38~إِتِّخَاذُ الْقَرَارْ
قراءة ممتعة🧡
﴿مَهْمَا طَالَ الزَّمَانْ، وَمَهْمَا كَسَرَتْنِي الْأَيَّامْ، مَهْمَا أَخَذَتْ مِنِّي الْحَيَاةْ، مَهْمَا عَذَّبَنِي الْحُبْ، مَهْمَا جُرِحْتْ، مَهْمَا أُذْلِلْتُ لِلنَّاسِ وَالْحَيَاةْ، مَهْمَا حَصَلْ لْنْ يَتَغَيَّرَ شَيْءْ فِي قَلْبِي، وَأَقُولُهَا بِكُلِّ صَرَاحَةْ...أُحِبُّكِ بِجُنُونْ﴾
- راقتني💫
●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●
الثلاثون من شهر ديسمبر...
كان تاريخاً يحمل بين حروفه ميلاد شابٍ قد يراه ذكرى أليمة لفقدان والدته، وقد يراه نعمةً وهبته الحياة والعيش ليخوض حباً سرمدياً رفقة إمرأةٍ لم تبخل بمنحه كل ما يتمنى...فكانت وحدها هدية ميلاده.
إنه عيد مولده الأول برفقتها...ولا يعلم إن تذكرته أم حسبته كغيره من الأيام، فهو لم يلتقيها منذ الصباح.
خرجت لوجهةٍ يجهلها رفقة شقيقته وجيمين، وهو لم يكد يفكر بشيءٍ يشغله عن فراغها فإذا بجونغكوك يأتيه ويصطحبه لإمضاء الوقت عنده في بيته.
مرّ اليوم على ذات المنوال وهو مستنكرٌ لعدم إتصالها به حتى...كان يأمل سماع صوتها وهي تتمنى له العمر المديد!
ولكن بئساً...ظنها قد تناسته لإنشغالها بقضاء الوقت رفقة لورا وجيمين...وكم شعر بالكدر لهذا.
شروذه المطوّل قد دفع جونغكوك للتسائل بينما يحتسي الشاي:
- ما بك مستاءٌ هكذا؟ هل يعقل أن يراودك هذا الشعور في يوم ميلادك؟!
- ومن قال أنني مستاء؟! ثم هل عادة شروذي دون سبب باتت أمراً لم تفقهه من قبل!
لقد كذب...أجل لقد كذب على صديقه وأقنع نفسه بأنها نسيت الأمر فحسب.
إلا أنّ الآخر إستضحك خفيةً لعلمه السبب وسبب السبب!
ثم وعلى حين غرّة، وضع فنجانه فوق المنضدة وإستقام مجرجراً خطواته نحو غرفته وتحت نظرات تايهيونغ المستفهمة.
وسرعان ما عاد وبيده شيئاً مستطيلاً مغلفاً ومزيّناً بأشرطةٍ جميلة، وفي حين تقدمه من الجالس، نطق مبتسماً:
- بما أنك من عشاق الفن التجريدي، فقد لمحت إنجذابك لهذه اللوحة في آخر زياراتنا لمتحف الفنون في باريس، قد لا أفقه معناها لأني أراها مجرد ألوانٍ مبعثرة، إلا أنك ستفهمها لكونك رسام بحسٍ فني غريب ومميز...عيد ميلادٍ سعيد أخي تايهيونغ.
وضع اللوحة جانباً وإحتضن الذي شاطره الوقوف بأسارير متهلهلة...فكرة أنّ صديقه قد إشترى لوحةً فنية باهظة الثمن من أجله فقط للمحه إنجذابه لها، جعلته يدرك مدى إهتمام جونغكوك بأدق تفاصيل حياته وأصغرها...وقد يكون هذا سبباً وجيهاً آخر لتشبثه بالحياة.
- شكراً لك جونغكوك.
ردّه قد يكون عادياً أمام ما قدّمه الآخر، إلا أنّ بريق عينيه قد شرح المعاني الخفيّة خلف جملته المختصرة.
والجدير بالذكر أنّ جونغكوك إبتسم بإتساع لفهمه ذلك.
كان وسيظل خليل تايهيونغ الأغلى من بين الجميع دون نزاع.
_______________________
على خلاف تايهيونغ...كان شقيقه يقضي أجمل أوقاته رفقة حبيبته دائمة الإبتسام.
موعدهما الأول قد كان فوق ساحة جليد كنوعٍ من قتل الروتين في لقاءات الأحبة.
الفكرة كانت من طرفه، وهي قد أحبتها نظراً لضحكاتها الرنانة والمطربةِ لمسامعه منذ قدومهما.
كانا يتزلجان، وبما أنها لا تعرف ذلك، فقد تكفّل بإمتعاها على حسابه وأمسك بيديها يجرها خلفه.
الغبطة بدت جليةً على طلائعه وهو يشابك أنامله بأناملها ويتزلج بها أمام خوفها من السقوط وضحكها لفرط الإستمتاع.
وفي لحظاتٍ مباغتة، ترك يديها وإبتعد بينما يضحك على ملامحها المذعورة وهي تحني ظهرها خوفاً من السقوط.
- أرجوك جين، عد!
توسلته برجاء، فقابلها بقهقهةٍ جميلة قبل أن ينفي ويبدأ بالدورانِ حولها.
- بشرط!
- حسناً أطلب ما تريد.
- ستسمحين لي بالمبيت عندكم.
رمشت عيناها وتناست خوفها، ثم رمقته بطرف عينيْها.
- المعذرة!
- كما سمعتِ، أرغب بالمبيت عندكم ونيتي طيبة إن كان عقلكِ خصب الخيال.
إحتقن وجهها بالإحمرار إثر كلامه، فنفت سريعاً بينما تحاول موازنة نفسها.
- كلا أنا لم أفكر بهذا الشكل!
- أيّاً كان...هل ستسمحين لي أم أغادر؟
بسمته كانت مقايضة وتحمل بعض المكر في ثناياها، فما كان منها سوى أن أزفرت بقلة حيلة ومدّت ذراعيْها نحوه بنية إنجادها.
- حسناً.
أمال شفتيه بنصر وتقدم منها سريعاً ينتشل جسدها بين أحضانه، وسرعان ما تسائلت:
- ما مناسبة طلبك؟
بوّز شفتيه، ثم إستل نفساً بينما يريح ذقنه على كتفها ويحاوطها من الخلف.
- بما أنّ والداي سيعودان غداً واليوم هو عيد ميلاد تايهيونغ، وايرين تُحضِّر له مفاجأة في المنزل، فمن البديهي أن أخلي القصر انا ولورا لنترك لهما مساحةً شخصية للإحتفال...ثم إني أرغب بقضاء وقتٍ أطول رفقتكِ صغيرتي.
لمحت بسمته بجانب وجهها، فقبّلت وجنته وحاوطت ذراعيه الملتفتان حول وسطها مشدّدةً على غلغلة أناملها بين يديه.
________________________
عاد الى القصر مجرجراً أذيال الخيبةِ وراءه.
ورغم تلبد السماء بالغيوم، إلا أنها لم تمنع إبداء خجلها من مغازلةِ شمسِ آخر النهار لها.
ومع كلِّ خطوةٍ يخطوها يزفر تنهيدةً مثقلة تحاكي مدى إستياءه.
شعر بهدوءٍ مريب يخيِّمُ على أرجاء القصر، فإستنتج أنهم لم يعودوا بعد.
وقبل أن تطئ قدماه السلّم الأول من الدرج، لمح صندوقاً صغيراً بلونٍ أبيض.
أخذ التعجب نصيبه من ملامحه الحادة، نظر يمنةً ويسرة ولم يجد أحداً، فجلس القرفصاء منتشلاً غطاء ذاك الصندوق.
أخرج منه كتاباً مرفقاً بورقةٍ مماثلة للون الصندوق، فوجد أنه كتابُ إقتباساتٍ لممثله المفضل.
لوهلةٍ شعر بالبهجة تتسلل لأرض قلبه، فيمسى ربيعاً مزهرا...وكم تمنى لو يصيب بظنونه.
أعاد الكتاب الى الصندوق وفتح الورقة المطوية، فإذا بكلماتها ترسم البسمة على شفتاه رويداً رويداً بعدم خذلان.
'إخترتُ رجلاً...لا ينسحبُ حينما يراني حزينة، ويتحمل غضبي حتى ولو كنتُ عنيدة، إخترتُ رجلاً...يغارُ عليَّ بعقل ويمضي في بحرِ حبي بجنون، رجلاً أنيقَ المشاعر شريفَ الأخلاق وللرجولةِ في ديارهِ عنوان، إخترت رجلاً يجيد فنّ العشق، ويذيبني في سحر عينيه دونما هوان...إخترتك أنت تايهيونغ'.
البسمة أخذت تشق طريقها نحو أذنيه، فلم يتوانى عن طيّ الورقة وحملها رفقة الصندوق بنية البحث عن محبوبته الغالية.
ومع كلِّ خطوةٍ يخطوها يزداد خافقه شوقاً لمرآها...لم تخيّب ظنه ولن تفعل يوماً!
تلامحت عيناه صندوقاً آخر بلونٍ أخضر عند منتصف الرواق، فقهقه بخفة وتمتم لنفسه:
- يبدو أنها توّاقةٌ للعب معي...سنلعب بطريقتي الخاصة إذاً...حبيبتي.
خطى نحو الصندوق الثاني وهمّ بفتحه كما الأول، ليجد حقيبةً جلدية بلون البن، تحوي أخلّاءه في رسم لوحاته من فُرشٍ وألوان وغيرها الكثير، كما ومرفقةٌ برسالة هي الأخرى.
'يُمكِنُكَ أن تراني طفلتكَ عند الحب، وأُمّاً حنون عند ضعفك، وأختاً وفية عند شجارك بمزاح، وكلّ البشرِ عندما تشعرُ بأنّكَ وحيد، لذا...أحبّك كثيراً وسأكون إمرأةً تساند رجلاً عظيماً مثلك'.
تأمل حروفها لمدة بينما يبتسم...لم تدرك أنها أثبتت إخلاصها وبجدارة، وهو سيوافيها بالمثل حتى الممات.
وقبل أن يستقيم أغلق الصندوق وحمله هو الآخر بينما يقتل عدد خطواته المتبقّية...إما لغرفتها أو لغرفته.
- لطالما أحببت الأعداد الفردية، وأنتِ وضعتي ثلاث صناديق.
نطق حروفه متقدماً من آخر صندوق، ألا وهو الأحمر والأخير.
حيث يتموضع أمام باب غرفته معلناً عن مخبئها، إحتوى على خمسِ إسطوانات لموسيقى الجاز وورقة كانت الخاتمة لمراسيلها.
'لو كان للجمالِ صوت...لغنّى بك، أتمنى لك عُمُراً مديداً يا ملاذيَ الآمن'.
تحسّس الورقة بإبهامه كما لو أنها وجنتها الدافئة، كما لو أنها شفتاها المثملتان...إنه مشتاقٌ لتقبيلها وسرق أنفاسها حد الإنتشاء.
وقد كان الفاصل الوحيد بينهما هو باب غرفته المُوصد، حمل صناديقه أجمع وفتح الباب باحثاً عنها بعيناه، فأطلّت له بزيِّ سانتا كلوز بينما تغني وتمسك كعكةً تتوسطها شمعة.
- سنة حُلوَة يا جميل، سنة حُلوَة يا جميل، سنة حُلوَة تايهيونغي...سنة حُلوَة يا جميل.
رددت حروف الأغنية ببسمةٍ واسعة، فظل واقفاً عنده يتأملها بصمت ويحاول إيجاد كلماتٍ مناسبة للتعبير عن نفسه.
قهقهت فأطربته، ثم تقدمت وناولته كعكته بإجتذال.
- هيا...تمنى أمنية وأطفئ الشمعة.
إبتسم لها وحمل الكعكة، أغمض عيناه لهنيهات ثم فرّق جفنيه وأطفئ الشمعة، فصفقت له وهتفت كالطفلة.
إلا أنّ حضنه المباغت أخرسها!
حشرها بينَ عضديْه مستنشقاً عبيرها المسكر، ومخبّأً إياها بين ضلوعه وفؤاده.
- شكراً لكِ...جوليانتي.
إرتسمت أطياف بسمةٍ يافعة على محياها وبادلته أحضانه المشتاقة.
- هل إستقال سانتا كلوز ومنحكِ الوظيفة؟
ضحكتْ بملئ أشداقها، لتفصل حضنه وتحيط عنقه متأملةً مجرة عينيه الكونية، بيد أنه فعل المثل لخاصرتها.
- أجل...أخذت الوظيفة لأحقق حلمك في رؤيته، فهل ياترى وصلتُ لمرادي؟
بوّزتْ شفتيها وسط اللحيةِ البيضاء المحاوطةِ لذقنها وشاربيها بظرافة، فقهقه ودنى مقبِّلاً أرنبة أنفها ومانحاً إياها الجواب:
- أجل...لقد رأيتُ سانتا كلوز وأخيراً، حتى أنه ألطف مما توقعت...وأصغرُ حجماً أيضاً!
أنزل سترتها عن كتفيْها تزامناً مع جملته الأخيرة مظهراً بذلك حجم الزي الكبير مقارنةً ببنيتها الضئيلة.
إلا أنها رفعته بسرعة ساترةً جيدها بسيماء مستحية، وصفعت ذراعه بمزاح.
- لم أجد المقاس المناسب، فأخذته.
همهم بلطف بينما عيناه لم تبرحا داكنتيْها بإفتتان، فشعرت بالتوتر من نظراته وأشاحت وجهها المتورّد عنه.
قاطعت خلوته في تأملها، ولم يرقه ما فعلت، فأنزل اللحية المزيفة عن وجهها ولامس ذقنها بمنتهى الرّقةِ وأعادها ليكمل حفظ ملامحها.
- فتلكَ العيونُ الجَميلةُ أحلى، وذاك الجمالُ يخيفُ القمر.
تخدرت أوصالها لكلامه المعسول، فأمست تناظره بهيام بعد أن كانت تتحاشى إلتقاء عينيهما.
إختتم غزله الرقيق هذا بقتله للإنشات الفاصلة، ملحماً بذلك شفتيهما في قبلةٍ فرنسية تفنّن في خطواتها حتى كادت مَن بين يديه تفترش الأرض تخذراً.
إنكمش جسدها الصغير ضدّ جسده، ثم جمعت رباطة جأشها وباشرت تسلب أنفاسه كما يفعل بها.
تلتهم شفاهه بجرأةٍ لم يعهدها عنها من قبل، فإبتسم وسط قبلتهما وقد أعجبه الأمر بيد أنه أرخى تطويق خصرها نزولاً بيديه الى وركيها حاملاً إيّاها.
حاوطت خصره بساقيها، أما هو فسار بخطواته نحو مكتبه ليضعها عليه...وكلاهما لم يفصل القبلة بعد!
لم يكلّا أو يملّا...
حيث تمرّدت يده لتعرية كتفيْها، ثم نزل بقبلاته إلى فكها فعنقها فعظمتا ترقوتها طابعاً لوحةً تعبّر عن جموحِ رسامها وإستهوائه لهذا الفن.
أما هي...فشعرت بإنجراف الأمر لما هو أسوء، وقد إستوقفته واضعةً كفيْها الصغيريْن على صدره.
- كلا تاي!
رفع عيناه ببطئ نحوها، فيجدها تتلبس ملامح الخوف والرجاء في طلبها، إبتسم بحب مطمئناً إيّاها، ثم داعب وجنتها بإبهامه باثاً الأمان في ترائبها.
- لا تخافي...لن أنجرف في الأمر وأكرر خطأ والدي، فلست أرغب أن يتمّ نعت إبني باللقيط مستقبلاً.
- تاي...
لامست وجنته برقة مع ملامح قد ذبلت لكلماته، لكنه قبّل جبينها ومسد على شعرها.
- أنا بخير حقاً.
ضمته الى صدرها تخفف عنه، فإدراكُها لوجعه خلف بسمته المزيفة هذه هو أكثر ما تتيقن به.
وعلى حين غرة، إبتعد بسيماء مبتهجة وإستطرد بينما ينزلها:
- فلنتناول الكعكة ونرقص قليلاً على موسيقى الجاز التي أحضرتِها.
أومأت له وسط مراقبتها لوجهه البشوش...تَأْمل أنه بخير فعلاً.
- لقد شارك كافة الرفاق في صنع هذه الكعكة من أجلك بما أنني طلبتُ إنفرادنا اليوم...فلتعتبرها هديتهم البسيطة، فأهم مكوناتها هو الحب الخالص بين الأصدقاء.
- حقاً!
أبدى دهشته لما قالت، لوهلةٍ شعر بالفرح لما فعله الجميع من أجله...وهو من ظنها تناسته، بينما كانت تعد كعكته وتجهِّز للإحتفال.
أومأت وهي تقطِّع الكعكة وتتذوق صنيع يديها.
- إنها لذيذة، تذوقها.
أصدر أصواتاً تنم عن لذة الطعم، بيد أنه رفع إبهامه تعبيراً عن رأيه.
إنتهى بهما الأمر يتمايلان على ألحان موسيقى الجاز الهادئة، ويقهقهان على ذكريات لقائهما الأول.
- كنت تبدو مخيفاً حينها!
- حقاً!
رفع حاجبيه متفاجئاً، فأومأت وإستأنفت تبرر السبب:
- جدّيتك في العمل أوهمتني بأنك رجلٌ بارد المشاعر وحاد الطباع.
- وماذا عن الآن؟!
كان ينتظر جواباً يسرُّ مسامعه، بل كان متيقّناً منه نظراً لبسمته الجانبية الناتجة عن ثقةٍ عمياء.
- أوهامي حولك قد تلاشت مع مرور الأيام، وأظهرتْ لي معدنك الحقيقي وجمال روحك الهادئة...أنت رجلٌ تتسم بكل ما أرغب، فهل لك أن تفصح لي عما ترغب؟
أغمض عيناه مستمتعاً بدمج كلماتها وألحان الموسيقى في سيمفونية عبقرية، وما لبث يديم الصمت حتى نطق أخيراً:
- لا أرغب بشيء عدا أن تكوني رفيقة دربي ومحبوبتي التي لا أكلُّ من غرامها ولا أملُّ.
مالت شفتاها برضا، وأراحت رأسها على منكبيه متلذذةً بألحان خافقه من أجلها، ثم همست له بما جعله يبتسم:
- أحبك.
- وأنا أعشقُ حبكِ جوليانتي.
_______________________
توالت ساعاتُ الليل الطويلة، فإندثر الدجى وإنقشع نور الصباح.
الكلُّ مجتمعٌ في منزلِ عائلة كيم لإستقبال العام الجديد في أمسيةٍ دافئة تلمُّ شمل كلِّ الأحباب.
ذاك يعلِّق الشرائط الملونة، وذاك يزين شجرة الميلاد، وآخرون يعدون مخبوزات العيد، والكل مبتهجٌ وسعيد.
لم يكن بمقدورهم وضع الزينة قبل عودة السيد والسيدة كيم بطلبٍ منهما ولرغبتهما الجامحة في حضور التجهيزات، لذا إنتظروهما الى اليوم.
- يونغي، ناولني المقص.
طلب جونغكوك بأدب، بيد أنه فوق السُّلم ولا يستطيع النزول وترك أشرطة الزينة التي يثبتها بيده.
إلا أنّ الآخر شفنه ببروده المعتاد وقال:
- ألا ترى أنّه بعيدٌ عني!
- بلى، ولكن إن تكرمت أحضره من أجلي.
- أنا أكسل من ذلك، لذا جد شخصاً آخر.
عاد لجدولة شعر يونا وتجاهل الآخر، فرمش جونغكوك محاولاً تمالك نفسه، ثم إبتسم بإصفرار.
- شفافيتكَ رائعة...هوسوك ناولني المقص.
- قل أرجوك أولاً!
ذاق جونغكوك ذرعاً، فصرخ كالمجنون وهو يتأرجح فوق السُّلم:
- تبّاً لكم جميعاً!
كاد يسقط لولا إمساك تايهيونغ للسُّلم في آخر لحظة.
- رويدك يا رجل! كدت تسقط!
صدح فجأة صوت بكاء بومين!
هرع الجميع نحوه بقلق، فوجدوه عالقاً في كرسي طعامه لا أكثر.
حمله كاي فوق كتفيه وبدأ يركض به والبقية يضحكون على المشهد اللطيف.
- عزيزي...ألا ترى أنه لمن اللطيف إنجابنا لأطفالٍ كبومين ويونا بعد زواجنا؟
كانت تلك ميون صاحبة البسمةِ الحالمة، والمتشبثة بذراع يونغي، إلا أنّ ضحكتها تلاشت تدريجياً لما قاله:
- عن أيِّ أطفالٍ تتحدثين؟! سننجب طفلاً واحداً ويُستحسنُ أن يكون صبياً!
مطّت شفتيها بعبوس، وتذمرت بنوعٍ من الخيبة:
- لما كل هذه العنصرية والتحيز؟! لما لا تكون فتاةً تشبه والدتها الجميلة؟! ألا ترغب بالحصول على ميون صغيرة؟
حاوطت عنقه بظرافة، لكنّ جمود ملامحه المعتاد لم يبرح وجهه.
- كلا...أنا لا أحب التكرار!
دحرجت مقلتيها وأزفرت بحنق مبعدةً ذراعيها عن عنقه.
ومن جهةٍ أخرى، كمشت جيسو أنفها وبدأت تشم كالجراء.
- رفاق، أنا أشمُّ رائحة...
أولوها جلّ إهتمامهم، لكنهم فزعوا ما إن صرخت:
- المخبوزات تحترق!
ركضت هي وايرين نحو المطبخ بينما صرخ جين بدوره قبل أن يلحق بهما:
- يا إلهي! كذبتنا تحققت!
- كذبة؟!
عقد بيكهيون حاجباه بتعجب، وقبل أن يخمّن ويفهم برّر إيوجين بكذبةٍ أخرى:
- لا تلقي له بالاً، سمعتُ أنه يعاني من نوباتِ هلع كلما رأى جيسو تصرخ، لذا فكلامه من دون معنى.
رمش الآخر عيناه، ثم حملق بإيونها التي شاطرته ذات النظرات...كلاهما يظن أن الخلل في إيوجين هذه المرة وليس جين!
وأثناء إنشغال الجميع، حمل جيمين لورا خفيةً حتى تضع النجمة فوق شجرة الميلاد.
كان جين هو من يرغب بفعل ذلك، لكن شقيقته الصغرى وجدت من يساندها وفعلت ما يحلو لها.
- جيميني لقد وضعتها!
إحتضنت جيمين كالطفلة، فناظرها الجميع ومن بينهم الذي تقدم منتحباً بعتاب:
- لما؟! أردت فعل ذلك وبشدة!
- أنا نجمةٌ جميلة مثلها، وأنا من يحق لي وضعها!
ناظرته بتعالي، فنطق وسط قهقهاته الساخرة:
- أنا القمر والنجوم يا عزيزتي، وأنتي إنعدام الأكسجين في الفضاء!
- أنا الشمس الجميلة والدة درب التبانة بأكمله.
تدخلت السيدة ريونغ بضحكاتٍ لطيفة أخرست إبنيها العابسان.
فحاوط تايهيونغ كتفيْها وإبتسم بحنان.
- أنتِ كذلك بالفعل أمي.
وعلى حين غرة تعالى صوت جرس الباب، فسارعت هيري وفتحته، لتجد بقية المدعوّين، إبتداءً من عائلة جونغكوك وجيمين، وإنتهاءً بالعم سانغمين، والذي ما إن لمحت ايرين طيفه حتى سارعت وإحتضنته بشوق.
حلّ المساء وإزدادت ألفة اللقاء، حيث إجتمعوا كلهم حول مدفأة المنزل المحاطة بالوسائد والأرائك والطعام وكل ما يلزمهم لأستقبال العام الجديد.
الجدة سوهي تروي حكاياتها اللطيفة على مسامع أربعة أطفال...بومين القابع في حضن لورا، ويونا الجالسة على فخذ عمها جيمين، حتى أنّ إنسجام البالغيْنِ تعدى الطفلينِ بأشواط.
السيدان كيم وجيون يلعبان الشطرنج، والرهان قائم بين تايهيونغ وجونغكوك عن هوية الرابح، ذاك يشجع أباه والآخر لا يقلُّ عنه تحيُّزاً.
جين وجيسو يُلبسان هولي وسبايك وكاتي قطتها الجديدة زي الغزلان التي تقود عربة سانتا كلوز بينما يقهقهان لظرافة المظهر.
كاي وبيكهيون وهوسوك وإيوجين ينفخون بالونات الهيليوم، وإيونها تستنشقه وتغني بصوتٍ مضحك.
ايرين تستند على كتف أبيها وتتجاذب أطراف الحديث رفقته ورفقة كوب قهوتها الساخن في أُلفةٍ لطيفة.
هيري وميون ويونوو يعلقن الأجراس على شجرة الميلاد ويرتبن صناديق الهدايا.
واخيراً نامجون وعنصر الأمهات الجالسات على الأرائك رفقة ألبوماتِ صورٍ قديمة لأطفالهنّ الذين أصبحوا شباباً اليوم، قهقهاتهنّ وضحكاتهنّ اللطيفة برفقته تملأ المكان لتضفي عليه نوعاً من السلام.
وعلى حين غرة، هتف جونغكوك فجأة فلفت إنتباههم:
- أجل...لقد فزنا.
ضرب كفه بكف والده وهتفا سوياً بحماس، فإبتسمت والدته لذلك...وأخيراً تجاوزا هذه العقبة وباتا مقرّبيْن للغاية...كأبٍ وإبنه.
تخصّر جونغكوك وراقص حاجبيه ليستدرج غيظ تايهيونغ.
- أين مفاتيحُ سيارتك؟
دحرج المعني بالسؤال عيناه ونطق بضجر:
- أيُّ واحدة؟
- الرياضية بالطبع!
صرّ تايهيونغ على أسنانه وأخرج المفتاح من جيبه، إلا أنه حذّر الآخر:
- إن أصبتها بخدش، فإعلم أنك ميت!
- حسنا حسنا...قد أموت وأنا أقودها على أيِّ حال!
ضحك بنصر، وتلقى المفتاح الطائر من طرف صديقه، وما لبث حتى نادى جيمين:
- جيمين...أحضر قيثارتك ولنغني أغنية الميلاد.
إبتسم الجميع لإقتراحه الصائب، فجلب جيمين قيثارته بالفعل وجلس في مكانه السابق، ليبدأ بالعزف والغناء رفقتهم.
أنشد صوتهم الشجي على ألحانٍ من صنيع شابٍ يرسم بسمةً تنطق ببهجة العيد وسلامه.
ايرين تتوسد كتف والدها وهو يحتضنها بحب، بينما معشوقها يغني والفرحةُ تملأُ نظراته لحصولها على حضن والدها الدافئ في أوّل عيدٍ لهما معاً.
غنّوا وغنّوا...البعض يحتضن شريك مجلسه، والبعض الآخر يصفق بتناغم مع ألحان القيثارة الرنانة الى حين مشارفة عقارب الساعة لمعانقة منتصف الليل.
وآنذاك إستغل تايهيونغ إلتهاء الجميع، وسحب ايرين مشيراً لها بإلتزام الصمت بينما يبتسم.
أخذها الى غرفته حيث الشرفة المزينة بأجراس العيد وثلج الواحدِ والثلاثين من شهر ديسمبر.
كانت تتبعه بلهفة، وما إن رأت المنظر مع الأضواء حتى تهلهلت أساريرها وسارعت نحو الشرفة تاركةً إياه يقهقه.
دندنت تلك الأجراس لفتحها باب الشرفة الزجاجي، ووقفت تتأمل جمال المنظر من الأعلى...أضواء المنزل والحي مُنَارةٌ بالكامل، ناهيك عن زينة العيد اللامعة.
حاصرها بحضنٍ خلفي بعد أن لفّ عنقها بوشاحٍ من الصوف.
- هل أعجبتكِ؟
- كثيراً.
إبتسمت مظهرةً تقوس عينيها اللطيف رفقة جوابها قبالة وجهه، فرسم توأمتها وشد على عناقها أكثر.
- سنستقبلُ العام الجديد هنا...أنا وأنتِ وشقيقكِ ذاك.
أشار نحو القمر المكتمل، فأظهرت الخجل بتورد وجنتيها.
وسرعان ما أدارت نفسها نحوه، فيمسى عناقاً أمامياً، إلا أنها إتكأت على حافة الشرفة خلفها وأراحت كفيها على صدره العريض.
تبسّمت بهدوء وراحت تطالع تفاصيل وجهه، فقهقه ورفع حاجبيه متسائلاّ:
- ما بالُ هذه الإبتسامة؟!
- لا شيء.
لم تزل إبتسامتها، بل ورفعت أناملها تكتشف تفاصيله برقة.
أمال زاوية شفتيه بضحكة أظهرت عمق صوته الأجش.
- ماذا الآن؟! هل تحاولين إغوائي؟!
دنى منها ناثراً أنفاسه على وجهها بإنتشاء، فقهقهت وأبعدته مشيحةً وجهها عنه.
- كلا...كنتُ أرى تلك الشامة على وجنتك.
صمتت لهنيهات قبل أن تعود لمناظرته وتضيف:
- يُقالُ أنّ الشامة على الخد، ما هي إلا بقعةٌ سوداء تضعها الملائكة لشدة غيرتها من جمالِ هذا الشخص...يبدو أنك قد ورثتها عن خالتي.
لمستها رغم صِغر حجمها، فأسهب نظراته الفارغة نحو الحديقة أسفله لإستذكار سيرة والدته الراحلة.
- على الأقل وجدتِ شبهاً وحيداً بيني وبينها، فلطالما أخبرتني أني أميلُ لشكلِ والدي أكثر منها...كم تمنيتُ لو كانت معنا هي وخالتي.
نطق بلكنةٍ هادئة، فكوّبت وجهه وأردفت بحنان وعينان تناهز النجوم بريقاً:
- إنهما معنا تايهيونغ...في قلبيْنا.
ضمته الى حضنها...هنيهاتٌ مرت حتى فصلته وإستدارت تراقب الأفق وتحيط كفيْه المطوِّقان لخصرها بدفئ.
طالعت السماء مبتسمة، ثم أزفرت تنهيدة ونطقت:
- أتذكُر تلك الخرافة التي رويتها لك عن النجوم اللامعة؟
- اجل.
- وهل تذكر حينما لفتتك نجمةٌ مضيئة تتوسط السماء، وأخبرتك أنها روحٌ طاهرة تحبك وتراقبك؟
- اجل.
- لربما كانت خالتي...تراقبك من السماء وتحميك.
- ربما...
إبتسم بسكينة ورفع عيناه نحو السماء، فوقعت على نجمةٍ تبرق بلمعان آسر وسط الدجى...لربما كانت ذات النجمة من المرة الماضية، لربما كانت نبع الحنان الراحلة كما قالت محبوبته.
مرّت لحظات حتى رفع رسغه مُطّلعاً على الساعة، فإذا بها تشير الى الحادية عشر وسبعةٌ وخمسون دقيقة.
- إقترب منتصف الليل...تبقّت ثلاثُ دقائق.
إبتعد عنها لأنه سيجلبُ شيئاً ما، ولم يكن سوى أنبوب ألعابٍ نارية.
عاود تطويقها وأخرج قدّاحةً من معطفه، ناظر ساعته مجدداً وقال:
- بقيَت دقيقة واحدة.
أمسكت الأنبوب بدلاً عنه فيما إنشغل هو بمراقبة ساعته.
- عشرة،تسعة، ثمانية، سبعة، ستة، خمسة، أربعة، ثلاثة، إثنان،واحد...عامُ ميلادٍ مجيد.
إختتما عدّهما التنازلي بقهقهة سعيدة وإطلاقهما للألعاب النارية في السماء الحالكة.
كانا يمسكان الأنبوب سوياً ويتأملانِ جمال المنظر، وسرعان ما لمحا مفرقعاتٍ أخرى من الجانب الغربي للشرفة، ولم تكن سوى من صنيع البقية.
أسند ذقنه على كتفها، وأمسكت هي بوجنته متأملةً المفرقعات من حولهما كالأفلام الأسطورية...كان مشهداً يستحق التأمل بالفعل.
- كلُّ عامٍ عامٍ وأنتِ جوليانتي.
- كلُّ عامٍ وأنت ملاذيَ الآمن.
وختاماً لذلك، ألحما شفتيهما في قبلةٍ ناعمة كإستقبالٍ خاص للعام الجديد...كتعبيرٍ عن حبهما اليافع.
_____________________
مرّ خمسةَ عشر يوماً...إنتهت عطلة الكريسماس وعادت الحياة لمجراها الطبيعي.
واليوم هو حفل تخرج جيمين ولورا.
الجميع متواجدٌ لحضور هذه اللحظة المهمة في حياة الخرّيجيْن.
يرتديان زي التخرج ويستعدان لمناقشة مشروعهما الذي يفصلهما عن حصد لقب مهندسيْن معماريّيْن.
- جيميني...هل شعري مرتب؟ هل أبدو جيدة؟
كانت لورا تدور حول المرآة وتهندم مظهرها بقلق، فإبتسم رفيقها وأمسكها من كتفيْها.
- تبدينَ في غاية الجمال...والآن هيا بنا.
جرّها خلفه نحو القاعة، حيث إستقبلتهما تصفيقات الحضور من العائلة والأصدقاء بحرارة.
ألقيا التحية على الحضور والأساتذة المتواجدين وكذلك الزملاء من نفس الدفعة، ثم باشرا في مناقشة مشروعهما.
شعر جيمين بتوتر لورا أثناء حديثها، فحاوط كفها داعماً إياها كما فعلت هي.
مرّ الوقت وإنتهيا بحصولهما على علامةٍ مرتفعة، ما أدّى لدخول لورا في نوبة بكاء من الفرح.
إحتضنها جيمين وربت على شعرها بحنان.
- لقد فعلناها...لقد حصلنا على العلامة المرجوّة.
علا تصفيق الحضور بحرارة، وكذلك صفير جونغكوك كعادته دوماً لزيادة عنصر الحماس والتشجيع.
تلقّيا التهاني من الجميع، ثم حان موعد الصور التذكارية.
إلتقطا صوراً قرب العائلة وكذلك الأصدقاء، وأخيراً صورة تجمعهما لوحدهما بينما يرميانِ قبعة التخرج في الهواء ويبتسمانِ بإتساع.
كانت أجواءً لطيفة إنتهت بسهرةٍ جمعت أفراد العائلتيْن وكذلك الأطراف.
كما وخُلّدت كذكرى جميلة في علاقتهما اللطيفة كثنائي.
توالت بعدها أيّامٌ صارع فيها تايهيونغ نفسه لإنهاء مشكلته ووضع حدٍّ فاصلٍ لها.
حيث ذهب لطبيبه السيد ميونغ رفقة جونغكوك ليجري فحوصاتٍ جديدة، علّه يجد أملاً يرجى من حالته.
جلس رفقة صديقه أمام ذاك الطبيب بمعالم متلهفة لنتائج الفحوصات.
بيد أنّ الطبيب ميونغ كان يعدل نظاراته ويهمهم لوحده بينما يقلّب الأوراق ويفحصها بدقة.
وسرعان ما رفع رأسه وقال:
- سيد تايهيونغ...نسبة نجاح العملية قد تزايد بالفعل، وهو ستّون بالمئة، إن نجحت فستتغلب على المرض كلياً، وإن فشِلت...فأنت تدرك ضريبتها.
- أجل، سأخسر بصري.
معالم تايهيونغ كانت فارغة...لا معالم فيها، على عكس صديقه الذي تلبسه الذعر ونظر لتايهيونغ معارضاً الفكرة.
لكنّ الآخر عاد لرفع نظراته الخاوية نحو طبيبه وقال بثبات:
- سأُجريها...سأتصل بك لأخبرك حينما أكونُ مستعد.
- حسنا.
إستقام جونغكوك وناظر تايهيونغ بإعتراض.
- كلا تاي لا تتهور!
- جونغكوك...فلنتحدث في الخارج، شكراً لك طبيب ميونغ.
إستقام بدوره، ثم خرج قاصداً مغادرة المستشفى، إلا أنّ رفيقه إعترض طريقه وسط الرواق وقال نافياً تلك الفكرة:
- إسمعني تايهيونغ، أنت لست غبياً لتجازفَ ببصرك!
لا تكن أنانياً، فكر في ايرين وعائلتك، فكر بنا نحنُ أصدقاؤك!
نبرته كانت معاتبة ومنكسرة...جونغكوك لا يحبذ رؤية تايهيونغ يتألم، وفي ذات الوقت يعجز عن تخيل عواقب هذه الخطوة الجريئة من طرف صديقه!
- لقد فكرتُ بالجميع فعلاً، ويجب أن تحترموا قراري، فأنا قد سئمت العيش بهذا الشكل!
إبتعد بخطواته عن جونغكوك الذي ظل واقفاً يناظر اللاشيء...هل سيكون أنانياً إن عارض قراره؟! وإن لم يفعل وفقد تايهيونغ بصره...هل سيلومُ نفسه؟!
إنه مشتت!
_______________________
يسيرُ ذهاباً وإيّباً في غرفته محاولاً إيجاد الصيغة المناسبة لفتح الحوار مع أفراد أسرته.
إستلّ نفساً عميقاً وأغمض عيناه، ثم أخذ بخطواته عازماً على إنهاء الأمر.
جمعهم عند مجلسهم المعتاد في غرفة المعيشة الضخمة، وجلس بدوره مناظراً الأرض ولا شيء سواها.
- مالأمرُ تايهيونغ؟ لما طلبت محادثتنا؟!
تسائل والده بسيماء حائرة كما حالُ البقية، فعض تايهيونغ شفتيه وفرقع أصابعه، ثم عزِم على التحدث:
- في الواقع...زرت اليوم الطبيب ميونغ، وأجريتُ فحوصاتٍ جديدة فيما يخصُّ مرضي، وإتضح فيها أنّ نسبة نجاح العملية قد تزايد بشكلٍ ملحوظ، لذا قررتُ إجرائها لأتخلص من هذه العقبة وأعيش بشكلٍ طبيعي.
تأملت نظراته ملامحهم وهم ينصتون لحديثه، وقد كان ردُّ فعلِ والده مباشراً:
- وماذا إن لم تنجح؟
- سأفقد بصري.
هرعت السيدة ريونغ من مجلسها ونفت بخوفٍ ظاهر على سلامته:
- كلا بني لا تفعل!
إستشعر جزعها من قراره، كما وألقى نظرةً على ايرين التي لم تكن أفضلَ حالاً منها.
صمت لبرهة، ثم أزفر أنفاسه المثقلة وإبتلع ريقه.
- أتفهّمُ قلقكم عليْ، ولكنّي سئِمتُ العيش بهذا الشكل!
أبقى حبيس المنزل إن حلّ الظلام، وحتى إن خرجت...لا أبرحُ مكاني دون مرافق!..فكّرتُ مؤخراً بمستقبلي، والذي سأُكمله رفقة ايرين، فهل من العدل إرتباطها بشابٍ مثلي؟!..كيف ستعتمدُ علي وأنا عاجزٌ كلياً؟!
ترقرقت عيناه بالدموع، فسارعت المعنيةُ بالنقاش لإحتضانه والتخفيفِ عنه، بيد أنها على وشك إطلاق سيلٍ من الدموع هي الأخرى.
إحتضن جين والدته ولورا بنيَّة تهدئتهما، أما والده فظل يناظره.
يدرك تمام الإدراك أنّ مجازفةَ إبنه نابعةٌ عن حبٍّ خالص ومُضحّي تجاه هذه الفتاة، لذا فليس من حقه او من حقّ غيره معارضة رغبته هذه.
وإن فكّر بتمعُّن، سيجدُ أنّ المُعاني الوحيد هو تايهيونغ!
لذا إستجمع رباطة جأشه وقال بعد صراعٍ قاسٍ مع ضميره وعواطفه:
- بني...أتفهم رغبتك، وأتفهم أنّ قرارك نابعٌ عن قناعةٍ تامة، لذا ليس من حقي ولا من حقِّ أحدٍ غيري معارضتك أو منعك، أنت من تعاني وأنت من تفهمُ نفسك، لذا كن على يقين بأننا سندعمك مهما كان قرارك ولن نتركك مهما كانت العواقب وخيمة...أنت سيدُّ نفسك تايهيونغ.
رمقته زوجته بعتاب، فنفى برأسه مراراً قبل أن يخاطبها:
- كلا عزيزتي، إنه واجبنا كأُسرة...يجب أن ندعم بعضنا البعض ونقف بجواره، لا أن نعارضه!
تصرفنا سيكون أنانياً بحقه إن رفضنا.
لانت تقاسيمها بحزن، فناظرت من حسبته كفلذةِ كبدها ثم إحتضنته بدورها مطلقةً العنان لدموعها.
ربت على ظهرها وعاتبها بنبرةٍ حانية:
- لا تبكي أمي...أرجوكِ.
كفكف دموعها ببسمةٍ منكسرة، فأومأت بحزن وراحت تلمسُ وجههُ بحبٍ وحنان.
- بني...سأحاول الوثوق بقرارك، وآمل أن لا تُخيّبَ ظنوني.
تلقّى الدعم من شقيقيْه أيضاً، فبقِيَتْ هي...
راح يحدق بها متعايشاً مع موقفها من قراره المفاجئ، فأمسك كفيْها وقبّلهما برِقّة.
- ثقي بي أرجوكِ!
إنفطر قلبه لعيناها الدامعة، فإحتضنها من جديد.
- سأفعل...سأثق بك تايهيونغ، سأثق بك.
غمغمت بكلماتها وسط غصتها المكتومة ودموعها المنسابة، فأبعدها ممسكاً كتفيْها وإبتسم بشكر قبل أن يعيدها لحضنه من جديد.
- شكراً لكِ ايرين.
●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●
#يتبع...
- رأيكم بالبارت؟
- كلمة لتايهيونغ؟
- كلمة لإيرين؟
- كلمة لجين؟
- كلمة لجيسو؟
- كلمة للورا؟
- كلمة لجيمين؟
- كلمة للسيد جينهو؟
- كلمة للسيدة ريونغ؟
- كلمة لبقية الرفاق؟
- توقعاتكم للجاي؟
- نسبة حماسكم؟
البارت كان مكس من العواطف، شوي رومانسية وشوي حزن وغيرها.
بدي أطلب طلب...إذا فيكم حدا بيعرف شخص محترف في تصميم الفيديوهات، وبدي تحطوا خطين تحت كلمة محترف، يخبرني لأني محتاجة حدا يصمملي تريلر ضروري...يلي بتعرف حدا او إسم صفحة محترفة تحاكيني خاص.
والحين نروح لفقرة التشويقات...
*عنوان البارت الجاي: جوليانتي...لا تبكي.
*المقتطفات التشويقية:~
- إبتسمي...فهذا الوجه لا يليق به العبوس!
أريدُ أن أرى ضحكتكِ كأول شيء بعد أن أُعاود فتح عيناي...حسناً؟
~
- لم أعهدكِ ضعيفةً من قبل!
~
- قبلاتكِ وحدها تشفي جروحي وتُعيدُ إليّ الحياة.
~
- ما بك تايهيونغ؟! ألا ترانا؟!
~
- اللعنة على الزواج إن كنتُ سأحصل على تدليكٍ كهذا كلما آتي هنا.
~
- كفي عن كونكِ نسخة جونغكوك المزعجة...إن غاب هو أتيتِ أنتِ! يالحياتي البائسة!
~
- هيا بنا فلننزل قبل أن ترمي ميون باقة أزهارها، لربما تمسكينها وأصبح أسعد رجلٍ في الكون.
~
- إتبعي الأشرطة الملونة.
~
- أنظري الى السماء وستعرفين الجواب...ثم أجيبيني على سؤالي.
~
- هل نذهب غداً لزيارة مزرعة الفراولة؟
~
- لا يهم...على كلٍّ، كما أخبرك حدسك الأبوي أنه فتى، فحدسي كأم يخبرني أنها فتاة يا إبن جيون العنصري!
~
- أعدكِ خالتي...سأحميها وأغدقها بحبي ما دامت أنفاسي تخرج.
شو إستنتجتوا من المقتطفات؟
على كل حال لسا باقي بارتين ونودع الرواية.
طبعا رح أعمل بارت خاص بعد ما تخلص الرواية، وكمان رح أعمل أكثر من معرض للصور.
أظن هاد كل شي...
يلا في أمان الله، أشوفكم بخير💜
See you next part...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top