ورحلتُ والغضب يأكُلُ أطرافي بشراهة.

أنا من دبّر الأمر مع عمر، أخبرته بمقابلتي لكِ في المقهي المُحدّد ليأتي برفقته باقة ورد ويكسب رضاكي مرّة أخرى، ربما بعد أن إكتشفتِ ذلك ندمتِ أشدّ الندم.

لكن هل ندمكِ سيُصلِح الجرح العميق في قلبي؟

قصدتُ حينها أن مُحاولتي في الإصلاح بينكما بنيّةٍ طيّبة كانت أكبر غلطة إرتكبتها في حياتي، لم أكُن أعلم أن أكبر غلطة إرتكبتها في حياتي كانت معرفتي بكِ يا ماريا من الأساس.

يا صديقتي الوفيّة.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top