Chapter ::19::


حياتي لم تكن كما أردت يوماً .. أن أصحو أحد الايام لأجدني قد تيتمت .. فتي صغير وحيد ، والدان متوفيان .. و أخاً أكبر يبدو مخيف من نظراته اللامبالية لكن داخله يحمل حناناً لا يظهره الا نادراً .. أما أنا فبقيت كما أنا .. أحاول إيجاد كمية الحنان و الحب الذي أخذوهما والداي معهما .. تركاني ضائعاً ، تائهاً أو .. ربما مشتتاً ؟

مر شهر منذ تلك الحادثة .. وجد أخي ذلك الشاب و لقنه درساً .. لم أري لكن إيڤان أخبرني .. هو وجده بنفس اليوم تماماً ، لم أعلم ما بعد ذلك .. الهدوء ملأ قصر والدي الراحل و أخي أصبح كثير العمل .. كثير النوم و .. كثير الانشغال عني .. و هذا مؤلم و مزعج !

تلك اللحظة العاطفية ، الدافئة بقت للحظات او دقائق لتختفي بعدها لفترة طويلة امتدت لأيام ثم أسابيع .. لحظة أردتها أن تدوم لكن الاشياء الجميلة لا تدوم للأسف.

" سيد آلين ، السيد يطلبك فوراً ."

أفقت علي صوت أحد الخدم الذي لم أعرفهم للآن لأبعد عيناي عن الزهور الملونة ذات الرائحة العبقة لوجه ذلك الخادم .. ليس وسيماً لكنه هادئ ذا طابع حسن و هذا ما أحبه في الخدم .

أبتسم و أتجاهل الخادم لأسير داخلاً ، رؤية أخي هذه الفترة أصبحت شبه معدومة و رؤيته القليلة تلك تريحني .

وجدته بغرفته ، يعمل علي حاسوبه الشخصي بعشوائية .. إقتربت لأجده يفتح أشياء جديدة تبدو مألوفة .. وقفت خلفه علي السرير ثم جثوت و فتحت ذراعاي لأعانق خصره هاتفاً :

" إشتقت للزرافة الطويلة ."

و هو مجدداً لم يضحك و هذا جعلني عابس الوجه ، بل نطق بهدوء يسألني :

" آلين هل عبثت بالجهاز ؟ .. هناك خطأ به .. هل أضفت إليه أي شئ ؟ "

و نظرته المشككة التي تلت سؤاله كانت كفيلة بتغير ملامحي و دخول عنصر الخوف و الذكريات السيئة بعقلي .. هذا سئ .. سئ جداً !

إستدار حين لم يجد مني أي رد و عبث مجدداً ليقف عند ذلك الملف ..

" أتظنني لا أعرف بوجود ما أضفته ؟"

و ثانياً تُشَل حركتي .. تَشنُّج بسيط بجسدي .. و " "لا تقلق جيمس فقتلك لكريستوفر و لنا لن يغفر لك و ينهي تلك المهزلة التي تصنعها بيداك لأنه سيعود لينتقم منك .." " عبثت تلك الجملة الطويلة جداً في عقلي ، كريستوفر ؟! .. أليس والدي يسمى كريس .. كريستوفر ؟!

رفعت عيناي المرتعشة نحو عيناه الهادئة .  أخي ثابت تماماً .. شجاع جداً بينما أنا نقيضه .. طفل أحمق باكي !

تنهد ديفيد حين علم أني لن اتكلم عن شئ و استدار يعبث بجهازه الحاسوبي و يفتح تلك الفيديوهات لكنه لم يكن يكملها ، ربما لأجلي ... لأجل رؤيتي ذلك اليوم .. متعب ، مريض ، منهار تماماً ربما!

" منذ متي ؟ "

سألته فأجبني فوراً :

" منذ تلك الليلة ، وجدت تلك المقاطع.. لا تظنني أحمق صغيري ."

إبتسمت .. أجل إبتسمت ، فشقيقي ذكي جداً ! .. وجدت نفسي أسير نحو خزانة أخي ، أفتحها و أبحث عن تلك السترة .. سترة أبي القديمة التي يحتفظ بها أخي .. و ها قد وجدتها لأعبث بجيبوبها و أخرج تلك الفلاشة التي نقلتها باليوم التالي من سترتي لسترة والدي الحبيب !

" أسف ، لأني تأخرت بإخبارك ."

إعتذرت و ناولته إياها فأخذها مني .. يداه خطت علي شعري يبعثره بنعومة و كلمات لأول مرة تخرج دون تعنيف أو برود .. كلمات أحببتها جداً :

" أنت فتى رائع آلين ، فتى مهذب سأعطيك مكافئة ."

و أنا فرحت لكلماته .. حقاً أحببتها ! .. كلمات بسيطة معدودة قادرة علي إسعادي .. تم مدحي للتو و لأول مرة من قبل أخي ! .. عائلتي !

إرتدي سترته الجلدية الداكنة و خرج .. و أنا تقفيت أثره و رائحته بإبتسامة !

أخفضت بصري ثم رفعته بنظرة متوسعة لأركض للخارج لاحقاً بشقيقي قبل مغادرته .. لا أعلم لما لكني وددت و لو لمرة الذهاب معه .. رؤية عمله ! .. غلبني الفضول فأخذت أتجاوز درجتين ثم ثلاث حتى وصلت للأرض لكني تعثرت و تألمت !

نهضت مجدداً ثم تبعته و بالفعل قبل ذهابه قفزت أمامه لأطلب مصراً بالفعل دون نقاش إضافي بيننا :

" سأذهب معك أخي .. أود معرفة عملك ، إسمح لي بذلك ."

نظرات هادئة قبل أن أتفاجأ حرفياً من حملي من أسفل ذراعايّ ليرفعني علي كتفيه فأدلدل قدماي علي صدره و يداي تطبق علي ياقته من الخوف .. ربما ؟

" هذه المرة فقط لأنك أصبحت مهذباً ذو أخلاق فاضلة مؤقتة ."

قال بهدوء يشع بسخرية جعلني أعبس لأضربه علي صدره بقوة بسيطة جعلته يضحك .. وغد ، زرافة طويل !

---

" إذاً ؟ "

حثه ديفيد علي التكملة بينما يقف بمكتبه يحدق به ببرود فتنهد جين و أكمل بينما يسترخي علي المقعد :

" فقط لفترة ديفيد ، لفترة و خذه ليعيش معك ،فحياته معرضة للخطر .. هناك سيحتمي بأسرتك ."

جلس ديفيد مفكراً بالفكرة .. كيف يمكنه ترك أخيه هناك ؟ .. هو الذي جعله سر وجوده بقلبه..دون أن يعرفوا بذلك ! .. كيف يمكنه أن يدخل بشقيقه للأسرة ؟! .. أبداً لن يفعل لأنهم بالفعل كانوا جزء من السبب بموت والديه !

" سأفكر بالامر سيدي .."

ابتسم جين بتعب علي كلامه ليقاطعهم صوت الصغير المشاغب :

" أخي أريد كتاباً لأقرأه ! ."

----

نظرت نحو أخي لأجده يحدق مهيماً بتلك الكتب المتراصة بسكون تام .. عشقه للقراءة شئ جيد له لكن لي ليس كذلك .. عبست و انزعجت فالان عليّ التفكير جيداً .. أعرف أن كلام جين صحيح لكن وجود آلين بالاسرة سيسبب له الكثير من المشاكل فتلك المشعوذة ستسبب له الاذي حتماً ! .. عليّ إدخاله بالاسرة لكن هذه بحد ذاتها مشكلة فالجميع لن يتقبل وجه جديد من كريستوفر الذي خرج بسبب مشاكلهم معه ! عدا جدي و عمي بالطبع .. حقاً أبي رحلت و تركتني بفوضى تعيث بي فساداً !

" آلين لنغادر ."

قلت آمراً فوجه لي وجه عابس لكني تجاهلته مودعاً جين و جاذباً يداه لنغادر معاً .. ماذا يمكنني أن أفعل الان ؟

ذهبت للقصر ، وجدت نفسي لاإرادياً أضع ثياب آلين بحقيبة بمفرده و هذا زاد تعجبه و قلقه الذي رأيته بنظراته .. أسف آلين هذا لمصلحتك .

" غداً يوم مولدي ! "

صاح فجأة فرحاً يقفز أمامي ، فنظرت له و كم شعرت بالذنب كثيراً ، بالفعل غداً كنت أنوي صنع حفلة صغيرة لأجله ، نحن الاثنان فقط معاً لكن الان لا أستطيع !

" كل عام و نحن معاً .. صغيري ."

لا أعلم كيف خرج صوتي لكني كنت أخفي آلمي بينما أجذبه من معصمه لأغادر و ها نحن بعد نصف ساعة فقط كنت أقف أمام بوابة قصر جدي و معي آلين الذي أصبح قلق بشأن سكوتي .

" السيد .. الصغير ؟! .. عدت أخيراً ."

قالها الخادم العجوز بينما يتقدم ليحيطني بذراعيه النحيلان ، فقط كيف عرفني ؟!

ابتعد ليحيط وجهي .. هو ليس بطولي لذا وجب أن أنخفض نحوه قليلاً ليقبل جبهتي سعيداً برؤيتي بعد خمس سنوات غياب !

" تعال ، سيفرح السيد مارك بوجودك جداً ."

ابتسمت أخفي قلقي من رؤيتي لجدي بل خوفي من قراري المتهور الذي فعلته لأول مرة لأني خائف علي أخي .. مايكل يريدني أنا .. قد أموت بنهاية هذا الصراع القادم لهذا أريد لأخي الراحة !.. وجب عليّ دسُّه بأسرة والدي لكي يعتاد علي الوضع إن غبت عن الحياة يوماً تاركاً إياه وحيداً بينهم .

بعد دقائق كان الجميع أمامي من خدم او أسرتي و أمامهم يقف جدي ذو الست و الستون عاماً ، و بجانبه عمي برايدن الذي لانت ملامحه و ابتسامة صغيرة سكنت محياه بينما ينظر إلينا بحنين لهذا أبعدت عيني عنه لجدي الذي رحب بابتسامة غامضة :

" جميل يا ديفيد يا حفيدي العزيز .. جيد أنك تذكرت رؤيتي قبل أن أموت"

بادلته ساخراً :

" لا تقلق جدي فأنت لن تموت بتلك السهولة ."

ابتسم أكثر بثقة ، حسناً ماذا أفعل لجنيرال سابق متقاعد منذ خمس سنوات لكنه بكامل عقله و قدراته ؟!

" أخي من هؤلاء ؟ "

سألني آلين بينما يتراجع يلتصق بي و يشد طرف سترتي معطياً إياي نظرة مستفهمة ، فحططت كفايّ علي كتفاه أقدمه لهم :

" عمي برايدن ، جدي .. هذا هو إبن كريستوفر الاصغر .. الطفل الذي ظننتموه توفى بالحادث ."

----

لم تبدو صدمة أكثر ما كان حنين و إشتياق و دهشة من الجميع و في تلك اللحظة إقترب مارك حتى توقف عند الشاب و شقيقه الصغير ، انحنى ليصل إليه ثم نقر أنفه بخفة ناطقاً :

" سعيد لأنك هنا آلين كريستوفر لينكولن ."

شعر آلين بتلك اللحظة و كأنه يطفو بين زمانين غير متوازيان ، ضائع تماماً بما يدور من حوله ، مشتت !

تراجع خطوة للوراء و عقله يتحكم بكل أفكاره السوداوية فنطق :

" أخي ، ماذا يحدث ؟! "

كان منفعلاً ، أن يجد نفسه فجأة بين أسرة لم يقابلها من قبل أو لا يتذكرها بذكرياته لهو أمر مخيف !

جلس ديفيد أمامه و أحكم قبضتيه علي كتف الصغير ليتحدث بهدوء :

" ستكون هنا لفترة .."

قاطعه بخوف و تمسك به :

" نحن سنبقي صحيح ؟ ستبقى معي يا ديف ، أخبرني ارجوك ! "

صمت ديفيد بصدمة ألجمته لينهض و يتراجع خطوة للخلف و هو ينطق بنبرته الهادئة التي لا تدل علي ما هو شعوره بهذا الوقت :

" بل أنت وحدك ، ليس لي مكان هنا .. هم عائلتك فيجب عليك تقبل ذلك ."

صرخ منفعلاً بينما يتمسك بملابسه :

" لا أريد تقبل ذلك أبداً ، انت هو عائلتي فقط ..."

أبعده ديفيد ينطق بغضب :

" و هم عائلتك ، فقط إستمع ولا تجادل آلين فلم أعد أحتمل  !"

حدق به آلين بصدمة ، ألم يعد يحتمل وجوده ؟ أسئم منه ؟!

" إعتني به عمي برايدن ."

قالها و إلتفت يغادر ، فأراد آلين اللحاق به لكن برايدن أمسكه و أحاطه من خصره يمنعه عن الذهاب الا أن ذلك لم يمنع صرخاته اليائسة المطالبة بعودة أخيه :

" ديفيد ! لا تتركني ، ديفيد لا تفعل .. غداً عيد مولدي أريد أن أحتفل معك ! .. أهذه هديتك لي ؟ .. ديفيد ! يا أخي لا تتركني ! "

أغمض عيناه و سارع بخطواته خارجاً حتى إختفى يترك عينا آلين تطالع مكانه بدموع تنهمر و ألم يغدق بروحه قبل أن يصرخ صرخة قوية صدعت أرجاء القصر بإسمه ووصلت لمسامع ديفيد الذي نظر بألم للقصر ثم غادر بدراجته بعيداً .. كانت صرخة تحكي عن ألمه ، معاناته ، روحه التي إستنزفت ، أماله التي تحطمت .. هو كان يظن أنه لن يتركه ، سيعيشان معاً دائماً لكن بالنهاية شقيقه تخلى عنه لأشخاص لا يعرفهم .!

أغمض عيناه و سكن بحضن عمه ، كان كل شئ بالنسبة له أصبح باهتاً فجأة .. لا أحد يمكنه لملمة روحه كالسابق !

" آلين أنت بخير ؟! "

قالها برايدن مفزوعاً حين هدأ فجأة ، فأبعده منادياً لكن آلين كان بعالم أخر ، أفكاره السوداوية تقتحم عقله فترضيه متألماً بروحٍ منكسرة هائمة بعالم أخر .

حمله عمه بعدما تنفس براحة و أمام بقية الاسرة غادر لغرفة ديفيد القديمة بالقصر ليضعه علي السرير و يجلس بجانبه ينظر له بحزن و حنان .

" سوف نحتفل بعيد مولدك و نقيم حفلة كبيرة لك ."

قالها برايدن محاولاً جذب إنتباهه لكن رد آلين البارد كان صادماً :

" لا أريد ، سيكون أسوأ يوم بحياتي .. فقط لا تتمنوا لي فيه الا الموت لأرتاح ."

" آلين ما هذا الكلام ؟ "

قاطعه منزعجاً منه لكن الصغير نهض صارخاً به بحقد :

" ليس لك شأن بي ، غادروا حياتي فقط ! ..."

" إخرس آلين ! "

صرخ الاخر بشكل قاطع و نهائي ، فهذا الصغير عديم التربية حقاً او أنه فقط يفكر بهم بسوء لهذا يظهر عدائيته نحوهم !

جفل آلين و إمتلأت عيناه بالدموع فلانت ملامح برايدن ليقترب منه يحتضنه و يتأسف :

" أعتذر صغيري لقد إنفعلت ! "

أغمض عيناه متمسكاً بملابس عمه لينطق بصوت باكي متألم :

" أريد ديفيد ، أرجوك دعه يعود ."

لم يجيبه برايدن بل تركه بحضنه حتى نام .. كان نومه كراحة له بعد هذا اليوم المتعب !

*****

رمى نفسه علي الاريكة بارهاق و أفكاره النادمة تعصف به .. كانت صرخات صغيره تؤلم قلبه! .. هو حقاً لم يجد وسيلة الا تركه هناك .. الحرب بينه و بين مايكل ستنتهي بموت أحدهما لهذا أراده أن يكون بمأمن .. وجوده بين أسرة والده كان الحل المناسب تماماً .

تنهد بعمق مخفياً آلمه لكنه لم يستطع .. دفع ما أمامه ليسقط أرضاً ثم أحاط رأسه بكفيه بألم ، يفكر هل هو فعل الشئ الصحيح ؟! .. أم أخطأ ؟!

نهض من مكانه ليغادر خارج المنزل فعدم وجود شقيقه كان يؤلمه !

----

" ديفيد ؟ "

لامس أذنيه همس إسمه منها .. يداها التي حطت علي كتفيه جعلته يلتفت يحدق فيها دون إخفاء ألمه فبادلته بحزن أكثر قائلة :

" أعلم إنك تركته بذلك المكان ، لقد أخبرني أبي ، لكن ذلك كان الحل الصحيح لكي يبتعد قليلاً عنك حتى تنتهي من مايكل ."

تنهيدة عميقة أطلقها بينما يستند علي سور الجسر خلفه بينما يرد عليها :

" لا أعرف إيڤا ، لا أعرف .. أنا مشوش كثيراً .. غداً يوم مولده و أردت أن نحتفل سوياً لكني لا أعلم لما فعلتها و تركته لعائلة والدي ؟ ! "

ابتسمت بحزن و نطقت :

" لا تحزن ، صدقني ستمر الامور و ستكون انت و هو معاً مجدداً ، ثم ما رأيك أن نصطحبه معنا أو نحتفل به بالقصر ؟ .. ستكون مفاجأة له ."

ابتسم لها و قد أعجبته الفكرة لكن ، أسيقبل به آلين بعد ما فعله ؟! .. يتمني ذلك !

*
*
*
يتبع..

و كاااات 🙂💔

حنان ، حب ثم .. فراق !!

تفرق الشقيقان ، لكن هل سيجمعهما القدر مجدداً ؟🙂

ستعلمون ذلك بأخر بارت من رواية سند ☺️❤️

الي اللقاء

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top