(17)

بقلم :نهال عبد الواحد

قبل نهاية الفرح استأذن مراد لينصرف وكان ينتظر روح التي ذهبت لتضبط هيئتها في الحمام وبينما هي هابطة من درج موجود لتعود للقاعة فإذا بمن يعترض طريقها.

- جميلة الجميلات!

التفتت روح بصدمة وصاحت: أنت؟!

-أستغبى نفسي كل يوم منذ أن تركتيني، يا لحماقتي!

فأجابت بتهكم: والله! عظيم! ليتك تبحث عن مقبرة وتدفن نفسك فيها حيًا حتى لا تندم كثيرًا يا نادر.

- أرجوكِ إسمعيني!

وجذبها من ذراعها فجذبته نحوها بشدة ورفعت صوتها فرن في أرجاء المكان: سمعت الرعد وصمّ أذناك! إسمع وانصت جيدًا! المرة السابقة قد ضربتك بنعلي أما هذه المرة فانظر لحذائي ذا كعب عالٍ، إذن هي ضربة واحدة على أم رأسك وستجد نفسك في قسم الحوادث.

حملق نادر نحو ساقيها بجرأة وتابع بوقاحة: أجل! أرى هذا الكعب جيدًا كما أرى هذه السيقان التي ترتدي هذا الكعب.

ومد يده يحاول أن يتلمس وجهها لكن إذ بيد تمسك يده بقوية وبالطبع كان مراد فصاح بغضب: واضح أن لك يدين طويلتين تبطش بهما فيما لا يخصك.

فتابع نادر بتهكم: كأنك أنت الذي ستمنعني!

فقال مراد وهو يرفع يده ويدفعها بعيدًا بقوة: ليتك تغادر بأدبك.

فدفعه نادر ليسقط من فوق الدرج فتماسك مراد وجاءت الدفعة في روح فأسرع مراد ليلحق بها، ووجدت نفسها محمولة بين ذراعيه مجددًا.

فنظر نادر بينهما بغيظ ثم أهدر: إممم! رائع هذا الفيلم! كأنه مباحٌ له وحرام لي!

فأنزلت روح نفسها وهي في حرج وغضب معًا لكن سرعان ما رد مراد بغضبٍ شديد: إنتقي كلامك يا هذا وانصرف بدلًا من أن تجد مالا يسرك.

تأففت روح ثم قالت: دعه يا مراد فهو لا يستحق أن تجاهد معه.

وكانت تلك المرة الأولى التي يسمعها تناديه بإسمه دون أستاذ وكان لها وقع عليه لكن هذا النادر لم يمهله التمتع بتلك اللحظة فأردف بلزاجة: لست أدري ما بال أناسًا تتدخل فيما لا يعنيها! لماذا تتدخل بيننا أيها المتطفل؟!

فتابع مراد باستهزاء: أنت المتطفل وأنت من تتدخل بيننا، هي زوجتي.

قال الأخيرة وجذبها من خصرها مقربها إليه، كم خلعت هذه الكلمة والجذبة فؤادها من مكانه، لكنها اضطرت لمجاراته فأسندت نفسها على كتف مراد وقالت بتوتر تحاول إخفاءه: أجل! هو زوجي و رجلي بل هو زينة الرجال، هيا اغرب عنا فلا مكان لك هنا.

نظر نادر بينهما ولم ينطق بحرف فهو يعرف جيدًا أن روح ليست ممن تجاور الرجال لأي سبب، كما أن هيئتهما معًا توحي بذلك لحدٍ كبير، فكما قيل عنهما هما ثنائي رائع ومنسجم كأنما خُلق كل منهما للآخر.

وكانت هذه هي اللحظة الثانية السعيدة في نفس الساعة عندما سمع ما قالته في حقه حتى لو لم يكن حقيقي فيكفي أنه قد سمعها تقولها.

انصرف نادر واضطر مراد لنزع يده من عليها وظلا ثابتين قليلًا ثم اعتذرت له روح بصوت مرتعش: أعتذر إليك سيدي أن عرضتك لموقف سخيف كهذا، وأشكرك جدًا على مساعدتي.

ثم انصرفت مسرعة فهي في قمة إحراجها ولا تصدق ما حدث سواء إدعاءهما بالزواج أم كيف أمسك بها من خصرها وقربها إليه هكذا بل ألصقها به؟!
بل كيف انخلع قلبها؟! فقد كانت تشعر باضطراب كبير لكن ليس ضيق فهو بعكس نادر الذي كانت تشعر بضيق وتقزز من مسكة يده تلك حتى وهو زوجها.

بينما مراد وجم مكانه بعض الوقت و وسع في ربطة عنقه وفتح الزر الأول من قميصه فكأنما ارتفعت درجة الحرارة فجأة! ثم انصرف خارج القاعة بأكملها فقد صار شوقه إليها لا يمكن السكوت عليه ولا كتمانه.

وانتهى الفرح وذهب الجميع لبيوتهم سعداء وخلد العروس بعروسه بليلة العمر بدءا معًا حياتهما كزوجين حقيقين محبين.

أما روح فقد توقفت ذاكرتها عند تلك اللحظة التي حملها فيها بين ذراعيه للمرة الثانية، كم كانا قريبين! وعند إدعاءه بزواجهما وجذبته لها ليلصقها به... وظلت تلاحقها تلك الذكرى تكاد لا تغيب عنها.

وبعد بضع أيام قليلة استيقظ مراد قبيل الظهر على صوت مربيته دادة عزيزة تيقظه وتخبره بأن هناك من ينتظره بالأسفل فاستيقظ وأخذ حمامه وبدل ملابسه وفتح هاتفه المغلق و وضعه في جيبه لكن بمجرد أن عمل الهاتف وهو يرن بمئات الرسائل و رغم إزعاج الصوت إلا أنه لم ينظر في أيها واكتفى بأن جعله في وضع الصامت منعًا للإزعاج، هبط من السلم الداخلي ليقابل من ينتظره.

إنه حامد وأيمن فرحب بهما وسلم عليهما بحرارة، فقال مرحبًا ببشاشة و ود: مرحبًا! والعريس بنفسه في بيتي! يا ألف مرحبًا!
ثم نظر بينهما وكانا يبدوان غير طبيعيين فتسآل في دهشة: ما الخطب؟!

أهدر حامد بتوتر: كأنك مستيقظ توًا من نومك! وغالقًا لهاتفك!

فأومأ مراد برأسه أن نعم مجيبًا: أجل! ومنذ أن فتحته وهو لم يكف ارتعاشا من كثرة الرسائل، هل حدث شيء؟

فأشار أيمن لهاتف مراد وقال له: إذن فافتح الرسائل واقرأ بعضًا منها.

شعر مراد بأن هناك أمر خطير فنظر بينهما وهو يخرج هاتفه من جيبه وفتحه وبدأ يفتح الرسائل فقرأ منها البعض ولم يجد سوى مباركات فنظر فيها بعدم فهم ثم قال: ما كل هذه المباركات؟!لماذا؟!

ففتح حامد هاتفه ثم أعطاه له فأخذه وقرأ أحد منشورات في صفحات التواصل الاجتماعي:
«زواج روح الفؤاد مقدمة برنامج مطبخ روح الفؤاد وبرنامج مسابقات مطبخ روح من المخرج مراد عزمي وبالرفاء والبنين، وقد كان الخبر متوقعًا فهما ثنائي رائع ومتناغم جدًا»

بالإضافة لعدد من الصور تجمعهما من حلقات لبرامج المسابقات وهما يتحدثان معًا أو ينظران بعضهما لبعض بالإضافة لصورتهما عندما حملها مراد في فرح أيمن وعندما حاوط خصرها وهي تسند على كتفه...  غير وجود عدد من مقاطع الفيديوهات لنفس الصور ومكتوب نفس الخبر ومركب عليها أروع الأغاني الرومانسية.

شرد مراد وسكت بعد ما شاهده وأعاد الهاتف لحامد ولازال صامتاً.

فتسآل حامد بغضب: كيف التقطت مثل هذه الصور بوضعكما هذا في حفل الزفاف؟!

ابتلع مراد ريقه وتابع بحرج: لقد كان طليقها ذلك موجود يومها ويحاول الإعتداء عليها فتدخلت فدفعني فجاءت فيها الدفعة وكادت تسقط فلحقتها.

صاح أيمن متفاجئًا: نادر جاء!

فهز مراد برأسه أن نعم.

فتنهد حامد بضيق وتابع: إذن فلنفكر كيف سنكذّب هذا الخبر! كيف ستجمع الصحافة؟! هيا فكر معنا!

نظر مراد بينهما وسكت قليلًا ثم ابتلع ريقه بتوتر وتسآل: منذ متى وأنتم تعرفون؟

فأجاب حامد: بالنسبة إليّ من ثلاثة أعوام.

فتابع مراد: وما تقييمك لأخلاقي وطباعي مجملًا؟ هل هناك عيب شنيع لا يليق أو لا يطاق؟!

أومأ أيمن برأسه أن لا قائلًا: الشهادة لله، لا.

وتابع حامد: لكن.....

فقاطعه مراد: لكن ماذا؟!

أكمل حامد بجدية: إنظر لتلك الصور والمقاطع والكلام المنشور وكل تلك الرسائل لك وإلينا!

فقال مراد: وبماذا كان ردكم؟!

أومأ حامد وتابع بتنهيدة: لم نرد على أيهم.

فرك مراد لحيته بتوتر ثم تجرأ وقال:حامد! أيمن! أنا أريد تأكيد الخبر وأتزوج من روح.

فأشار أيمن بيديه بنفي ثم قال: لا لا دع أمر الخبر وتكذيبه جانبًا! لن نرمي أختنا ثانيًا، معذرةً لم أقصد لكن........

فقاطعه مراد: لا عليك أفهم قصدك جيدًا، ومعك كل الحق، لكني أحبها ولم أحب هكذا من قبل...

وتنهد بعشق واضح قائلًا: وأصعب شيء في الأمر طريقتها و ردود أفعالها الحادة التي تجعلني أخشى التقدم بأي خطوة.

فأومأ حامد بإشفاق أن نعم وتابع: أعلم ذلك من زمن يا مراد، أراك وألاحظ عشقك الذي ينطق ويقر به كل أفعالك وأقوالك، في نظراتك ونبرة صوتك في كل شيء، حتى عندما أعنّف روح لأمر ما وأجدك فجأة صرت محاميًا أمامي تدافع عنها بإستماتة، لكني أشفق عليك فأنا أعرفها جيدًا فأنا الأقرب لها وأعرف أفكارها وآراءها وكيف تهاجم أي رجل خاصةً بعد تلك التجربة.

فقال مراد بحماس: وأنا متفهمًا لكل هذا، وأرى أنها فرصتي لأبث لها مقدار حبي وأثبت لها أن ليس الجميع سواء، وكل ما تريدوه أوامر مجابة.

أجاب أيمن: لا نحن ولا هي نفكر بهذه الطريقة.

فابتسم مراد وتنهد ثم قال بإلحاح: إذن إمنحوني تلك الفرصة و سأصبر وأجتهد حتى أصل لقلبها، وكل هذا لا دخل له بالعمل، فلست ممن يستغل الآخرين أو يبتزهم ويضغط عليهم لتنفيذ شيء ما، لكن أقسم لكم أني أحبها بل أعشقها بل لم أجد كلمة تعبر عن إحساسي نحوها.

فأومأ حامد قائلًا: وأنا غير معترض على شخصك بل يزيدني شرفًا نسبك هذا، لكن ترى هل ستوافق أو تتقبل الأمر عادي؟!

تنهد مراد بعشق وأهدر بابتسامة حقيقية: لدي أمل كبير، لكن رجاءً لا تخبراها بحقيقة إحساسي، أريد أن أفعل هذا بنفسي، أنا من أوصل إحساسي وأخبرها بطريقتي دون وسيط.

أومأ أيمن موافقًا وهو يقول: الله ييسر الحال إن شاء الله!

تابع مراد وعينيه تلتمع بلهفة: وأنا في انتظار ردها على أحر من الجمر، هي مكالمة واحدة وسأكون أمامكم أنا والمأذون.

زم حامد شفتيه بقلق وقال: إن الله على كل شيء قدير!

......................................

NoonaAbdElWahed

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top