البارت الخامس
فلم تشأ المرأة أن تأخذها منها كي لا تضايقها، فخرجت بسرعة دون أن تصدر أي ضجيج و أطفأت المصابح لتهم بالخروج، و شيزونا بالفعل غارقة في الأحلام أو بالأصح الكوابيس.
في صباح اليوم التالي تستيقظ شيزونا بانزعاج على أصوات همسات لأشخاص يتجادلون حولها، فتحت عينيها سريعا عندما لم تشعر بالحقيبة إلى جوارها، فجأة و هي تنتفض بسرعة من مكانها، رأت مجموعة من الأطفال يحيطون بها و منهم من يمسك بالكتاب و يتفقده و منهم من يتفحص عصى السحر و البعض ما يزال يفتش بداخل الحقيبة، و ما إن كاد ذلك الولد أن يفتح الكتاب حتى صرخت في وجهه و اختطفته من بين يديه بسرعة البرق، فالتفت الجميع نحوها في استغراب، بينما هي تعانق الكتاب كالمجانين و تبكي دون أن تعي ما تفعله.
لكن و بعد لحظات دخلت نفس المرأة التي أدخلت شيزونا البارحة، و صرخت على الجميع في حدة و عتاب:
ماذا تفعلون يا أشقياء..؟ ألم أقل ألا تزعجوها لأنها لا تزال جديدة هنا...؟
ثم اقتربت من شيزونا بينما وقف الجميع ليغادر بعد أن سمعوا النداء من الطابق السفلي:
يا أولاد هيا الفطور جاهز...
جلست تلك السيدة على طرف سرير شيزونا، و قد ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة، و هي تمسح على شعر شيزونا الأسود قالت:
صباح الخير أيتها الصغيرة.. إذن هل نمت جيدا البارحة...؟
لترد عليها شيزونا دون أن تنطق بحرف، إذ أشارت برأسها علامة النفي، فقالت تلك المرأة و هي تنهض مع نفس الإبتسامة الجميلة و الحنون:
لا عليك عزيزتي شيزونا، ستعتادين السرير الجديد بسرعة...
قالت مازحة ثم أكملت جملتها بينما تضحك:
هيا اذهبي لتستحمي ثم نتناول الفطور.. و بعدها تخبريني قصتك..حسنا...؟
مجددا لم تنطق شيزونا بحرف واحد و إنما أومأت برأسها إيجابا و وجهها يعتليه الحزن، لكنها أدركت أن هذه السيدة امرأة مرحة و تحب الأطفال خاصة من معاملتها تلك.
نهضت شيزونا من على السرير بعد أن استخدمت إحدى التعاويذ التي علمها إياها والدها حاكم سحرة الظلام إيتاشي، لكي تخفي الأشياء، و بذلك خبأت الكتاب، كي لا يأخذه أحد مجددا و بالتأكيد لن تنسى عصى السحر خاصتها، فماذا لو علم أحد كيف يستخدمها، و بعد أن انتهت من إخفاء أشيائها توجهت حيث أشارت المرأة أنه الحمام، و أخذت حماما منعشا لتستريح و تسترخي بينما فكرت في خطة لتخدع من في الميتم، فمن المستحيل أن تخبرهم بأنها آخر من بقي من سحرة الظلام و أنها الوريثة أيضا و من يمتلك قوة شعبها بالكامل، و أن مصاصي الدماء و المستذئبين و كذلك سحرة النور انقلبوا عليهم و حاولو إبادتهم عن بكرة أبيهم ...
خرجت من الحمام بعد أن ارتدت فستانا قصيرا أسود بالكامل، و حررت شعرها، كانت قد وجدت الفستان في الحقيبة، لدى لابد و أن والدتها الحاكمة هيمي هي من وضعته لها، غادرت الغرفة و هي ما تزال تفكر في قصة مناسبة لتخبرهم بها.
ما إن وصلت إلى مقدمة الباب حتى توجهت أنظار الجميع نحوها، مما زاد من توترها، فابتلعت رمقها بمشقة و قالت بصوت منخفض يكاد يصبح همسا:
مرحبا.. أنا شيزونا...
فأتاها صوت من أحد الأولاد قائلا كرد على تحية شيزونا:
أهلا بك.. لابد و أنك جديدة هنا صحيح..؟ بالمناسبة أنا أدعى ألكساندر.. نادني ألكس...
استغربت شيزونا فاسمه مختلف جدا و لم تسمع به من قبل داخل قبيلتها، ثم أتاها رد آخر ليقاطع حبل أفكارها المشوش:
و أنا سوموفسكي.. نادني سومو...
و هنا تدخلت فتاة لتعرف عن نفسها عندما أنهت طبقها:
أنا ريتا.. لكن بالنسبة لاسمك أراه طويلا بعض الشيء لدى سأختصره في.. شيزو، على الأقل لن يبدو غريبا...
و ما إن قالت ريتا اسم شيزونا المختصر حتى لاحت إلى عقلها ذكريات عن والديها و هما يناديانها به كاسم دلع، و قد أخبرها والدها أن اختصار اسمها شائع لدى البشر، و مجددا قاطعها آخر... و أخرى... إلى أن عرف الجميع عن أنفسهم و لم تبقى سوى السيدتان القابعتين في نهاية الطاولة، فقالت السيدة من الأمس:
هيا اجلسي يا شيزو.. ألست جائعة...؟
أتاها رد سريع من شيزونا و هي تتخذ لنفسها مقعدا بين الجالسين:
بلى أنا كذلك...
ثم وضعت لها المرأة حبوب الإفطار الملونة في الطبق و سكبت عليها الحليب، بينما شيزونا مذهولة فهي لم تتذوق طعام البشر من قبل، لدى كانت تحدث نفسها بعمق { رائع يبدو أن طعام البشر مختلف تماما عما نأكله نحن.. لكنه مع ذلك ألذ } فانهالت على الطبق و هي تحمله و تشرب بسرعة، ظل الجميع يحدق بها، و هم في قمة الذهول من تصرفها هذا، فضحكت المرأة بخفة و هي تقول:
يبدوا أنك جائعة جدا.. كأنك لم تأكلي منذ سنوات...
فرفعت شيزونا رأسها في اتجاه تلك المرأة بعد أن أنهت طبقها، و قالت بعفوية:
من أنت...؟
و قد أمالت رأسها، أي علامة الإستفسار، و ما هي إلا لحظات حتى جاءها الرد:
أدعى ماري.. و أنا هي مديرة هذا الميتم.. يمكنك القول بأنني والدة كل هؤلاء الأطفال.. و إن لم تمانعي فتستطيعين مناداتي أمي...
قاطعتها شيزونا و هي تحدق فيها و قد اعتراها بعض الغضب ليشتد سواد عينيها:
لا شكرا.. لدي أم بالفعل...
فتدخلت امرأة أخرى كانت تشبه ماري قليلا في ملامحها، ذات عيون زرقاء و شعر أقرب ما يكون إلى الإصفرار، فقالت محاولت تلطيف الجو:
حسنا توقفي يا ماري.. كيف أمكنك مضايقة هذه الصغيرة اللطيفة...
و عندما أنهت جملتها تداركت شيزونا نفسها، فقد كانت على وشك استخدام إحدى التعاويذ على ماري، فقط لأنها اقترحت أن تناديها أمي، فعادت إلى مقعدها إذ أنها كانت واقفة تحدق بشكل مرعب في ماري.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top