البارت الثاني


"قد لا تكون الأيام جميعها جميلة، لكن هناك شيء جميل في كل يوم نعيشه"

استقامت روز فزعة من على مقهدها.

علما أنها في المدرسة الثانوية و هذه سنتها الأخيرة، و الجميع يحدق بذلك الفتى ذو الشعر البني المائل للسواد، و العينين البنيتين كالشكولاتة، و هو يضرب بيده بقوة على طاولة روز الموجودة في المقدمة.

كانت نظراته الحارقة تكاد تلتهم روز، ذات الشعر الوردي، و العينين الحمراوتين قليلا، و أخيرا البشرة الناصعة البياض.

انتفضت من مكانها بصدمة و هي تحدق فيه بفزع، لتسمعه يقول من بين أسنانه التي صك عليها:

لماذا أخبرت المدير بأنني من كتب على خزانتك...؟

ما يزال الجميع يحدقون بهم، و إذا بها الهمسات تتعالى، لكن روز لم تأبه فأجابته بنوع من الخوف و الخجل، و هي تنظر نحو الأرض:

أنا..أنا.. لم أخبره... هو.. من عرف ...خطك.. أنا.. آسفة...

أنهت جملتها بخفوت، و هي تزيد من إخفاض رأسها، لكن روي استشاط غضبا فبادر بالقول:

و كيف له أن يعرف..ها.. أتدرين إن كل ما كتبته عنك صحيح... ما أنت إلا نكرة.. و والدك مجرم...

فجأة عند سماع روز لهذه الكلمات "نكرة، ابنة مجرم" حتى تجمعت الدموع في عينيها، و قبضت على زيها المدرسي، إلا أن روي لم يكتفي بل ابتسم بخبث ، لعلمه أنه أثر فيها، ليكمل بسخرية:

أوه، ماذا...؟ هل ستبكين...؟ نكرة لا تجلب سوى النحس.. و الدليل أن الذي تبناك قتل زوجته بسببك.. و من يدري .. ربما والداك الحقيقيان تخليا عنك لأنك تجلبين لهم النحس...

لم تعد روز تستطيع كبت نفسها، فأقدمت على صفعه بقوة خائرة، بالرغم من أن ذلك لم يؤثر عليه، أو يجعله يتحرك إنشا واحدا، فإذا بروي يزداد غضبا و يرفع يده ليصفعها بدوره، و لسوء حظه دخل الأستاذ فجأة و رآه برفع بده و يصفعها، و هي تجهش في البكاء و تذرف لآلئ الدموع بينما تضع كف يدها على خذها المحمر من شدة الضربة.

وقف المعلم مذهولا من هول ما رأى، فروي و روز من أكثر التلاميذ لديه تفوقا، بيد أن روي دائما ما يتنمر على روز، و يزعجها لأنها يتيمة لكن تنحدر من عائلة ثرية، لدى تفضل العيش بمفردها.

روي إيراتسو... أين تظن نفسك موجودا...؟

صرخ المعلم في وجه روي المتجمد في مكانه، ليطلب من كليهما القدوم إلى مكتبه:

تعالي روز و أنت روي...

تقدم الإثنين إليه، ليردف مستفسرا عما يحدث:

إذن ما الذي يحدث... كيف ترفع يدك على فتاة يا روي.. لقد خاب ظني كثيرا...

فجأة أتاه رد من فتاة تجلس في الخلف:

لكن يا أستاذ هي من صفعه أولا...

ثم آخرون يوافقونها و كل يتخذ عذرا لروي ضد روز، و لم يدافع عنها أحد، لكنها ظلت صامته تنظر في اتجاه الأرض و بالكاد تكتفح دموعها من الإنهمار، فإذا به الأستاذ يتحدث، موجها كلامه لهم:

لكن ماذا فعل روي لتضربه روز أولا...؟ ها...؟

صمت الجميع و هم ينظرون لبعضهم البعض، و لم ينطق أحد بكلمة ليدافع عن روز المسكينة، استقام الأستاذ من مقعده لينبس بهدوء، و هو ينظر لروي:

هذا معناه أنك المذنب.. و ستعتذر لروز...

اتسعت عيون الجميع إثر الصدمة، لكن روي قد تغيرت ملامحه إلى الغرابة، لم تكن تعابيره مفهومة ، بل جامدة و باردة و كأنه فقد الإحساس بما حوله، ليكمل الأستاذ قائلا بتهديد:

فإما أن تقبل اعتذارك..صمت قليلا.. و إما أن تطرد إلى الأبد...

زادت صدمة الجميع و تعالت الهمسات أكثر فأكثر..هل سيفعلها؟..لا أظن..سيفقد هيبته.. سينتقم منها أكيد.. بل سيقتلها.. و غيرها من التراهات التي ينطق بها الآخرون.

بعد لحظات من الصراع الداخلي لدى روي، تقدم نحو روز و هو يخفض رأسه، ليقول بخفوت و بصعوبة، و هو يحاول تجنب النظر في عينيها:

أنا..آسف.. أعتذر على ضربك.. و على ما قل...

قاطعته روز و هي تتأسف بدورها:

لا بل أنا من عليها الإعتذار.. فأنا من انفعلت من مجرد كلام...

ليأتي تعليق الأستاذ من ردة فعل روي بعد الذي قالته روز، فقد أدار روي رأسه بغيض و هو يعتصر قبضتيه بقوة:

إذن هل أعتبر أنك رفضت اعتذاره...

فإذا بروز تبادره بسرعة و قد زاد توتره:

لا..لا..بالتأكيد قبلت...

حسنا عودا إلى مقعديكما و كفانا من التصرفات الصبيانية...

ما إن أنهى الأستاذ كلامه حتى عاد كل من روز و روي إلى مقعديهما، لكن روز كانت تلتفت بخفة دون أن يلاحظ أحد لتتفقد ما إذا كان يحقد عليها، فبالتأكيد سيسعى للإنتقام، لأن هذه طبيعته، دائما ما يتنمر على روز منذ المرحلة الإعدادية، و لسوء حظها أنه قد درسا في نفس الصف طيلة المرحلة الثانوية.

عندما التفتت روز بسرعة لمحت روي يجدق بها بحقد، و تكاد عيناه تخترق روز لتحولها إلى رماد، أعادت نظرها بسرعة إلى حيث يشرح الأستاذ لتنتبه له جيدا، لكنها للأسف لك تستطع فالكلام الذي تفوه به روي قبل قليل فتحت جرحا عميقا خلفته تلك الحادثة، و لن يتم التئام هذا الجرح ما لم يراعيه أحد.

أخيرا انتهى الدوام المدرسي، و عادت روز وحيدة إلى بيتها الكبير الذي يشعرها بالوحشة، لتنال قسطا من الراحة، بيد أن ذلك الكابوس الذي يراودها دائما سيزعجها ثانيتا، و هو حول شخصين يتقاتلان و لأحدهما عينان فضيتان و قد غرز به سيف كبير ليثبته و ما إن يبتسم بثقة حتى تستيقظ روز ظن نومها فزعة، و لا أحد ليطبطب عليها أو يتفقد أحوالها، لكنها تفضل العيش بمفردها بالرغم من أن والدها يرسل لها من يعتني بها حتى و إن كان في السجن.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top