الفصل الأول
في وقت متأخر من الليل، في غرفة تنتمي لعوالم وردية حيث الدمى والألعاب موزعة فيها لتكون دليلا على ذلك وتزيد من رونقه بلمسات من براءة الطفولة وبصمات من إشراقها طاردين هكذا كل الظلمات عن هذا العالم الجميل.
صوفي بورترمان، صاحبة هذا العالم الجميل، طفلة في السابعة من عمرها، ذات خصلات نحاسية متوسطة الطول، عيناها قطعة من سماء الربيع الزرقاء وخدودها الوردية الممتلئة منحتها مظهرا بريئا طفوليا يناسب عمرها، تختبئ خلف ستائر الغرفة الثخنة، جالسة على إطار النافذة تراقب الشارع الذي اكتسى بحلة الشتاء الناصعة وهي تخفي أطرافها السفلية تحت فستان نومها الوردي المزين ببعض الشرائط الحريرية، تواصل في جريمتها اللذيذة
.
.
.
تناول لوح شوكولاطة!
بالرغم من أن والدها قد منحها خلسة حبة شوكولاطة مغلفة بزينة ذهبية من الحلويات المجهزة للعيد قبل ساعة كاعتذار منه على عدم تمكنه هذه الليلة من مرافقتها لعالم الأحلام بقصة ما قبل النوم التي اعتاد على سردها لها كل ليلة بسبب طبيعة عمله التي تستدعي تدخله ليلا في بعض الأحيان، إلا أنها الآن ترضي حليمات التذوق لديها ونهم معدتها الطفولي بكمية إضافية والمتمثلة في لوح الشوكولا ذاك الذي حصلت عليه بفضل احترافها في عمليات السرقة..
.
.
بعد أن تأكدت من أن والدتها مشغولة بالاعتناء بشقيقها الرضيع حديث الولادة، خرجت من ملاءتها المحشوة بالصوف لتضع قدميها الحافيتين فوق سجاد الغرفة الناعم لتتجه نحو نوافذ الغرفة لتبعد عنها الستائر بخفة محاولة عدم إحداث أي ضجيج.
فوق إطار النافذة يتموضع دبها المحشو الذي بحجمها، حملته بين ذراعيها بطريقة جعلته يغطي كافة جسمها وخطت بحذر لتعود نحو سريرها كي تتفادى التعثر.. وضعته في مكانها وغطته بالملاءة ثم توجهت نحو باب غرفتها..
بحذر لفت مقبض الباب لفتحه، لكن هذه المرة لم يحالفها الحظ وأصدر الباب ضجيجا أثناء ذلك، الجيد في الأمر أن شقيقها قد بدأ البكاء في تلك اللحظة مغطيا بصوته على صرير الباب.
تركته مفتوحا وانطلقت في إنجاز الخطوة القادمة: العبور بسلام بالقرب من غرفة والديها..
على أطراف أصابعها تسللت
وجدار الرواق بأناملها أمسكت
وفي تقدمها نحو الهدف واصلت،
بالقرب من إطار باب غرفة والديها للحظات توقفت،
بخفة النظر اختلست ومن سلامة الوضع تأكدت
بعدها بسرعة منطقة الخطر عبرت
ونحو الغنيمة بانتصار نظرت..
واصلت تسللها نحو زاوية غرفة المعيشة حيث يقبع هدفها: علبة الحلويات التي ترافق الهدايا والعيديات الموضوعة فوق الطاولة المجهزة لاستقبال الضيوف، فتحت العلبة وسحبت منها لوح الشوكولا المفضل لديها، أعادت غلقها ثم عادت بسرعة نحو غرفتها لتعبر الرواق كأرنب هارب ثم مثل فأر متسلل بالقرب من منطقة الخطر، وصلت المجرمة الصغيرة لملجئها بسلام فأغلقت الباب بحذر وذهبت لتعوض محل الدب المحشو كما يعوض هو محلها في السرير، جلست على إطار النافذة وسحبت الستائر لتخفي نفسها أثناء استمتاعها بمذاق النجاح الحلو وجمال تساقط الثلوج خارجًا.
مع استمرار قضمها للوح الشوكولاطة بنهم مثل أرنب يأكل جزرته العزيزة، سقطت سنها الأمامية السفلية! تأوهت صوفي متألمة ثم مدت يدها الصغيرة نحو إطار النافذة لتحمل سنها الملطخة ببعض من دمائها بعد أن رفعت كمها المتدلي على راحة يدها، ما إن لمست السن بأناملها ظهر نور ساطع من وراء النافذة.. أحكمت قبضتها على سنها وضيقت عينيها بينما تنظر نحو ذلك الضوء لتعلم مصدره، لكن كل ما تمكنت من معرفته كان أن ذلك الضوء يقترب منها!
حملت نفسها وانتقلت على وجه السرعة لتختبئ في سريرها معانقة دبها المحشو والخوف يتملكها من ذلك الشيء الغريب الذي يقترب نحوها بسرعة، شعرت أن اضاءة الغرفة في تزايد مستمر وفجأة اخترق صفير الرياح غرفتها! لقد انفتحت النافذة من تلقاء نفسها ما جعل الرياح تقتحم الغرفة رفقة بعضٍ من حبيبات الثلج المتساقط، بدأت الستائر ترفرف إثر الرياح والضوء أصبح أقوى من ذي قبل، رغم أن صوفي ترتعد مثل قطة مبللة إلا أن فضولها دفعها لاختلاس النظر لمعرفة ما الذي يحدث بالقرب منها، فذهلت بما رأته..
شيء مشع صغير يحلق في منتصف غرفتها، بقيت تراقبه إلى أن حط بهدوء على أرضية الغرفة وبقي ساكنًا دون حراك، قررت تفقده لإشباع فضولها فخرجت من سريرها محتضنة دبها المحشو كدرع لحمايتها من أي حركة مفاجئة واقتربت منه بحذر شديد دون أن تعلم أن الفضول هو ما يقتل القطة..
بعد أن اقتربت منه كفاية وبعد أن ضمنت أنه لم يحرك ساكنًا جلست القرفصاء مع دبها بحيث لا تزال تختبئ خلفه ورفعت رأسها قليلا من فوق رأس الدب لتراقب ذلك الضوء الغريب..
لكن في تلك اللحظات بالضبط بدأ الضوء يزداد سطوعًا فحمت صوفي عينيها بإخفاء نفسها مجددا من وراء الدب إلى أن اختفى الضوء من الغرفة.
عادت صوفي لاستراق النظر فرأت أمامها شيئا يصعب تصديقه، لقد ظهرت امرأة في غرفتها من العدم! كانت رقيقة وأنيقة، بفستان أبيض منفوش وعيون بلون الكراميل مع خصلات ذهبية طويلة تغطي جناحين شفافين لماعين اتخذا طريقهما نحو الخارج انطلاقا من كتفيها، بين يديها كانت تحمل عصا سحرية مشعة، لوهلة قد يظنها المرء ملاكا نزل من السماء، لكن تعابيرها تعلن عكس ذلك!
بدت غاضبة للغاية وهي تحدق بالصغيرة صوفي وهذا حتمًا لا يبشر بالخير، حتى الطفلة الصغيرة شعرت بوجود شيء خاطئ في الأرجاء فخافت أكثر وأضحت تهاب الواقفة أمامها فعادت لتختبئ خلف دبها..
-أيتها الشقية! كيف تجرؤين على استدعائي بهذه الطريقة؟!
قالت المرأة -التي تبدو كجنية عجيبة- باحتقان وهي ترمق صوفي بنظرات غاضبة أكثر من ذي قبل، استشعرت صوفي مدى غضبها فقررت أن تسعى لتبرئة نفسها من الاتهام الذي حصلت عليه لتوها
-أ.. أنا.. ل..ل..لم أفعل..
-بل فعلتِ! ولهذا سأعاقبك!
مع تصريحها المفاجئ هزت عصاها السحرية لتنثر بعضًا من غبار الجنيات الذي لديها على صوفي فأخذ حجمها يتقلص ويتقلص إلى أن صارت بربع طولها الأصلي، أذناها أضحتا مدببتين وثيابها الوردية تغيرت لفستان أخضر مع قبعة مستديرة بنفس اللون وصارت ترتدي حذاءً ذا نهاية حلزونية.. لقد حولتها لقزم!
ذعرت صوفي لكنها حاولت تمالك نفسها كي لا تبدو بهيئة الجبانة الباكية وسألت بخفوت
-ما الذي فعلته بي؟
-حولتك لقزمة كعقاب لك! وإن لم تعترفي بخطأك وتصلحيه فسأبقيك هكذا لمدى الحياة! والآن..
هزت عصاها السحرية مجددًا لينتشر غبار الجنيات حولهما لتنتقلا نحو مكان آخر، مكان غريب عن صوفي حيث لم يسبق لها أن رأت له مثيلًا.. حيث افترشت الأرض أوراق النعناع رفقة نباتات عجيبة تثمر بفراشي أسنان من أنواع مختلفة كما تحلق بعض من الأسنان فوق غابة من أشجار السواك.. خلف أشجار السواك يتواجد جبل من صخور الفلور يتدفق منها سائل أبيض مزين بشرائط حمراء وزرقاء، إنه شلال معجون الأسنان والذي يجري في نهر طويل يكاد لا ينتهي.. أما خلفهما فتتواجد حفرة عميقة محتوياتها مجهولة..
-أنت الآن في الجزء الصحي من عالم الأسنان حيث ستقومين بإصلاح خطأك ولتفعلي هذا عليكِ العثور على سنك أولا في مكب الأسنان..
قالت الجنية بعد أن استدارت لتشير نحو الحفرة، تبعتها الطفلة لتعلم ماهية المكان الذي علقت فيه الآن وهي مستغربة من اختفاء سنها التي كانت تحكم الإمساك بها.. مجددًا قامت الجنية بالتلويح بعصاها لتجعل الصغيرة تختفي من مكانها، أما هي فقد قلصت نفسها وتركت المكان لتواصل أشغالها
وجدت صوفي نفسها وسط ساحة مليئة بعلب صفيح ضخمة تحتوي أكواما من الأسنان، في سماء الساحة تحلق مجموعة من الكماشات التي يستعملها أطباء الأسنان بعضها يحمل أسنانًا ويرميها في علب الصفيح والآخر يحمل علب الصفيح هذه لنقلها نحو البساط المتحرك في الجانب..
المثير للعجب أكثر هو تواجد عدد لا يحصى من فراشي الأسنان التي تتنقل في المكان على مرأى من صوفي لتشرف على عملية تنظيف الأسنان قبل نقلها.
لكن كل ما يشغل تفكيرها الآن هو كيف ستعثر على سنها وسط جبال الأسنان المتواجدة في المكان؟..
.
.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top