البارت الثالث
و راح يفرك غلاف الكتاب الممتلئ بالغبار عن آخره، لقد كان أسود بلون شعر شيزونا و به لمعة طفيفة في مقدمة الغلاف تماما كالتي في عينيها.
ظلت شيزونا تحدق فيه دون فهم كلام والدها إيتاشي الغامض بينما يتحدث بخنق:
إن هذا الكتاب يحتوي جميع أسرار سحرة الظلام و قواهم و أيضا الكثير من التعاويذ التي ستفيدك لاحقا.. لكن.. لا يجب أن يعرف أحد بشأنه أو أن يفتحه غيرك .. مفهوم عزيزتي شيزونا...؟
لم تتحرك شيزونا من مكانها، فهي لا تفهم المغزى من كلام والدها هذا، لكن سرعان ما تداركت الأمر و تقدمت نحوه و احتضنته ثم قالت بنبرة طفولية:
ما هذا يا أبي..؟ أنا لم أفهم شيء.. لدى لا داعي لأن تقدمه لي الآن.. ثم إنك من سيعلمني استخدام التعاويذ، أليس كذلك...؟
بادلها العناق بينما يبتسم بخفة، ثم انسحب إلى الخلف و سرعان ما احتدت عيناه و تحولت ملامحه من الرقة إلى الجدية، و أردف قائلا:
شيزونا.. أنت فتاة عاقلة و ذكية .. و سريعة التعلم.. كما أنك الوريث الوحيد لقبيلة سحرة الظلام.. و أريدك أن تعيشي، و تحافظي على حياتك فأنت الأمل الأخير لإعادة توحيد السلالات.. و تحقيق التوازن.. "صمت لبرهة ثم أكمل و قد بدأت عيناه البنيتان تلمعان و كأنه يحاول كبت دموعه" .. حتى و إن لم أكن معك.. أنا و أمك.. أو أيا من بني سلالتنا ...
قاطعته شيزونا و هي ترمقه بنظرة شك و ريبة ثم قالت:
ليس و كأنك تودعني.. هل سترسلني إلى مكان ليس فيه أحد من بني جنسنا...؟
قدم لها الكتاب و ربت على كتفها ثم غادر الغرفة فجأة و لم يلتفت، فلحقت به و هي تحتضن الكتاب بين ذراعيها، و بمجرد أن خرجت التأم الصدع في الجدار كأنه لم يكن هناك أي بوابة للعبور من خلالها.
سارت شيزونا خلف والدها لدقائق، حتى توقف أمام باب قاعة ضخمة، إنها قاعة الولائم، فجأة انفتحت الأبواب من تلقاء نفسها لتسنح الفرصة لجلالة ملك سحرة الظلام إيتاشي بالدخول فإذا بحشد هائل كان مجتمعا في القاعة، كأن القرية بأكملها حاضرة صغارا و كبارا، في حين كانت شيزونا تحدق فيهم باستغراب و تسائل نفسها في تكتم { لماذا اجتمعت القبيلة هنا فجأة؟ فليس من مناسبة تبرر قدومهم.. كما أن أحدا لم يخبرني بخصوص هذا.. الجميع يتصرف بغرابة اليوم } قاطع حبل أفكارها تدخل والدة شيزونا و هي تهمس لها في أذنها قائلة بصوت منخفض لا يكاد يسمع وسط هذا الحشد الصاخب:
هيا يا صغيرتي شيزو.. ألن تلقي التحية.. فهذا التجمع من أجلك...
أجابت شيزونا على والدتها مستغربة مما قالته لها:
ماذا..؟ و لما سيجتمعون من أجلي.. لا أظنه عيد ميلادي...
ثم التفتت ناحية والدها الذي يتربع على العرش، في إحدى زوايا الغرفة المرتفعة ببضع درجات، لتشيح نظرها عنه ثم تعيده إلى أمها ذات العينان الخضراوتان كأوراق الشجر في فصل الربيع، و شعر طويل شديد الإصفرار بلون الليمون، ليست كبيرة في السن بل ما تزال في عقدها الثاني، و كانت تدعى هيمي و اسمها يعني أميرة، على أي، أخذت شيزونا تمعن النظر بأمها الحاكمة هيمي، ثم دون سابق إنذار رفعت شيزونا يدها و وضعته على جبين أمها و راحت تتفقد حرارتها و هي تقول:
متأكدة أنك بخير..؟ و والدي أيضا.. و ربما القبيلة بأكملها...
انفجرت هيمي ضاحكة على شكل شيزونا و أمسكتها من يدها و انطلقتا في اتجاه العرش، حيث كان الملك إيتاشي يقتعد و إلى جانبه عرشين آخرين لكن أصغر، فعلى اليمين جلست الملكة هيمي و على اليسار تربعت شيزونا، دون أن تفهم سبب هذا التجمع المثير للريبة.
و بعد لحظات فقط بدأ الموجودون في قاعة الولائم يصطفون واحدا تلو الآخر و يتقدمون في اتجاه شيزونا، و هذا ما زاد من حيرتها و هي تحاور نفسها { ما الذي يحدث بالضبط..؟ يبدوا سلوكهم مثيرا للشبهات } إلى أن أيقظها إيتاشي من الغوص في أفكارها، إذ استخدم تعويذة ما على الكتاب الذي تحمله شيزونا و هو يتمتم بكلمات غير مفهومة نوعا ما فسألته بعفوية:
ألم تقل أن هذا الكتاب يحتوى على أقوى أنواع التعاويذ..؟ فلماذا تستخدم عليه سحرك...؟
لم تحصل على جواب البثة، بل اقترب رجل في مقتبل العمر، بعد أن سمح له إيتاشي بلمس الكتاب فنقل إليه قوته، صدمت شيزونا مما تراه و توالت الأدوار إلى أن سلم الجميع قوى الظلام خاصتهم للكتاب، ثم أتى دور إيتاشي و هيمي ليسلما طاقتيهما للكتاب و عندما انتهيا ظنت شيزونا أنه دورها و أن هذه إحدى الطقوس الخاصة بسحرة الظلام، و مجرد أن كادت تلمس الورقة، استوقها والدها إيتشي و هو يقول:
مهلا لا تفعلي يا شيزو...
استغربت و ظلت تحدق فيه بصمت، و هو يحكم إغلاق الكتاب باستخدام آخر قطرة من سحر الظلام المتبقية لديه، ثم رفع رأسه في اتجاه رعيته و وقف بينما ابتسامة النصر تعلوا محياه فرفع صوته ليسمعه جميع الحضور:
و بهذا نكون قد انتصرنا عليهم.. حتى لو حاولو سرقة عظمة سحر الظلام.. فلن يستطيعوا.. و خاصة إذا كان آخرنا يحمل طاقة القبيلة بأكملها...
و ما إن توقف حتى علت الصيحات و الهتافات و قد تمكنت شيزونا من فهم معظمها إذ أن منهم من يقول:
الموت للعدو...
لن ينتصروا أبدا...
لن يعرفوا أسرار سحر الظلام...
تحيا الأميرة، الأميرة شيزونا...
الأميرة شيزونا هي من سيحفظ بقيانا...
و هناك المزيد، فبينما هي ضائعة في الإستماع إلى ما يهتفون به، التفتت صوب والدها إيتاشي و قد بدى على وجهها تعابير عدم الفهم فقالت:
أبي... ما الذي يحدث...؟ أنا لا أفهم...
ابتسم بدوره ثم أشاح بنظره عنها دون أن يعطيها ردا، إنما راح يخاطب شعبه بثقة و حزم:
هيا يا سحرة الظلام.. لقد حان الوقت.. لا تدعوهم يمسكوكم أحياءا...
فتعالت الهتافات من جديد، و هم يؤيدونه، مما زاد حيرة شيزونا، و فجأة انتبهت إلى إيتاشي و هو يحدث والدتها هيمي:
إنهم هنا، لقد حان الوقت...
فنهضت هيمي من مكانها و الدموع تبلل وجنتيها، و كأنها نهاية العالم، فاقتربت من شيزونا و احتضنتها إلى أن كادت تخنقها، فابتعدت عنها شيزونا سريعا و هي تتنفس الصعداء، بينما ارتمى الملك إيتاشي أمامها ليصبح في مثل طولها و بادلها الإحتضان لكن برفق هذه المرة، فجأة انحنى جميع من في الغرفة، و صوبوا أيديهم نحو شيزونا التي ابتعد عنها والدها، في حين أنه هو الآخر و هيمي صوبا أيديهما نحوها، فإذا بإيتاشي يقول بخفوت:
لا أريدك أن تنتقمي لنا.. بل أن تجلبي السلام إلى هذا العالم...
لتكمل عنه هيمي قائلة وسط دموعها المنهمرة:
إن في هذا الكتاب كل ما تحتاجين.. اقرئيه و ستعرفين كل شيء...
ليستلم إيتاشي الحديث مكملا بدلا عن زوجته:
حبيبتي الصغيرة شيزو، آسفون لما سنفعله لكنه لمصلحتك... أنت فتاة ذكية و ستتفهمين...
قاطعتهم شيزونا و هي تستفسر:
مهلا إلى أين سترسلونني...
فأجابت هيمي بينما ازداد وهج أدرعهم:
إلى مكان ستبقين فيه بأمان... إلى عالم البشر...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top