(5)

بقلم : نهال عبدالواحد

بالفعل خرج يوسف من الحجرة، وضعت عديلة نور في فراشها الصغير وقامت مع حميدة لتأخذ حمامًا دافئًا ثم قامت حميدة بتنظيف الفراش من أثر الولادة.

كانت حميدة تقوم برعاية عديلة كأنها أختها الكبرى فتذهب لبيتها مع أبناءها ترتبه وتعد الطعام ثم تعود لعديلة تيقظها وتعطيها مشروبًا ساخنًا أو تعد لها وجبة خاصةً في الأيام الأولى عقب الولادة.

تعلّمت عديلة على يد حميدة كيفية رعاية طفلتها من تنظيف، غيار وحموم و....... حتى بدأت تتقن أمور الأمومة تدريجيًا.

مرت سبعة أيام بعد الولادة وحان موعد سبوع الوليدة وكان حفلًا صغيرًا لم يحضره سوى بعض الجيران المقربين.

وقد قامت حميدة بمراسم السبوع من نخل الوليد، دق الجرن (الهون)، رش الملح وتوزيع الشموع الصغيرة على الجميع وأيضًا أكياس السبوع الصغيرة التي قامت هي، يوسف وعبد المنعم بتعبئتها وفيها الحمص، الفول السوداني وبعض الحلوى.

حمل عزيز هذه الصغيرة بين يديه ناظرًا إليها بسعادةٍ متأملًا لضآلة حجمها وسكونها بين يديه فلم يجري ولم يلهو مع باقي الأطفال بل ظل حاملًا نور بسعادة.

كانت عديلة تترقبه من حينٍ لآخر لتطمئن على طفلتها كونها على ما يرام أو ربما تبكي، بينما يوسف يبتسم من هيئته ويعود بذاكرته لأعوامٍ طويلة فقد كان في نفس الموقف منذ أعوام....

تذكر ذلك اليوم وكانوا آنذاك يعيشون جميعًا في بيت جدهم، ويومها صرخت أم عديلة فجأة بقوة فأدخلنها النسوة الموجودات بداخل الغرفة.

ظلت بداخلها يُسمع صوت صراخها من الخارج وكان يوسف لايزال طفلاً جلس في حجر أبيه وجواره عمه والد عديلة ينتظر زوجته أن تضع مولودها.

ظل الارتباك والتوتر سائدًا، خاصةً وتلك النسوة تذهب منهن من تحضر الماء الساخن وتدخل به للغرفة عند أم عديلة، وبعد فترة من الوقت سُمع صوت صرخة مدوية ثم صوت بكاء طفلٍ حديث الولادة.

وبعدها خرجت الجدة ممتعقة الوجه متأففة فأسرع العم (والد عديلة) نهض واقفًا نحو أمه.

فتسآل العم بخوف: ماذا جرى يا أمي؟

فأجابت الجدة بتذمر: لقد أنجبت أنثى مع الأسف.

فتنهد العم براحة قائلًا: الحمد لله كله رزقٌ من الله!

فصاحت فيه الجدة بغضب: دع هذا الهراء وانتبه لحالك إن لم تنجب ذكرًا لن يكون لك اسم فالبنت لزوجها، إذن عليك أن تسرع في الإنجاب ثانيًا لتأتي بالذكر.

فتابع العم بتردد: لكن أمي......

فقاطعه الأب (والد يوسف): سيفعل ما تريديه يا أمي.
ثم غمز لأخيه قائلًا: اطمأني سأقنعه.

فقالت الجدة وهي تربت على ابنها (والد يوسف): انظر لرجاحة عقل أخيك وتعلم منه.

فأومأ العم: حسنًا يا أمي!

سكتت الجدة قليلًا ثم أكملت: ولنتخلص من تلك المصيبة علينا خطبة هذه البنت لابن عمها، والآن تقرؤن الفاتحة.

فتردد العم: يا أمي .....

فقاطعته الجدة: البنت لابن عمها.

فلم يجد بدًا إلا أن يستجيب لطلب أمه ويوافق على خطبة عديلة وهي حديثة الولادة لابن عمها واضطر لقراءة الفاتحة بالفعل هو وأخيه، وبالطبع لم يُحتفل بها فكيف يحتفلون بأنثى؟!

ولم ينتبهوا لوجود يوسف الذي كان حاضرًا للموقف وظل ذلك الحدث محفورًا في ذاكرته وتصرّف طوال حياته على هذا الأساس فكان متابعًا لها ولكل تصرفاتها وكان يسرع في تقديم خدماته ومساعدته لها دائمًا.

ورغم عدم لقاء يوسف بعديلة خاصةً بعد أن بلغت مبلغ النساء إلا أن تلك النظرات الخاطفة للحظات كانت تُرسل الكثير من المشاعر المدفونة التي قُدّر وأن تنبت بينهما، وكيف أن الأمر لم يعد مجرد طلب من الجدة قد فرضته عليهما.

جلس يوسف شاردًا ووجهه مبتسمًا غارقًا في تلك الذكريات فاقتربت زوجته ونادته: يوسف!
ماذا بك؟ كأنك شارد! ماذا يشغلك عن سبوع ابنتك؟!

فابتسم لها يوسف و ربت على يدها قائلًا: لا شيء.

ثم غنّى الجميع، احتفلوا وسعدوا ولازال يوسف يشرد من حينٍ لآخر.

بدأت عديلة تعتمد على نفسها شيئًا فشيئًا فقد تحملتها حميدة بما يكفي خاصةً مع اقتراب فترة إمتحانات نصف العام وعليها أن تجمع أبناءها في البيت وتشدد عليهم ألا يخرجوا.

بالطبع ليس لأنها ستجلس مع أبناءها لمراجعة الدروس! فحتمًا هذا لا يمكن لأنها ببساطة أمية لا تعرف القراءة والكتابة بعكس عديلة التي ذهبت للمدرسة في طفولتها لعدة سنوات وقبل حصولها على الشهادة الإبتدائية كانت قد ملت وتركت المدرسة فهي بالكاد تقرأ اسمها وأحيانًا تتعتع في قراءة العناوين الرئيسية في الجرائد بتهتهة.

انتهت فترة الإمتحانات وبدأت إجازة نصف العام وباعتبار أن نور هي أصغر من بالبيت فنجد جميع أبناء حميدة مقيمين عند عديلة يلعبون مع ذلك الكائن الصغير بفرحة فهي كما يطلقون (فاكهة البيت).

وبعد مرور فترة وعودة حركة الطرق بين المدن جاءت أم عديلة وأم يوسف لتريا حفيدتهما، مكثا فترة من الزمن وقد سعدتا بحفيدتهما وسعدتا أكثر بمهارة عديلة في أعمال البيت من طبخٍ وتنظيف بالإضافة لأعمال الأمومة.

وقد اعتادوا أن تجئ الاثنتان إلى السويس في إجازة نصف العام بينما يسافر يوسف عديلة للأسكندرية في فصل الصيف ويستمتعا أيضًا بالبحر والمصيف بين شواطئ الأسكندرية أحيانًا في أبي قير وحينًا في الأنفوشي.

وما أجمل بحر الأسكندرية نهارًا أو ليلًا! فإن لم تسبح فيه بالنهار يمكنك الجلوس أمام شاطئه ليلًا وأكل التسالي، الترمس، الذرة المشوية والفريسكا مع التمتع بذلك الهواء الرائع على طول ساحل البحر.

وعندما يكونون بالسويس فكانوا يذهبون غالبًا مع حميدة وأسرتها إلي بور توفيق حيث الحديقة الفرنسية والتي بالقرب من القناة أو يجلسون على شاطئ القناة مباشرةً يشاهدون بمتعة هيئة السفن العملاقة المارة ذهابًا وإيابًا، وكان في بور توفيق الكثير من بساتين الفاكهة فيشترون عدة أقفاص من الفاكهة.

وأحيانًا يذهبون رحلة إلى العين السخنة عند جبل عتاقة أو إلى شاطئ الفايد في الإسماعيلية وهو قريبٌ منهم في السويس.

وكان عزيز يذهب للبحر خاصةً وقت الجَزر حيث يكون انسحاب البحر كبيرًا واضحًا وتمتلئ الأرض بالقواقع ذات الأشكال المختلفة وأيضًا (الريتسا) و(السريديا) الشهية فيقوم عزيز بجمعهم ويحضر منهم كميات كبيرة.

وبمجرد عودته للمنزل يلتفت حوله الجميع ليلعبوا بتلك القواقع بعد أكل ما في داخلها.

_____________________________________

والسريديا تشبه الصدف يصل حجمها أحيانًا لمنتصف اليد، مفلطحة وتُفتح ويؤكل ما بداخلها، أما الريتسا فهي هيئتها متكورة قليلًا و محاطة بالأشواك هيئته مثل شوك القنفد وتُفتح ويؤكل ما بداخلها أيضًا.

NoonaAbdElWahed

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top