البارت الرابع
"إن لم تستعد اليوم فليس الغد لك"
مرت بضع دقائق و ها هم الآخرون يدخلون الحافلة، و كل اتخذ لنفسه مكانا على مقعده و هم يخوضون أحاديث ثنائية، ما عدا روز التي انغمست في التفكير في ما حدث قبل دقائق، بالرغم من أنها تلعب بهاتفها الذكي.
انطلقت الحافلة إلى وجهتها مخلفة الغبار خلفها، و قد دخلت حاليا الغابة لتستقر في قلبها، حيث تحيط بهم الأشجار من كل الجهات إضافة إلى أجمل المناظر الطبيعية الخلابة.
خرج الأساتذة الأربعة أولا لتفقد المكان، ثم سمحوا للباقين باللحاق بهم أيضا، خرج الجميع ما عدا روز التي بقيت الأخيرة، بعد أن تقدمت خطوات نحو المجمع لتتخذ لنفسها مكانا تنصب فيه خيمتها، قاطعتها فتاة تدفعها لتأخذ منها الموقع، و هي تقول:
هي.. يا غريبة الأطوار هذا مكاني...
لم تتجادل معها روز، إنما ابتعدت قدر الإمكان عنها في صمت تام، إلى أن أتاهم صوت أحد للأساتذة و هو يخاطبهم:
تنتبهوا لي يا تلاميذ...
التفت الجميع نحوه، و بعد أن نجح في إثارة الإنتباه، أكمل قائلا:
إذن ستنقسمون إلى مجموعات مختلطة... و كل أستاذ سيكون مسؤولا على أحدها... و بما أننا أربعة فقط و عددكم ليس كبيرا.. فستنقسمون إلى أربعة فرق و كل فريق يجب أن يحتوي ثلاث فتيات و ثلاثة أولاد..
ما إن أنهى جملته حتى بدأت الأصوات تتعالى و كل ينادي على الآخر ليكونوا مجموعات كما طلب الأستاذ، في حين ظلت روز ثابتة مكانها، فهي حقا تكره عندما يطلب إليهم العمل كمجموعات، كونها غير مرحب بها معهم.
كانت روز تشاهد من بعيد إلى أن توقف ستة في كل جهة ما عدا فريق مكون من خمسة فقط، فانتبه عليهم الأستاذ و أشار على روز الواقفة بعيدا لتتقدم، فإذا به يحدثها:
روز ستنضمين لفريق .. ليزا، سارة، مارك، ألكس و روي...
ما إن ذكر اسم روي حتى تجمدت روز في مكانها مؤكد سيستغل روي الفرصة لينتقم منها، و مع ذلك ذهبت نحوهم و حاولت تجاهل نظراتهم المشمئزة نحوها، و أخفضت رأسها بينما هم (ميم مشددة) الجميع بنصب خيمهم، ففعلت المثل.
حلت الظهيرة و كان الجميع قد انتهوا من تعديل مجموعاتهم و أماكن إقامتهم، بيد أن معضمهم كان يتذمر من مشقة ذلك، لكن لم يرو شيئا!
فجأة أتاهم صوت أستاذ آخر بينما يخاطبهم و هو يصفق بيديه:
هيا بنا.. الآن سنوزع المهام على الفرق لتجهيز طعام الغذاء.. و سيرافق كل أستاذ فريقا للإشراف عليه.. أ مفهوم...؟
هتف الجميع ب"نعم" انقسم الأساتذة بعد توزيع المهام، و كان على فريق روز جمع الحطب لإشعال النار، و بالفعل انطلقوا يتوغلون في الغابة و كانوا يضحكون و هم يتحدثون، ما عدا روز التي اكتفت بالمشاهدة في صمت و السير خلفهم بقليل، بدأت بجمع قطع الأغصان الجافة من على الأرض كما طلب إليهم الأستاذ الذي يتقدمهم.
جمعت حوالي رزمة، إلى أن مروا بجوار شجرة أثارت انتباهها، فقد كانت تشبه التي رأتها بالحلم و التي أيضا نمت حول صاحب العينين الفضيتين، مما أشعرها بالضيق و بعض الخوف، و الأهم أن الشعور السيء الذي كان يراودها منذ البداية زاد و جعلها غير مطمئنة البثة.
و قد كان يحاوط الشجرة دائرة من الحصاة الصغيرة و التي لن ينتبه إليها المرء إلا لعد التمعن بدقة، خاصة مع ذلك العشب الكثيف، فجأة بدأت صورة الوحش ذي العيون الفضية تتشكل أمامها كما حدث في الحافلة، مما جعلها تنتفض من مكانها بسرعة لا إراديا، لتسقط منها رزمة الحطب، و تتناثر في المكان.
فركت عينيها بعدم تصديق لتعود إلى الواقع أخيرا و تبتعد تلك الصورة من أمام ناظريها، فانحنت لتجمع الأغصان التي أوقعتها، بينما كان الآخرون يكملون مسيرهم و لم ينتبهوا عليها أبدا، فحتى الأستاذ كان يشاركهم الثرثرة.
عندما انتهت روز رفعت رأسها لتلحق بهم، لكنها لمحت غصنا كبيرا بعض الشيء بلامس الشجرة، فذهبت خلفه لتلتقطه، و بمجرد أن تجاوزت الدئرة الصغيرة حتى تجمدت في مكانها عندما لمحت دراع أحدهم تخرج من الشجرة ببطئ، ليتبعها برأسه إلى أن خرج شخص منها في حين أفلتت روز الرزمة ثانية و عيناها مغتوحتان على آخرهما.
وقف ذلك الشخص ليتحول فجأة من إنسان إلى.. ما يشبه وحشا ظريفا كما يحدث في الأفلام.. لكنه ما يزال مغمض العينين، ليظهر له أذنان كأذنا الذئب، و ديل متوسط الطول، و أخيرا أنياب مرعبة أطلت من ثغره بعد أن ابتسم، ثوان فقط حتى فتح عينيه بروية لتظهر ذلك اللون الفضي الذي يعطيه نوعا من الجدية، ثم ازدادت ابتسامته و هو يحدق بروز التي تسمرت في مكانها و ما عادت قدماها التي ترتجف، تستطيع حملها، ثم قال بسعادة غامرة:
أخيرا أتيتي...
ما إن أنهى جملته حتى صضح ضوء مشع يعمي البصائر، ليجبر روز على إغماض عينيها، و جعل كل شيء يختفي إلى أن استقر و باث طفيفا ليتلاشى تدريجيا، بعد أن انتبهت روز لذلك فتحت إحدى عينيها لتنفتح الأخرى بصدمة غير مصدقة أنها في مكان آخر، صحيح أنه نفسه غابة لكن مختلفة ليست كالتي كانوا فيها فهي جميلة و مشرقة بينما هذه مظلمة و مخيفة، و إلى جانبهم كوخ صغير تحيطه كثير من النباتات على الجوانب لتمنحه بهاءا خاصا على الرغم من عتمة الليل!
استغربت روز بسبب الظلام الحالك، فكيف ذلك و قد كانوا في الظهيرة قبل قليل، و ما زاد حيرتها هو هذا المكان و الوحش الواقف أمامها مع تلك الإبتسامة الواثقة.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top