البداية
في التاسع والعشرين من ماي عام الفين واثناعشر فتحت عيني للحياة وكأني كنت ميتا لوقت طويل! الاضواء ساطعة جدا بيضاء كالثلج المتساقط في منتصف الشتاء، اول من رأيت امامي كان والدي دانيال كيلر بصورة ضبابية بدأت تتضح شيء فشيئا... كان يصرخ "لقد استيقظ، الحمدلله.... الحمدلله!"، نهضت برفق ورفعت شعري عن وجهي وعيني نظرت اليه بصدمة وسألته" مالذي حدث لي..... اذكر انني كنت اتسكع مع ليام وكنان ثم...... " لم استطع تذكر مالذي حدث بعد ذلك، تلفت اليه والى امي التي ذخلت للتو وركضت تحضنني بقوة وهي تبكي "لقد استيقظت اخيرا ليام!"
_ليام؟!.... هذا انا يان يا أمي هل اخطأت بيننا للتو؟ سألتها بذهول فيما هي بقيت تحدق بي بفم مفتوح، انتفضت من مكاني وحاولت الخروج كانت انابيب العلاج ملتصقة بي، لابد وانني في المستشفى انتزعتها بقوة ورحت اركض نحو المخرج لاصطدم بابن عمي كنان، سألته على الفور "اين اخي ليام؟.... الم يكن معنا منذ قليل؟ "
بدت عليه الحيرة، قبض يديه وادار رأسه، لم يترك اي فرصة لأعيننا بأن تلتقي؛ قال بهدوء "ان ليام قد فارق الحياة البارحة وقع من نافذة الطابق الرابع بالجامعة.... مات بعدها على الفور!"
كانت كلماته كسكين غرز في صدري كل شيء اصبح مظلما، لم اعد استطيع الرؤية بشكل واضح، قدماي لم تقويا على حملي.... ركعت على الارض فيما كنان حاول امساكي من الا اقع، حملني ووضعني على السرير مجددا.... كانت اشكالهم مختلفة قليلا، ابي اصبحت لحيته اكثر بياضا وامي غيرت لون شعرها، كنان قد اصبح اطول شعرت بذلك التغيير "هل كنت نائما لاسبوع؟!" سألت ابي بأعين فارغة وبقيت منتظرا الاجابة
_ لقد صدمتك سيارة اثناء عودتك من الثانوية.... الا تتذكر؟
_ثانوية؟!.... انا لم اتعدى المتوسطة حتى!
هل يمزحون معي رغم جدية الموضوع!! حدقت فيهم لبرهة، لم يكن عليهم ملامح تبعث على الكذب، رد كنان علي دون ان يواجهني:
_ لقد اصبت بالحادث منذ يومين فقط وظللت نائما كل ذلك الوقت.....
_يومين؟..... مستحيل.... اخبروني... انكم تكذبون صحيح هو يعد لي مفاجأة كما يفعل دائما اليس كذلك؟!....
لم يكن احد منهم يجيب حتى امي كانت تخفض رأسها وتصغي فقط، كسرت صمتها اخيرا بسؤالها "ليام نحن في أي عام؟ كم عمرك الان؟ "
صدمت من سؤالها مع ذلك اجبتها: نحن في الفين.... وعشرة، بلعت ريقي ثم اكملت بتقطع " عمري الان ثلاثة عشر! هل تظنينني مجنون لتسأليني!؟.....انا اريد رؤية اخي!، كنان خدني اليه ارجوك!"
هز كنان رأسه موافقا، اوقف والدي واخبرهم "انا سأتدبر الامر"
ركبت السيارة وكنت سعيدا جدا، تحمست لما يخبأ لي ليام من مفاجأة هذه المرة.....توقفنا عند المقبرة!
_مالذي نحتاجه من هذا المكان كنان؟!
_اتبعني فحسب يان الا تريد رؤية اخيك؟
بعلت ريقي واتبعته حتى وصلنا عند قبر صغير....حدقت به بعد تردد طويل، اغمضت عيني بقوة وفتحتهما لاقرأ الاسم عليه....كان ليام كيلر! شعرت بالارض تدور بي وتصبح اكثر سوادا، لم استطع التصديق ابدا، من المستحيل ان يحدث هذا وضعت كلتا يدي على الارض وركبتاي قد لامسنها كرضيع صغير يحبو لاول مرة
_فلتنظر للتاريخ! كان كنان يطلب مني ذلك، حاولت النظر بالصعوبة
"28 ماي 2012" التفت اليه بذهول
_يبدو انك فقدت ذاكرتك، فقدان ذاكرة جزئي لعامين....انت في السادسة عشرة الان.... انا اسف!
نطق بتلك الجملة ثم التفت ليعود ادراجه تاركا اياي في حالة لا احسد عليها!
........
كان ذلك قبل خمس سنوات الان انا امشي وحيدا كالعادة في الرصيف متجها لجامعتي المتواضعة لتخطف بصري حمامة بيضاء تلوح بجناحيها عبر السماء الصافية التي تتخللها اشعة الشمس اللامعة، اترقبها بحسد على الحرية التي تمتلكها، كنت اتمنى ان اغدو طيرا في هذه الارض الواسعة ولا اسأل عن قريب او بعيد، فقط وحيدا اتأمل السحب.
كان هذا تفكيري المتواضع الذي آمنت به دائما؛ ان احظى بالحرية، وان لا اهتم سوى بنفسي وبعائلتي ان لا اتعلق بالناس لكي لا اتألم عند رحيلهم! كأنني وقعت عقدا مع الشيطان الذي بداخلي على هذا، كان الامر قبل ان التقيها!
شعر بني متوسط الطول وعيون بنية عادية مع ابتسامة مرهفة تكاد لا تظهر، ملامحي باردة لكنها مميزة بطريقة استثنائية، دوما ما ارتدي ملابس عادية رغم غنى عائلتنا، كنت احب التواضع وان لا يتم التفريق بيني وبين اصدقائي، جميع المؤشرات تشير لكوني فتى عادي يعيش دون اي جديد في حياته كأي طالب موجود امامي يركض بسعادة، لكنني كنت مختلفا عنهم جميعا فأنا استطيع رؤية المستقبل هذا غير انني فاقد لذكريات عامين من حياتي!
"الساعة الان السابعة وثمان واربيعن دقيقة صباحا، "لقد حان الوقت تقريبا" قلتها وانا اوجه نظري نحو ساعتي القديمة التي تعمل احيانا وتتوقف احيانا اخرى، رغم هذا تبدو مناسبة لتصميم ملابسي العادي هذا اليوم، كنت احرص على ارتداء ملابس واسعة سوداء وقليلا ما اهتم للألوان الاخرى، لكن اليوم كاستثناء انا ارتدي قميصا ابيض مع بعض الحروف الحمراء الملتصقة والتي تشكل كلمة "مستقبل" بالإنجليزية، يوم عادي بنظر البعض لكنه ليس كذلك بالنسبة لي.
"السابعة وخمسون دقيقة....." حان الوقت " ما ان انهيت جملتي ورفعت رأسي حتى اصطدمت بي تلك الفتاة كالعادة من الخلف قبل ان تصرخ "صباح الخير" ارتطم كوب مثلجاتها بي مخلفا بقعة على ملابسي الجميلة......"انا اسفة لم اقصد ذلك......سأنظفها حالا!" اردفت بتوتر وهي تتراجع بضع خطوات الى الخلف ثم بدأت تنبش محفظتها باحثة عن اي منديل لتمسح به ملابسي و يبدو انها لم تجد واحد كالعادة، حرفيا هذه الفتاة دائما ما تفسد صباحي وفي نفس الوقت كأنها تتعمد اغضابي! فمن بحق الجحيم الذي يتناول المثلجات في هذا الوقت، قلت بابتسامة مزيفة "لا بأس سأعود لمنزلي واغير ملابسي"
_لكن هكذا ستتأخر الحصة الاولى بسببي، نحن متأخرون كفاية الان!
_حسنا اذن هلا ذهبنا للحمام لتنظيفها؟
في الواقع لم اكن سأكلف نفسي عناء العود للمنزل بل سألتف فقط حول الجامعة لأحصل على قطع غيار من صديقي زين فهو يحرص دائما على اخد الاحتياطات ....... على كل حال سأسايرها فحسب فلا يجب ان اتفاجأ من ميرا الفونس الخرقاء، غريبة الاطوار.....كان شعرها اسودا طويلا مع ربطة حمراء في المنتصف وعيون واسعة مع ملامح مشرقة؛ اكره قول هذا لكنها كانت جميلة بطريقتها الخاصة، في الثالثة والعشرين من عمرها تتصرف بطريقة طفولية، متوسطة الطول ذات ذوق جيد في اللباس مع ذلك لا تروقني!
"ا ستذهبان بدوني؟" سألت الفتاة التي تجاوزتني بخفة وهي تقرأ كتابها المعتاد (ملاكي الحارس) بملابس عادية من نوعي المفضل هادئة للغاية، ولا تتحدث كثيرا فقط بضع كلمات بين الفينة واخرى، من كان سيصدق انها سيرا الفونس الاخت التوأم لهذه الفتاة التي عكرت مزاجي ، نفس الملامح والتفاصيل، لن يستطيع شخص غريب تفريقهما بالتأكيد، من لا يعرف طبيعة تفكيرهما المتناقضة، لن يفرق بين ميرا وسيرا الذي اوقعني القدر بينهما، على رغم من ذلك لن تستمر علاقتي طويلا معهما ......لان احداهما سوف تموت!!
"لنذهب معا سيرا" اجابتها اختها بحيوية ثم انطلقت نحوها وحاذتها تاركة اياي خلفها اترقب خصلات شعرهما الملساء وضحكات ميرا اللطيفة!
في العادة انا لا اهتم لمن حولي ولا لما يحدث خارج عالمي المحدود في مخيلتي لأنه ببساطة اصبحت هناك امور تهدد سلام حياتي الشخصية!، انا ادعى يان كيلر شاب في الواحد والعشرين عمره يستطيع رؤية المستقبل، او بالمعنى الاصح جرائم القتل التي ستحصل في القريب العاجل!، بدأ الامر منذ خمس سنوات تقريبا، في بدايات دراستي الجامعية حيث كنت ارى بعض الاحلام الغريبة لبضع ثواني عن اشخاص من معارفي يسقطون ميتين بطرق مختلفة ومخيفة، الغريب في الامر انهم بالفعل يموتون بنفس الطريقة بعد مدة من ذلك، في البداية لم اكن اهتم لكن انتابني الفضول لذا بدأت بتسجيل حالات الوفاة وتفاصيل الجريمة والحلم لأنني اعتقد ان هناك رابط وثيق بين جميع الجرائم وربما تكون لنفس القاتل والذي لم تستطيع الشرطة الامساك به ودائما ما يتم غلق القضية بعد ايام بكونها جريمة انتحار او حادث دون مبررات قابلة للتصديق، بعد الازعاج الكثير الذي حصلت عليه قررت اخيرا ان أتدخل بعد جمعي لبعض من المعلومات حول امور مشتركة بين الضحايا، تقريبا يوجد خمسة اولهم تم طعنه طعنة واحدة في القلب، مات على اثرها فورا، هو سائق سيارة العائلة الذي وجد ميتا داخلها على الساعة السادسة صباحا امام محطة بنزين مهجورة،
الثالث امرأة في العقد الرابع صاحبة شركة منافسة لشركتنا تم حرقها حية داخل محطة بنزين مهجورة.
الرابع والخامس كان طفلي المرأة لم يتم نشر عنهما اي معلومات سوى انهما توفيا بحادثة سير في الطريق المؤدي الى المحطة.
اما السادسة والاخيرة فهي احدى هذين الفتاتين اللتان امامي..... كانت خطتي ان اتبع الضحية القادمة حتى تلتقي بالقاتل واكشفه، خطة بسيطة لكنها قابلة للتنفيذ لو فقط لم يكونا توأمتين، لقد اصبحت الامور اصعب فأنا لا اعرف ايهما ستموت!!
ماتت الضحية الاولى العام الأول منذ بداية الاحلام في ظروف غامضة، الامرأة وولداها ماتا في شهر جوان من العام الثالث، لكل الضحايا علاقة بعائلتنا وعلى معرفة بي تحديدا لكن لا سبب مقنع لكون احدنا هو القاتل، فكرت في بادئ الامر انه فرد منا لكن التوأمين لا يمتلكان اي رابط بنا ولم يكونا على معرفة بي قبل الحلم اي ان هذا الاحتمال مستبعد، وايضا لو ضممنا موت أخي الاكبر على انه احد الضحايا واعتبرنا موته جريمة قتل، فالنسبة ستصبح اقل بكثير.
مات في جامعة ستيرهولد، نفس الجامعة التي ازاولها الان، رغم انها ليست ضمن الاحلام وقد اعتبرت عملية انتحار الا انني اثق ان اخي لم يكن ليفعلها، واثق انه لن يكون مستهترا لدرجة وقوعه من الشباك، طوال تلك الخمس سنوات وانا افكر، لو وجدت فرضياتي صحيحة وعرفت من هو القاتل....كيف ستكون ردة فعلي؟! هل سيكون الوقت قد حان للانتقام؟
احيانا افرط في التفكير بأمور لا تستحق! فما يهم الان ان هذا كل ما جمعته من معلومات، ولازلت افكر بعلاقة التوأم بهذه القضايا وهل القاتل احد معارفنا المشتركة؟ لكن الاهم ان اعرف اولا ايهما ستكون الضحية !
في الحلم الاخير كانت الفتاة معلقة في غرفة شبه معزولة تحتوى على نافدة واحدة مفتوحة في الوسط تطل على سماء الليل القاتمة مع عدة كتب مرمية على الارض تأخذ الرياح اوراقها وكذا شعر الفتاة ذهابا وايابا، للوهلة الاولى ستراه على انه انتحار لكنه لم يكن كذلك فبقعة دماء واضحة كانت على فستان الفتاة الابيض! الساعة المعلقة في الجانب كانت تشير للثانية وخمس وعشرين دقيقة صباحا الا ان الفتاة مازالت على تبرجها وزينتها لذا ايعقل انها توفت قبل ذلك؟!....
في الغالب اعتقد ان جميع الضحايا ماتوا في نفس الوقت الاختلاف الوحيد كان في وقت عثورنا على جثثهم وبشكل غير مباشر اعتقد ان المحطة هي مركز الجرائم، انها مجرد استنتاجات مبنية على حدسي في الغالب ولست متأكد من صحتها لكن علي المحاولة على الاقل.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top