عدالة مشوهة

تدّعين البراءة؟ وأين كانت براءة الأطفال الَّذين مزّقتِ أحلامهم قبل أجسادهم؟ الآن أنتِ لا تشربين سوى من ذات الكأس التي سقيتِهم منها.

وفي أسفل الجملة قليلًا كُتِب: 7:10

تسمَّر «آصف» في مكانه، عيناه معلقة إلى تلك الجملة الَّتي نقشت بالدماء على الجدار، وتوقّف الهواء في رئتيه مِن آثر الصدمة.

كان للحروف المبعثرة على الجدار بخطّه المنمّق وقع النواقيس تتردّد في رأسه بإيقاع مريع كأنَّها نذير شؤم يُذكره بماضي أراد نسيانه.

فتسللت تلك العبارة إلى قبور ذاكرته، كلَّ حرف كان كندبة قديمة انفتحت مِن جديد، فذلك الخطّ، وتلك الحروف تذَّكره به!

وقعت عيناه على التوقيع أسفلها: المنتقم
ارتجف قلبه رجفة المذعور كأنَّ برودة الموت تسللت إلى عظامه، تجمَّدت أطرافه للحظة وكأن الزمن التوى على نفسه ليعيده عامين إلى الوراء، إلى ذلك الخط، ذلك الخطّ اللعين بحروفه الَّتي تحمل لعنة لم ينسها يومًا،
فأردف وهو ما زال في حالة صدمة:
«إذًا، هو لم يمت.»

ظلَّ طوال تلك السنوات يجلد ذاته بسياط الندم، يعيد في ذاكرته تلك اللحظة الملعونة مرارًا، يتساءل كيف أفلت من بين يديه، كيف تلاشى أمام عينيه، لكن ها هو الآن عاد.

عاد مِن حيث لا يدري أحد، مِن غياهب الظلام، عاد كطيفٍ نجى من بين أنياب الموت كأنَّ الموت لفظه ليُتمّ ما بدأه.

ظلَّ «آصف» يتوغّل في حروف العبارة، الَّتي بدت له تهمس باسمه، وتنبش في زوايا ذاكرته ما حاول دفنه وراء سجادات البيت، وخلف ضوء الفوانيس.

راحت الذكريات تهدر في رأسه كسيلٍ جارف لا سبيل لإيقافه، اجتاحه تيارها العنيف، وسُحِب إلى مشهدٍ ظلّ قابعًا في دهاليز عقله ينتظر اللحظة المناسبة ليطفو على السطح من جديد.

رأى نفسه هناك، في شقة الضحية العشرين، يقف متجمّدًا ومبللًا مِن آثار المطر كتمثال، عيناه معلّقتان بنافذة مفتوحة على ظلامٍ بلا قاع.

في الأسفل، كان الجسد ممددًا على الإسفلت، أطرافه الملتوية بزاوية غير بشرية تحكي فظاعة السقوط، ستة طوابق تفصل بين الحياة والموت، وبين الجسد والروح الَّتي انفلتت منه كضوء تلاشى في الليل.

ريح الليل ناحت في أذنيه كأنَّها تصفَّر بين أضلع الضحية المهشّمة، والدماء تلك البقعة القانية الَّتي لوّثت الأرض تحته بدت وكأنها توقيعُ شيءٍ خفي، شيء يراقب، يترصّد، ولم ينتهِ عمله بعد.

ظلَّ يجول في الشقة، والعتمة المتربصة في الأركان كأشباح تراقبه، لم يكن يساعده على الرؤية في ذلك الحي الَّذي انقطعت به الكهرباء بسبب غزارة المطر إلا ذلك الكشاف في يده.

ثمَّ توقّف فجأة، عيناه تجمدتا على الحائط حيث حُفِرت الكلمات كجرح بمداد غامق أشبه بندبة سوداء شوهت الجدار وكأنَّ الجدران نفسها نزفت لتهمس إليه بسرٍّ دفين:
"متناقض أنت يا رجل، ربما كان عليك أن ترأف بأخيك، لربما كنت رأفت بك."

وتحت تلك الجملة كتب على الحائط: 2:7

حروفها تنبض بعبقٍ آثم كأنها ليست مجرد كلمات، بل لعنةٌ استيقظت بعد طول سبات، قرأها، مرة، مرتين، لكنَّها لم تكن مجرد حروف، بل أصواتٌ هامسة تزحف إلى عقله.

لم يُطِل «آصف» التفكير في تلك الجملة، فقد بات يدرك بعد مطاردته الطويلة لذلك القاتل المتسلسل أنَّ جرائمه لم تكن جرائم عشوائية، ولا دربًا مِن العبث الدموي.

لم يكن يقتل لمتعة القتل، ولم يكن يختار ضحاياه عبثًا بل كان دقيقًا كحدّ نصل، ولا يحيد عن هدفه قيد أنملة.

إنه لا يسفك دماء الأبرياء، بل يقتلع الخبث من جذوره
كأنَّها أشبه بحبل مشنقة تطارد مَن ظنّوا أنفسهم فوق القانون، أولئك الذين تسلّلوا مِن قضبان العدالة، أولئك المجرمون الَّذين تفنّنوا في إراقة الدم، وظنوا أن الزمن سيمحو آثارهم، لكنَّه كان هناك يترصدهم بصبر قاتل محترف، يحكم وينفذ العقاب الَّذي اِستعصت يد العدالة عن إنزاله.

أما كلماته التي يتركها خلفه، فلم تكن خربشات مختلٍّ أو بصمة يد قاتل مخمور بدم ضحاياه، بل كانت رسائل مشؤومة نقشها على الجدران كتعويذاتٍ تضمن ألا يطوي النسيان أفعاله.

وذلك الوقت المريب الَّذي كان منقوشًا أسفل كل جملة كُتبت بدماء الضحية، بدا في الوهلة الأولى وكأنَّه موعد وفاة الضحية، لكن شيئًا ما في تلك الدقة القاتلة كان أشبه بنذيرٍ خفي، جرح نازف في عقل المحقق «آصف»، الَّذي ظل يُقلب الأمر في رأسه كمن يحاول فكّ تعويذة كُتبت بلغة الجن.

عندما أجرى الطب الشرعي فحصًا دقيقًا للجثث، جاءت النتيجة صادمة، التوقيت الَّذي حملته تلك الأرقام لا يتطابق مع لحظة وفاة أي من الضحايا كان خطأ، أو هكذا بدا لهم، لكن «آصف» لم يقتنع كان هناك إيقاع خفي، لحنٌ قاتمٌ يسمعه وحده.

تملَّكه شعور غريب بأنَّ الرقم ليس متعلقًا بموت الضحية الحاضرة، بل بشيء أبعد، وأقدم كأنَّ القاتل ينبش في ظلام قديم ليدفن فيه جثثًا جديدة.

بدأ «آصف» يبحث في خلفيات الضحايا أنفسهم، نبش في حياتهم كما ينبش حفَّار القبور في التربة الرطبة، بحث في تفاصيلهم المنسية، علاقاتهم، ماضيهم الغامض،
وما وجده كان أشبه بسهمٍ مسمومٍ أصاب قلب التحقيق.

اكتشف أنَّ كل ضحية مِن ضحايا القاتل كانت في الماضي متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في جريمة قتل أخرى، قضايا قديمة أُغلقت لعدم كفاية الأدلة وكأنَّ العدالة قد عميت عنهم، لكنَّها لم تفلت من قبضة القاتل.

الأدهى مِن ذلك، الرقم المكتوب أسفل كل جملة لم يكن موعد قتل الضحية الحالية، بل كان وقت وفاة ضحية الضحية كأنَّ القاتل في عدالته المشوهة أعاد عقارب الساعة إلى الوراء؛ ليقتل المجرم في اللحظة نفسها الَّتي ارتكب فيها جريمته.

وهذا التناسق الزمني المريب يعني شيئًا واحدًا فقط: القاتل ليس عشوائيًا، بل يُنفذ خطة متقنة، باردة، ويملك معرفة مذهلة بتفاصيل جرائم أُغلقت منذ سنوات طويلة.

في تلك اللحظة، شعر «آصف» بقشعريرة تزحف تحت جلده كأنَّ القاتل لم يكن يطارد المجرمين فقط بل كان يراقبهم طوال الوقت كظلٍّ صبور ينتظر خطيئتهم الأولى كي يسلب منهم حياتهم بنفس الوحشية التي صنعوها ذات يوم.

السؤال الذي بدأ ينهش عقله الآن لم يكن فقط من القاتل؟ بل كيف حصل على هذه التفاصيل التي لا يعرفها سوى من دفن تلك القضايا؟

وكأنه، دون أن يدري، قد اقترب خطوة أكثر مما ينبغي، خطوة نحو فم الوحش المفتوح على مصراعيه.

تطلَّع «آصف» إلى العبارة مجددًا، عيناه تتفحصان الحروف الملطخة بالدماء، كلماته كالشاهد الوحيد على محكمة بلا قاضٍ، بلا شهود، بلا استئناف، فقط حكمٌ قُرر ونُفذ، وعين في العتمة تترقب الضحية التالية، فزمَّ شفتيه وكأنّه يلوك الكلمات في ذهنه قبل أن ينطق بها، ثمَّ قال بصوتٍ خافت، لكنَّه مشحون بيقين مريب:
"هل قتل الضحية أخاه؟"

لم تمضِ سوى لحظات حتى اقترب منه المقدّم «أهيب»، وقد خطّ القلقُ ملامحه، فطالعه بنظرة مستريبة قبل أن يسأله بصوت متهدّج:
"وما أدراك بهذا؟"

لم يتحرّك «آصف»، وبقى ساكنًا كأنَّه ترك السؤال يتردّد في أذنيه قبل أن يرسم نصف ابتسامة، شاحبة كأنّها مقطوعة من وجه ميّت، ثم قال:
"أنا أتعقّب هذا القاتل منذ جريمته الأولى، لم تكن كلماته يومًا مجرّد خربشاتٍ على الجدران، وبعد التحقيق تتبيّن أنّـ كلماته ليست عبثًا، بل هي رسائل تحفر في ماضي الضحية، تنبش ما حاول دفنه."

استدار ببطء، حدَّقت عيناه في الشرفة التي يُعتقد أنَّ الضحية أُلقي منها، فدخل إليها، وظلّ يتفحّص كلّ شبرٍ منها، عيناه تمسحان أدقّ التفاصيل كأنّه يبحث عن شيء ما، لكن شيئًا آخر استرعى انتباهه؛ وميض برقٍ خاطف شقّ عتمة السماء كاشفًا عن طيفٍ أسود يقف على سطح البناية المهجورة المجاورة.

شخص ما ملتحف بالسواد، واقف على سطح البناية، فتجمَّد الدم في عروقه، وشعر بأنفاسه تتلاحق، لم يكن ذلك الشخص سوى ظلٍّ داكن، لكن حضوره كان طاغيًا،
كأنَّه شبحٌ خرج من أعماق الجحيم.

لم ينتظر «آصف» لحظة أخرى، اندفع نحو البناية المهجورة، قلبه يخفق كطبول الحرب، وصوت خطواته يتردد في الممرات الخاوية.

صعد السلالم بخطوات متسارعة متجاهلًا صريرها المخيف، وعيناه تبحثان عن ذلك الطيف الذي رآه.

وصل «آصف» إلى السطح، ليجد ذلك الشخص واقفًا كأنّه يترقّب مجيئه، فوجَّه «آصف» الكشاف نحوه، ليظهر أمامه رجل طويل القامة، عريض المنكبين، يرتدي سترة سوداء طويلة تصل إلى الركبة، وعلى رأسه قلنسوة سوداء تخفي ملامحه، وحول رقبته شال أسود يُخفي نصف وجهه الأسفل.

مرّت لحظات مهيبة من الصمت، كأنّ الزمن توقّف حتَّى نطق ذلك الرجل بصوتٍ خافت، لكنَّه مشحونٌ بالثقة:
"أتبحث عني أيها المحقق؟"

شعر «آصف» بشيءٍ من الغرابة يتسلل إلى نفسه، لكنَّه تمالك نفسه وأجاب بثبات:
"هل أنت القاتل؟"

انطلقت من الرجل ضحكة قصيرة، ثمَّ قال:
"هل تتوقع مني إجابة مباشرة؟ على أي حال، أنا أحب المراوغة، لكن هذه المرة لن أراوغك. نعم، أنا القاتل، ماذا الآن؟"

تفاجأ «آصف» من إجابته المباشرة، فارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة، وقال بنبرة تنمّ عن تحدٍّ:
"لقد فُقتَ توقّعاتي، هل يهنأ لك بالٌ بعد أن أزهقتَ روح الضحية العشرين؟"

أجابه الرجل دون أن يلتفت إليه، وكأنما يتحدث إلى الفراغ:
"للعلم، لم أقتله؛ بل انتحر بنفسه، كنتُ هنا أراقب سقوطه في هاوية الموت."

ردّ «آصف» بنبرة حازمة:
"إذًا، لا ريب أنَّك لعبتَ بعقله، وتلاعبتَ بخوفه حتَّى استبدّ به الرعب، فخيّرته بين الانتحار أو مواجهة موت أشدّ فظاعة على يديك."

تفاجأ «جاسر» مِن تحليل «آصف» السريع، فارتسمت على شفتيه ابتسامة خافتة، وقال:
"أنت ذكي، ما اسمك؟"

شعر «آصف» بالاستغراب مِن هذا السؤال، لكنه قرر مجاراته، فأجاب:
"آصف، وأنت؟"

رفع «جاسر» بصره نحو السماء المعتمة، ثم أردف بهدوء:
"اسم يدل على الحكمة، لا بأس به، اسمي جاسر."

تبادل الرجلان نظرات حذرة، وكأنهما يتفحصان أعماق بعضهما البعض، كان الجو مشحونًا بالتوتر، والظلام يلف المكان بهيبة، لا يقطعه سوى وميض البرق الذي يكشف بين الحين والآخر عن ظلال اجسادهم.

في تلك اللحظات، شعر «آصف» بأنفاسه تتسارع، وكأنها تلهث خلف الحقيقة المراوغة، كان يعلم أنَّ المواجهة مع هذا الرجل ليست مجرد حوار عابر، بل هي معركة عقول، حيث الكلمات أسلحة، والصمت فخاخ، فقرر أن يستخدم الضغط النفسي.

أما «جاسر»، فكان يقف بثبات، عيناه تلمعان ببريق غامض يوحي بأنه يخفي وراء هدوئه عاصفة من الأفكار والدوافع المظلمة.

وسط هذا الصمت المشحون، قرر «آصف» أن يكسر الجمود، فقال بنبرة حازمة:
"ما الذي تريده يا جاسر؟ لماذا كل هذه الجرائم؟"

ابتسم «جاسر» ابتسامة باهتة، وأجاب بصوت هادئ:
"أحقق العدالة الَّتي عجزت أنت عن تحقيقها."

في تلك اللحظة، أدرك «آصف» أن هذه المواجهة لن تكون سهلة، وأن عليه أن يستخدم كل ما لديه من ذكاء وحكمة ليكشف عن هذا الرجل الغامض.

أخفض «آصف» سلاحه بخفةٍ مُتقنة في محاولة منه أن يُظهر أن لا سبيل للعدوان في لقاء النفس مع النفس، فقال بنبرة هادئة تخترق صمت:
"كل هذا كان جزءًا من لعبتك، أليس كذلك؟ لقد كنت تخطط لكل خطوة، لكن ها قد انقضى الليل، وانتهى الأمر."

ضحك «جاسر» ضحكةً هادئةً مُرتجلة، كانت عيناه تتلألأن ببرودٍ يُخفي زيف الملامح، ثمَّ نطق وهو يرمق «آصف»:
"انتهى؟ هل تظن أنني وصلت إلى هذه المرامي بلا مآمرٍ ومخططاتٍ مدبرة؟ لا تكن ساذجًا يا آصف."

أردف «آصف» بصوتٍ يختال بثقةٍ مكبوتةٍ خلف ستار من الحزن العتيق:
"ربما، لكنَّك لم تخطط لذلك الإحساس الذي يجتاحك الآن، ذلك الشعور بالضعف الذي يتسلل إلى روحك، إذ إنها أول مرة تفقد فيها السيطرة على مصيرك."

عقد «جاسر» حاجبيه بوقارٍ محاولًا أن يخفي أثر تلك الكلمات الَّتي كانت تُخترق دروعه، فقال ببرودٍ مُتحدٍ:
"السيطرة؟ هل تعتقد أنِّي فقدتها؟ أنا الذي يقف هنا، أنا الَّذي أحدد مصيري، بينما أنت، يا آصف، تقف في العتمة منتظرًا أن أستسلم."

تقدم «آصف» خطوةً مدروسةً، ونبرته أصبحت أكثر هدوءًا وقسوةً:
"بل أنت مَن ينتظر، تنتظر أن أخبرك بأن هنالك مخرجًا سريًّا، وخيارًا ثالثًا، لكنني لن أفضح هذا السر، لأنك تعلم الحقيقة كما تعلم دموع الليل، اللعبة انتهت يا جاسر، ولم يبقَ لك سوى خيارين: الاستسلام، أو الموت."

ضيّقت عينا «جاسر»، وارتفعت نبرة صوته:
"أتعلم ما الفرق بيني وبينك، يا آصف؟ أنت ترى العالم بخطين ثابتين: أبيض وأسود، مجرم وضابط، قاتل وضحية، لكن هذا الكون أيها المحقق ليس بسِطر من أبيض وأسود؛ إنه لوحةٌ متداخلة الألوان، رمادية الأبعاد، مملوءة بالفوضى."

ابتسم «آصف» ابتسامةً غامضةً، ثمَّ فقال:
"أنت محق، فإن العالم رمادي، منقوشٌ بخطوطِ الفوضى، لكن دعني أسألك: ماذا سيحدث لك إن استسلمت؟ متى يتحول اسمك إلى خبرٍ باهتٍ في صحف الأيام؟ هل ستتحمل فكرة أن تصبح نكرة بعد أن كنت الرجل الذي أرعب أرجاء الوجود؟"

ضحك «جاسر» من كلماته، ضحكةً دافئةً كأنها نداءٌ من ذاكرتٍ لم تُمحَ بعد، ثم أضاف:
"تحاول أن تلعب ضدي يا آصف؟ إنما أنت لا تدرك أنني لستُ مألوفًا؛ فلن يُصبح اسمي يومًا مجرد خبرٍ منسيّ."

ردّ «آصف» بهدوءٍ جاف:
"وهل ستبقى خالدًا إذا ما توفيت الآن؟ سيبحثون عن جثتك أيامًا، ثم تتبدّد آثارك، ويُستبدلك بقصة جديدة، بقاتلٍ آخر، فتصبح مجرد رقمٍ في سجلات الجرائم، أهذا هو إرثك؟ مجرد قاتل آخر في أنساب الدماء؟"

اقترب «آصف» بخطواتٍ مدروسةٍ، حتى أصبح صوت خطواته وكأنها طرقاتُ ساعة النهاية، فأردف «جاسر» بصوت خافت متهالك:
"لا تقترب، فليس بيديك أن تعلم ما قد تُسفر عنه هذه الخطوة."

التفت «جاسر» نحو حافة السطح، ناظرًا إلى الظلام الكثيف الذي يحتضن الأسفل، ونظرةٌ خاطفة تخترق فراغ الهاوية، إذ كان عالقًا بين خيارين يمحو أحدهما كيانه؛ إن استسلم يُسجن في زنزانةٍ من الذل، وإن مات، ينقش اسمه مع غياهب النسيان، ومع ذلك، كان هناك خيار ثالث، خيارٌ همس به آصف دون أن يدرك.

أخذ «جاسر» نفسًا عميقًا، ثمَّ ابتسم ابتسامةَ شبحٍ مُلتقطَةً من رماد الأيام القديمة، وقال:
"آصف، إنك أذكى مما كنت أظن."

شعر «آصف» بوميض شؤم يزحف مِن عتمة قلبه، فتقدم خطوةً أخرى وصاح بصوتٍ صارخ:
"جاسر، لا تفعلها!"

ولكن قبل أن يُتمّم كلماته، اندفع «جاسر» نحو الحافة، وقفز في عتمة الهاوية!

هرع «آصف» نحو الحافة، وعيناه تبحثان في الأسفل عن بقايا صورةٍ لجسده، لكن لم يكن هناك أثر؛ لا صراخ يُعلو، لا صوت ارتطام، ولا حركة.

_____________________________

ولقب أكبر كلاون في الدنيا يروح للمحقق آصف😂


Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top