P26


كان جالسًا في مقعدِه،شاردًا و أذنيه تلتقط الكلمات المشوهة لمادة الرياضيات، يُبحر بعيناه لما خارج تلك النافذة، الجو لطيف و ذلك جعله يُفكر بالذهاب برفقة والده في نزهةٍ ما ، لعله يستطيع إخباره هناك عن وجوده مع خاطف أخيه في المدرسة!

_" آش؟ .. "

جفل على صوت مُعلمه، و حين نظر له وجد نظرة عابسة جعلته يُطأطئ رأسِه بينما يُردف بأمر:
" آش انهض لمكتب المدير."

فعل ما أمر به ، و نهض يسير نحو معلمه، ثم وقف أمامه ليهمس بشئ من الاستعطاف:
" أسف لن أكررها."

تنهد المعني بضيق يُجيبه بعدم رضى:
" انها ليست أول مرة، الأساتذة بالفعل يشتكون من شرودك الدائم، لذا علينا وضع حل حقًا للأمر لذلك إذهب لمكتب المدير .. سنتصل بوالدك لإخبارِه عن أمرك. "

همهم يُومئ برأسه دون جدال و أثناء سيرِه للخارج لمح نظرات مارك المُصوبَة نحوه، فعقد جبينِه بضيق و خرج بينما يُفكر بنظراتِه الغريبة تجاهه .. منذ دلف للمدرسة و مارك ذاك في نفس صفِه، و رغم ذلك تقريبًا لم يكن يتصادف معه حتى بالنظرات! .. فقط تقابلا عديد المرات في أحد حفلات أو المنازل الخاصة بسامويل لأنه والده .. و الكثير بالفعل كانوا يستغربون من علاقة الاخوة الجافة بينهم، قبل أن يعود اسم آليكساندر ليُرفَق باسمه و يُصبح بعيدًا كل البعد عن منزل آشورا.

بعد ربع ساعة كان لا يزال جالسًا فوق المقعد الفروي أمام المكتب الخاص بمكتب المدير و الذي كان جالسًا بالمقابل بينما مُنشغل بقراءة بعض الملفات .

كان متوترًا و رغم ذلك التفت نحو المدير يُخاطبه بنبرة مترددة:
" أستاذ؟ .. هل أبي سيأتي؟."

همهم المعني دون النظر إليه فرافق حديثِه يقول :
" لما حادثته هو؟ .. عمي آكيرا موجود بالفعل. "

_" عمك آكيرا من تحدث إليه و ليس أنا. "

نطق دون أن يرفع عيناه على ما في يدِه، في حين قد عبس المعنيّ ، فعمه آكيرا يُعد أكبر إزعاج له في حياتِه!

لازم الصمت بعد ذلك ، حتى مر الوقت بهما ببطء شديد، ليتفاجأ بأن الباب يُطرق فجأة، نبضِه تعالى بقلق، لكنه لزم السكون و المدير يطلب من الطارق أن يدخل.

فُتح الباب و أغلقَهُ خلفه، ثم سار خطواتٌ يسيرة نحوهما قبل أن يجلس على المقعد المقابل لابنه الذي تحاشى النظرات عنه بخجل.

رمقه آرين بصمت للحظة ثم نظر للمدير يبتسم:
" مرحبًا أستاذ؟ .. ها أنا هنا، ما هي المشكلة؟ "

اعتدل المعني يُرحب بآرين ثم أجاب:
" المعلمون يشتكون من شروده و عدم انتباهه لهم، حتى أستاذ آكيرا بنفسِه انضم لشكواهم .. طلبنا حضورك لنجد حلًا، فربما هناك مشكلة يُعاني منها ابنك تجعله يفعل ذلك؟ "

همهم آرين بتفهم ينظر لإبنه و يُوجه له ضفة الحديث:
" آش، هل أنت بخير؟ "

أومأ دون النظر:
" أجل أبي."

بعد ساعة بالتقريب لحل تلك المشكلة، ها هو يخرج برفقة والدِه الذي طلب من المدير أن يأخذه للمنزل و قد وافق، لذلك انفصل آش ليُحضر حقيبتِه و يذهب.

حينما عادا للشقة، سار آش نحو الأريكة و رمى بنفسِه فوقها يُحدق في السقف، بينما اختفى والدِه في غرفتِه ، ظل لعديد من الدقائق حتى أُسبل جفناه و غفى.

مرت الساعات به و هو نائم حتى بدأ يُدرك البرد بينما يلتف حول جسده كالأفعى، تململ في مكانِه يجذب بأنامله الغطاء الثقيل ، يفتح عينيه يستشعر مكان دافئ و طريًا، لمح بنظر مشوش زاوية من غرفتِه، ثم انتبه على وجودِه في حجرتِه وسط سريرِه ، استلقى على ظهرِه يُحدق بالسقف قبل أن يُجعِد جبينه و أنفه يشتم رائحة طعام ذكية، فابتسم .. فلابد من أن والده يُعد له الطعام!

نهض عن سريرِه بخطى هادئة، يخرج منها و يتجه ناحية المطبخ، و مع دخولِه توقف مع حركة السكين التي سقطت أرضًا مُصدرة صوتًا مزعجًا ، و رغم ما عليه الا أن ابتسامته اختفت و ارتعش جسده يتذكر ذكرى أليمة لنفس الموقف! فأشاح بوجهه بعيدًا يُغلق عينيه.

بينما يلتقط آرين السكين لمحه واقفًا، فعقد جبينه بقلق يضع السكين جانبًا و ينتقل إليه مناديًا:
" آش! .. "

أمسك بكتفيه ليهتف بقلق أكبر:
" آش لما ترتجف؟ .. هل أنت بخير؟! "

اقترب من والده يحتضنه ، يُحاول تمالك أعصابِه المنهارة، لكن جسده ازداد تشنجًا و تلك الذكرى تقتحم وعيه بلا إرادة منه... يشعُر بألمها الآن بكل تفاصيله!

مسح على خصلاته و أجبره على السير للداخل ، أجلسه على الطاولة و جلب له كأس من الماء، أخذه الأصغر منه بيد ترتعش مما جعل آرين يدعمه بامساكها بينما يرتشف الماء دفعة واحدة، أبعدها يُمرر يسراه على خصلاتِه برفق حتى شعر به يهدأ تدريجيًا.

دنى منه يسأله بلطف:
" هل رأيت كابوسًا يا آشو؟ "

نفى برأسه و همس:
" لا يا أبي .. لكن السكين و الصوت ... لا أفهم ما يحدث! "

حاوط جانبي وجهه بيديه مضطربًا ، فوضع الأكبر كفيه فوقهما و جعله يلتقي بعيناه بينما ينطق بثقة:
" اسمعني صغيري ، كل شئ قد يؤذيك، سوف أحميك منه."

سكت للحظة ثم أضاف مشجعًا:
" تعال، لنُغادر لغرفتك. "

في الغرفة جاورُه في لطف، الفتى اكتفى بالاستناد على كتفِه يُغمض عينيه بيأس، فيبدو أنه لن يتخطى كل ما حدث له من قبل! سيظل ماضيه بقعة سوداء في حياتِه...

_" قبل سنتين ، تقريبًا بعد موت فريد.. "
بادر بالكلام شاردًا، عيناه رغم تحديقها بالفراغ لكنها تضيق و كأنها ترى ما حدث ذلك اليوم بتفاصيله المُقيتة!

مسح على خصلاتِه يحتضنه لجسدِه و الأصغر يُكمل بنبرة تخللها البكاء و الضعف:
" كنت أحب فريد جدًا، لقد كان والده يعمل في قصرِ سامويل و حينما كان يأتي معه تعرفت عليه، و أحببته كثيرًا، كنت أعتبره أخي! .. لكن ذلك لم يُعجب سامويل، و قتله أمامي .. جعل رجاله يدفعون به من الطابق الخامس أمام ناظري مانعين إياي من اللحاق به أو مساعدتِه! .. كما و قتلوا والديه قبله .. لقد كان الأمر بسببي يا أبي! .. تسببت بموتهم لأنني أحببتهم فقط! ... "

سكت حين غلبته عاطفته ، تشنج فكه و هو يبكي في حضن والدِه الذي لانت ملامحه بحزن على طفلِه، ما لبث أن أكمل ببعض القوة :
" بعد ذلك اليوم حبسني بالقبو القذر الذي كان يتركه عفنًا مليئ بالجرذان لأجل إرعابي كلما يقودني إليه كعقاب! .. بقيت ثمانية أيام دون طعام أو ماء و دون رؤية لأشعة الشمس .. كنت حزينًا على صديقي،و لم يدعني أحزن عليه، لم يترك لي الوقت الكافي لأبكي لأجله! .. ضربني بقسوة حتى امتلأ جسدي بالكدمات و الألم، كنت خائفًا منه و رغم ذلك قاومته بسبب نوبة غضب غير متوقعة مني ..."

ابتعد عن والده يسأله بشرود:
" تعرف ماذا فعل بعدها؟ ..."

تلاقت أعينهما للحظات قبل أن ينزل آش بعيناه نحو الأسفل، يجذب بأنامله قميصه المدرسي الذي لا زال يرتديه و كشف عن جسده، توسعت عين آرين ما ان لمح جرح طولي عميق يظهر به أثار لخياطة جراحية قبل أن يُغطيه آش مجددًا، رادفًا بهدوء مُفاجئ:
" ذلك اليوم جاء منتصف الليل بسكين حادة، كنت قد فقدت قواي بعد سبع أيام من المعاناة مع الجوع و العطش، و رغم ذلك استغل ضعفي و ثبتني أرضًا .. كنت مرعوبًا جدًا منه، فأثار الخمر كان يخرج من فاهه! . . حاولت الصراخ على أمي لعلَّها تُساعدني أو أي أحد! أي أحد يُنقذني من تلك المأساة و الخوف! .. لكن لا أحد فعل! لا أحد جاء بينما أشعر به يشُق خصري بالسكين بينما يضحك بجنون، كان مؤلمًا! .. مؤلمًا بشدة! .."

سكت يشعر بأنفاسِه تضيق، ترتعش نبضات قلبه و أنامله تتمسك بكنزة والده، ثم شهق بالبكاء ، يتذكر تدخل والدته و رغم ما فعله به لكنها فقط لم تذهب به للمشفى خوفًا على حدوث أمر سئ لسامويل!

لقد استيقظ ذلك اليوم بغرفتِه و بقى شهرًا يتألم من جرحه لمنع سامويل عنه المهدئات و مسكنات الألم! لدرجة أنه كان يمزق أكمام ملابسه بأسنانِه من شدة ألمه!

مسح آرين على خصلاتِه يُهدئه، لا يعلم لما ابنه تحدث فجأة و رغم ذلك و رغم تعبه الذي يشعر به الآن لكنه يشعر بالراحة لتحدثه عن أمر كهذا معه، فاخفاء الألم أشد من الألم نفسه! .. و هو يُدرك فِعليًا أنَّ آش يُخفي أمورًا تُرهق قلبِه!

تلك الليلة غفى جوارِه، و توالت الأيام بعد ذلك، ابتعد فيها آش عن الجميع و انعزل مع نفسه، كان اندماجه مع والده و عمه مجرد فرضية مفروضة عليه، شئ ملزم بفعلِه، و هما لم يجادلاه بالأمر، يتركان له مساحته الشخصية و وقته حتى يعتاد على ألمه النفسي!

لقد ظن الجميع بذلك عودة الهدوء لحياتهم ، و لكنها كهدوء ما قبل العاصفة، حيث تجتاح العاصفة كل شئ لتدمر كل ما في طريقها!

بعد شهر تقريبًا، كان لا زال صورة شقيقه الأصغر تطرق عقله مرارًا و تكرارًا .. لم يكن يتوهم كما و ذلك الرجل في المدرسة كذلك .. رغم ذلك هو لم يتكلم عنه لوالده او حتى عمه! .. أو ربما هو لم يجد الفرصة ليتكلم!

كان جالسًا في مقعده الدراسي ، حينما أطل ذلك الرجل مجددًا، كان لا يُبادله النظرات منذ دخل، لكنه في وقتٍ ما قبل خروجه وضع له ظرفًا أمامِه ثم ابتسم له و خرج .. سمع همسات الطلاب حولِه لكنه لم يهتم بينما يخرج من الصف بما أنهم في استراحة الغداء.

في مكانٍ ما بعيدًا، في ركن هادئ قام بفتح الظرف، ضاقت عينيه بغضب حين قرأ تلك الكلمات، و رغم ذلك فقد امتزج غضبه ببعض الخوف!

أبعد الرسالة يعُض شفتيه في قلق قبل أن يستسلم للقرار أخيرًا، لذلك التفت يعود أدراجه نحو صفه!

نهاية اليوم كان هناك سيارة سوداء تنتظره أمام المدرسة، عمه آكيرا لم يأتي اليوم أيضًا و هذا سئ بحق!

قبل أن يقترب من تلك السيارة أو يخرج خارج أسوار المدرسة أخرج هاتفه ، عبث به للحظات ثم أغلقه و وضعه داخل شق في سترتِه قد مزقه كي لا يجد أحدًا الهاتف معه!

حين خرج بعدها يقترب من تلك السيارة، لمح سيارة والده آتية داخلها السائق فقط، تبادل مع السائق النظرات قبل وقوفِه و سير آش نحو سيارة مجهولة بلونها الأسود!

و تحت أنظار السائق الذي خرج مسرعًا من سيارتِه، ابتعدت تلك السيارة الذي استقلَّها آش، هو أسرع فورًا ليستقل سيارة آرين يسير خلف السيارة، لكن في النهاية اختفت !

*
*
*
يتبع..

لنتوقف هنا .. البارت قبل الأخير و الرواية في نهايتها 💔✨

الآن ما هي توقعاتكم؟

ماذا سيحدث لآش؟

سبب غياب آكيرا؟

ماذا سيحدث لرين؟

المشهد؟

أي أسئلة؟

نقد؟

و الآن آراكم مع أخر بارت من الرواية ❤️✨

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top