2: صديقتي الجديدة.
تجاهلتِ مشاعري كثيراً، هل تتذكّرين؟
أبكيتِني وألمتِني كثيراً، فهل تعلمين؟
إن كُنتِ في مكاني، هل تغفرين؟
لن تفعلِ، وأنا علي يقين.
إختلقتِ مسافاتٍ بيننا كالمسافاتِ بين أقصي اليسار وأقصي اليَمين.
وقد فات الأوان يا صديقتي، فلا تعتذرين.
*****
كُنتُ أعبثُ بقلمي تارة، وأرسم بعض العلامات العشوائيّة علي أوراق كراستي تارة أُخري. حتي أتت تلك اللحظة التي سمعت فيها صوت المُعلّمة تقول:
"رحّبوا بزميلتكم الجديدة معانا في الفصل!"
فجأة نهضتِ أنتِ، فإستدرتُ نحوكِ كما فعل جميعُ مَن في الفصل، نتفرّس ملامحكِ وندرِس تحرُّكاتكِ. أذكُر كم شعرتِ بالخجل وقتها لتُباشري الحديث بنبرةٍ مُنخفِضة "أنا ماريا نصر، نقلت للمدرسة دي عشان غيرنا مكان السكن، ودي كانت أقربلنا من مدرستي القديمة." ثُم إختتمتِ حديثكِ بإبتسامةٍ مُتوتِّرة كصاحبتها.
رحّبنا بكِ بِلُطف، وجلستِ علي مقعدكِ لِتُباشِر المُعلّمة شرح الدَرس الأول في التاريخ. كُنتِ تستمعين إليها بإهتمام.. أو علي الأقل تتظاهرين بذلك. حتي تنشغلي عن نظرات الجميع التي تُصَوَّب نحوكِ مِن حينٍ لِـآخَر.
"شكلها كيوت، مش كدة؟" همست صديقتي في اذني خلسةً فور أن إنشغلَت المعلمة. نظرتُ إليكِ مرّة اُخري.. راودني شعورٌ غريب بأن تكوني فتاة سيئة!
لكن طريقة إنكماشكِ في مقعدكِ لم تُمكّنني من إساءة الظن بكِ، وشعركِ القصير ذو اللون البُني الهاديء كان لهُ رأيٌ آخر ايضاً.
نظرتِ بجواركِ فإلتقت عيوننا، وإكتشفتُ بأن مُقلتَيكِ البُنيّتَين أسفل نظّارتكِ الطبيّة يحملان الكثير من الطيبة.
إبتسمتِ لي بخفّة ثُم نظرتِ أمامكِ بعد أن بادلتكِ الإبتسام.
كَم أن المظاهر خادِعة يا صديقتي!
*****
في فترة الإستراحة لملمتُ حاجياتي لِأُدخِلها حقيبتي، وإسترقتُ النظر إلي يوسِف الذي كان يُتابِع تحرُّكاتكِ حتي خرجتِ من الفصل..
علمتُ حينها أنّكِ تحتاجين إلي شخصٍ يُرشدكِ قبل أن تقعي في بئرٍ من المشاكل لا نهاية له.
أسرعتُ في خطواتي حتي لحقت بكِ، وقُلت مُبتسِمة "تحبّي أعرّفك علي المدرسة؟"
إبتسمتِ لي بتوسُّع وكأنّكِ إحتجتِ لسماع ذلك من شخصٍ ما. أومأتِ لي قائلة "ياريت!"
وصلنا إلي فناء المدرسة، وأخذنا نسير جنباً إلي جنب ونُثرثر. أخبرتكِ عن الكثير والكثير من الأشياء في المدرسة.. أخبرتكِ عن المُعلّمة التي تُرضِع طفلها في منتصف الحصة، وعن المُعلّم الذي يتمايل بغنج أثناء حديثه ويُرقِّق نبرة صوته بطريقةٍ تُثير الشَك، وعن المعلّم المفضل لديّ الذي يعاملني كإبنته، وعن معلمة اللغة الإنجليزية التي تهوي حبسنا داخل الفصل لخمسة دقائق إضافية لتضيع علينا فترة الإستراحة، وعن مُدرّس الألعاب الذي يُهاتف خطيبته طوال الوقت، والطالب الذي ينزوي بأحد أركان الفصل ولا يتحدّث إلا نادراً والكثير والكثير.. ولم تتوقّفي عن الضحك أبداً ما دُمتُ لم أتوقّف أنا عن الحديث وسرد بعض المواقف.
توقّفتُ أمام ملعب كُرة القدم وأخبرتكِ: "بصي يا ستي كل الولاد اللي معانا في المدرسة ليهم في الكورة، وشايفة الولد أبو شعر اللي هناك ده؟" أشرتُ لكِ علي زميلي في الفصل، لكنّكِ ضحكتِ قائلة "أبو شعر؟ مفيش توضيح أكتر من كده؟"
"لابس لبس المدرسة."
شهقتِ لتدّعي الصدمة.. وأردفتِ في ذهول "إوعي يكون لابس كوتشي كمان!"
أومأتُ لكِ.. ثُم أدركت دعابتكِ حين وجدتكِ تضحكين دون توقُّفز شاركتكِ الضحك وتنبّأتُ لنا بصداقةٍ قويّة.
لكنّني لم أتنبّأ حينها بأنّ تلك الصداقة ستُدمّرني بعدّة طُرُق.
"علي فكرة بقا العيب فيكي لإني شوية وهروح أقوله يابني احنا بنتكلم عليك!" أخبرتكِ بينما أُشير إليه لآخر مرّة، فتمكّنتِ من رؤيته قائلة "آه شوفته، ماله؟"
"ده عمر، دايماً بيبقا حارس المرمي لما فصلنا بيلعب، ده بقا يا ستي أكتر من صاحبي، تقدري تقولي عليه أخويا!" إبتسمتِ لي وأومأتِ.. أخذت أُعرِّفُكِ علي بقيّة اللاعبين، حتي أشرتُ علي يوسف قائلة "ده بقا أشطر واحد في الصياعة، بيلعب بالبنات أكتر ما بيلعب بالكورة، وبيبصبص علي طول فا خلي بالك."
حرّكتِ رأسكِ مُتفهّمة.. ثُم قُلتِ "طب وأبو عيون خضرا ده؟"
نظرتُ إليه عاقدةً حاجباي، فأمسكتُ بيدكِ لأسحبكِ بعيداً عن الملعب وأقول "أنا بقول يلا أعرّفك علي البنات بقا."
فقهقهتِ بصخب بينما نتّجه نحو صديقاتي.
لم يكُن عليكِ السؤال عنه أبداً يا ماريا.
وأنتِ الآن تعرفين السبب، أليس كذلك؟
*****
"(جيم)! مش عارفة أشكرك إزاي بس إنتِ فعلاً فرحتيني لما جيتي تكلميني النهارده، حسيت إن موضوع إني أبقا البنت الجديدة في المدرسة ده هيكلّفني وقت طويل معرفش فيه حد علي ما اثبت نفسي في المدرسة واتعرف علي طلابها، بس إنتِ خليتي الموضوع أسهل بكتير!" إبتسامتكِ الدافِئة قد وجدَت طريقها إلي قلبي، وعانقتِني بإمتنان فبادلتكِ بسعادة.
"متشكرينيش يا ماريا، أنا اللي فرحت لمّا فكيتلك عقدة لسانك دي وعرّفتك علي طلاب الدُفعة كلهم، وبجد حاسة إننا ممكن نبقا اصحاب كويسين في المستقبل!" فصلت العِناق لأبتسِم لكِ، وسِرنا سويّاً متوجِّهين نحو نهاية الرواق قاصِدين الخروج مِن المبني بأكمله، وقبضتِ علي الكُتُب لِتُقرِّبيها إلي صدركِ وإبتسامتكِ البَشوشة تحتلّ ثغركِ قائلة "إحنا بَقينا إصحاب فعلاً يا (جيم)."
وهكذا كُنتِ.. صَديقتي الجَديدة.
*****
أحب بس أقول إن القصيدة اللي فوق دي مِن تأليفي، وشكراً.
آراء؟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top