كُن الأول.. والوحيد <٣٠>
_بسم اللّٰه الرحمَن الرحِيم 💙
<المَقطع في الأعلى من أحداث الفصل 😉>
مر ثلاثة أيام بعد حادثة القصر ولا تزال سيڤار قعيدة الغُرفة، كُل حياتها عادت مُعتادة هادئة برغمِ تعالِيم چون الحازمة، فأتبعتها دون بنسِ كلمة تنم على الأعتراض أو القبول. كانت أمام المرآة تتحس وجهها وكأنما تبحث عن مفقودٍ بين تقاسيمها..
لا تعرف هل كانت تبحث عن شعورٍ أم واقع؟ لربما جزء منها مطموس؟
رفعت عيناها بدهشة تلقائيًا بعدما سمعته يفتح باب الغُرفة. تجاوزت الساعة الخامسة مساءًا، وهي لمْ تعتاد تواجده سوى في الظُلمةِ قبيل الشروق..
لمْ يكن ينام.. لمْ تراه سيڤار نائمًا أبدًا ولا حتى لساعة كاملة مما وضعها في شعورٍ مَقيت..
تأنيبٌ لمْْ تعتاده..
وقف خلفها مُتفرسًا إنعكاس ملامحها وحينها شعرت بمدى ضئالتها.. صغرها وضعفها أمام فحولته الرجولية.. أناملها التي سحقت بشرة وجهها الناعمة كانت خير دليل على شعورها بالصِغر والضعف أمام عيناه المُهيمنة، فأحاطها ثم ظل هكذا لدقائق طويلة..
يُراقب وجهها المُنعكس على المرأة، وقبضته لمْ تُفلت يدها..
كانت تشعر وكأنه يُشبع أعينه فيها، الغضب والخذلان ظاهر على ملامحهِ، لكن الحُب والفُقدان كانا أقوى..
وللمرة الأولى، تغلبت سيڤار على شياطينهِ
للمرة الآولى كان حبه أقوى من الغضبِ ومن نوباتهِ السَاخِطة.
"هل أنتَ بخيرٍ ؟"
"كنتِ تُقابليه أكثر من ثلاث مرات خلال الأسبوع في شقتهِ المُغلقة."
واجهها بالحقيقة المُرة، فبهتت معالمها وكادت تلتفت لهُ لولا إمساكه لرقبتها بعنفٍ، مما حجب رفاهية النظر عنها..
"لهذه الدرجة لا تقبلين وجودي وقيدِ الحياة حول عنقي يا سيڤار ؟"
منعها عن التبرير أو الحديث وكأنما سأم من براهينها التي لا نهاية لها بعد كل خطأ فادح.. لكنها تمنت لو تعلل ذلتها.. فالكثير من الكلماتِ كانت ثقيلة على لسانها وبرغم ذلكَ أرادت البوح بها.. لكنهُ لمْ يَسمح بالتبرير ولمْ يهب نفسهِ المُظلمة أحقية الإستماع.. لأنه حقًا مل من ألاعيبها التي لا تنتهي.. ألاعيب وافق عليها فقط لتكون معه.. في أحضانهِ وعلى عِصمتهِ.
"من حدثتِ صباح اليوم؟"
"هل تُراقبني؟"
أندهشت، ثمَ رفعت عيناها له وهي مخذولة، لكنها لمْ ترى سوى الجمود وعدم الإكتراث..
"أنطونيوس"
بهتت عيناه بمرارة فاجعة بعدما أخترق أسم شريكه مسامعه، حين أقر لوكاس بأنها حدثت أنطونيوس صباح اليوم لمْ يصدقه وخصم من راتبهِ أكثر من النصفِ..
فوجد نفسه يسائل رغم الألم .. ألهذه الدرجة لا تستطيع الحياة دون عشيقها؟
والأهم من ذلكَ كله، كانت سيڤار الوحيدة التي طعنته أكثر من مرة.. وكُل مرة يصيبه نصلها الفتاك.
"سونيا والتر في الخارجِ، أتبعي تعاليمها ولو قالت حزي عنقكِ يا سيڤار، من اليومِ فصاعدًا، لستِ سوى الفتاة التي أبتعتها، وحين أريدك، سأجدك فوق الفراش."
أتجه صوب السرير مُلتقطًا من فوقهِ هاتفها الخلوي ثمَ تابع مُستطردًا:
"حتى الهاتف غير مسموح لكِ بأستخدامه، وقريبًا، سأرفع التلفاز عن الغرفة، ستعيشين كالحيوانات التي تسحقيها، أدللـك، أطعمكِ وأسقيكِ، فتُمتعيني"
حاولتْ الإستماع لحروفه المُهينة دون غضب وتبَرم، لكن النظرة الغير مُكترثة زادتها لهيبًا..
غيرة وسُخطًا..
حتى سبابته التي بدأت تدفع أكتاف فستانها كانت غير مُكترثة سوى بمُجرد النشوة الجسدية، فألتفتت لهُ. كانت جالسة على الكرسي مُنكمشة أمام كيانه الكبير، وبرغمِ ذلكَ، عيناها في عينيهِ تتحداه:
"لكن لا تنسى يا سيدي أنكَ تزوجت تلك الآمه، لمْ أعد مُجرد الشرقية التي أبتعتها من مزادٍ عالمِي، شئتَ أم أبيتَ، حتى لو ظل الأمر مُستترًا عن الجميع سوانا، أنا زوجتك، لا هي."
صمتَ وهلة، ثم دس إبهامه بين شفتيها يتحسس أنيابها السفلية..
"أنتِ غلطَة في حياتي.."
زال الغضب عنها وحل محله تفاجؤ وأنكسار
"غلطة ومَشروع قمتُ بتمويلهِ دون مُراجعة، فأنتهى الأمر بخسارتي."
ذمت ثغرها وبدأت عيناها الغاضبة تدمعان:
"لن أطيعها يا چون، سونيا ليست سيدة عليّ."
تمتم بنفسِ القتامة الهادئة:
"هذا ما يحدُث حين تمنَح الرفاهية لمن لا يستحق، سيعتقد أنها حقٌ من حقوقهِ وما هي إلا عطاءًا سخيّ"
"سأخبر الجميع أنني زوجتكَ وحينها تلكَ الرفاهية اللعينة ستتراكض إليّ"
صمتَ وهلة، ثم ضغط على شفتها السفلية بشهوانية، فتآوهت من الألمِ ثناء تمتمتهِ:
"حينها سأضطر للتعامل معكِ بطريقة لا أحبذها مع النساءِ ولا أظن أنني سأحب أن أريكِ أياها يا سيڤار، لكن إن لزم الوضع، فسأولج إليها."
جمد ثغرها بقلة حيلة ودموعها المَغلوبة بدأت تنهمر كدلالة على إنعدام قوتها..:
"هل تفعل هذا لأنني صغيرة أمامكَ وضئيلة؟"
تحولت عيناه للهيمنة الراغبة أكثر لذا أنكمشت بمنتهى الضعف. كانت نظرة سادي لضحيتهِ، نظرة مُهلعة لم يرمقها بها من قبلٍ فتسائلت..
'هل هذا هو الجانب الثالث منه ؟'
السادية التامة ومُجرد النشوة بالفحولة والهيمنة الوحشية؟
"بل أفعل هذا لأنكِ غبية، أتخذتكِ زوجة لي ومنحتكِ الأحقية للتجول في المولاتِ التجارية ولمْ أناظر قط سجلات تحرككِ يا سيڤار، عند اللحظةِ التي سلمتِ فيها ذاتك لي، للمرة الآولى في السيارة، سمحتُ لكِ بالحياة وتدريجيًا كنتُ سأحضر العالم أسفل أقدامكِ، تستحقين أن أموت من أجلكِ، لكنكِ لا تريدين أبدًا أن أحيا فيكِ وبرغم ذلكَ منحتك أحقيات لا تسحقيها، والأسوء.. أنني سمحتُ لنفسي بأن تُحبك."
أهتزت شفاها السُفلية حين سحب أبهامه وبدأ يسحب المنامة عنها ببطىءٍ بارد خالي من الحُبِ، مليء بالرغبة المُجردة.
"والآن...؟"
"والآن تطيعيني كي لا أعنفكِ لأنني حقًا سئمتُ تلكَ اللُعبة، أطيعيني.. لتظلي سالمة حتى أُصلح مَا أفسدتيه."
تركت أنامله المنامة تنزلق عنها لذا راقب جسدها الشبة مُتجرد بأعين مُتفحصة جائعة.
"أريدكِ"
أمرها، ثم أرتد عنها وأتجه صوب البار الجانبي في نهاية الغُرفة من الناحية اليُمنى، وألتقط منها إحدى زجاجات النبيذ المُعتقة <الجلين-فيديتش>.
'لذتكِ غَير، فلا يُمكنني تجرع الشعير، بعد شُرب الجلين-فيديتش'
لوهلة تحسس الزُجاجة بأناملهِ قبل أن يُعيدها موضعها وألتقط عوضًا عنها زجاجة آُخرى أشد فخامة من الأولى يجس برودتها، ثمَ سكب القليل في كأسٍ:
"أنزعي ثيابكِ وأصعدي فوق الفراش"
رفعت لهُ عيناها الباكية لكنه كان مُكترثًا بالكأسِ حول أنامله أكثر وبرغمِ ذلك، إحتاج إلى عود من السجائرِ بجانب الخمر فقط ليُهدأ ثورة غضبه التي بدأت تُهدد سكون الغُرفة وكيانها..
"لنْ أنتظر كثِيرًا"
نهضت، فرفع أبصاره وناظر جسدها من الأسفل للأعلى بتلذذ تزامنًا مع لفحهِ للسيجارة..
"أنزعيها يا سيڤار."
أشتد بكاها وناظرتهُ برجاءٍ..
بدأت ترتجف، ومالت بشرتها إلى الشحوبِ المَرضي فأخرج سيجارة أضافية حين والتهُ ظهرها وبدأت تمتثل لأمره..
وكأنه يَتعمد تجريدها من كرامتِها وأنوثتها ليريها أن عدم أكتراثه أفضل من حبهِ، وبرغمِ ذلك، خسارة حبه أسوء فُقدان في الوجودِ.
"نامي على ظهركِ وحاوطي يداكِ في وضعٍ لا يسمح لكِ بالمقاومة كي لا أكسرها حتى المِرفقين، أريد أن أخرج من الغُرفةِ دون تخليف فيكِ كسُور قدر الأمكان."
لهثت مُرتعبة بسبب نبرته الثقيلة والأسوء كان تهديده الصادق الغير مُكترث..
أرتجاف جسدها زاد وخملت أطرافها فجأة، وآخر ما مر في عقلِها، خطواته الهادئة نحوِها لذا أغلقت عينيها بخوفٍ وجسدها أزداد أرتعادًا مُنتظرًا أسوء العواقِب.
____________
_______
دست أناملها المُرتجفة في فمها وسحبت منديله ببطىءٍ، ثم أنكمشت تضم جسدها وبكائها الذي أرتفع لمْ ينل أعجابه.. حتى منديله الحريري تلوث ببقعٍ من الدمِ فشهقت وحاوطت أسنانها تتأكد من تراصِها.. ربمَا لمْ يضربها، لكنه أستغل سُلطَة رجولته على جسدِها وأجبرها على الإمتثالِ له.
كان مُكترث بنفسهِ أكثر منها، تعامل معها بحيوانية تامة، وحشية راغبة وكأنمَا ينهش لحمها وكبرياء الآنثى داخلها، حرفيًا.. جردها من أدميتها دون أن يرفع قبضته.
"سونيا لا تعرف كيف تطهو وعوضًا عن ذلكَ، أريدك أن تحضري الغداء حتى عودتي بعد ساعتان من الآنِ."
أعلن، ثم رفع أنامله ليربط رابطة عنقهُ، لكنها نهضت وسارت نحوه بتعبٍ..
كادت تسقط، فحاوط خصرها وترك الرابطة تنفك دون أكتراث لهَا، وبرغمِ مرضها وحزنها، رفعت يديها وبدأت تُعدل له رابطة عنقه بإرتجافٍ وبرودة.
"أتمنى أن تموت."
أرتدت عنه وسارت صوب المرحاض، فغادر دون أن يتلفت طيفِها.. لكن وبرغمِ ذلكَ وجعها كان يتفاقم، لذا تظاهرت أنها بخيرٍ كالعادة وراحت تغتسل من لمساتهِ ولثماته..
يدها التي مرت على جسدها بالغسولِ والمُطهر لمْ تكن لاذعة أبدًا كما فعلت نظرات سونيا المُنتصِرَة لها..
لا تعرف كيف مر الوقت بسرعة؟
لكنهَا فجأة وجدت نفسها في مُنتصفِ المطبخ تستمع لحديث الآخرى المُر بروحٍ خاوية:
"أما بالنسبةِ لطبق الغد سأترك لكِ الوصفات على الطاولة، أريد المنزل نظيف يلتمع لأن چون يكره البَعثَرة حد الجنون وصدقيني لسلامة كلينا يجب أن تغسلي كُل الصحون وتعديها موضعها في نفس لحظة جفافها، فبسببك، هو في رغبة دائمة لقتلكِ وقتلي وحرق آل هاريسون جميعًا."
قالتها ثم أخفضت عيناها للأوراق في يدها أمام نظرات سيڤار الجامدة، وكأنها تتأكد أن هذا فقط ما يريده چون.
"أخبريني يا سونيا، كيفَ شعرتِ حين نكحكِ لوكاس؟"
"أخبريني أنتِ.. كيف شعرتِ حين سلمتِ نفسك للرجل الذي أغتصبك وأهانك؟"
"وكأنني في الجنة"
قالتها بفتورٍ تام تمحي لمعة الأنتصار عن أعينِ سونيا الماكرة.
"وأنا شعرتُ بالنعيمِ الحرفيّ حين عاد زوجي إليّ رافضاً إياكِ، ففي النهاية، أنا زوجته."
سكتت سيڤار للمرة الآولى دون جواب، وعادت للشرود، مما سبب زوال المكر عن معالمِ سونيا..
عادة كان شجارهما يصل حد الضرب
لكن سيڤار كانت هادئة، حتى حين تمتمت بتساؤل عادي:
"هل أنتهيتِ ؟"
نبرتها الباردة سببت تردد سونيا لوهلة قبيل إجابتها:
"صدقيني لا أرغب في إضاعة وقتي الثمين على حُثالتك، لكن آخر ما يجب أن تفهميه يا سيڤار.."
دنت نحوها، ثم تابعت وأناملها تتحسس فك الآخرى بتهديدٍ لا مفر منه:
"هو لي، صمتُ كل تلكَ الأعوام ليس من فراغٍ.. حبوب منع الحمل، تسريبات محادثاتكِ ولقاء احبائكِ كُلها كانت خطوات هادئة غير عدائية بالنسبةِ لما أدبره لكِ، لذا أطيعيني.."
سحبت سيڤار رأسها من بين أنامل سونيا ثم ألتفت وقالت بنبرة هادئة:
"سيكون الطعام جاهز في الصحون، بعد ساعتين"
وقفت سونيا مَشدوهة حين سحبت سيڤار بعض الخضراروات وبدأت تُقطعها.
بدت غير مفهومة ، مُتبلدة تمامًا.
وبالفعلِ .. ساعتان، كانت مُدة كافية لتشتم سونيا رائحة الطعام القوي وليعود چون من عملهِ..
تمامًا في ساعة الغداء التي أمرها بها، كانت الشرقية ترص آخر الأطباق على الطاولة وبرغمِ ذلك لمْ يرمقها بربعِ نظرة..
"لذة، كُلي في المطبخِ."
أمرها حين كادت تجلس معهم على نفسِ الطاولة دون أن يلقي عليها أهتمامه، ففعلت بلا كلمة واحدة.
وهُنا رفع أبصاره لها أخيرًا، لكنها قد رحلت بالفعلِ.
"ديفيد لديه شراكة مع رئيس الأركان يا سونيا، أخبري العجوز بضرورة تدخل الشرطة."
اومأت سونيا بالإيجاب دون تعقيب
كان عمل مُشترك غير مفهوم.. بين الشر والخير للقضاء على الآلعن والأدل وما هو سواهم.
"سيڤار ؟"
دعت سونيا أسمها فراقبها چون مُتسائلًا دون حروف
"أحضري لي طبق أخر من الأرز"
صمتتَ سيڤار وهلة ثم ناظرت الحائط تنتظر دفاع چون عنها كالماضي، لكنهُ شرد في يديها وثغرها ومن هيئتها أيقن أنها لمْ تضع ربع ملعقة في فمها
ضغط على فكهِ ثم مرر يده في شعرهِ مُهتاجًا، أدويتها، نسى أن يدسها في طعامها كالماضي..
فإن تولت سيڤار الطهي.. لن يستطيع وضع لها تلكَ المُهدئات دون معرفتها.
خرج من شروده على صوتِ طبق سونيا الذي أعادت ملئه، لكنها لم تكن مُطيعة كُليًا.
"انتبهي كي لا تصيبك السمنة."
ألقتها ثم أستدارت عازمة على الرحيل فأشتد الدوار بها، لكنها وقبل أن تطرح الأرض، حاوطت مِسند كُرسي چون وحسمت قبل أن يمسكها:
"لا تلمسني، أياكَ أن تضع إصبع علي خارج حدود الفراش."
هسهست ثم أستقامت وكادت تسير خاملة للمطبخ مُجددًا، فأخرج سيجارة وبدأ يتنفسها علها تمنع آذاه عن الحاضرين، ثم دمدم بأسنانٍ مُتراصة.
"انتظريني في الغرفة يا سيڤار."
أمرها لذا تصلب جسدها مُتأهبًا لأوامره، ثم ألتفت إلى الجهة المُعاكسة دون كلمة ودون حرف، مع بدنٍ مُرتعِد وثغر مَذموم لذا أزداد مُعدل غضبه.
هي لا تمتلك الحق البتة في تجاهلهِ، ليس بعد ما حدث، ما أقترفتهُ لا مَغفرة له وبرغم ذلكَ قرر الصبر وأبتعد عن عادتهِ المُحببة في تكسير رأسها العنيد بأبتسامة واسعة.. لذا لا يمكنها تجاهله ولا حتى الإحتجاج.!
نهض وأتجه صوب المطبخ، وحين لمْ يجد ما يدل أنها قربت الطعامِ ولو بأبصارها، حارب شياطينه الذي أراد قتلها وقتل نفسه اللعينة في تلكَ اللحظة.
لكنهُ تحامل وسحب طبق إضافي ليدس في طعامها الحبوب التي باتت لا تُفارقه بعد أن سحقها، فمهما وصل مُعدل غضبه منها، لا يستطيع تركها حتى تنال منها إحدى الأفكار الأنتحارية أو الهلاوس البصرية المَلموسة..
وعِند خروجه بالحاملةِ لمْ يكترث لسونيا التي رمقتهُ مُتعجبة، لمْ يكترث سوى لشرقيته التي كانت جالسة على الفراشِ ولم ترفع عيناها له حين دخل مُغلقًا الباب وراءه:
"أنهي الأمر بسرعة، أريد أن آنام مُبكرًا."
قالتها بروحٍ مُتأذية فوضع الصحون أمامها، ثمَ راقبها دون كلمة فأخفضت أبصارها للطعام وأندهشت، قبل أن تهمس بحزنٍ:
"لستُ آلة يا چون، أخبرتني أنني سأكون حـ.."
قاطع حروفها بهيمنة غريبة غير مُحببة:
"صدقيني يا سيڤار، الوجوه التي رأيتيها مُسبقًا لا شيء مما سترين إن تركتُ نفسي عليكِ، حينها ربما سأترككِ على قيد الحياة، لكنكِ بعدها ستتمنين الموت، سنصل إلى الحدِ الذي يجعلني أتنازل عن مبادئي لأجله، وبرغمِ أني أحب أن يتكلم الوجود عني، إلا أنني تحدثتُ بلساني كثيرًا معكِ.."
أزدردت لُعابها ثم مسدت فستانها مُرتابة قبل أن تسحب الحاملة على قدميها لتُناظرها بإنعدام رغبة، حتى أعينها بدأت تدمعان وحين أرادت أن تُمسك المعلقة، سقطت من بين أصابعها الضعيفة بسبب إرتعادها فأتسخ الفراش:
"آسفة"
شهقت صارخة ثم حاوطت وجهها تحتمي منه، وحين لمْ تجد رد فعل قاسي أو عنيف، بدأت تبكي من فرطِ خوفها بسبب ذلكَ الشخص المجهول أمامها.
لكنهَا لم تتوقع أن تكون نبرته صابرة وهادئة لهذا الحد معها
چون يُدرك تمامًا أنها ليست في وعيها كالسابق بسبب الأحداث الآخيرة وبالنسبةِ له، لا حدث من وسطِ الأوضاع الحالية يستحق دمعة منها حتى ولو كان طعنة في الظهرِ..
أعتاد الخيانة التي أخذها من كُل الناس حتى مَحبوبته..
وهي أعتادت الوجع الذي لمْ تذق غيره من قبلٍ.
"لا بأس يا سيڤار، توقفي عن البكاء لأنني بدأتُ أنزعج."
دمدم، ثم مد يده مُخرجًا سيجارة من جيبهِ لكنهُ تريث مُراقبًا أياها، قبل أن يعيدها لجيبه مُجددًا خوفًا من أستنشاق الشرقية لها في حالتها تلك.
لهذا الحد هو غارق فيها، ولا يزال يغرق..
فضل سيڤار، على الشيء الوحيد الذي يُرافقه من الصغرِ.. لكنها لمْ ترى تلكَ التضحية، وهو لمْ ينتظر رؤيتها.
الفكرة الوحيدة كانت في أدويتها التي كانت روحه تحتضر في صمتٍ لتبتلعها، لكنها ظلت شاردة في صحنها بهمٍ وأستنكار:
"لماذا لا تريدين تناول الطعام؟ هل سممتيه؟"
برغمِ سؤاله الحاد والجاد، لمْ تستطع كبح نفسها عن الضحك بخفوتٍ عفويّ، فضحكت ثمَ أنزلت رأسها لتمسح دموعها، وقالت:
"كنتُ أتمنى أن أفعلها، لكنكَ قتلتَ شهيتي حتى على الفطور."
بهت وجهه لبرهة من الزمانِ.. إذًا، آخر مرة أكلت فيها كان غداء ليلة قبيل أمس؟
كُل هذه المدة كان دمها نقيًا من الأدوية الطبية؟ كيف فقط.. فعل بها هذا؟
كره نفسه جراء تأنيبه، ورمق صحون الطعام بنظرةٍ مُقتضبة:
"أرتدي فُستان من أختياركِ، سنأكل في الخارجِ."
"ألا تكترث إن كان عاريًا؟"
نهض ثمَ سار صوب الباب، وتمتم بنبرة خالية من الحياة:
"لمْ أعد أكترث"
وبعدها غادر مُغلقًا الباب خلفه، فعلمت حينها أن ماخسرتهُ كان فادحًا، لا عوض لهُ لذا نهضت وسارت جهة الخزانة بأعين حزينة على نفسها.
وما زادها حزنًا أنها أنشغلت بأنتقامها وكرهها له، فباتت لا تُدرك حتى لونه المُفضل.
كان يريد أن يراها في منامة خاصة سوداء، هذه كانت أمنيتهِ الوحيدة في السابق، لذا ربما الأسود هو لونه المُفضل؟
لكنها تذكر جيدًا أول موعد بينهما بعدما تعرضت للإصابة في صدرها، عيناه كانت هائمة جدًا حول فستانها النبيذي التقليدي..
وحين أرتدت منامة خضراء هام أكثر، وحين رآها في الرمادي عشق ذلكَ اللون وبات مُلازمًا في خيالهِ..
لمْ تدرك وقتها أن چون لمْ يكن له لون مُفضل من قبلٍ، مشاعره التي أنغمست في الخطايا والوجع ماتت وتصحرت..
حتى آتت هي.!
وأنارت قلبه بالحبِ فأدرك حينها أهمية الإيمان، وعلم أن سخاء ورحمة اللّٰه ليس لها حدود.. وأن دينه المسيحي في الماضِي لمْ يكن سوى وشم على رسغهِ.
لكنهُ الآن بات رمزًا يقدسه في جوارحه.
تبًا كم يحب أن يراها في الآلوانِ المُتعددة.
في نهايةِ المطاف أرتدت فستان أسود بأكمامٍ حتى الرسغين، مُغلق الصدر، مفتوح عند الظهرِ قليلًا وضيق مما أظهر قوامها المَمشوق..
وبرغمِ ذلك لمْ تكن لافتة بسبب خلو الفستان من التصاميم، بل كانت مُلفتة، بسبب منحنياتها المُثيرة.
شعرها أسدلته كما يحب ووقفت أمام المرأة تُراقب آلة كيَّ الشعر بأعينٍ مُتحيرة، ثمَ حسمت أمرها وقامت بفردِ خصلاتها الشبة مُتموجة للمرة الآولى ورطبتهُ بعدها كي لا يجف..
عيناها لم تُكحلها، لكن ثغرها رسمتهُ بالأحمر القاتم..
وأنهت تلكَ الطلة بإخراج علبة مجوهراتها التي لا تفتحها إلا لتلقي فيها ما يجلبه چون، وحين وقعت عيناها على محتوياتها شردت مُبتسمة بخفوتٍ
كيف لمْ تلحظ معرفته بكونها لا تُحب التبرج بالذهبِ كما الفِضة؟ حتى حين يجلب لها الذهب يكون أبيض من الدرجة النقية، لطيف وباهظ.
كان ينتقيه بعناية ليجلب ما يأسر أعينها دون العبىء بهالة چون وريث آل هاريسون، فكيف لمْ تقع لأنامله الغليظة التي كانت تُغلق السوار بمنتهى النعومة حول رسغها؟
أخرجت سوار الفراشة الذي وهبها أياه في أول أعتراف بينهما.. وأرتدته ثمَ ولجت خارج الغُرفة..
كانت سونيا أمام التلفاز وحول وجهها قناع من الحليب رُبما، وفي عينيها قطعتين من الخيارِ وشعرها مرفوع في سُستٍ كبيرة. وجدتها تغمر أقدامها في سائل لمْ تستشف هيئته، وكانت تضع فوق أظافرها قناع وردي.
"أتمنى أن تتأخري معه حتى أنهي طالتي الرائعة."
قالتها لسيڤار المُندهشة لكنها رحلت وتجاهلت ما رأته قبل لحظات
وكما توقعت..
كان في السيارة ينتظرها لذا وقفت بعدما فتحت الباب وأنتظرت أن يناظرها ليرى هيئتها، لكنهُ لم يفعل فزال حماسها وأنطفأ جمالها وكأنها ذبلت، ثمَ جلست وأسندت رأسها على زجاج السيارة بحزنٍ تام.
"شعركِ مُختلف.."
دندنها بعد لحظات من السكوت، ثمَ ألتفت لها فناظرته بسُرعة آملة..
"وعيناكِ خالية من الكحلِ"
أندهش ثم أخفض أبصاره لثغرها، وأبتسم بأتساعٍ للمرة الآولى بعد ما حدث، فأبتسمت هي الآخرى:
"وترتدين السوار ؟"
أبتسمت أكثر وراقبته بأعين مُحبة لأنها لن تسطيع قولها ولا حتى إدراكها، فمشاعرها كانت مُعقدة، لم تفهمها، حيث لا تريد تركه ولا تريد العيش معه، تمقت شخصه وتكره عنفه ضدها..
لكن هذا لا يُبطِل، أنها أخيرًا علمت أن مقدار ذرة فيها تريده..
"كيف أبدو ؟"
"تبدين مُختلفة.."
تحول فجأة من الرجل الثلاثيني الغامض والقاسي إلى رجلٍ طبيعي، برغم جسده العريض، وعيناه الداكنة ووشومة الشيطانية، لكنهُ بدى إنسان.. إنسان لا يريد سوى قلب زوجته.
"وهل هذا يُعجبكَ ؟"
لمْ يجيب لكن من نظراته الباسمة التي لا يزال يمررها عليها بمنتهى البطىء، وصلتها الإجابة.
"رغم أني سأقتلع أي عين تناظرك، أو فكرٍ مأخوذٌ بكِ، لكنك.."
قالها لاهثًا ثم صمت باترًا حروفه مُحتارًا في إختيار ما يُناسب جمالها، فأزدادت أبتسامتها اتساعًا وكأنها طفلة صغيرة.
"هناك عصير في الحافظة أمامك يا سيڤار، أشربيه حتى وصولنا."
أومات بالإيجاب ثم مدت يدها تتحسس طريقها إلى العبوة، وحين أخرجتها بهت وجهها ثم ناظرته مُتحيرة:
"كيف علمت أنني أحب عصير التفاح الأحمر ؟"
"وأعرف أنكِ تعشقين أكل العنبِ رغم الضرر الذي يسببه لكِ، وأعرف أن بعد ألتهامكِ للخوخ تبتسمين وكأنك ستموتين في سلامِ بعد آخر قضمة وهذا يُغضبني قليلًا، لكنني أعرف أكثر، أنكِ كل ليلة كنتِ تختلسين لقاعة البلياردو فقط لتشربي رشفة صغيرة من ويسكي التفاح المُعتق الخاص بي."
ثم رمقها بنظرة جانبية ساحرة وساخرة، فأدارت وجهها مُغتاظة تدس الشفاط بين شفتيها:
"هذا ليس عادل.. أنا حتى لا اعرف لونك المُفضل.!"
"Ești culoarea mea preferată"
صمتت وراقبتهُ مُتحيرة، فرمق الطريق مُجددًا وساد الصمت للحظات:
"إن سببتني بتلكَ اللغة، يمكنني أن أسبك أيضًا بالعربية."
أبتسم، لكنها تابعت لتداعبه بشقاوة:
"في الماضي كنتُ اسبك بالعربية لتعرف فقط."
"Te iubesc al naibii de mult"
_ أنا أحبكِ حد اللعنة_
ضحك وقالها، فتلعثمت مُنتصرة:
" și tu " _لكَ المثل_
أبتسمت بفخرٍ بسبب نظراته الغير مُصدِقَة وفسرت:
"تعلمتها حديثًا من لوكاس، ومن اليوم فصاعدًا حين تقول شيء بلغتك سأقول لكَ 'și tu'، سبني كما تريد الآن يا عزيزي."
قالتها وأبتسمت وكأنها أذكى امرأة في الوجودِ فدندن صافًا السيارة:
"فتاة ذكية"
وهز رأسه للجانبان مانعًا نفسه عن الضحكِ، ثم أشار لها على المكان، فقالت مُمتعضة:
"ظننتكَ تريد أن تطعمني في مطعم، لكن ما أراه الآن فندق فاخر، أنتَ تستغلني كثيرًا يا سيد چون"
خرجت ثمَ صفعت الباب ورائها فضحك دالفًا خلفها..
حجز الغرف الفارغة كلها وخصص وقت خاص من المطعمِ دون غيره كي لا يراها أعدائه، وحرص على وضع حراسه مُكثفة لأجل هذا وتبًا ليس نادمًا ..
رمق تقاسيمها المُتفجرة بالأنوثة وهي تسير أمامه مُتمايلة..
بالفعل تبًا لي، ليتها أشعلت الحرب الأهلية منذ زمن ليستثنى له رؤية هذا المشهد الرائع.
~أنا حتى لا اعرف لونك المفضل.!~
~Ești culoarea mea preferată~
< أنتِ هي لوني المُفضل >
____________
_______
أمسكت سيڤار الملعقة وبدأت تتناول صحنها باسمة الوجه، فراقبها چون وكأن في قلبهِ مَذبحة، فكيف لم يلحظ من قبل أن شعوره نحوها ليس لمُجرد الحب الثقيل.. بل وكأنما هي تعيش في كيانه؟
كيف لم يرى من قبلِ ذلك القدر من الجمالِ كله؟
"سيد چون، چوزفين لا زال يُحاول مُهاتفة السيدة دون إنقطاع."
خرج صوت أحد رجاله من السماعةِ الداخلية في أذنهِ، وهُنا شعر بقلبهِ ينهار، كيانه البارد وكُل المشاعر الطيبة، وبرغمِ ذلك لمْ يُظهر أي من أحزانهِ وخذلانه.
"تمنيتُ أن أحصد منكِ طفلًا، رغم أنني لا أحب الأطفال"
توقفت الملعقة أمام ثغرها وتلقائيًا بهتت أبتسامتها وعيناها:
"أنتَ من أمرني بتناولِ الحبوب إن نسيتَ، لمْ تترك لي الخيار ما بين كونكَ مُجرد سيد أو أب لآبنائي."
"الأختيار رفاهية لا تستحقيها، والدليل الحالة التي وصلنا فيها الآن."
أنزلت الملعقة وأنطفأت عيناها مُجددًا، وعاد الطعام الشهي لا يُثير سوى حزنها ورغبتها في البكاء.
"شبعت"
جمدت أبصاره حول الطعام الذي لمْ تنهي نصفه حتى بإستنكارٍ، فقالت بصدقٍ:
"شبعت يا چون... شبعت من الوجعِ والألم، لما فقط لا تتركني أحيا في سلامٍ دون أن تتركني؟ أعترف بي زوجة و.."
"مُستحيل."
عضت شفتها السُفلية من فرطِ الحزن:
"أنتِ زوجتي أمام الرب ونفسي وأثنان من رجالي، وهذا يكفيني"
"أريد الطلاق إذًا."
أبتسم، ثم أخرج سيجارة ونفث دخانها في الأتجاهِ العكسي منها
"أريد قتلكِ، وليس كل ما نريده، نحصل عليه."
بهت وجهها أكثر من صدق أبصاره التي أكدت حروفه، ثم قالت:
"لا أكترث ذاتًا.. الطعام شديد اللذة، ولن أتركك تقتل كل لون جميل في حياتي."
عادت تتناول أطباقها بشراهة حتى أنهتها، فضحك بينمَا بدأت هي تسمح يديها..
دائمًا نظراته الحادة تُجدي مَنفعة أمام حِمارته الجميلة والغبية..
وبتلقائية مُنظمة دنى نحوها رجل عجوز ثم أمر شابين برفعِ الصحون:
"بونچورنو أيتها السيدة الجميلة."
ضحكت، ثم أجابتهُ غامزة:
"بونچورنو أيها الشاب الوسيم."
سحق چون السيجارة في المطفأة، ثم قاطع حديثهما حين كاد يمد العجوز يده ليُقبل كف زوجته:
"أنتهت الأمسية، أنهضي ورائي."
اومأت بحزنٍ خانع، ثم نهضت وسارت خلفه مُتجاهلة كبريائها الذي إنهال
هو قتلها عدة مرات بالفعلِ، وكرامتها لن تُحييها.
ولج في المصعدِ فأتبعته، ليضغط الشاب على الزر الأخير في اللوحة مما سبب تنهيدة مللة منها
دقيقة.. دقيقتين.. ثلاث..
في ذلكَ الصمت الرهيب الذي سحب منها بواقي طاقتها وحين فُتح الباب وسار في الممرِ بجبروت تسائلت لمتى سيطول صبره وعدم إكتراثه ؟
لكن الحل المثالي بالنسبة لها، كان الخروج من المصعدِ قبل أن يُغلق عليها ففعلت..
وسارت خلفه تتبع نهج خطواته..
وحين دلف الجناح، ترك لهَا الباب مفتوحًا فدخلت وأغلقته خلفها وعيناها تمر على المكان تمسحهُ بإندهاش..
كانت الغرفة بحجمِ الجناح كله، فاخرة، وهناك ألواح شوكولاه على الطاولات وتُراهن أن الثلاجة مليئة بالحلويات أيضًا.
أبتسمت بأتساعٍ مُستلذ ثم أنحنت تتلمس تمثال الفراشة الصغير على طاولة التلفاز.. لكن أبتسامتها ماتت عندما أستطرد قائلًا:
"أصعدي للفراش وأنتظري إنهائي لكوبي."
"إن أردتني أحصل عليّ، لستُ من ملهى ليلى يا چون"
حاولت الإمساك بدموعها عن الضعفِ والأنهيار جراء إحساسها بالرخصِ، لكن أجابته جعلتها تنسدل هاربة من وجع كلماته:
"حقك هذا خسرتيه في اللحظةِ التي رفضتي فيها حقوقي، والآن، لن أعاملكِ كزوجة."
قاطعت حروفه هادرة مع حبات اللؤلؤ التي أزدادت على وجنتيها، فتفاقم جمالها بالنسبةِ لهُ:
"ستعاملني كالحيوان الذي تُداعبه فيمنحكَ اللذة؟ أتعلم ماذا يا چون؟ لقد سئمتُ لعِب دور المُطيعة، لا يهمني الوجه الثالث منكَ فهو لن يكون أبشع مما رأيتُ، لذا كالزوج المُطيع حين تريدني، قبل عنقي وأجعلني أستثير حسيًا حتى أنسى كرهي وأسلمكَ نفسي."
"هذا ما تريديه ؟"
أكد لها بنبرة عميقة مُهددة، فأجابتهُ بحزمٍ:
"بل هذا ما تريده أنتَ.!"
بعدما أنهت حروفها شهقت بسبب نظراتهِ المُظلمة رغم هدوئها ثم تراجعت خطوة للوراء، فسقطت على الطاولة جالسة وأستندت على التلفاز.
ناظرها دون أكتراث لحالتها، ثمَ صفع الكأس بعنفٍ على الطاولة فتحطم، وبدأ يدنو صوبها ببطىءٍ خافِت، وحين وصل لها، رفعها من شعرها وأشتم عنقها بنهمٍ حيواني، فأرتعشت خائفة..
أشتد فكه بسبب إرتعادها وأرتجافها، حتى فمها كان يغادره تنهيدات خائفة مكتومة فعرف أنها على وشك الولوج لنوبة عصبية لعينة..
الدواء في عصيرها لمْ يكن كافي أبدًا.
لكنهُ لمْ يدرك بكمون المشكلة فيه هو، في أستنزافهِ لها عاطفيًا وبدنيًا وحتى نفسيًا.
"أنا خائفة.."
"خــوف ؟"
كررها بنبرة قاتمة، ثم تابع مُتحسسًا عنقها بثغره، دون غرز أنيابه فيها بعد:
"ستدركين معنى كلمة خوف الليلة يا سيڤار، فمادام الحديث بتكرارهِ لا يُجدي منفعة، والضرب على جلدكِ كالأنعام لم يُسبب سوى المزيد من الغباءِ، فالولوج إلى الحل الثالث سيكون من دواعي سروري."
ضحك شيطانه ساخرًا حين لمْ يرد أن يؤذيها بدنيًا ولا حتى بشكلٍ نفسيّ. ربمَا كان كلامه أسفل نِطاق الترهيب، لكن في قرارة نفسِه لمْ يرد ضربها أو مُعاشرتها بعنفٍ من فرط خوفه عليها.
"سأكون مُتحمس ومسرور حد اللعنة بما سأفعل، صدقيني."
أبتسم بحقارة مُستمتعة حين إزداد أرتجافها الخائف تزامنًا مع إمتداد يدها الضئيلة تُحاول أن تدفعه:
"سأ.. سأصعد للفراش، أتركني فقط."
"فات الآوان"
أجشعت في البكاء بطفولية تامة، فأشتد ضحكه الخافت الذي لم تلحظه، لكن تلك الضحكات تحولت إلى زمجراتٍ حين تجرأت على الهروبِ منه لخارج حدود الجناح..
كل الأفلام التي تخيلها من مقتلِ أعداءه لها عادت تنهش عقله، فتمتم شيطانه في مؤخرة رأسهِ ساخرًا 'ما الذي قُلته حيال عدم ضربها ؟'
"سألهبكِ ضربًا حتى يخرج قلبك اللعين من مؤخرتكِ."
هدر ثمَ سحب زناده، فسمعها تركض أسرع لذا خرج من الجناح مُتابعًا هديره العدوانيّ:
"أقسم يا لعينة، سأجعل صوتك يصل إلى أبوكِ في مِصر وعمكِ في المغرب، سأجعل صوتك اللعين يجول البلاد العربية كلها."
ركضت أسرع الأن ثم سمع نهم خطواتها على السلم للأعلى.. تبًا بالفعل.
وبينمَا چون يتتبع خطوات سيڤار، تتبعت سونيا رقم صوفيا على الهاتف، ثم قالت بنبرة مَذعورة:
"صوفيا.. والتر.! أبانا والتر في العناية المُركزة!"
قبيل سماع كلمات سونيا، كانت تضع إحدى قدميها حول صدر رجل عيناه تتبعها برعبٍ وخاصة السلاح حول أناملها.. بينما أندرو في الزاوية يُراقبها بأعين ماتت بسمتها بعدما أمتلئت خاصتها بالوجع الذي لا حدود له.
"راسليني بالعنوان."
أنهت كلماتها وأغلقت الهاتف ثم ضربت الرجل مرتين في رأسه بالرصاص، قبل أن تنسحب مُسرعة خارج المكان فأتبع أندرو جسدها الراكض دون تفكير..
تعثرت في طريقها للسيارة عدة مرات، حتى الدموع في عينيها كانت ملهبة لكبريائها ولوجهها وبرغمِ ذلك لمْ تشعر بها..
قادت والهاتف حول كفها يرتجف، فوصلت للعنوان المكتوب لكنها لمْ تجد مشفى، لم تجد سوى بيتها القديم وبرغمِ ذلك أنزلقت وركضت للداخل بخوفٍ تام وروح مَنزوعة..
وفجأة كل السنوات الفائتة التي عاشتها بعيدًا عنه باتت بلا معنى وأهمية.!
باتت باردة جدًا، وإنجازاتها السابقة إنهارت مع كبريائهَا وروحها المَجروحة..
لكنها حين دخلت ووجدت والدها يُراقبها بأشتياقٍ، ووجدت أختها تُناظرها بأعين باكية كحالها تمامًا جمدت خطواتها وتنفست بإختناقٍ وروح مأذية:
"ألم يحن الوقتُ للتصالح مع نفسنا يا صوفيا؟"
"كيفَ فعلت بي هذا يا أبي؟"
أنبته باكية، ثم دفنت وجهها بين كفيها وحاولت كبح إنهيارها وأرتجافها جراء فعلته الطفولية والغير مدروسة، فقال:
"سأموت في يومٍ ما يا صوفيا، والمرة القادمة حين تأتيكِ تلكَ المُكالمة سيكون قد فات الآوان، صغيرتي الفاتنة الشقراء، لمْ أعد حزينًا ولا أهتم سوى برؤيتكِ حولي كالماضي."
أشتد بكائها ثم أستدارت ورحلت هاربة من مواجهتهِ. صوفيا كانت قوية في كُلِ مواقفها، سوى الوقوف أمام أبيها والنظر في وجههِ..
كانت الجبارة التي حاوطت بيدها المجردة عنق أعتى الرجال، لكنها لا تزال الطفلة التي لا تستطيع رفع وجهها لوالدها بعد ذنبٍ فاجع لا دخل لها فيه.
ومن شدة حزنها، تمسكت بأندرو مُحتضنه أياه وتناست كرهها، كرامتها، فمسد الحبيب شعرها وسمع حروفها بقلبٍ مُحترِق عليها..
"لا أستطيع يا إندرو.. لا يمكنني النظر إليه وأنا السبب الأول في شعورهِ بالعجزِ، والآن فقط أدركتُ أنني أيضًا لا أستطيع خسارته، سامحني، لكن كيف أسامح نفسي والغلطة لا تزال تظلمه يا أندرو؟ كيف أسامح نفسي وأنا السبب في عجزِ والدي الذي ذنبهُ الوحِيد أني.."
قاطعها أندرو، وضمها أكثر لصدره:
"إخلاصكِ للعمل وللوطن لا يُصنف أسفل نِطاق الخيانة أو الخطأ يا صُوفيا، وضعوكِ في خيارٍ صعب وأخترتي الصواب من نظارتكِ ومِقياس الدلائل، لا يمكنكِ لوم نفسكِ على ذنبٍ لمْ تقترفيه."
"كيف أغفر لنفسي خيانة أبي التي ظُلمتُ فيها؟ وأنا لا أستطيع غُفران خيانتي لكَ المُبررة.!"
جمدت يداه حولها ثناء مُتابعتها:
"كيف أغفر لنفسي غلطة وأنا في الصوابِ لم أستطع؟"
قالتها وحين رفعت له رأسها ورأى الندم ينهش فؤادها، لانت عيناه وشعر بقلبهِ يذوب، حتى خيانتها باتت لا طعم لها ولا مذاقِ.
"لو عاد بي الزمان يا صوفيا، ما كنتُ لوثتُ روحي بجسدٍ سواكِ."
ألتمعت عيناها وشعرت أن الليال الحالكة التي قضتها باكية لا معنى لها، مستساغة نسبيًا لتتقبلها، حتى المرارة داخلها تحولت إلى مزيج من المشاعرِ لمْ تعتاده. لمْ تكن صوفيا ذلك النوع اللطيف من النساءِ، أو حتى العاطفيّ، بالنسبةِ لها الأعين كافية للتعبير عن كافةِ المشاعر، ومشاعر أندرو حبيبها الخائن في تلكَ اللحظة كانت دافئة.
"وأنا ما كنتُ لأسلمكَ نفسي"
هسهست فجأة ثم ضربته بركبتها أسفل حزامه فصاح راكعًا بوجعٍ:
"هذا لأنكَ لمستني.. الوجع سيذكرك ألا تقترب لا مني ولا من امرأة آخرى."
دمدم لاكمًا الأرض:
"تـــبـًا.!"
أبتسمت كالمخبولة ثم صعدت السيارة وأنتظرت إنتهاء فقرته الدرامية التي طالت بينما يلوح ويتلوى على الأرض ممسكًا بموضع إصابته.
رجال هذا العصر حقًا يحتاجون لبعضِ الصلابة.
هزت رأسها مُستنكرة وأخرجت طلاء أظافرها الأسود من حافظة السيارة بواسطة يديها التي لا تزال ترتجف.. فبالنسبةِ لها.. كان أفضل ميعاد لترميم الأظافر، فهي تُدرك أنه سيظل يهدر هكذا لربع ساعة كاملة.
لكن بالنسبةِ لسيڤار، تلكَ الساعة لمْ تكُن الأفضل في حياتِها بعدما وجدت نفسها فوق سطح ناطحة السحاب، فحاوطت جسدها ثم ألتفت حولهَا تبحث عن ملجأٍ.. وبرغم ذلك لم تجد ملجأ سواه.
عيناها تلوح في رعبٍ حول مِقبض الباب الحديدي الذي تحرك للأسفل، ليليه صوت فتح المعدن الثقيل، لذا تراجعت فتعثرت وسقطت مُرتطمة بحافةِ السور تزامنًا مع دلوفهِ الغاضب للمكان، لكن فجأة وبدون مُقدمات، زال غضبه وتحول لقلق نسبي بعدما رآها تلتمع على طرفِ الحافة القصيرة ثناء جلوسها.
" أقتربي"
أشارت له بالرفضِ القاطع، فتحول وجهه إلى سُخطٍ جام وغضب لا حدود لهُ..
"إن أقتربتُ ستؤذيني"
"وإن لمْ تفعلي، سأكسر ضلوعك اللعينة يا سيڤار، ليست مرأة من تعصِي آمري."
إنسدلت الدموع من عينيها بعد إهانتهُ الغير مُكترثة، بل ووجدت نفسها تنهض لتواجه وجهه مُتناسية الخوف والهلع، والمنطق كله.
"لكنني لستُ كأي امرأة في حياتكِ، لمْ آكن مُجرد نشوة جسدية يا چون، نشوتي عاطفية، ومعدني هو ما يميزني، لذا لمَا كرهتني؟ أمْ أنكَ لم تقع في حبي يومًا ؟"
عيناه تلوح بتوترٍ ما بين القتامة والوجع، ثمَ رفع كفوفه وحاوط بها وجنتاها:
"رفضتي مشاعري، فلما تبحثي عنها الآن؟"
لوهلة ظلت ملامحها مُقيدة بالوجعِ، وعيناها ترجته ليفهم مقصدها، لكن السكوت في المكانِ لم يُساعد أبدًا أضطرباتها النفسية على الهدوءِ والتآني.
"لأنني لَا أريدُ خسارة تلكَ المشاعر.."
تلاشت أنفاسه بالمعنى الحرفي وزادت قتامة حادقتيهِ، فغرقت في ظُلمة بحاره وسبحت، رغم جهلها للسباحة.. حتى في عينيهِ سكينة أبتغتها ورغبت فيها بالوجعِ والأستنكار.
"أنتَ ثمين جدًا، أنتَ بالشيءِ الكبير الذي لا أود أبدًا خسارته."
أبتسم في مرارة تامة، ثم مسد وجنتها حانيًا:
"كيف تشعرين يا سيڤار ؟"
"تلكَ ليست إحدى نوباتي يا چون.. أظن.. تلك هي المرةُ الوحيدة التي أنا فيها صادقة مع نفسِي، تزوجتني، ستعيش معي لنهاية حياتي، أظن أيضًا أنها الحقيقة الوحيدة التي لا أريد تبديلها."
برغمِ بكاها ونبرتها الحارة بدلالة صدقِها لمْ يستطع أن يصدقها، فوجد نفسه يحملها مانعًا إياها على الكلامِ، ثمَ أتجه لحافة السور وضمها مُديرًا جسدها فشهقت وحاولت أن ترتد عنه..
"شــشــش.. ثقي بي"
همس في أذنها، ثم حاوط جسدها الضئيل مُجبِرًا أياها على الأستناد ضد صدره، لكن عيناها المُغلقة لمْ ترى جمال المشهد من فرطِ الخوف
الهواء الذي داعب قدميها، وجسدها الجالس على حافة الخطر لمْ يساعدها أبدًا
"أفتحي عيناكِ"
آمرها حانيًا، ثم ضمها له دافنًا وجهه في عنقها، ففتحت عيناها وذُهلت مما تراه
بغض النظر عن ناطحةِ السحاب المهولة وهوائها شديد البرودة، رأت القمر يلتمع في الأفق وحوله كمية لذيذة من النجومِ
رأت أضواء المدينة الخافتة بسبب أقتراب مُنتصف الليل لا تقل جمالًا عن السماءِ
الهواء البارد الذي بغضته، فجأة بات كالنسمات الرقيقة على جلدها وضمة چون هي ما أدفئت جسدها المُحتاج..
لكن وريث هاريسون لمْ يكُن نبيلًا بالكاملِ، فأستغل شرودها في العبثِ بها كما يبتغي دون أن تشعر، يداعب عنقها بشفتيهِ وجسدها بيديه، وبرغم ذلكَ شعر أن عاطفته هي من تتعرض للإستفزاز
يده كانت هائمة حول خصرها والآخرى أرتفعت لشعرها المفرود وتحسسته:
"أحببتُ هالتكِ بالشعرِ المَفرود، لكن أنتِ بالنسبةِ للكون كله، جميلة مع الشعرِ المُموج الطويل."
أستدارت وناظرتهُ، فرفع رأسه عن عنقها بسخاءٍ تام لنفسه التي أبتغت رؤية عيناها، بمزيجٍ من الفِتنةِ والسرورِ:
"ألن تُجبرني على التمددِ دون مشاعر؟ هل تريد مبادلتي أياكَ؟"
"جدًا، أريدها للحد الذي يجعلني أموت يا سيڤار."
"لكنكَ كنتَ فتى سيء يا زوجِي العزيز ولمْ تفعل ما يُذكر سوى أرهاقي طوال تلكَ المُدة، هل لازلتَ ترى أنكَ تستحق تلكَ المُبادلة؟"
أبتسم بإتساعٍ أمام أبتسامتها الخافتة، ثم سحب أنفها بين سبابته والوسطى ضاغطًا عليه، فصاحت بلطافة بسبب أنقباض جيوبها الأنفية والألم الذي زاد أضعافه من برودةِ الطقس:
"وأنتِ كنتِ فتاة تستحق حقًا العِقاب الشديد، تستحقين أسوء عقاب قد تحصديه مني "
"وما هو ؟"
سألتهُ مُتوجسة، فدنى نحو أذنها وهمس ببذاءة بما جعلها تنفجر ضاحكة رغمًا عنها
سيڤار لمْ تكن مَفهُومة، ولا حتى مُتوقعة
لا تعرف هل هي تكرههُ، أم تحبه ؟
تريده أم تريد الرحيل ؟
حتى هو بات لا يعرف نفسه وكأن تناقضها توارثهُ.
فهل يريدها أم يُريد مُعاقبتها؟
لعق ثغره ثمَ حملها وغادر السطح ثناء ضحكها المُستنكر... بالتأكيد يريد مُعاقبتِها.
لكن چوزفين عقابه بالنسبةِ لچون كان غير، حيثُ صوفيا وأندرو وكريس فِي عربةٍ عسكرية مُزودة بأجهزة تنصت على الوغدِ في منزلهِ وكل مكان يخطوه..
تنهد الشرطي ثمَ تراجع بظهرهِ يائسًا، كاميرا غُرفة چوزفين الخاصة أظهرت فراغها بينما جهاز التصنت عرض أنكر صوت قد تسمعه في الوجودِ كله بعد الحِمار.
ضحك أندرو ثم داعب حلقة مفاتيحه بأناملهِ، عكس أعين صوفيا الجامدة:
"إفصل الكهرباء عن البناءِ كُله."
أمرت من خلال سماعة أذنها، ثم أخفضت سبابتها فناظرها الشُرطي مُتعجبًا عكس أندرو الذي فهم لُعبتها وتحولت ملامحه للجمود التام.
وبالفعل صوت چوزفين وصوت المياة تلاشى بعد إنقطاع الكهرباء عن المكان، فهرب الوغد وكالعادة أستغل طباع خصمه وتبًا كم نجح في إغضابها بالفعل.
لعنت تحت أنفاسها ثم لكمت الحاسوب غاضبة، فأخترقت يدها الزُجاج وتمزقت أوردتها. هي لمْ تعتاد يومًا الغباء أو الأستغفال..
والمَسخوط حقًا يُجيد اللعِب.
لكن اللُعبة الحقيقة أنتهت بالنسبة لچون حين راقبتهُ بأعين واسعة لذيذة، أبتغاها دومًا
كانت خاملة وبها عاطفة دافئة احبها
وجهها تورد رغم أنهُ لمْ يمسسها بعد
شعر حينها وكأنه في حلمٍ بعيد تمامًا عن الواقع كله، لذته.. لم تمر في حياته من قبل
أحب يوم ميلاده بسببها.. بسبب زواجها منها.!
ذلك اليوم كان بائس جدًا في حياته
فيه خسر كل أقرانه، بدءًا من أمهِ وصولًا لوالده وأنسانيته ..
لكنهُ أكتسبها..
باتت له..
بل كانت له ..
بِئسًا .. فهي له منذ البداية.
يدها الضئيلة الشاحبة أنحدرت حول رابطة عنقه وتحسستها، ثم أنزلقت على صدره فأبتسم..
كانت شاردة
دافئة وجميلة
لكن بعد ماذا يا سيڤار؟
أزدرد ريقه بمرارة، وطرق الباب المُستمر زاد وجعه للأضعاف..
وجع روحه ونحيبها
لأن الرجاء الوحيد له قد ناله بعد فوات الآوان، وفي الوقت الخاطىء ايضًا..
نهض عنها بعد صراع بينه وبين روحه
تضرع قلبه صارخًا للرحمة، وبرغمِ ذلك سار ثابتًا وراسخًا فوق الأرض الصلبة كجوارحه..
ثم مد يده وفتح باب الجناح، فوجد لوكاس أمامه مُبتسمًا بإتساعٍ:
"سيد چون، هناك حفل برعاية السيد إيثان في الملهى الرئيسي، سنقوم فيه بعملية تهريب رهيبة ستعود علينا بأضعاف الخسائر، نحتاج لحضور سيادتك، لتلقي نظرة في الصفقات."
اومأ چون دون كلمة، ثم ألقى نظرة قاتمة على سيڤار.. نظرة أخيرة قبل أن يرحل..
لذا جمدت أبصار لوكاس من تبادل نظراتهما
نظراتٌ يعرفها تمامًا ويُدركها، فقام بخطوة، لا يعرف هل سيندم عليها أم لا؟ لكنه لم يفكر مرتين.
"لو كنتُ مكانِك لما تركته يذهب هناك وحده، النساء مُتعريات، مثيرات جدًا، انتِ نفسك ستندهشين من جمالهن الغير مَعقُول."
رفعت حاجباها بأشمئزاز واضطربت معدتها فجأة:
"تبًا لكَ.. لا أهتم."
تنهد لوكاس بقلة حيلة، وحين أستدار أستوقفه قولها:
"ما رأيكَ في فستاني ؟"
التفت مجددًا فوجدها تمرر المشط على شعرها الذي فجأة بات لامعاً بالبني حين فردته، ووجد ثغرها يلتمع بلونٍ مُحبب من النبيذ راجعت عليه منذ لحظات
وختمت هالتها، بإعادة رش العطر:
"حذاري يا صغيرة، لربما تسرقين قلب أحد اليوم."
"وهذا المطلوب"
داعبتهُ ثم ضحكت خافتة بشقاوة، فأبتسم لوكاس بتلقائية وخرج وراءها مُغلقًا باب الجناح خلفه
وحين سار في الممر أمامها، ظن أن وريث هاريسون في السيارة، لكنهُ وجده عند المِصعد بالفعل..
وعيناه لمْ تزاح لوهلة عن سيڤار.
ولا لدقيقة
وكأنها ستموت إن رفع عيناه عنها، لذا لمْ يباشر في خسارتها.
حتى في السيارة كانت أعينه عليها من المِقعد الأمامي، يُراقب انعكاسها في المرآة..
رفعت عيناها لأنعكاسه ببطيءٍ، وأرتعشت حين شهدت عيناه الداكنة لم تُزاح عنها
ظل يراقبها، وظلت هي تناظره
"حين نصل إلى الحفلِ، غير مَسموح لكِ بعدم أتباعي يا سيڤار."
أبتسمت ماكرة ثم داعبتهُ:
"لكنه حفل يا سيدي، أريد اللهو قليلًا"
"المكان غير مُناسب لكلبي الآليف، أما من جهةِ اللهو، ربما أخذكِ في نزهة لاحقًا."
زالت أبتسامتها وجمدت ملامحها، تعليماته، كانت واضحة وصارمة.
ظنت أنها ستجد نفسها في الملهى الذي تعرفهُ، لكنها وجدت نفسها في آخرٍ أكثر اتساعًا، صاخب وضخم، فوصلتها الموسيقى وهي لا تزال في الخارج أمام الأبواب المُصمتة..
فتح الحارسان لها بعد رؤية وريث هاريسون في المُقدمة، فدخلت تتشبث بظلهِ خائفة..
أنتباه الجميع تسلط عليها فجأة، فتجاهلها البعض، وعلى الطرف الآخر كان في أستقبالها شَطر من الكُره.. أو الكثير منه على أقلِ تقدير.. فأرتعشت وتمسكت في سترة چون من الخلفِ، وحين وقف قربت رأسها من ظهره تحتمي فيه كالطفلة وبرغمِ ذلك لم يبتسم ولمْ يضحك..
على النقيض..
عيناه تلوح من الآخضر الداكن إلى الأسود الأشد عتمة من بعض زوايا المكان.
"مرحبًا سيدي."
سمعت نبرة مُغرية ثقيلة، تلاها أبتعاد چون عنها صوب الجالسين فراقبته بإستنكارٍ لجفاءه، لكنه جلس على كرسي عريض مُتجاهلًا إياها، وعلى جانبيه فتاتان مُثيرات وبدى أنهن من العائلات التِي يحكمها.. لذا أشتعلت أبصارها وراقبت الكراسي الفارغة تبحث عن مُبتغاها..
كان هناك زوجان من الكنبِ بهما مكانٍ فارغ
واحد على أريكة واسعة جانب أنطونيوس، ورجلين أخرين.. أرثر وميكاييل، تذكرتهم على الفورِ حيثُ رأتهم في الأجتماع الرئيسي..
والأريكة الفارغة الآخرى عليها ثلاث نساء، ورغم أن چون سلط عليها أبصاره مُترقبًا، أتجهت ناحية أنطونيوس، فسمعت صوت الكأس ينكسر من خلفها. لذا أبتسمت ثم جلست واضعة قدم على الآخرى.. تريد لعب دور الرجل المتلبد؟ إذًا ها هو لكَ وتمتع بهِ جيدًا يا إبن المُتخلفين.
"لازلتُ غاضبًا منكِ، لكنكِ تبدين فاتنة"
أبتسمت بأتساع أكثر بسبب همس أنطويوس في أذنها ثم راقبت وغدها بتحدٍ بعدما أحتدت أبصاره على ثغر الآخر القريب من وجنتها..
تجاهلت چون تمامًا ثم ضحكت لأنطونيوس وألتفتت للوحشين جانبها.. ويبدو أن اللعبة ستشتعل الليلة..
وبقواعد جديدة..
هذه المرة هي من ستُنسقها.
"مرحباً أرثر، مرحبًا ميكاييل، أعلم أن تعارفنا لمْ يكُن ظريف بالمرةِ لذا.."
مدت يدها لصاحب وشم الجمجمة آرثر:
"أنا سيڤار.. امرأة چون هاريسون"
شرد أرثر ناظرًا ليدها المُعلقة في الهواءِ، لذا مد ميكاييل يده مُمسكًا كفها بإقتضابٍ
"ميكاييل"
"أرثر"
قالاها بلا إهتمام، فعلمت ألا أحد منهم سيسير على نهجِ خطواتها، فنهضت ناحية طاولة البار مع أعينها الغاضبة. كان چون يتبعها ولاحظت أبصاره المُتسلطة عليها، ليتربص بها، وعلمت حينها أنها ستندم لاحقًا أشد الندم.
"جوانا؟"
سمعت صوت ديفيد السكير والخَامِل، فأستدارت وكادت تسبه، لكنها ابتسمت بخبثٍ فجأة وقد غفلت عن كُنية جوانا.
"مرحباً بالعمِ ديفيد."
ضحك ديفيد، ثم دندن بسـُكرٍ:
"مرحبًا بالشرقية التي تُثير جنوني بذكرى محبوبتي"
رمشت سيڤار مُتحيرة:
"وما الذي حدث لمحبوبتك؟"
"ماتت"
جمدت أبصَار سيڤار حول أعين ديفيد الحزينة فنست ما حدث بينهما من كرهٍ وعِناد، بل وتسائلت عن ماضيهِ خاصةً أنه تخلى عن نصيبهِ من آل هاريسون ومن الحياة كُلها..
"تنتظركَ في مكانٍ أفضل"
"بعد الموت هو الفراغ يا سيڤار.. التلاشي."
"كلا، بعد الموت، إما النعيم أو الجحيم يا ديفيد، أتمنى أن تلتقي محبوبتك حينها."
رفع رأسه من فوق الطاولة، وناظرها شاردًا في معالمها.. لمْ ترى من قبلِ نظرة الرجل المَقهور واليائس سوى في أبصاره.
"يزول الألم حين أنظر لكِ في كُل مرة لا تريني.. أتصوركِ هي، أو إنعكاس منها وهذا يرطب جرحي برغم المرارة."
"أنتَ مُخلِص، لما لم تتزوج بعدها؟"
"ربما سأتزوجكِ أنتِ"
رمقت چون مُتوجسة تتأكد أنهُ لم يسمع، لكنه بدى واعيًا بكلِ حرف بينهما رغم الموسيقى الصاخبة وهذا ظهر في هدوءه وقتامة معالمه..
سبت سيڤار نفسها ببذائة، وشهقت حين سحبها ديفيد لمنصة الرقص واضعًا زجاجة الكحول في يدها، لكنهُ كان خاملًا بما فيه الكفاية ليتلاشى بين الحضور وراء إحدى الرقصات..
كان كُل شيء صاخب، ملتمع بالكثير من الأضواء والضجة المزعجة، فوجدت نفسها تُحاول الخروج وسط أبصارها التي بدأت تختل، لكن أجساد الراقصين كانت تدفعها بشدة، من اليمين لليسار، في أتجاهات مُتناقضة، وكأنها في دائرة تبتلع كل روحها، جسدها، وخوفها وهمهمتها الخافتة.!
ظلت هكذا حتى وجدت نفسها في دائرة مادية، مُحاصرة من ثلاثةِ شُبان، مُلتصقين بها بالعمدِ..
رأسيهما كانا جانب خاصتها من اليمين واليسار، والثالث أمامها بنظراتٍ جريئة لمْ تُعجبها أبدًا..
الثلاثة ألتصقوا بها بشهوانية عابثة، فأرتفعت روحها في أنفها وزادت رغبتها في طرد عصارتها الهاضمة..ورفعت الزجاجة ثمَ هبطت بها على رأس من أمامها فشهق الاثنين الآخرين وانحنوا على صديقهم الذي سرعان ما هدر وسط دمه:
"أنتِ ساقطة ميتة"
أرتعشت وقبيل أي رد عدائي منه لاحظت أعينه التي ارتفعت فوق مستوى رأسها لكيان خلفها، مُحملة بكل أنواع الفزع الذي تعرفهُ، فأبتسمت بإرهاق مُستندة على صدرهِ، وضمها هو له
"لذة، أتجهي صوب الجالسين"
هذا فقط ما قاله قبل أن تراه يتلاشى أمام رجاله الذين سحبوا الثلاث جثث ناحية قاعة سُفلية، ولمْ تُرد أن تعرف ما ينويه الوغد للمُتحرشين.
شردت في كفيها ببسمة خافتة، على الأقل هو يكترث.. لا يزال يغار ويكترث..!
'أنا زوجته'
فكرت، ثم أبتسمت بإتساعٍ لكن صوت لوكاس الهامس أخرجها عن شرودها
"سيقتلكِ الليلة"
"لماذا عدتَ ؟"
تسائلت بإمتعاضٍ حين قطع حبال أفكارها، فأجاب:
"لأنني لمْ احب ما فعله في الأوغادِ، تبًا، كوابيس هذه الليلة ستظل تطاردني للأبد."
كان من المُفترض أن تكرهه أكثر، وأن تخافه، لكنها أبتسمت رغم الخوف وشعرت بالسعادة تتغلغل دواخلها.. سعادة إكتراثه بعدمَا هدمت علاقتهم..
لكنهَا كانت مَسرورة للحد الذِي جعلها تبتسم كالبلهاء أمام الجمِيع.. لهذه الدرجة تمكنت منها الفرحة برغم شعور الآسف والحزن داخلها..
وبينما كانت مُنغمسة في أفكارها، رأت صفحة ماضيها السوداء تناظرها من بعيدٍ، فنهضت، وسارت ناحيتها دون أدنى تردد..
"إن عاد ولم يجدكِ، فستشعلين حربًا يا سيڤار."
"لن اتأخر."
أجابت لوكاس بحزمٍ قاطع ثمَ سحبت يدها عن خاصته الرافضة، فزم ثغره مراقبًا إياها تبتعد وسط الجميع الغارق في سُكره، ونشوات الجنس الآخر.
إتبعت سيڤار ذلكَ الدخيل حتى وصل بها إلى مكانٍ مَجهُول يبعد بضع دقائق عن قاعة الحفلِ، فألتفت لها نازعًا وشاحه..
كان چوزفين، صدقت حواسها فأبتسمت ساخرة بسبب دمدمته المتعجلة:
"آسف على مُحاولة قتلكِ.."
رفعت حاجبها مُتعَجبة من جُرأتهِ، لكنه تابع مع نبرة إنسانية جذبت حواسها رغم الغضب:
"لازلت أريدكِ يا سيڤار، وجئت مجازفًا للأعتذار منكِ لأنني تخليتُ عنكِ، ولأنني سمحتُ لنفسي بالإنحطاط وضربك، لكن ليلتها، جائتني مُكالمة هاتفية من سونيا والتر تحرضني عليكِ، فأخبرتني بعض الحقائق، وكُنتُ أعرف أن سيدكِ جانبك، وأن الشريحة خاصة الرقم الذي حدثتيني منه أنتمت لأنطونيوس."
"لمْ يعد يعنيني أي من تلكَ السُخف يا چوزفين."
قالتها دون إكتراث فتابع:
"خُلقنا لبعضنا، نُشبه بعضنا يا سيڤار، هو.. لا يستحقكِ أبدًا، أنا لستُ مثله.! "
أبتسمت، فظن أن معدنها لان، لكن أبتسامتها كانت خافتة ومريرة.. متوجعة من أعمق نقطة في فؤادها:
"مُشكلتكَ الوحيدة، أنك لستَ هو"
"ضربكِ"
قالها، وفي عينيه ثقة رهيبة من تجددِ كُرهها بفعل كلمة واحدة، لكنها أجابت بما خدر ثقته:
"حاولتَ قتلِي، ففدانِي"
أتسعت عيناه وراقبها بلا تصديق، فتابعت هي ببساطة:
"أتبعتكَ لأقول تلك الكلمات يا چوزفين، أردتُ فقط أن تعرف بضرورة إنهاء ما بدأتهُ بعيدًا عن هُنا، إستغل عقليتكَ فيما هو أكثر نُضجًا، ولا تُضجر نفسكَ بالهدف الذي لن تحصده أبدًا، فما هو ليس إلا سراب، سراب مُهلِك وفتاك، مخالبة قاتلة، ولن تنجو منها."
حذرته، ثم أستدارت راحلة:
" أنا لا أُرفَض"
قالها بهديرٍ حيواني، فأطلقت ضحكة رقيعة، شرقية ساخرة:
"ليس مع سيڤار سمير"
"تــبـًا."
هدر بحيوانية قاتمة ثمَ ألقى هاتفه على الأرضِ، وراقب جسدها الممشوق مُتمتًا بعدوانية قبل أن تتلاشى خلف أعتاب الباب.
"ما لمْ أحصدهُ بالرضا، أنهشه بالغضبِ."
"إبهرني إذًا، يا منبوذ هاريسون"
ألقت عليه نظرة أخيرة ساخرة، ثم غادرت الغرفة أمام هياج أبصاره عليها..
لمْ تكن فكرة سديدة أن يأتي إلى موتهِ بأقدامهِ، لكن بعد إدراكه لمكانة سيڤار عند چون، أيقن أنها كنز لمْ يجب أن يضيع ويفنى
مرأة مثيرة وعدوه غارق فيهَا، أراد إنتزاعها، لكن طواعية.. وهي من آبى.
مرر يده على شعرهِ، ثم رفع الهاتف على إذنهِ
"ديث مانويل.. أحتاج إلى مُساعدتكِ."
____________
_______
عادت سيڤار مَجلسِها ولاحت عنياها على حلقة الرقص الصاخبة.. كانت سعيدة رغم الحزن أو على أكثر تقدير، شعرت بالإنصاف..
ناظرت زجاج الغرفة الرئيسية مُصادفة، فأبتسمت حين لمحت ظله خلف الإضاءة الخافتة يراقبها من الآعلى، لمْ ترى وجهه وبرغم ذلكَ عرفت أن هذا الرجل.. ينتمي لها.. وأنتمت لهُ..
حاولت أن تُثير إستفزازه عن طريق إشتراف بضع كؤوس، لكنها وجدت نفسها تغرق في جمال المُسكرات ولذتها.
رأت فجاة الأضواء الصاخبة السريعة ابطىء، أكثر حِدة وظلامًا.. الموسيقى الصاخبة باتت خافتة في عينيها.. لكنهُ لم يكترث بعد.. فنهضت وسارت للحلقة متأرجحة لليمين ولليسار، حتى أنها كادت تطرح الأرض لولا تمسكها بالعمودِ تتسلقه لتصعد المنصة فضحك البعض..
السلم كان بجانبها حرفيًا وبرغم ذلك فضلت تسلق العمود كالقرود وصعدت..
"أريد أن أهدي اغنية.. لزو.."
صمتت حين غادر حلقها حازوقة، وبرغم ضحك الجميع، صوتها الثقيل لمْ يكن مُبعثر، كان أنثوي، ثقيل، لهاثه المُرتفع طَرب
تنهد المسؤول عن التنسيق بلا حيلة، ثم سار نحوها فأطلعته على المعزوفة التي تبتغيها لإحدى الأغاني التي سمعتها مؤخرًا
رفعت عيناها لزوجها فجأة بعد علو المُوسيقى، ثم دندنت بثقلٍ تُغريه:
"Cinnamon in my teeth From your kiss, You're touching me, All the pills that you did, Violet, blue, green, red to keep me, at arm's length don't work"
<قِرفة في أسناني بسبب قبلتكِ.. أنتَ تلمسني.. كل الحبوب التي أبتلعتها أنتَ... بنفسجي، أزرق، أخضر، أحمر، لتبقيني على طول ذراعيكَ لا تُجدي مَنفعة>
أرتعشت أنفاسها وأشتدت يدها حول مكبر الصوت، عيناها أدمعت، ويدها الأخرى حمت جسدها من السقوط الحتمي، وبرغم ذلك، لا تزال عيناها حول ظلهِ الثابت:
"There's things I wanna say to you But I'll just let you live,
Like if you hold me without hurting me, You'll be the first who ever did"
<هناكَ أشياء أرغب في قولها لكَ.. لكنني سأتركك تحيا، مِثل أنك لو ضممتني دون أن تؤذيني، ستكون أول من يفعل ذلكَ>
أشتدت الأضواء فرأت وجهه الجامد، ورأى هو الدموع تتسابق على وجنتيها تستعطفه:
<Hold me, love me
touch me, honey
be the first one who ever did>
<أحتويني، حبني، إلمسني، حبيبي، كن أول من يفعلها مُطلقًا>
"Kerosene in my hands
You make me mad, oh, I'm fire again"
<الكيروسين في يداي.. أنت تجعلني غاضبة، أوه.. ها أنا أحترق مجددًا>
صمتت، وبات كل الخلقِ بلا طعم أو أهمية سواه، حتى عيناه سبحت من الجمود إلى مشاعر لم تفهمها، مشاعر ثقيلة على عقلها المُتعَب..
"Be the first.. who ever did"
~كن أول.. من يفعل ذلكَ~
تمتمت خافتة وبرغم ذلك سمعها
ولمْ تقطع تواصلهما البصري ..
لن تفعل بعد اليوم.
يتبع..
***
أشتقتلكم كثير ♥️
أي ملاحظات أو إنتقاد ؟
توقعات ؟ 🤷🏻♀️
رابط الإنستجرام موجود على صفحتي الشخصية.. أنا هناك متوفرة أكثر من هنا. 🦋
عمتم مساءًا ودمتم سالمين ♥️
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top