(4)
بقلم نهال عبد الواحد
عادت عشق إلى البيت، لا زالت طوال الطريق تلازمها الشهقات، ملتصقة بأهدابها أثار الدمعات، يظن الرائي لها أن أصابها أمر جلل، ربما فاجعة أو كارثة وليس مجرد صياح وتأنيب!
أما عن الرائي فبالطبع كان ياسر المتابع لخطواتها، المتلصص لكل تفاصيل حياتها عن بعد.
بعد أن رأى حالتها عزم على أن يسلم قدماه للريح زائرًا لبيت عمته، وكان قد ترك هذه العادة منذ زمن، تفاجأت به عمته، لكنها استقبلته بحفاوة؛ فقد اشتاقت إليه...
قالت: لسه فاكر إن ليك عمة يا واد يا براوي انت!
أجاب: والله يا عمتو مشاغل!
- بس مش كده، بآيت بشوفك كل فين وفين.
تابع سيد: يا نبيلة بالراحة عليه، نورتنا يا حبيبي.
أجاب ممتنًا: بنورك يا عمي...
ثم نظر بينهما وتسآل: هو أنا جيت في وقت مش مناسب ولا إيه!
أجابت نبيلة: لا يا حبيبي، كل الحكاية كنا متكدرين شوية بسبب حكاية كده.
نظر إليها سيد بتأنيب وقال: مفيش لا حكاية ولا حاجة، انتِ وبنتك بتكبروا كل حاجة وتهولوها، إيه يعني دكتور زعقلها عشان حضرت متأخر، ما تستاهلش كل ده، ده اللي يشوفها يحسب إن في مصيبة حصلت.
تابع ياسر: دكتور زعقلها!
استطرد سيد: أيوة، قولّها إنها حاجة عادية، وبعد كده تلتزم بمواعيدها وخلاص.
أردفت نبيلة: والله كلمتها ياابو عشق! لازم تكبر بأه وتبطل تبقى دمعتها قريبة.
استمع لهما ياسر ولم يعقب، زفر براحة؛ فالأمر لم يكن بذلك السوء الذي كاد يحرقه قلقًا.
تحدث سيد: معلش ياابني دوشناك، المهم أبوك عامل إيه! ما جاش معاك يعني!
أجاب ياسر: الحمد لله يا عمي! إنهاردة التلات وزي ما حضرتك عارف بيروح يحضر درس في المسجد هو وماما.
أومأ سيد قائلًا: أيوة أيوة، دايمًا بنسى ميعاد الدرس ده، عايز افتكره ونروح انا وانتِ ياام عشق.
تابعت نبيلة: خلينا في الأجازة عشان عشق تيجي معانا، ماانا مش هسيب البت لوحدها في البيت.
قال سيد: بصراحة الشيخ ده كويس جدًا ومفيش بعد كده، طريقته حلوة وسلسة و وسطي، تفهم منه من غير ماتزهق.
تابع ياسر بموافقة: فعلًا، لما بروح أصلي الجمعة عنده ساعات ما بحسش بالوقت نهائي، أسلوبه جذّاب وشيّق ومرتب، غير إن صوته حلو في التلاوة فخفيف كده.
قال سيد: أيوة والله! ربنا يكتر من أمثاله، ولا شوفت المُجمّع الخيري اللي عمله، منه عيادات وصيدليات وفصول تقوية ومشغل خياطة و زي سوبر ماركت بيبيع كل حاجة، وكل شيء بيقدمه للغلابة بنص التمن.
تابع ياسر: بابا بيقولي إن حتى إنتاج مشغل الخياطة ده برضو بنص التمن، غير الحالات المسؤول عنها، وأهل الخير كتير وده المكان المناسب لزكاتهم وصدقاتهم، في ضمان إنها توصل لمستحقيها.
أومأت نبيلة رأسها باستحسان وهي تضع كوب عصير أمام ابن أخيها، وقالت: والله الدنيا لسه بخير!
أردف سيد: أهو اللي زي ده رجل دين بحق وحقيق، شغال فعلًا لوجه الله، فاتح بيوت أد إيه وبيعمل خير بسم الله ما شاء الله! لا مستني يتشهر ولا يجمّع أصوات انتخابات، وبعدين مش من الناس اللي لسانها طويل تشتم يمين وشمال عشان تلم شعبية، خفيف كده ويحبب الناس في الدين.
قال ياسر: بس اللي زي ده يتخاف عليه ويتخاف من تجميعة الناس حواليه.
تابع سيد: ليه يعني؟! ده الراجل ماشي بما يرضي الله.
- وظروف البلد بتخلي الحكومة تشك في أي حد عمّال على بطّال.
- هتقولّي، دول بتوع أمن الدولة وانا طالع العمرة الأخيرة دي حبسوني وفضلوا يحققوا معايا عشان بس مطوّل دقني شوية، وانت بتصلي فين وبتحضر دروس فين، وهاتك يا أسئلة.
قالت نبيلة: ما هو اللي بيجرى برضو كتير يا سيد، كل شوية نسمع حوادث انفجارات واغتيالات والوضع بجد يقلق، منهم لله!
تابع سيد: منهم لله اللي بيأذوا البشر، المهم انت أخبار شغلك إيه، أبوك بيقولي عنك دايمًا مشغول.
أجاب ياسر: الحمد لله، شغل المقاولات شغال الحمد لله، ولسه كمان، بدأنا نشتري البيوت القديمة الصغيرة، نهد الواحد منهم ونطلع مكانه بعمارة ونراضي السكان بشقة بتمليك لكل واحد.
تابع سيد محذّرًا: بس خلي بالك ياابني، راعي ربنا دي أرواح ناس، ده أيام الزلزال مباني كتير وقعت عشان كانت مغشوشة في البنا.
- لا اطمن يا عمي، واخد بالي ومراعي ربنا والحمد لله!
ثم نهض واقفًا مردفًا: طب استأذن انا بأه..
أهدرت نبيلة: هو انت لحقت!
أجاب: معلش يا عمتو كنت في مشوار قريب فقلت أعدي اسلم.
قوست نبيلة شفتيها بعدم رضا وأهدرت: خلاص بآيت بتاخد ع السكة، ماشي يا ياسر...
اقترب منها وقبّل رأسها قائلًا: خلاص بأه يا عمتو، هبقى ازورك من وقت للتاني.
- طب لما نشوف...
صافحهما وانصرف، فقالت نبيلة: صدقتي والله يا بت بطني!
عقد سيد حاجبيه بتعجب وتسآل: مالك!
- أصلها قالت خليه ينسى، الرجالة تقدر تنسى واهو اختفى من ساعتها حتى لما جه ما سألش عنها حتى!
- عايزاه يعني يفضل على ذكراها بدون أمل! الجدع برضو لازم ينتبه لحياته ومستقبله، مش هيقعد يندب حظه عشان واحدة.
أطالت النظر إليه ثم تسآلت: ألا قولي يا سيد، هو انا لو مُت هتتجوز بعدي.
- لا إله إلا الله! إيه السيرة الهم دي!
- ما ردتش عليّ يعني!
- اسكتي وصلي ع النبي يا نبيلة، واستهدي بالله الله يصلح حالك!
- يبقى هتتجوز واحدة تانية...
وبدأت تبكي، زفر سيد رافعًا رأسه لأعلى قائلًا: أشكو إليك.
جلس جوارها وربت على كتفها وقال: هو انا أقدر استغنى عنك يا عشق السنين انتِ، ده انتِ الليّة والحتة الجوانية! وبعدين بتسألي عن الغيب ليه؟ مش يمكن أموت أنا الأول...
قاطعته ولازالت تبكي: بعد الشر عنك يا خويا، ربنا يديك طولة العمر، وما يحرمناش من دخلتك علينا.
ضحك قائلًا: وبتعيبي على بنتك إن دمعتها قريبة!
فضحكت وأكمل ضحكاته ومزحاته معها.
وهذه المرة أيضًا سمع كلمات عمته، ظنت أنه نساها، بل جاء ليطمئن عليها، لم تصدقوه عندما أخبركم عنها أنها عشقه ومراده رضيتْ أم أبت، هي الغاية، والغاية دائمًا تبرر الوسيلة، ومهما دفعتي بي يا عشق بعيدًا عنك، سأظل قريبًا رهن إشارتك، كما سيظل عشقك مرادي... هكذا حدث نفسه قبل أن يغادر.
وبعدها بعدة أيام إتجهت عشق بداخل كليتها إلى مكتب أحد أساتذتها، لتسلم ملف لبحث قد طلبه، مانت متكدرة كثيرًا منه؛ فمن أول محاضرة يطلب بحث.
كان باب الغرفة مفتوحًا، احتضنت الملف والكشاكيل بإحدى يديها وهمت بمد الأخرى لتطرق الباب وهي تتفقد بعسليتيها داخل الغرفة.
لكن الغرفة لم يكن بها سوى دكتور واحد فقط من أعضاء هيئة التدريس، إنه هو نفسه الذي صاح في وجهها منذ بضعة أيام، فشهقت بصوتٍ مسموع من فجأتها، اختنقت أنفاسها وتلاحقت بسرعة مع خفقان فجائي لقلبها، ربما بسبب فجأتها، تلك الشهقة القوية التي تفلتت منها، أو ربما من هذه النظرة التي وجّهها إليها في لحظات ثم أعاد عينيه بداخل كتابه مجددًا دون أن يعقب.
ارتبكت بشدة من ذلك الموقف أو هذه النظرة، وكأن الهواء قد افتقد فجأة غاز الأوكسجين أم أن رئتيها لا تسعفاها على التنفس، لم تجد بدًا إلا أن تخوض هذا الموقف.
مدت يدها مقوسة كفها قليلًا وطرقت الباب مع صوت نحنحة منها، فجاءتها الإجابة بصوته: أيوة اتفضلي.
قالها دون أن يرفع عينيه من كتابه، لكن ما هذا الصوت الرجولي العميق الهاديء، كلمتان عاديتان كان مردود ذبذبتها كفيل بإعادة توزيع إيقاع سمفونية قلبها.
تقدمت نحو مكتبه بنفس هذا التأثير، اتضحت هيئته الأنيقة، ملامحه الوسيمة، شعره المنسق، لحيته المهذبة، رائحة عطره الرائعة التي غزت أنفها، ظلت محملقة فيه تتفحصه بدقة.
أفاقت من شرودها على صوته: إتفضلي يا آنسة.
فقالت بارتباك ظاهر في نبرة صوتها: في الحقيقة كنت جاية أسلّم بحث لدكتور مصطفى.
أجاب ولازالتا عيناه بداخل الكتاب: دكتور مصطفى في محاضرة، أعتقد أدامه حوالي ساعة على انتهاء المحاضرة.
- ماانا كمان حضرتك عندي محاضرة كمان ساعة وبعدها محاضرة تانية وغالبًا هيكون روح وانهاردة آخر يوم في المهلة اللي محددها.
- تقدري حضرتك تسبيه ولما يجيي هسلمهوله، لسه قاعد شوية.
- ألف شكر لحضرتك يا دكتور.
قالتها ومدت يدها بالملف ثم أعادته مجددًا، التفت لها بجانبية دون أن يرفع عينيه إليها، فلمحت رماديتيه، ليزداد الأمر بعثرة وفوضى بداخلها، تتسآل بداخلها ما هذا الكائن؟! ينقصك فرسًا وسيفًا لتصبح فارس الأحلام المغوار...
مرة أخرى يخرجها صوته من أفكارها: في حاجة تانية يا آنسة؟!
أجابت بارتباك أكثر من ذي قبل: حضرتك أنا كنت عايزة أعتذر عن يوم المحاضرة لما جيت متأخرة، أنا مش مستهترة، دي غلطة غير مقصودة يا فندم.
- ماجراش حاجة، المهم تحافظي على مواعيدك...
سكت هُنيهة ثم أكمل: أنا كمان بعتذر لأني صرخت فيكم بغضب مبالغ فيه، بس حضرتك كنتِ بتخبطي عل باب بطريقة مستفزة جدًا قطعت تركيزي وتركيز زملائك.
- أول مرة اعملها والله يا دكتور! وإن شاء الله تكون الأخيرة.
- تمام ماجراش حاجة.
مالها لا ترغب في إنهاء الحوار! ظلت تحملق فيه مجددًا، ثم نظرت إلى أحد الكتب الموجودة على المكتب جواره، مكتوب عليها إسمه، قرأته ثم قالت: هو حضرتك دكتور مراد عبد الرحمن؟!
- أيوة يا فندم، حضرتك ما تعرفيش اسم اللي بيدرسلك ولا إيه؟!
- لا الحكاية مش كده، بس بشبه على الإسم، أصله شبه إسم شيخ معروف.
- لكن أنا هنا بصفتي المهنية، أستاذ جامعي بدرس محتوى علمي.
- يعني حضرتك الشيخ مراد فعلًا؟!
ابتسم بهدوء ولازال ناظرًا في كتابه وأجاب: أيوة يا آنسة.
- طب مش الشيوخ دول المفروض طول الوقت ينشروا العلم!
- لكل مقامٍ مقال، في المسجد مكان العلم الشرعي بالتالي دوري كمرشد لأصول الدين وداعي لدين الله، لكن هنا بداخل الجامعة أنا معلم لأساسيات اللغة العربية حسب المادة اللي بدرسها لكل فرقة، وعلى فكرة ده برضو نشر للعلم.
- بس يعني... بصراحة يعني... أنا أول مرة أشوف شيخ على الموضة كده.
بدا صوتها مضطربًا، ابتسم بهدوء قائلًا: أكيد مش هاجي الجامعة بالجلابية، وبعدين هو الشيخ ما ينفعش يبقى متشيك ولابس كويس! بالعكس، كل مسلم داعي لدين الله بشكله وأخلاقه وتعاملاته مع الآخرين، خصوصًا التعاملات المادية، فلو كل شخص تصور إنه سفير للإسلام في كل تصرفاته قلبًا وقالبًا، عمرنا ما هنشوف ناس بتسئ للدين بتصرفاتها وأخلاقها السيئة والفظة اللي بتنفر الناس من الدين، وكمان المظهر مهم جدًا، إيه اللي يمنع المسلم بكل أخلاقه الكريمة إنه يهتم بمظهره، يلبس لبس جيد، ملائم، نظيف ومكوي، مسرح شعره ومهذب لحيته، إن الله جميل يحب الجمال، مادام إمكانياته تسمح بدون إسراف فإيه اللي يمنع!
- يعني أنا مثلًا لو جيت اتحجب مش لازم ألبس جلابية!
- حجاب المرأة فرض، وفي الشرع مذكور صفاته مش اسم الثوب نفسه، وده لأنه دين مناسب لجميع الأزمان، ولو كان أمر ضروري كنا وجدنا نص بإسم ثوب المرأة الشرعي، وبطبيعة تطور الإنسان هيحدث تغييرات، مثلًا الدابة قديمًا كانت الناقة أو الحصان ودلوقتي أصبحت السيارات بمختلف أنواعها.
- يعني ينفع أكون محجبة وأفضل لابسة جيبة وبلوزة، أصل مامتي لما اتحجبت بابا جابلها فساتين شبه الجلاليب كده.
- قلت مش هنعترف بالإسم، المهم ردائك ساتر، واسع، طويل، لا يشف ولا يصف، وغير ملفت أو معطر، لكن أقول جيبة وألاقي جيبة طايلها مقص مرة من أدام ومرة من ورا، ودلوقتي فتحات فتحات من كل ناحية وتقولي جيبة، ولا بلوزة تشف ولا لونها ملفت أو ضيقة، والطرحة تبقى مطلعة خصلة صفرا ولا حمرا وقال مخرجة الحلق، ده تهريج طبعًا، التزمي بالشروط، مع الحفاظ على الهندام الجيد والتناسق، يبقى الثوب نظيف ومكوي ومضبوط، الست الوالدة ربنا يبارك فيها ممكن تلبس جلاليب أو عبايات، لكن البنات الصغيرة اللي زيك لو ألزمتها بده هتطفش، عايزة تلبسي جيبة وبلوزة إلبسي، عايزة تلبسي ثوب ملون بس ما يكونش لون ملفت وماله، الشروط... الشروط هي اللي تحكم حجابك، ومع الحجاب الحياء والعفة في التعامل، مالوش لازمة الصوت العالي والضحك والمزاح اللي بنشوفه من بنات كتير في الطرق وبداخل الجامعة كمان.
- حضرتك بسيط أوي.
- أنا بميل للوسطية، والأهم للشباب والجيل الصاعد، واللي أكتر فئة معرضة للعبث في عقولها، فلازم أكون بسيط وقريب منهم، لأنهم هدفي الأول، الشباب الصغير مستهدف بين الإنحلال الخلقي والإدمان، وبين التشدد والتطرف والانسياق خلف جماعات تدعي الدين وهي بعيدة تمامًا عنه، الدين برئ من التعنت والتشدد، برئ من إراقة الدماء، للأسف حتى فهم للآيات والأحاديث سطحي، كل آية وحديث كان لهم مناسبة وحدث أدى لنزول هذه الآيات، في آيات نسخت آيات، وفي علماء أجلاء على مر عقود طويلة طرحوا آراء كثيرة، لكن عنصر الزمن والحالة له عامل، كلمة يجوز أو لا يجوز التي تقال اللي من كام حرف بس، دي وراها بحث ودراسة عميقة جدًا أتحدى غير المتخصص إنه يعرفها، وحتى نفس السؤال قد تختلف إجابته من حالة لحالة ومن زمن لزمن، فاللي بياخد برأي حد مهما كان عالم جليل ولم يبحث حول الأسباب والمناسبة أخطأ خطأ فادح، أخطر الناس على الناس هم أشباه العلماء، من أخذ قشور العلم دون تعمق وظن نفسه إنه أصبح عالم، ودول اللي بيرسخوا الأفكار الدموية والتكفيرية في عقول الشباب والناس البسيطة، بيلعبوا على الحاجة وقلة الحيلة والمنغصات اللي بيتعرضولها، يغيروا المسميات، وفي الآخر أهدافهم بعيدة تمامًا عن الدين.
- مش عارفة أقول لحضرتك إيه، غير ربنا يكتر من أمثالك بجد!
نظرت إلى ساعتها فشهقت مجددًا وصاحت: معقول واقفة ساعة بحالها بتكلم! المحاضرة هتبدأ.
إبتسم وأردف: ما تنسيش تسيبي بحث دكتور مصطفى قبل ما تمشي يا آنسة....
- عشق.
عقد حاجبيه بدهشة وقال: عشق!
- معلش إسمي غريب شوية، بس بابا هو اللي مسميني كده.
وضعت الملف على المكتب ثم استأذنت مسرعة قبل أن تخلق حوارًا جديدًا، لم تكن هكذا في يوم من الأيام، تتحدث وتتحدث مع شخص لا تعرفه، بل لازال هناك رغبة في مزيد من الكلام، الحديث لم ينتهي بعد، لولا موعد هذه المحاضرة ربما عادت تكمل حوارها معه وتنسج المزيد من الأحاديث.
ما هذا؟!
إنها أخيرًا تمكنت من التنفس بشكل طبيعي، كأنه كان يمنعها من التنفس، هي بحق تعيش لحظات غريبة، والأغرب تفاصيله التي لم تغادر عقلها، ملامحه، هيئته، حديثه الشيّق، حضوره الطاغي، هل يمكن لشخص أن يجمع كل هذه الصفات ويكون له هذا التأثير القوي الذي لم تجده إلا فيه؟
كثيرًا ما تعلقت بأبطال القصص الخيالية، البطل المغوار الوسيم العاشق، المكتمل فيه كل الصفات، لكنها مرسومة بيد كاتب، لكن هذا الرجل هو رجل واقعي في هذه الدنيا، فظل بطل أفكارها طوال الوقت.
أما هو ورغم أنه لم ينظر إليها سوى تلك اللحظة الأولى التي شهقت فيها وسرعان ما أخفض بصره، لم يتدقق ملامحها لكنه لمحها جميلة، لكن أكثر ما أثّر فيه حوارها الفضولي البسيط، طفوليتها التي أظهرت إنبهارها من وسط كلماتها، إسمها الذي عبث بداخله للحظات، أمسك الملف الخاص بها، فتحه، تصفحه، عاد إلى إسمها المكتوب... عشق...
هو معلم تعمقت دراسته باللغة ودواخلها، تشربها وتغلغل في أعماقها مع دراسته الشرعية، لكن حروف إسمها هذه أحدثت صدى غريبًا بداخله، نطق إسمها بشفتيه: عشق.
كأنه يستطعم مذاق الإسم، له نكهة خاصة مختلفة لأول مرة يستشعرها، رغم أنها ليست الأولى في نطقها، فكثيرًا ما قرأ ودرس دواوين الشعر لكبار وأقوى الشعراء.
أغلق الملف ونحّاه جانبًا منفضًا كل هذه الأفكار التي عبثت بداخله، ثم عاد لقراءة كتابه مجددًا.
عادت عشق إلى البيت تشعر بسعادة غامرة تحتلها، إشراقة مميزة تعتلي ملامحها، لازالت تفاصيله، حضوره الطاغي، ثقته، حديثه المنظم رغم بساطته تشغل عقلها وذاكرتها، وكلما استحضرتها تسارعت ضربات قلبها، إبتسامتها براحة، إبتسامة وراحة رأتهما مجهولتا الهوية، عديمتا منطقية...
Noonazad 💕💗💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top